من عظيم أخلاق
المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه كان حريصاً على ألفة المجتمع المسلم، حريصاً على وحدته،
فكان مع علمه بنفاق المنافقين، إلا أنه كان يتألفهم، ويبتعد عما يثير الخلاف فيما بينهم،
لرأب الصدع، ولتربية المجتمع على نبذ العداوة والحسد والغيرة، فبناء الإسلام لا يعلو
بالأحقاد، ولا بأسلوب تصفية الحساب.
وهاكم هذه
الحادثة الشهيرة في كتب السنة والسيرة ..
قام رجل من
المهاجرين بضرب رجل من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين،
فسمع ذاك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ما بال دعوى جاهلية؟، قالوا يا رسول
الله: كسع (= ضرب) رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة، فسمع
بذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها؟، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز
منها الأذل، فبلغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم - فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب
عنق هذا المنافق، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم -: دَعْه، لا يتحدث الناس أن محمداً
يقتل أصحابه .. رواه البخاري
وهذه واقعة
أخرى، عن جابر بن عبد الله، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن
بين الناس بالجعرانة، قام رجل من بني تميم، فقال: اعدل يا محمد، فقال: «ويلك، ومن يعدل
إذا لم أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل» قال: فقال عمر: يا رسول الله، ألا أقوم فأقتل
هذا المنافق، قال: «معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمدا يقتل أصحابه» ، ثم قال النبي
صلى الله عليه وسلم: «إن هذا وأصحابا له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من
الدين، كما يمرق المرماة من الرمية»(1)
مثالان رائعان
يصلحان لكل زمان ومكان في النظر إليهما بعمق، ليتعلم المرء، لاسيما صاحب القوة والبأس
والسلطان، والاقتداء بخير البشر، في كيفية التعامل مع الآخرين، لاسيما المخالفين وحتى
الأعداء أو المنافقين.
وهذه قصة
من واقع تراجم علماء المسلمين:
فمعلوم ما
كان بين العلامة المحقق الشيخ محمد عبدالحي اللكنوي (ت 1304هـ) وبين عصريه الأمير السيد
صديق حسن خان القنوجي البهوبالي (ت 1307هـ) رحمهما الله، من خلاف، وردود، بلغت من الشدة
الى حد كبير. حتى وصفها العلامة السيد عبدالحي الحسني في (نزهة الخواطر) بأنها تأباها
الفطرة السليمة!.
ومع ذلك
..
فعندما بلغ
الأمير (الملك مجازا) صديق خان، وفاة عصريه الشيخ عبدالحي، حزن عليه حزنا شديداً، وما
أكل الطعام في تلك الليلة، وصلى عليه صلاة الغيبة، وأعلن الحداد في عموم إمارة بهوبال،
نظراً إلى سعة إطلاعه في العلوم والمسائل(2).
هذا نموذج
مشرق مشرف من تعامل المسلمين مع بعضهم، سيما أهل العلم، وذوي المكانة الدينية، والهيئة
الإسلامية العامة.
فلنقارن حالنا
اليوم بحالهم ..
أيصح من مسلم
أن يجرح قلوب المكلومين على فقد عزيزهم بذكر مخالفته له؟
أين ذهبت
هيبة الموت وقشعريرته ورجاء الخير لمن مات على الإسلام؟
فضلا عن أن
يكون الميت ممن شاب في الإسلام وبلغ حد تسميته عتيق الله في أرضه؟
إن نقد الأفكار،
وتحليل المواقف، والصدع بالبيان فيما يرى فيه خلاف أو شق لعصا المسلمين، أمر مطلوب،
بل هو واجب العلماء والمفكرين والدعاة، ولكن عليهم أن يكتبوا كتابات مستفيضة، ويقوموا
ببسط أفكارهم وما يريدون إيصاله للآخرين بعرضها عليهم، مختتمة بنتائج بحثهم في أفكار
الأشخاص المنتقدين. لا أن يختزلوا أفكاراً، ربما كانت مسبقة، عن أشخاص، دون القيام
بتحليل الأفكار والاطلاع على كل التراث المكتوب.
فكل يؤخذ من كلامه ويترك، وما هناك معصوم إلا أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وتسليماته، ولكل مسلم غيور الحق في رد ما يراه ويطلع عليه مما يخالف فيه كاتبه أو قائله، لكن مع العدل والإنصاف، وذكر المحاسن، وعدم غمط الفضل لأهله.
إن الذي أصابنا من توتر في مجتمعنا الإسلامي، وفي حياتنا العامة، كان بسبب ضيق الصدور عن استيعاب المخالفين، والنظر الى النفس نظرة فيها بعض التعالي أو التنزيه للذات عن العيوب، بعيداً عن هضمها واحتمال صواب الغير وخطأ النفس. كما كان عليه السلف الصالح، وكلام الإمام الشافعي شهير في الباب، حيث قال رحمه الله: كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب.
فكل يؤخذ من كلامه ويترك، وما هناك معصوم إلا أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وتسليماته، ولكل مسلم غيور الحق في رد ما يراه ويطلع عليه مما يخالف فيه كاتبه أو قائله، لكن مع العدل والإنصاف، وذكر المحاسن، وعدم غمط الفضل لأهله.
إن الذي أصابنا من توتر في مجتمعنا الإسلامي، وفي حياتنا العامة، كان بسبب ضيق الصدور عن استيعاب المخالفين، والنظر الى النفس نظرة فيها بعض التعالي أو التنزيه للذات عن العيوب، بعيداً عن هضمها واحتمال صواب الغير وخطأ النفس. كما كان عليه السلف الصالح، وكلام الإمام الشافعي شهير في الباب، حيث قال رحمه الله: كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب.
وعن نفسي
.. كنت أسمع في مجتمعي، من كثير من الناس، ذكر أشخاص من العلماء والأعيان، يرمونهم
بالتشيع، وببغض الصحابة، والبعض بالتوهب والتكفير، ثم لما اتسعت في البحث، وطالعت مؤلفات
أولئك الأشخاص، وجدت البون شاسعاً، والفروق كبيرة، بين ما يشاع عنهم، وما هم عليه حقيقة.
فما عدت أصدق كل ما يقال، ولا أكتفي بقراءة بعض المؤلفات، ومن لم أقف على كل أعماله،
فإني أتجاوز الحديث عنه، والحكم عليه، والتحليل لشخصيته وفكره إلا بعد اكتمال حضور
أعماله بين يدي. لأني إن تحدثت عنه قبل الاستقصاء أجرمت في حقه، وظلمته.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين
الهوامش:
(1) مسند
أحمد مخرجا (23/ 123).
(2) المصدر:
نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (8/
1269)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق