الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

حقيقة كتاب سكان مكة بعد انتشار الإسلام المنسوب للمؤرخ عبدالله غازي المكي بقلم د. محمد أبوبكر باذيب


حقيقة كتاب سكان مكة بعد انتشار الإسلام

المنسوب للمؤرخ عبدالله غازي المكي

بقلم د. محمد أبوبكر باذيب

 

أصل هذا الكتاب إنما هو من تأليف العلامة الأديب المكي جعفر بن أبي بكر اللبني الحنفي (ت 1340هـ/ 1921م)، وقد ذكره الأستاذ عاتق البلادي في كتابه (نشر الرياحين) في ترجمة اللبني بعنوان (تاريخ عوائل مكة)(1)، وتابع البلاديَّ في هذا الدكتور عبدُالعزيز السنيدي في (معجم ما ألف عن مكة المكرمة)(2).

الغريب في الأمر، أن كتابا صدر بعنوان (سكان مكة بعد انتشار الإسلام، عوائل مكة عبر العصور)، بتحقيق محمد الحبيب الهيلة، منسوباً إلى المؤرخ عبدالله غازي (ت 1365هـ/ 1945م)، صادرا عن دار القاهرة، 1426هـ/ 2006م، يقع في 65 صفحة.





اعتمد د. محمد الحبيب الهيلة في نشر الكتاب، كما ذكر في مقدمته، على نسخة خطية محفوظة بمكتبة جامعة الرياض (الملك سعود حاليا)، عنوانها (نبذة من كتاب إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام، لمؤلفه عبدالله غازي)، رقمها 782، في 19 ورقة(3). واعتمد في تسميتها باسم (سكان مكة بعد انتشار الإسلام)، على عنوان فرعي كتب على تلك النسخة(4).

إليكم الحقيقة:

تحقيق الأمر في هذا الكتاب: أنه من تأليف الأديب والقاضي المكي، جعفر بن أبي بكر اللبني، كما ذكر البلادي، ولكن فاته أن يذكر أنه ليس سوى قطعة مستلة من كتابه الكبير المسمى (الحديث شجُون شرح الرسالة الجدية لابن زيدون)، المحفوظة نسخته الأصلية بخط المؤلف، في مكتبة مكة المكرمة، تحت رقم 33 أدب، وهذه القطعة تبدأ من صفحة 61 وتنتهي في صفحة 87.

وعندما نعود إلى مقدمة كتاب (سكان مكة) المنسوب إلى الشيخ المؤرخ عبدالله غازي، تطالعنا عبارةٌ تقول: "أما بعد؛ فهذه نبذة لطيفة اقتطفتها من (إفادة الأنام بذكر أخبار بلد الله الحرام)، وهي هذه"، إلى أن يقول: "ذكر العلامة الشيخ جعفر بن أبي بكر بن جعفر لبني، في (شرح الرسالة الجدية لابن زيدون)، بعد ذكر أمر قريش وخزاعة وما وقع بينهم، ما نصه: ..." (5)، الخ. فالمؤرخ غازي صرح تصريحاً جلياً لا مرية فيه أن الكلام الآتي كله منقول عن الشيخ جعفر اللَّبَني، ولم ينسبه لنفسه، جرياً على الأمانة العلمية ونسبة الكلام إلى صاحبه.

وبهذا يتبين أن هذا الكتاب أو هذه النبذة، ليست من تأليف عبدالله غازي، وإنما نقلها في كتابه (إفادة الأنام)، ناسباً إياها إلى مؤلفها الحقيقي جعفر اللبني، وقد اعترف الهيلة في مقدمة الكتاب بقوله: "كتاب سكان مكة بعد انتشار الإسلام، هو الكتيب الذي نقدمه محققاً، لم ينسَب إلى مؤلفه في مختلف المصادر التي ترجمت للشيخ الغازي"(6).

فيا للعجب من صنيع الدكتور الهيلة، لم يقرأ مقدمة غازي جيداً، ونسب الكتاب إليه نسبة خاطئة، وغير اسمه وعنوانه وتصرف فيه تصرفاً منافياً لكل قواعد تحقيق النصوص. ويقول في مقدمة تحقيقه ما نصه: "إلا أن وجود هذا المخطوط الصغير بعنوانه ونسبته للمؤلف، وما ورد في مقدمته، يقوم دليلا على ثبوت نسبة الكتاب"، إلى أن يقول:"وفي ذلك ما يدل على أنه كتيب منفرد وضعه المؤلف جامعاً لنبذة لطيفة من كتابه الكبير في تاريخ مكة"(7).

إن ما استدل به الهيلة من نسبة الكتاب إلى الغازي في فهارس مكتبة جامعة الرياض [الملك سعود حالياً]، لا يصلح دليلاً البتة، وكم في الفهارس من أخطاء في نسبة الكتب إلى غير مؤلفيها، والشواهد على ذلك بالمئات، ويكفينا شاهداً ما نحن بصدده هنا، ويكفينا دليلاً صريح الشيخ الغازي أن الكلام منقول عن اللبني.

دليل آخر ضمن نص الكتاب:

ورد في (صفحة 32، من طبعة الهيلة) ذكر بيت الريس، فعلق المحقق في الهامش بأن هذه الفقرة المخصصة لبيت الريس لم ترد في كتاب (الحديث شجون)، كأنه يريد أن يدلل ويؤكد على صحة نسبة الكتاب إلى الغازي، وليس للَّبني.

ولكن قول المحقق غير صحيح، فقد ورد ذكر بيت الريس في مخطوطة (الحديث شجون) في (صفحة 61)، والغازي نقل كلام اللبني بنصه من ذلك الموضع.

فبطل الدليل الذي أراد الهيلة الاستقواء به ..

خلاصة القول:

1- إنّ مادة كتاب (سكان مكة) إنما هي من تأليف القاضي جعفر اللبني، وجميع ما ورد فيه من الفوائد العلمية والتاريخية هي من صوغ قلمه، ومن محفوظه ومعارفه الواسعة، ولم يرجع إلا إلى مصادر معلومة يسيرة، يعلم هذا جليًّا بالوقوف على أصل الكتاب.

2- إطلاق اسم (سكان مكة) أو (تاريخ عوائل مكة) على تلك القطعة المستلة من كتاب (الحديث شجون) إطلاق غير صحيح، وكان يجب على من استلها أن يصفها أو يسميها بوصف واضح ليس فيه اشتباه، كأن يقول: (قطعة مستلة من كتاب الحديث شجون للقاضي جعفر اللبني في تاريخ الأسر المكية الشهيرة)، أو أي عبارة نحوها تنسب العلم لأهله.

3- للشيخ عبدالله غازي المكي فضلٌ لا ينكر، في إشهار تلك القطعة، وترتيب بعض موادها التي وردت في غير مظنتها، كما في (مادة بيت الريس)، فيمكن أن ينسب إليه ذلك ويذكر دوره إلى جانب المؤلف الأصلي.

4- طبع حديثاً كتاب (الحديث شجون) للقاضي جعفر اللبني رحمه الله، فيمكن للباحثين الرجوع إليه والنقل عنه مباشرة.





هذا ما قصدت إيضاحه، إعادة للحق إلى نصابه، وبياناً للخلط الذي وقع فيه كثير من الباحثين، وأولهم الدكتور الهيلة، رحمه الله وغفر لنا وله، ولا ننسى فضله وأياديه على البحث العلمي، وما هذا إلا قياماً بواجب العلم.

 

 

الهوامش:

1-   البلادي، عاتق بن غيث، نشر الرياحين في تاريخ البلد الأمين، تراجم مؤرخي مكة وجغرافييها على مر العصور، جـ1 (مكة المكرمة: دار مكة للنشر والتوزيع، 1415هـ/1994م)، 108.

2-   السنيدي، عبد العزيز بن راشد، معجم ما ألف عن مكة المكرمة عبر العصور، (الرياض، دار الملك عبدالعزيز، 1429هـ)، 194.

3-   غازي، عبدالله، سكان مكة بعد انتشار الإسلام، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، (القاهرة، دار القاهرة، 2006م)، 14.

4-   وردت هذه النبذة بتمامها في كتاب (إفادة الأنام بذكر أخبارا لبلد الحرام)، تأليف عبدالله غازي، تحقيق عبدالملك بن دهيش، جـ6 (طبعة خاصة، 1430هـ/ 2009م)، 336-390.

5-   غازي، 15.

6-   غازي، 12.

7-   غازي، 12.

 

 

محمد باذيب

 

الاثنين، 16 يناير 2023

ملاحظات على كتاب (التاريخ والمؤرخون في مكة) تأليف د. محمد الحبيب الهيلة

 ملاحظات على كتاب (التاريخ والمؤرخون في مكة)

تأليف د. محمد الحبيب الهيلة

 

بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب

الطبعة الثانية لكتاب (التاريخ والمؤرخون في مكة المكرمة) تأليف د. محمد الحبيب الهيلة (ت 2019م) رحمه الله.




تمتاز هذه الطبعة بزيادة أعلام من القرنين الرابع والخامس عشر الهجريين.  تبتدئ الزيادة من ص 546، من ترجمة السيد أحمد زيني دحلان (ت 1304هـ) ورقمها 205. وتنتهي بترجمة المؤرخ عاتق البلادي (ت 1431هـ) ورقمها 293.  فعدد التراجم المزيدة: 88 ترجمة.

الطبعة الأولى:





والكتاب صدرت طبعته الأولى عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن، سنة 1414هـ/ 1994م، وكان عدد تراجمه 187 ترجمة، تنتهي بأبي بكر الزرعة المكي، وأصبحت ترجمته في الطبعة الثانية برقم 189. وقد أدخل فيها تعديلات وزيادات جمة، وحدد تاريخ وفاته في 1262، بعد أن لم يكن محدداً في طبعته الأولى. كما لم يذكر في الطبعة الثانية ما الذي زاده وأضافه على مادة الطبعة الأولى، فيحتاج أن يقوم باحث بالمقارنة بين الطبعتين، والكتابة في ذلك.

لاشك أن الكتاب مهم، وقد أصبح مرجعاً للباحثين، وجهد المؤلف مشكور، ولكن لا يخلو عمل بشري من تعقبات وملاحظات، وهذه ملاحظات سريعة استوقفتني، ورأيت أن من واجب النصح للعلم وأهله أن أدونها، وهي بنت وقتها، لم أقصد منها الاستيعاب، وإلا فهناك ملاحظات عديدة قد يكون لاحظها غيري، ولو تفرغ باحث معتن بذلك لاستخرج الكثير، لاسيما مع تقدم وسائل المعرفة وسهولة الحصول على المعلومات وتوثيقها اليوم.

فقد لاحظت التالي:

- أن المؤلف اعتمد في تراجم بعض المعاصرين على شبكة الانترنت وموقع الويكيبيديا، وهذا أمر معيب، فأ بو تراب الظاهري (مثلا) كتبت في سيرته وأدبه مؤلفات مطبوعة، ولكن يبدو أن استعجال المؤلف في إخراج الكتاب لم يمهله أن يرجع الى المراجع المطبوعة، وهو أمر معيب، ولا يليق بتاريخ أم القرى، مكة المكرمة، ورجالاتها.

 

- اقتصر في تراجم بعض الأعلام المشاهير على مراجع لا تليق بأقدارهم، ففي (ص 555) ذكر الشيخ محمد نواوي الجاوي، وبخسه حقه وترجمته، ورجع في ترجمته الى كتاب السنيدي المعاصر، ومخطوط الدهلوي (فيض الملك المتعالي)، وقال بالحرف الواحد: (ولم نعرف له ترجمة موفية بالغرض)! سبحان الله، كان بين يدي المؤلف أهم مراجع ترجمة الجاوي، فقد ترجم له مرداد والغازي والزركلي، وغيرهم، وسردوا أسماء مؤلفاته، بل ذكر سركيس في معجمه ما طبع منها، وهو من مراجع المؤلف. إنه الاستعجال وعدم الإحاطة والنظرة الشمولية للتاريخ المكي ورجالاته، والاكتفاء بالنظر السريع. وهو أمر مؤسف.

ثم كيف يرجع الى مخطوط الدهلوي، وقد طبع الكتاب سنة 1429هـ/ 2008م، وهذه الطبعة الثانية صدرت سنة 1438هـ/ 2017م، أي أن كتاب الدهلوي قد مضى على طبعه حوالي عشر سنوات! كيف لم يرجع الى المطبوع؟ بل كيف لم يحدث بياناته عن كتاب من التراث المكي التاريخي طبع وانتشر وهو لا يعلم! أمر غريب جداً.




 

- في (ص 555) ترجمة أبي بكر شطا المكي (ت 1310هـ)، نسب له كتاباً بعنوان (عمدة الأبرار في أحكام الحج والاعتمار). وهذا خطأ، فالكتاب من تأليف علي بن عبدالبر الونائي (ت 1212هـ) وعليه شروح وحواش معروفة.

 

- في (ص 559) ترجمة عبدالله بن عباس صديق الحنفي (ت 1325هـ)، نسب له كتاب (الأسر القرشية أعيان مكة المحمية)، وهذه النسبة خاطئة تماماً. لأن مؤلف الكتاب المذكور رجل معاصر لعله لا يزال على قيد الحياة، وليس لصاحب الترجمة.

 

- في (ص 578) ترجمة الشيخ جعفر لبني (ت 1340هـ)، ذكر له كتابا سماه (تاريخ عوائل مكة)، وهذا غير صحيح، إنما تلك المعلومات عن عوائل مكة استلت من كتابه (الحديث شجون شرح الرسالة الجدية لابن زيدون) وقد طبع الكتاب. فلا يصح نسبة (المستلة) الى الشيخ غازي، ولا الى اللبني الا بذكر أصلها (الحديث شجون).

 

هذا ما تيسر جمعه في هذه العجالة، ورحم الله الدكتور الهيلة وأثابه على ما قدم، وغفر لنا وله الزلات والهنات، ونسأله التوفيق لإجادة الأعمال وإتقانها وإعطائها حقها من العناية والجهد، والله الموفق.

 

كتبه محمد باذيب

الاثنين 23 جمادى الآخرة 1444

16 يناير 2023م

الأحد، 11 سبتمبر 2022

صبوح خفيف مع معاتب عنيف


 صبوح خفيف مع معاتب عنيف

(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق)

 

عقب استماعي (بصعوبة) للندوة التي أقيمت في المكلا بالأمس عن بعد (Live)، كتبت إشادة بما استحسنته من الأوراق البحثية المقدمة، وخصصت منها ورقتين، استمعت لبعضهما كما ذكرت، ولكون الصوت كان يصل متقطعاً تقطعاً كثيراً، لرداءة التغطية وضعف شبكة الانترنت، فقد صعب علي الاسترسال في الاستماع حفاظا على الوقت، فاكتفيت بما سمعت. وكان مما لفت انتباهي كلام أحد المحاضرين عن (تاريخ شنبل) وطبعاته، فظننت أن الأخ الباحث لم يقف على الطبعة الأخيرة من ذلك الكتاب، التي رجع فيها محققه إلى المخطوطة الأقدم من نسخه. فكتبت ملاحظة أردت فيها لفت النظر إلى تلك الحيثية، ولكن اتضح لي من تعقيب الأخ المحاضر أن فهمي لم يكن صحيحاً، وأنه قد اطلع على الطبعة الحديثة، فحمدت الله على ذلك، وهو اللائق بأمثاله ممن يعمل في حقل التراث أن يطلع على كل جديد في مجاله.

ولكن الغريب في توضيح الأخ الباحث، تلك اللهجة العنيفة التي استهل بها منشوره التوضيحي، والأسلوب غير المعهود من أمثاله من حملة القلم وخدمة التراث، فلم يكن في كلامي أدنى (اتهام) بل هو مجرد (لفت نظر)، وكان يكفيه أن يوضح أنه اطلع على الطبعة الجديدة، ويكتفي بذلك، ولكن لله في خلقه شئون.

وقد استرسل الأخ المحاضر في منشوره بكلام أدى إلى تساؤل لدى بعض القراء، كما تطرق إلى أمور أرى من واجبي إيضاحها، فلنمض على اسم الله.

 

الأمر الأول

قابل الأخ المحاضر ثنائي على ورقته البحثية مقابلة سيئة، لا تليق من مثله، لأني أثنيت على ورقته ونتائجها ثناء تستحقه، وهذا نص كلامي:

(وكانت ورقة د. عبدالنور ورقة ممتازة، لأنها فندت دعوى مؤلف الكتاب المذكور في اتهام مؤرخي حضرموت بالتزوير، ودعوى أن كتب مصادر التاريخ الحضرمي منحولة ومزيفة. فرد بالدليل القاطع لكل ريب أن تاريخ شنبل تاريخ معروف، وله نسخ مخطوطة قديمة، وأشار الى النسخة التي في مركز النور (مجموعة العلامة علوي بن طاهر الحداد التي تعود الى سنة 1033 هجري).

هل يريدني الأخ الباحث أن أتمثل بقول زهير:

ومن يفعَل المعرُوف في غَير أهله                يكن مدحُه ذمًّا عليه ويندَم!

لكني أرجُو أن لا أندم وأنا أعرَف بمواطن ثنائي، وما أكتبُه من كلماتِ نقْد أو إشادَة. فليصُن  هذا الأخ المعرُوف، وليكن من ذوي النفوس الطيبة التي تقابل الإحسَان بالإحسان.

 

الأمر الثاني

قال في تعقيبه: (ربما انك لم تستمع إلى المحاضرة جيدا أو لنقل انك تحب ان تعقب على شي قلناه واكدنا عليه).

أقول: يا أخي، دع سوء الظن، واقرأ ما يكتبه الآخرون بإمعان، وتريث في تعقيباتك، قلت في منشوري: (تابعت أكثر الجلسة ..)، الخ. ثم قلت: (وليعذرني بقية المحاضرين فقد كان الصوت ضعيفاً، ولم أتمكن من سماع الكل). هذا كله قلته أنا في منشوري، فكان عليك أن تعذر من قدم اعتذاره بين يديه. لا أن تتمادى في سوء الظن. ولستُ بالذي يستدعي النقد والتعقيب لأمر لو كان واضحاً لي لما كتبتُ فيه حرفاً. وما دعاني للكتابة إلا حبُّ الفائدة لي ولإخواني.

 

الأمر الثالث

قال: (نسخة مركز النور نسخت سنة ١٠٣٢للهجرة وليس ١٠٣٣بقلم ناسخها علي بن احمد بن عيسى بن محمد بن عبدالودود بن عبدالله الكثيري).

أقول: صحيح، النسخة كتبت سنة 1032، وليس 1033 كما في منشوري، الخطأ مني والعتب على النظر كما يقال.

لكن، وقع الأخ الباحث في مطبّ علمي في بقية عبارته، فمن سمَّاه (ناسخاً) ليس ناسخاً في الحقيقة، ألا يفرق الأخ الباحث وهو (محقق) عددا من الكتب التراثية، بين عبارة (كتب بقلم) و(كتب برسم)!

فإلى القراء وإلى أخينا الباحث درْساً في التفريق بين ذلك:

(1) عندما نجد في خاتمة المخطوط عبارة (كتبه بقلمه) أو (تم الكتاب بقلم فلان ..)، فهذا يفهم منه أن الكتاب جميعه كتبه ذلك الناسخ بقلمه، والخط الذي في المخطوط هو خطه، كما يعلم بداهة، وتوضحي الواضحات من المشكلات. لكن ننبه إلى أنه قد يحدث في بعض المخطوطات

(2) أما إذا وجدنا عبارة (كتب برسم فلان)، فهذه لا تفيد أن الكتاب بخط (فلان) الذي كتب الكتاب (برسمه)، وإنما تدل على أن (فلان) المسمَّى قد نُسخَ له ذلك الكتاب إما بأمره، أو بالتماسه، أو كُتبَ إهداءً له. والرجُل المسمَّى في نهاية مخطوط (تاريخ شنبل) وُصف بأنه (الصدر الأجل الأمجد الأوحد المولى علي ... الخ)، وتلك الألقاب والأوصاف تدل على وجاهة ومكانة سامية لذلك الشخص.

وهذا نصُّ حرْد المتن كما يعرف في علم الكوديكولوجيا، أو قيد الفراغ كما يعرف لدى المحققين: (وكان الفراغ من نساخة هذا الكتاب، يوم الخميس، خامس عشر من ذي القعدة الحرام، أحد شهور سنة 1032. كتب برسم الصدر الأجل الأمجد الأوحد، المولى علي بن أحمد بن عيسى بن محمد بن عبدالودود بن عبدالله بن جعفر، لطف الله به، آمين آمين).

وهذه صورة حرد المتن



فمن هنا نعلم أن قول الأخ الباحث (
بقلم ناسخها) .. قولٌ عارٍ عن الصحة، وبعيدٌ كل البعد عن (التحقيق) المرُوم لدَى المعتنين بالتراث والعارفين بقواعد تحقيق النصوص. فعليه أن يستدرك هذا الخطأ الشنيع، وأن يراجع معلوماته وينتبه لما تخطه يمينه.

 

الأمر الرابع

قال: (ثانيا ما زلت تتهم الباحثين والدارسين بأنهم غير مطلعين على النتاج العلمي والثقافي وخاصة الحضرمي كما ادعيت عليهم من قبل).

أقول: ما أشد عجبي من شخص يتشمم لمواطن التهم، متى أيها الرجل صدر مني ذلك الاتهام المزعوم؟! ومن هم (الباحثون والدارسون) الذين اتهمتهم بعدم الاطلاع على النتاج العلمي والثقافي خاصة الحضرمي؟

يا أخي، الكلام الذي تقصده وتشير إليه كان مخصوصاً مع شخص مخصوص، كنت أتحاور معه في هذه المجموعة (مركز الرناد للتراث والآثار)، والشخص الذي كنت أحاوره قال هو بنفسه معترفاً بتقصيره (بتاريخ 23 أغسطس 2022): (أنا لم أجدد معلوماتي فعلا ولم أقرأ المستجدات التي أشرت إليها)، وذلك جواباً لتنبيهي له أن نتائج الكلام الذي كنا نتحاور فيه قد كتبتها ونشرتها في كتاب صدر قبل هذا التاريخ ب14 سنة!. فما شأنك أنت في ذلك الكلام؟

ثم قلتُ في مداخلة لي في ذلك الحوار أيضاً (بتاريخ 25 أغسطس): (جميل تعليقك هذا .. كشف لي أن الناس وحتى النخب لا تقرأ بإمعان). هذه عبارتي بنصها وفصها. وأخونا الباحث كمن يتحسس البطحاء فوق رأسه، بل إن صنيعه هذا، ومنشوره العنيف يؤكد كلامي أبلغ تأكيد. لأنه قرأ ثنائي عليه بنظارة سوداء، فلم الثناء، وظن (لفت النظر) اتهاماً .. فيا أخي هون عليك، ما هكذا تورد الإبل يا ابن يسلم رعاك الله.

 

الأمر الخامس

قال: (وقد أشرت في الورقة إلى أن طباعة كتاب شنبل كانت ثلاث مرات والثالثة هي التي أشرت إليها . فكيف تتهمني بعدم الوقوف والاطلاع  عليها. والثانية كما قلت انها مصورة من الاولى. والأولى المعروفة بنفقة شماخ)

أقول: بارك الله فيك، والحمدلله أنك اطلعت، (ذلك ما كنا نبغي). وليس في كلامي اتهام، أيها الأخ، أفكلما كتب أحد نقداً أو تعقيبا عددتَه اتهاماً! ترفع عن هذه اللغة وهذه اللهجة، فأنت توقع منشورك بـ(أ.د)، فليكن كلامك لائقاً بهذا اللقب العلمي الرفيع.

 

الأمر السادس

قال: (نعم قلت إن الحبشي اطلع على مخطوط مركز النور المشار إليها وعمد على تصويرها. ولعله لم يجعلها اصلا أو أما للتحقيق).

أقول:

يارجل! تقول: الحبشي لم يجعلها أصلا للتحقيق! يا للهول! ما هذا الكلام؟ وما هذا الافتراء والتحامل على السيد الحبشي؟ بل ما هذا التعامي عن النظر إلى الطبعة الجديدة التي تزعم أنك اطلعتَ عليها .. انظر هنا، هذا كلامه بنصه وفصه، وحرفه ولفظه يقول في وصف النسخ الخطية التي اعتمدها في الطبعة الجديدة (ص 22): (الأولى مخطوطة (ع): وهي مخطوطة مكتبة العلامة علوي بن طاهر الحداد، المشار إليها آنفاً، وهي نسخة جيدة، جعلناها الأصل، وكانت الدافع لإعادة طباعة هذا الكتاب ...) الخ.




المحقق بنفسه يقول: (جعلناها الأصل)، وحضرة الباحث (أ.د) يقول (لعله لم يجعلها أصلا)! يقول هذا! وأنا بنفسي أرفقت في منشوري مصورة لمقدمة الطبعة الجديدة حتى لا يأتي أحد ويقول لم أطلع ولم أقرأ! وهي بين أيدي القراء، فليحكموا بأنفسهم، ولينصفوا.

وهذا رابط صورة المقدمة:

https://t.me/dr_Mohammad_Batheeb/5658

 

الأمر السابع

قال: (ولو كان كذلك لعمد اولا على تغيير عنوان الكتاب إلى عنوانه الأول)!

أقول: وما هو عنوانه الأول؟ أتظن أن وجود اسم على مخطوط لم يسمه به مؤلفه، ولم يثبت أنه سماه به، يصح أن نطلق عليه (عنوانه الأول)!؟ أي كلام هذا!

ثم إن هذا الموضوع قد سمعته مراراً من الأخ الباحث عندما لقيته في تريم قبل أكثر من عقد من الزمان، وأتذكر أنه كتب مقالاً في صحيفة سنة 2007 تقريباً إن لم أخطئ، يتعقب فيها الأستاذ الحبشي في تصرفه بعنوان (تاريخ شنبل) و(تاريخ ابن حميد = العدة المفيدة)، مستنكراً على الأستاذ وضعه عبارة (تاريخ حضرموت) في غلاف الكتابين! ورد عليه الأستاذ بمقال آخر. ليس متوفرا لدي حال كتابيتي هذه السطور الآن لأنقل منه.

وأقول لأخينا الباحث صاحب لقب (أ.د) أن يرفق بنفسه، ويخفف على قلبه من أتعاب هذه الشكاية القديمة التي تلجلج في صدره، فما في صنيع الأستاذ ما يستنكر، وقد صنع كبار المحققين نفس صنيعه مع أعظم كتب الإسلام، وهو (صحيح البخاري)، أليس الإمام البخاري سمى كتابه (الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه)! هل ترى أحداً يستعمل هذه التسمية عندما ينقل حديثا عن (البخاري)؟ أم يختصرون فيقولون: (انظر: صحيح البخاري)؟

إذا علمنا ذلك، فكيف بتاريخ شنبل الذي لم يسمه مؤلفه، وإنما اجتهد النساخ في تسميته فمنهم من سماه (التاريخ الأكمل) أو (الأقدم) أو (تاريخ شنبل)، فأي حرج في أن يسميه محققه (تاريخ حضرموت المعروف بتاريخ شنبل)؟ هذا اختيار المحقق، وهو اختيار وصنيع موفق كل التوفيق، ولم يخطئ فيه البتة، فعلام تعيد الكلام وتكرره بداع أو بدون داع!

 

الأمر الثامن

قال: (وقد اطلع الحبشي عليها في زيارته للمركز وأخذ معها نسخة العقد الثمين لباسنجلة وعمد على تحقيقها بعد زيارته تلك)

أقول: شكراً على المعلومة المفيدة. ومن باب التصحيح والنصح للعلم وأهله، الصواب أن يقال: (وقد اطلع ... وأخذ منها صورة .. وأخذ معَها صورةً من العقد الثمين) .. الخ. هذا هو التعبير الصحيح والسليم، فالأستاذ لم يأخذ الأصل الذي تدل عليه كلمة (نسخة)، بل أخذ مصورة عنها.

كما أن الصواب أن يقال: وعمَد إلى تحقيقها .. وليس (على تحقيقها). لأن الفعل عمد معناه قصد، والقصد يكون إلى الشيء لا (عليه)، قال ابن سيده في (المحكم والمحيط الأعظم: 2/ 35): "وعَمَد إِلَيْهِ، وَله، وتعَمَّده، واعتَمَده: قَصَده"، اهـ، وقال نشوان في (شمسه: 7/ 4765): "عَمَدَ إلى الشيء عَمْداً: إذا قصده"، اهـ.

 

الأمر التاسع

قال: (لعلني لم اشر إلى إخفاقات الحبشي في تحقيقاته للتراث الحضرمي بل واليمني. وهذا سيفتح علينا باب في غني عنه. لأنكم اول من سينافح ويدافع عنه).

أقول: رحم الله من قال: رمتني بدائها وانسلت. والقائل:

لقد هزُلت حتى بدَا من هُزالها             كُلاها، وحتى سامَها كلّ مفْلسِ

رضي الله عن الأستاذ عبدالله الحبشي، عملاق التراث اليمني عامة والحضرمي خاصة، الرجل الذي أفنى عمره بين الكتب، وأخرج من مكنونات الخزائن جواهر التراث ودرره، ونشرها بين الناس بعد أن كانت مخفية غائبة لا يعلم أحد عنها شيئاً.

رضي الله عن هذا الأستاذ الرائد العظيم، الذي مهَّد البحث العلميّ تمهيداً، وفرش أرض البحث العلمي والتاريخي وعبَّدها لمن يأتي بعده. 

رضي الله عن الأستاذ الحبشي، مؤلف الموسوعات العظيمة التي سارت مسير الشمس، وانتشرت في الخافقين.

هل يخفى مؤلف (مصادر الفكر الإسلامي في اليمن) ذي الطبعات الثلاث!

وهل يخفى مؤلف (معجم الموضوعات المطروقة في التراث الإسلامي)، وأخيه: (معجم الموضوعات المطروقة في التأليف الحديث) ذوَي المجلدات المتعددة!

وهل يخفى مؤلف (جامع الشروح والحواشي) ذي الثلاثة المجلدات والطبعتين!

أم هل يخفى من أخرج وحقق عشرات كتب التاريخ منذ خمسين عاماً مضت وحتى اليوم .. هل مثل هذه القامة العظيمة، والهامة الكبيرة، تستحق من حامل لقب (أ.د) هذا التسفيه وهذا التطاول.

ما أمرَّها من كلمة نابية، وما أشدها إيلاماً، لأن قائلها يعرف قدر من ينتقده، ويأكل من فتات موائده، ولا يستطبع الانفكاك عن الرجوع إلى أعماله في تحقيقاته وما ينشره.

ذلك الرجل الجليل المتواضعـ الذي يعرف قدره الملايين، ولكنه في وطنه مهضوم الحق والقدر، أيقول هذا الكلام الجارح من هو دونه سناً وعلماً! ألا تقدَّر لهذا العلم الشامخ خدماتُه العظيمة، وسنه الذي أفناه في خدمة التراث! وكأني به رعاه الله وأمد في عمره يتمثل قول شريف مكة، الأميرقتادة، القائل:

وما أنا إلا المسكُ في كلّ بلدةٍ             أضوعُ، وأما عندكم فأضيعُ

كرمته الدول، وكرمه الرجال الأوفياء، وأثنى عليه عارفو قدره ومكانته، وقيلت فيه القصائد، وكتبت فيه المقالات، وحُبر فيه الكلام تحبيراً .. ومن أراد معرفة شيء من قدره، فيرجع إلى حلقة تكريمه في (إثنينية الراحل عبدالمقصود خوجة) التي سجلت فيها وقائع تكريم الأستاذ بتاريخ 26 ربيع 1435هـ، الموافق 27 يناير 2014م. على الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=b3j5wOlR1z0

نعم، حضرة الأستاذ بشر، يصيب ويخطئ، وكل البشر خطاء، ومن ذا الذي لا يخطئ؟ ومن ذا الذي لا يستدرك عليه؟ ولكن الأدب هو عنوان العلماء، والذوق هو شأن خدمة تراث أمة الإسلام، فلا يهدر حق عالم لمجرد خطأ، ولا يهضم حق جليل بدر منه شيء يستدرك عليه.

أم هل يريدنا الأخ الباحث (أ.د) أن نشير إلى إخفاقاته؟

هل يريدنا أن نعيد التساؤل الذي كتبناه قبل 10 سنوات من اليوم، في المقارنة بين طبعتي (قلادة النحر) للمؤرخ الطيب بامخرمة، الذي صدر عن وزارة الثقافة والسياحة بصنعاء سنة 1425هـ/ 2004م، في 3 مجلدات ضخام، كان ثالثها يحمل اسم محققه (محمد يسلم عبدالنور)، ثم صدر الكتاب عن دار المنهاج بجدة، سنة 1428هـ/ 2008م، في 6 مجلدات.

لقد قمت بعمل مقارنة بين الطبعتين، سأورد صورتها من كتابي (أضواء على حركة نشر التراث الحضرمي في المهجر)، الصادر عن مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1425هـ/ 2012م: ص 417-423.

وأهم نتيجة وصلت إليها (ص 421): أن هناك 47 ترجمة هي فرق ما بين الطبعتين! لا أدري أين ذهبت، أو ما حقيقة مصيرها .. فهل سيكون (أ.د) شجاعاً ويظهرها لنا؟ أم أنه سيعد نفسه من (النخب) التي لا تقرأ ما ينشر بإمعان؟ إذ كيف يطلع على هذا النقد لعمل قدمه هو بل نال فيه درجة الدكتوراة، ويتعامى عنه، ويمضي وكأنه لا يخصه! فهو أحد رجلين: إما اطلع وأعرض، أو لم يطلع أصلا.

أما إخفاقاته الأخرى في نشرة (تاريخ باحسن = نشر النفحات المسكية)، ونشرة (الدر الفاخر) لباجمال .. فهذه نرجئها إلى (غداء دسم) يعقب هذا (الصبوح الخفيف) .. وأختم بقولي لأخي الباحث (أ.د)، ارفق بنفسك، وهدئ من روعك، واعرف صديقك من عدوك، ووالله ما بيني وبينك إلا الخير، ولكنك تسيء الظن، وتضع نفسك في مواقف لا تحسد عليها. وتذكر قول المثل: من كان بيته من زجاج، فلا يرمي الناس بالحجر. وفقك الله، ونفع بعلمك، ورزقنا وإياك الإخلاص في القول والعمل.

 

وهذه الصفحات التي وعدت القراء بإيرادها، في المقارنة بين طبعتي كتاب (قلادة النحر)، وهي من كتاب (أضواء على حركة نشر التراث الحضرمي)، كما ذكرت آنفاً. وهذا رابط المقارنة منفردة:

https://t.me/dr_Mohammad_Batheeb/5661

وهذا رابط الكتاب كاملا لمن أراد الاطلاع:

https://t.me/dr_Mohammad_Batheeb/5659









 

 

 

 

وكتب/ د. محمد باذيب

صبيحة الأحد 15 صفر 1444

موافق: 11 سبتمبر 2022