الأربعاء، 27 مارس 2019

أول من نادى باعتماد خط طول مكة المكرمة بدلا من جرينتش العلامة علوي بن طاهر الحداد (ت 1382هـ)


في سنة 1359هـ/ 1940م
أطلق العلامة المفتي السيد علوي بن طاهر الحداد (ت 1382هـ)
نداءً باعتماد خطوط الطول المتعامدة مع مكة المكرمة
بدلا من خط جرينتش الوهمي

بقلم / محمد باذيب
21 يناير، 2013


في حدود سنة 1358هـ/ 1939م، شرع العلامة الفذ، علوي بن طاهر الحداد، عقب استقراره في ولاية جوهور ببلاد الملايو مفتياً لها، منذ سنة 1352هـ/ 1932م، في تأليف كتابه العظيم النفع والفائدة «الشامل في تاريخ حضرموت»، وابتدأ في طبعه في سنغافورة في السنة التالية، وطبع معظم الجزء الأول.



ولكن ظروف الحرب العالمية الثانية، التي استهدفت فيها طائرات الحلفاء جزيرة سنغافورة، حيث كان الطبع يجري على قدم وساق، لكونها حاضرة الأرخبيل الملايوي في ذلك الحين، فأتت القنابل الساقطة عشوائيا على تلك الجزيرة الحالمة على كل مظاهر الحضارة فيها، وأتت قنبلة ضالة على مطبعة أحمد (Ahmed Press) التي كان موقعها في شارع الملكة فكتوريا، فاحترقت المطبعة بما فيها، وكانت بداخلها مسودات بقية الجزء الأول، وبعض الجزء الثاني أو أكثره، كما أخبرني الأستاذ القدير السيد أحمد عمر بافقيه (ت 1426هـ/ 2005م) رحمه الله، وكان مشرفاً على طبع الكتاب(1)، فحُرم طلاب المعرفة، ورواد الثقافة الأصيلة، والباحثون، منهلا عظيماً من مناهل العلم، متمثلا في هذا الكتاب، الذي صب فيه مؤلفه عصارة سنين من الاطلاع والقراءة والبحث، والتجوال، والجمع لنوادر النصوص والمصادر المخطوطة والمطبوعة، والحمدلله على كل حال.
مقدمة في الجغرافيا:
أورد العلامة الحداد، في مقدمة كتابه، خلاصة نافعةً جداً في علم الجغرافيا، وهي حرية أن تستل من ذلك الموضع وتفرد بالنشر، وتدرس كمقدمة لطلاب الأربطة والمعاهد الشرعية، الذين عادةً ما يعرضون عن دراسة العلوم العصرية، ولا ينظرون في مؤلفاتها، فيظلون جاهلين بها، فهناك الكثيرون من الناس لا يدفعون بأبنائهم إلى المدارس الحكومية العصرية، ويبقون عليهم في المعاهد الشرعية، وهذا عمل طيب، ولكن عندما نجد الكثير من القدوات والعلماء المتبحرين في علوم الشريعة، على علم ودراية بمستجدات العصر، نعلم علم اليقين أن هذه العلوم لا تتنافر ولا تتنافى، وهذا العالم المتبحر الواسع الاطلاع نموذج حي بين أيدينا.
دراسة خطوط الطول والعرض:



في (صفحة 30) من كتاب «الشامل»، من طبعة سنغافورة، تحدث العلامة الحداد عن خطوط الطول والعرض، بحسب المراجع والمصادر الجغرافية التي توافرت بين يديه، وكان قد قرأ على شيخه العلامة أحمد بن حسن العطاس (ت 1334هـ/ 1915م) كتاب «النخبة الأزهرية في علم الجغرافية»، لأحد علماء مصر في ذلك العصر، وشيخه العطاس من بحور العلم والعرفان، وهو خريج الحرم المكي الشريف، كما هو معلوم في ترجمته، فقد كان الحرم المكي في زمن السيد الإمام أحمد زيني دحلان أشبه بجامعة تدرس فيه شتى العلوم والمعارف الإنسانية، ولم يكن التدريس مقتصراً على الفقه والحديث وعلوم الشريعة كما يظن البعض.



فمن هنا نعرف حقيقةً هامة، وهي أن علماء الإسلام في كل وقت وأوان، كانوا هم الحاملون رايات التجديد، ورايات التوسع المعرفي، ولم يكونوا كما تصورهم بعض المجتمعات، أشبه بالرهبان العاكفين في الصوامع، ومن طالع تراجمهم وسيرهم ومؤلفاتهم، عرف تلك الحقيقة، فعسى الله أن يعيد للحرمين الشريفين ذلك الوهج العلمي المتألق، الذي خبا نوره، وأطفئت شعلته.
مكة هي الأجدر بالاعتماد كخط طول عالمي:
وهنا نورد كلام العلامة الحداد، الذي هو حري بأن يكون الأسبق من علماء المسلمين المعاصرين، الذين أطلقوا نداءهم بأن تكون بلد الله الحرام، مكة المكرمة، هي محور العالم باعتمادها خط الطول العالمي الذي تقاس به المواقيت العالمية، وليس خط جرينتش أو غيره.
قال رحمه الله:
«وقد جعل الأولون ابتداءَها، أي خطوط الأطوال، من البحر الأطلانطيقي، الذي هو غرب بلاد فارس ومرّاكش، من جزائر هناك تسمّى الجزائر الخالدات، أو جزائر السعادة. ومنهم من ابتدأ بساحل بلادِ المغرب، والفرقُ بينهما عشرُ درَجٍ. ولكن علماء التقويم الآن جعلوا الابتداء من خط الزوال للمحلّ الذي أرادوا أن يبتدئوا بالعدّ منه، ويعدونه منشأً لها. فدولةُ فرنسا اعتبرت الخط المارَّ برَصْد خانة باريس منشأ ومُبتدأ خطّ الأطوال. ودولة إنجلترا جعلت ذلك من الخطّ المارِّ برَصْد خانة جرينْ رتش، بالقرب من لَوندرَهْ، ودولة ألمانيا بالخطّ المارّ ببرلين، ومصر بالخطّ المار بأكبر أهرام الجيزة، وهكذا، وحبّذا لو جعلَ المسلمون خطّ الزوال المارِّ بالكعبة المشرفة، وهي قبلتهم، منشأً لخطوط الأطوال، ولعل ذلك يكونُ إذا قدّر الله لهم حياةً علمية وسياسيةً، وإلى الله ترجع الأمور»(2).
ختاماً؛
أرجو أن أكون بهذا قد لفتّ النظر إلى مكانة هذا العالم الجليل، وإلى فكرته التي سبق بها الكثيرين من الفلكيين والجغرافيين المسلمين المعاصرين، الذين أطلقوا نداءً مثل ندائه، وبهذا أمرنا، لأنه من إنزال الناس منازلهم، والله الموفق والمعين.

الهوامش:
(1)  باذيب، محمد أبوبكر، السيد أحمد عمر بافقيه من رواد الصحافة العربية في القرن العشرين، (الأردن، دار الفتح للدراسات والنشر، 1425هـ): ص 43.
(2) الحداد، علوي بن طاهر، الشامل في تاريخ حضرموت، مطبعة أحمد برس، سنغافورة، 1359هـ: ص 30.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق