الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

جاءت البشْرى من الغنّا الحَصينة - قصيدة


الحمدلله ..




وصلتني قبل قليل نسخة من سفينة سيدي وأستاذي وشيخي الحبيب سالم الشاطري، أمتعنا الله بطول بقائه وعافيته .. وكم كان سروري بالغاً عندما أخبرني الرسول أنها مرسلة لي بالتعيين والتخصيص من شيخنا، فالحمدلله أن جعلني على بال هذا العبد الصالح، والمولى السيد الشريف الفالح، ويكفيني من الهدية ذكري لدى مهديها .. فكيف بهما معا.





وبهذه المناسبة أقول:

جاءت البشْرى من الغنّا الحَصينة ** برسولٍ جاءني يهْدي (السفينَة)

جاءت البشْرى بذكْري في حمَى ** شيخِنا العلاّم أستاذ (المدينَة)

بشَّروني أنه يذكرُني ** يا لها والله من بشْرى قمينة

ما سرُوري بالهدايا إنما ** خاطري يرتاح بالذكرَى الحسينَة

ولقد وافتْ حمانا درةٌ ** من دراري شيخِنا العالي ثمينَة

سالمُ الذات ضِيانا في الدُّجى ** سَالمُ الأفعالِ قمْ قبّل جبينَه

سيدي شيخي حبيبي ما له ** مشبهٌ عندي وكلّ الجمعِ دونَه

كم درجنا في حمى أستاذنا ** وهو يرعانا ويُسقينا معينَه

وهو سلطان وحبر عالم ** قالها الورَّاثُ من شَادوا حُصونَه

وأبوه الفذّ أستاذ المَلا ** قد تولاه وأعطاه الخزينَة

ربِّ فاحفظهُ وأمتعْنا به ** كنْ له يا مالكَ الملك معينَه

واغمرنّا من سَنا أنواره ** ففؤادي زادتِ البشرَى حنينَه


محمد باذيب
ليلة الأربعاء 29 صفر الخير 1435
غرة يناير 2014م


الأحد، 29 ديسمبر 2013

توبة الشوكاني - الحلقة الثالثة


توبَةُ الشَّوكَانيِّ
قال القاضي أحمد ابن العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني، فيما حرَّره ونقله عن أبيه، في نسخة كانت في حوزة تلميذه المحدث الشيخ حسين بن محسن الأنصاري اليماني، نزيل الهند ودفين بهوبال، وقوبلت على أصلها بحضوره:
يا فتاح
«وهذه الرسالة التي كتبها سيدي الوالد المرحوم، بعد تأليف الرسالة الأولى بأربعين سنة، وأولها: سؤال عن التصوُّفِ، هل عليه دليلٌ؟ وهل العلمُ علمانِ: باطنٌ, وظاهِرٌ، والباطنُ يسَمُّونه طريقةً؟!.
فأجاب رحمه الله بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحافظ الإمام، والقدوة الهمام، شيخ الإسلام، القاضي محمد بن علي الشوكاني، رحمه الله تعالى:
اعلم وفقني الله وإياك، أن معنى التصوف المحمود: هو الزهد في الدنيا، حتى يستوي عنده ذهبها وترابها. ثم الزهد فيما يصدر عن الناس من المدح والذم، حتى يستوي عنده مدحهم وذمهم، ثم الاشتغال بذكر الله، وبالعبادة المقربة إليه، فمن كان هكذا، فهو الصوفي حقاً، وعند ذلك يكون من أطباء القلوب، فيداويها بما يمحو عنها الطواغيت الباطنة، من الكبر والحسد والعجب والرياء، وأمثال هذه الغرائز الشيطانية، التي يصير بها قلبه وحواسه في ظلمة، بل يصير بها جميع ظاهره وباطنه في غشاوة، صار حينئذ صافياً عن شوب الكدر، مطهراً عن دنس الذنوب، فيبصر ويسمع ويفهم بحواس لا يحجبها عن حقائق الحق حاجب، ولا يحول بينها وبين درك الصواب حائل.
ويدل على ذلك أتمَّ دلالةٍ وأعظمَ برهانٍ، ما ثبتَ في «صحيح البخاري» وغيره، من حديث [2/أ] أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة»، وفي رواية: «فقد آذنته بالحرب»، «وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه».
ومعلومٌ أن من كان يبصر بالله سبحانه، ويسمع به، ويبطش به، ويمشي به، له حال تخالف حال من لم يكن كذلك، لأنها انكشفت له الأمور كما هي، وهذا هو سبب ما يحكى عنهم من المكاشفة، لأنه قد ارتفعت عنهم حجب الذنوب، وذهبت عنهم أدران المعاصي، وغيرهم ممن لا يبصر بالله، ولا يسمع به، ولا يبطش به، ولا يمشي به، لا يدرك من ذلك شيئاً، بل هو محجوب عن الحقائق، غير مهتدٍ إلى مستقيم الطرائق، كما قال الشاعر:
وكَيف ترَى ليلَى بعينٍ ترَى بِها ** سِواهَا وما طهَّرْتَها بالمدامعِ
وتلتذُّ منها بالحديثِ وقدْ جرَى ** حديثُ سِوَاها في خرُوقِ المسَامعِ
أُجِلُّكِ يا ليلى عن العين إنما ** اراك بقلب خاشع لك خاضع
وأما من صفَا عن الكدَرِ، وسمِعَ وأبصَر، فهو كما قال الآخر:
ألا إنَّ وادي الجزْعِ أضْحَى ترابُه ** من المسْكِ كافوراً وأعوادُه ندَّا [2/ب]
ومَا ذاكَ إلا أن هنداً عشِيةً ** تمشَّتْ فجرَّتْ في جوانبِه بُرْدَا
* *  *
ومما يدل على هذا المعنى الذي أفاده حديث أبي هريرة: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله»، وهو حديث صححه الترمذي، فإنه أفاد أن المؤمن من عباد الله يبصر بنور الله، وهو معنى ما في الحديث الأول من قوله صلى الله عليه وسلم: «فبي يبصر». فما وقع من هؤلاء القوم الصالحين من المكاشفات فهو من هذه الحيثية الواردة في الشريعة المطهرة.
وقد ثبت في «الصحيح» عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ في هذه الأمةِ محدثين وإن منهم عمر»، ففي هذا الحديث الصحيح فتح باب المكاشفة لصالحي عبادالله، وأن ذلك من الله سبحانه، فيحدثون بالوقائع بنور الإيمان الذي هو من نور الله سبحانه، فيعرفونها كما هي، حتى كأن محدثا يحدثهم بها، ويخبرهم بمضمونها.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقع له من ذلك الكثير الطيب، في وقائع معروفة منقولة في دواوين الإسلام. ونزل بتصديق ما تكلم به القرآن الكليم، كقوله عز وجل: {ما كان لنبيٍّ أن يكُونَ له أسْرَى حتَّى يُثْخِنَ في الأرْضِ}[]، وقوله سبحانه: {ولا تصَلِّ على أحدٍ منهُم ماتَ أبداً ولا تَقُمْ على قبره}، وقوله: {سواءً عليهِمْ أستغْفَرْتَ لهم أم لم تستغفِرْ لهم فلَنْ يغْفِرَ الله لهم}.
فمن كان من صالحي العباد، متصفاً بهذه الصفات، متسماً بهذه السمات، فهو رجل العالم، وفرد الدهر، وزين العصر، والاتصال به مما تلين به القلوب، وتخشع به الأفئدة، وتنجذب بالاتصال به العقول الصحيحة، إلى مراضي [3/أ] الرب سبحانه، وكلماته هي الترياق المجرب، وإشاراته هي طب القلوب القاسية، وتعليماته هي كيمياء السعادة، وإرشاداته هي الموصلة إلى الخير الأكبر، والكرامات الدائمة التي لا نفاد لها، ولا انقطاع.
* *  *
ولم تصْفُ البصائر، ولا صَلُحَت السرائرُ، بمثل الاتصَالِ بهؤلاء القوم، الذين هم خيرَةُ الخيرَة، وأشرَفُ الذَّخيرة، فيالله من قوم لهم السلطان الأكبر على قلوب هذا العالم، يجذبونها إلى طاعة الله سبحانه، والإخلاص له، والاتكال عليه، والقرب منه، والبُعدِ عما يشغل عنه، ويقطع عن الوصول إليه، وقل أن يتصل بهم ويختلط بخيارهم إلا من سبقت له السعادة، وجذبته العناية الربانية إليهم، لأنهم يخفون أنفسهم، ويظهرون في مظاهر الخمول، ومن عرفهم لم يدل عليهم، إلا من أذن الله له، ولسان حاله يقول كما قال:
وكَمْ سائلٍ عَن سَير ليلَى ردَدتُهُ ** بعَمْياءَ عن ليْلَى بعينِ يَقينِ
يقُولونَ خبَّرنا فأنتَ أمينُها ** ومَا أنا إنْ خبَّرتُهم بأمينِ
* *  *
فياطالب الخير، إذا ظفرت يداك بواحد من هؤلاء الذين هم صفوة الصفوة، وخيرة الخيرة، فاشددهما عليه، واجعله مؤثرا على الأهل والمال، والقريب والحبيب، والوطن والسكن، فإنا إن وزنا هؤلاء بميزان الشرع، واعتبرناهم بمعيار الدين، وجدناهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وقلنا لمعاديهم، أو القادح في علي مقامهم: أنت ممن قال فيه الرب سبحانه، كما حكاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة». أو: «قد آذنته بالحرب». لأنه لا عيب لهم إلا أنهم أطاعوا الله كما يجب، وآمنوا به كما يحب، ورفضوا الدنيا الدنية، وأقبلوا على اله عز وجل في سرهم وجهرهم، وظاهرهم وباطنهم [3/ب].
* *  *
وإذا فرضنا أن في المدعين للتصوف من لم يكن بهذه الصفات، وعلى هذا الهدي القويم، فإن بدا منه ما يخالف الشريعة المظهرة، وينافي منهجها الذي هو الكتاب والسنة، فليس من هؤلاء، والواجب علينا رد بدعته عليه، والضرب بها في وجهه، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد»، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل بدعة ضلالة».
ومن أنكر علينا ذلك، قلنا له: وزنا هذا بميزان الشرع فوجدناه مخالفاً له، ورددنا أمره إلى الكتاب والسنة فوجدناه مخالفاً لهما، وليس الدين إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والخارج عنهما، المخالف لهما، ضال مضل، ولا يقدح على هؤلاء الأولياء وجود من هو هكذا، فإنه ليس معدودا منهم، ولا سالكاً طريقتهم، ولا مهديا بهديهم.
فاعرف هذا، فإن القدح في قومٍ بمجرد فرد أو أفرادٍ منسوبين إليهم نسبة غير مطابقة للواقع، لا تقع إلا ممن لا يعرف الشرع، ولا يهتدي بهديه، ولا يبصر بنوره.
* *  *
وعلى ذكرنا لحديث: «اتقوا فراسة المؤمن»، نذكر قصة متعلقة به، ذكرها من يوثق بنقله من أهل التاريخ، وهي:
أن الجنيد رحمه الله تعالى، أذن له شيخه رحمه الله أن يتكلم على الناس في جامع البلد الذي هو فيه، بعد صلاة الفجر، فاعتذر إليه بأنه غير فصيح العبارة، وغير صالح لذلك. فقال: لا عذر لك من ذلك.
وكان هذا دائر بينه وبينه في الليل، ولم يكن عندهما أحد، ولا خرج واحد منهما، فوقع التحدث في [4/أ] ذلك البلد، بأن الجنيد قد أذن له شيخه أن يتكلم على الناس بعد صلاة الفجر في الجامع، وارتجت المدينة بهذا الخبر، فلم تحضر صلاة الفجر إلا وقد صار الجامع ممتلئا من الناس، وهم مزدحمون فيه، لأنه قد وصل إليه من لم يكن معتاداً للصلاة فيه، شوقاً إلى كلام الجنيد، مع أنه لم يكن إذ ذاك في مرتبة الشيوخ، بل من جملة تلامذة شيخه، ولكن الأسرار الربانية تعمل عملها، والعمل الصالح لا يخفى.
فلما فرغ أهل الجامع من الصلاة، تهيأ الجنيد للكلام، وقد التف عليه الناس، حتى كأنهم على موعد لذلك، أو كأنه قد صاح بهم صائح بما دار بينه وبين شيخه تلك الليلة.
فقبل أن يتكلم الجنيد، بدره واحد من بين أولئك المستمعين، فقال: يا شيخ! ما معنى ثول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله»؟. فأطرق الجنيد، ثم رفع رأسه، وقال: أسلم، فقد آن لك أن تسلم!.
فقعد بين يديه، وتكلم بالشهادتين، وذكر للجنيد ولذلك الجمع أنه من جملة النصارى الساكنين بذلك البلد، وأنه لما سمع الناس يتحدثون تلك الليلة بأن الجنيد سيتكلم في الجامع بعد صلاة الفجر، بقي مفكِّراً، وأدرك في قلبه ميلاً إلى الإسلام، وعزم على حضور ذلك الجمع، مريداً لاختبار الجنيد بهذا الحديث، مع كونه قد لبس لباس الإسلام، وقال في نفسه: إن كاشفني أسلمتُ!. فكاشفه الجنيدُ بما تقدم، وصار ذلك الرجل من خيار المسلمين.
فانظر هذا الكشف من مثل هذا الولي، واعرف به ما عند أفاضل هذه الطائفة من المواهب الربانية، واسأل ربك أن يجعل لك [4/ب] نصيباً مما أفاض عليهم من تفضلاته على عباده.
* *  *
اللهم يا رب العالم، ويا خالق الكل، يا مستو على عرشك، اجعل لنا نصيباً مما مننت به على هؤلاء الصالحين، وتفضلت به عليهم، فالأمر أمرك، والخير خيرك، ولا معطي غيرك.
وبالجملة؛ فمن اراد أن يعرف أولياء هذه الأمة، وصالحي المؤمنين، المتفضل عليهم بالفضل الذي لا يعدله فضل، والخير الذي لا يساويه خير، فليطالع له «الحلية» لأبي نعيم، و«صفوة الصفوة» لابن الجوزي، فإنهما تحريا ما صحَّ، وأودعاه كتابيهما، من مناقب الأولياء، المروية بالأسانيد الصحيحة، ما يجذب بعضه بضبع من يقف عليه إلى طريقتهم، والاقتداء بهم. وأقل الأحوال أن يعرف مقادير أولياء الله، وصالحي عباده، ويعلم أنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، ولا يعني من تأسى بهم ومشى على طريقتهم، فإن ذلك منه بمجرده مترع من متارع الخير، ومهيع من مهايع الرشد، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنت مع من أحببت». فمحبة الصالحين قربة لا تهمل، وطاعة لا تضيع، وإن لم يعمل بعملهم، ولا جهد نفسه كجهدهم.
وفي هذا القدر كفاية، لمن له هداية، والحمدلله أولا وآخراً، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الراشدين، آمين آمين آمين.
تم
بقلم غلام فقير الله، غفر الله له
في جمادى الأولى سنة 1322».

توبة الشوكاني - الحلقة الثانية




شواهد ونصوص على تراجع الشوكاني عن تكفير الصوفية:
إذاً، علمنا مما سبق، أن مضمون هذه الرسالة المعنونة بـ«توبة الشوكاني»، هو تراجع القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني عن تكفير بعض المعينين، وقد وجدت لذلك التراجع شواهد كثيرة، تدعمه، وتؤكده، أزعم أن إيرادها هنا مما يفيد القراء الكرام، ويوسع دائرة البحث، ومحيط الموضوع.
الشاهد الأول: كلامٌ مطول للشوكاني نفسه في كتابه «البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع»، في أثناء ترجمته لصديقه العلامة السيد القاسم بن أحمد بن عبدالله لقمان، الذي كان قدبعث له بقصيدة في الموضوع، فرد عليه بمثلها، ثم قال عقب إيراده نصها، وإشارته إلى تأليف رسالةٍ سماها «الصوارم الحداد»، المشار إليها سابقاً:
«وقَد أوضحتُ فى تلك الرسالةِ حالَ كلِّ واحدٍ من هؤلاءِ، وأوردتُ نصوصَ كتُبهم، وبيَّنتُ أقوال العلماء فى شأنهم، وكان تحريرُ هذا الجوابِ في عنفوانِ الشبابِ، وأنا الآن أتوَقَّفُ فى حالِ هؤلاءِ، وأتبرأ من كلِّ ما كانَ من أقوالهم وأفعالهم مخالفاً لهذه الشريعة البيضاء الواضحة التى ليلها كنهارهَا. ولم يتعبَّدْني الله بتكفيرِ من صَار فى ظاهر أمرِه من أهلِ الإسلامِ.
وهَبْ أنَّ المرادَ بما فى كتُبِهم، وما نقِلَ عنهم من الكلماتِ المستنكَرة المعنَى الظاهرَ، والمدلُولَ العربيَّ، وأنه قاضٍ على قائله بالكُفْر البوَاحِ، والضَّلالِ الصُّراحِ، فمن أين لنا أنَّ قائله لم يتُبْ عنه، ونحْنُ لو كنَّا في عصْرِه، بل في مصْرِه، بل فى منزلِه الذى يعالجُ فيه سكراتِ الموتِ، لم يكُنْ لنا إلى القَطعِ بعدَم التوبةِ سبيلٌ، لأنها تقَعُ من العبدِ بمجرَّدِ عقد القلبِ، مالم يغَرْغر بالموتِ، فكيف وبينَنا وبينهم من السنينَ عدَّةُ مئينَ!!.
ولا يصِحُّ الاعتراضُ على هذا بالكفَّارِ!. فيقَالُ: هذا التجويزُ ممكِنٌ فى الكفار على اختلافِ أنواعهمِ. لأنا نقولُ: فرْقٌ بينَ من أصْلُه الإسلامُ، ومن أصلُه الكفْرُ، فإن الحمْلَ على الأصلِ مع اللَّبسِ هو الواجبُ، لاسيما والخروجُ من الكفر إلى الإسْلامِ لا يكونُ إلا بأقوالٍ وأفعالٍ، لا بمجرَّدِ عقد القلبِ والتوجُّه بالنيةِ، المشتملَينِ على الندَمِ والعزْمِ على عدم المعاودَة، فإن ذلكَ يكفي فى التوبة، ولا يكفي فى مَصِير الكافر مسلماً.
وأيضاً: فرقٌ بين كُفْر التأويلِ، وكفْرِ التصريحِ، على أني لا أثبتُ كفر التأويلِ كما حقَّقتُه فى غير هذا الموطنِ.
وفي هذه الإشارة كفايةٌ لمن له هدايةٌ، وفى ذنوبنا التي قَد أثقلَتْ ظهورَنا لقلوبنا أعظَمُ شغلةٍ، وطُوبَى لمن شغلته عيوبُه، و: «منْ حُسْنِ إسلام المرء تركُه مالا يعنيه»، فالراحِلةُ التي قد حملتْ مالا تكادُ تنوءُ به، إذا وُضعَ عليها زيادةٌ عليه انقطعَ ظهرُها، وقعدَتْ على الطريقِ قبلَ وصُولِ المنزلِ؛ وبلا شَكّ أنَّ التوثُّبَ على ثلْبِ أعراضِ المشكُوكِ في إسْلامهم، فضْلاً عن المقطُوعِ بإسلامهم، جراءةٌ غير محمودةٍ، فرُبَّما كذَب الظنُّ، وبطَل الحديثُ، وتقشَّعتْ سحائبُ الشكوك، وتجلَّتْ ظلماتُ الظنونِ، وطاحتِ الدقائقُ، وحقَّتِ الحقائقُ.
وإنَّ يوماً يفر المرءُ من أبيه، ويشحُّ بما معه من الحسناتِ على أحبابه وذويه، لحقيقٌ بأن يحافظَ فيه على الحسناتِ ولا يدعَها يوم القيامة نهباً بين قومٍ قد صارُوا تحتَ أطباقِ الثرَى، قبل أن يخرُجَ إلى هذا العالم بدهورٍ، وهو غيرُ محمودٍ على ذلكَ ولا مأجورٌ، فهذا مالا يفعلُه بنفسِه العاقلُ. وأشدُّ من ذلكَ: أن ينثر جرابَ طاعاتِه، وينثُلَ كنانة حسناتِه على أعدائه، غير مشكُورٍ، بل مقهور.
وهكذا يفعَلُ عند الحضُور للحسابِ بين يدى الجبارِ بالمغتابين والنمامين والهمازين واللمازينَ، فإنه قد عُلِم بالضرورة الدينيةِ: أن مظلمةَ العِرْضِ كمظلمة المالِ والدَّمِ، ومجرَّدُ التفاوتِ في مقدار المظلمة لا يوجِبُ عدم اتِّصَاف ذلك الشىء المتفاوتِ، أو بعضه، بكونه مظلمةً، فكلُّ واحدةٍ من هذه الثلاث مظلمةٌ لآدمي، وكلُّ مظلمة لآدميٍّ لا تسقط الا بعفْوِه، ومالم يعْفُ عنه باقٍ على فاعلهِ، يُوافي عرصَاتِ القيامةِ.
فقل لي: كيفَ يرجُو من ظلمَ ميتاً بثلْبِ عرضِه، أن يعْفُوَ عنه؟! ومن ذاك الذي يعفُو في هذا الموقفِ، وهو أحْوَجُ ما كان إلى ما يقيه عن النارِ!.
وإذا التبسَ عليك هذا؛ فانظُرْ ما تجده من الطباعِ البشرية فى هذه الدار، فإنه لو ألقَى الواحدُ من هذا النوع الإنسانيِّ إلى نارٍ من نيارِ هذه الدنيا، وأمكنه أن يتقيَها بأبيه أو بأمه، أو بابنه أو بحبيبه، لفعلَ، فكيف بنارِ الآخرة! التي ليسَتْ نار هذه الدنيا بالنسبةِ إليها شيئاً.
ومن هذه الحيثية؛ قالَ بعضُ من نظر بعين الحقيقةِ: لو كنتُ مغتاباً أحداً لاغتبتُ أبي وأمي، لأنهما أحقُّ بحسناتي التي تؤخَذُ منى قسراً. وما أحسنَ هذا الكلامَ!.
ولا ريبَ أن أشدَّ أنواع الغيبة وأضرَّها وأشرَّها وأكثرَها بلاءً وعقاباً، ما بلغَ منها إلى حدِّ التكفيرِ واللَّعنِ، فإنه قد صحَّ: أن تكفير المؤمن كفرٌ، ولعنه راجعٌ على فاعلِه، وسبابُه فسقٌ، وهذه عقوبةٌ من جهة الله سبحانه.
وأما من وقع له التكفير واللعن والسبِّ فمظلمةٌ باقيةٌ على ظهر المكفِّر واللاعن والسَّبابِ، فانظر كيف صَار المكفِّرُ كافراً، واللاعنُ ملعوناً، والسبَّابُ فاسقاً، ولم يكن ذلك حدَّ عقوبته، بل غريمُه ينتظر بعرَصات المحشرِ ليأخذ من حسناته، أو يضعَ عليه من سيئاته بمقْدارِ تلك المظلمَة، ومع ذلك فلا بدَّ من شيءٍ غير ذلك، وهو العقوبةُ على مخالفة النهي، لأن الله قد نهَى في كتابهِ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، عن الغيبة بجميع أقسامِها، ومخالفُ النهي فاعلُ محرَّمٍ، وفاعلُ المحرَّم معاقبٌ عليه، وهذا عارضٌ من القولِ جرى به القلمُ، ثم أحجِمُ عن الكلامِ، سائلاً من الله حسْنَ الختام»(1).
الشاهد الثاني: ما جاء في «ديوان الشوكاني»، المسمى «أسلاك الجوهر»، المطبوع حديثاً بتحقيق الدكتور البحاثة حسين عبدالله العمري الصنعاني، وفيه أبيات في مدح أولياء اليمن المشاهير، ومنهم الإمام عبدالهادي السودي، دفين جبل صبر بتعز، سنة 932هـ/ م. وكان الشوكاني رحمه الله قد وصل إلى تعز في بعض السنين، وزاره، ووقف عند قبره، وقال هذه الأبيات:
سلام على السودي بحر الحقائق ** ومن منح الطلاب نهج الطرائق
أيا رحمة الرحمن حلي بقبره ** ودومي عليه دائما لا تفارقي
وقولي له: إنا نزلنا جواره ** وللجار حق الضيف من كل سابق
أيا روح عبدالهادي البر دمت في ** نعيم وإكرام من الله خالقي(2)
فهذان الشاهدان خير دليل على ما ختم به العلامة الشوكاني حياته، بعد أن كان في عنفوان شبابه شديد القول في هذه المسائل، وقد تاب وأناب إلى ربه تعالى من تكفير أهل القبلة، وخلى بينهم وبين خالقهم تعالى، مع بقائه متمسكاً بحبال الشرع المتين، وعدم تقبله لكل قول يخالف صاحبه ما ورد في نصوص الكتاب والسنة، ولكن من غير تكفير.
والآن، إلى نص «توبة الشوكاني»، بعد هذا العرض الذي قدمته بين يديها، عسى أن يكون فيه فائدة لمن وقف عليه، وقد اكتفيت بنشره كما هو، دون أي تعليق أو توثيق، رجاء أن يطلع عليه الراغبون، ثم لعلي أعود إليه بعد ذلك بما تستوجبه الحال، والله الموفق.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) الشوكاني، محمد بن علي، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الأولى: ص 31-39.
(2) الشوكاني، محمد بن علي، ديوان أسلاك الجوهر، تحقيق حسين العمري، (بيروت، دار الفكر المعاصر، ط2، 1406هـ/ 1986م): ص 260-261.

* *  *

توبة الشوكاني - الحلقة الأولى



توبة الشوكاني

وهي رسالة وجيزةٌ بقلم
القاضي محمد بن علي الشوكاني اليماني الصنعاني
(ت 1250هـ/ 1834م)
يعلن فيها توبته من تكفير الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي وغيره من الصوفية
ويعلن رجوعه عما ورد في كتابه «الصوارم الحداد»
بعد أربعين سنة من تأليفه

قرأها وقدم لها
د. محمد أبوبكر عبدالله باذيب




تمهيد
«توبة الشوكاني»، عنوان غريب وملفتٌ للنظر، لرسالةٍ طالعني اسمها في فهارس مكتبة مولانا آزاد الكائنة في مدينة عليگـڈھ، وهو الاسم الذي تحمله المكتبة المركزية لجامعة عليگـڈھ الإسلامية، التي أسسها السَّير سيد أحمد خان المتقي الدهلوي (ت 1315هـ/ 1898م).
وسميت تلك المكتبة باسم مولانا أبوالكلام آزاد (ت 1377هـ/ 1958م)، أحد كبار قواد النهضة الحديثة في بلاد الهند، ومن رموز وأعلام الثورة على الاستعمار البريطاني (تظهر صورته على يسار الصفحة).




طالعني ذلك العنوان في زيارتي الأولى لمكتبة مولانا آزاد في مايو 2009م، ولم يتسع وقتي حينها للنظر في المخطوطة والتعرف على مضمونها، وبقيت متشوقاً إليها، إلى أن آذن الله بالعودة إليها بعد أكثر من سنة ونصف، وذلك في ديسمبر 2011م، فقدمت على جناح الشوق، متطلعاً للنظر فيها، كي أشفي غليلي، وأشبع فضولي، وأعرف الأمر الذي تابَ عنه القاضي الشوكاني!. فلماذا هذا العنوان الصَّارخُ؟ وما الذي أوجبَ تأليف هذه الرسالة. السطور التالية ستكشف للقارئ الكريم كل التفاصيل التي يريد التعرف عليها. 








مكتبة مولانا آزاد المركزية بجامعة عليگـڈھ الإسلامية

وصف المخطوط:
وُضِعَتْ بين يديَّ المخطوطة، ونظرت فيها، فإذا هي صغيرة لطيفة، لا تزيد عن 4 أوراق، محفوظة ضمن مجموعة حبيب گنج، برقم 21/10 عربي، كتبت في جمادى الأولى سنة 1322هـ/ يوليو 1904م، كتبت بقلم المولوي غلام فقير الله.
ويوجد مرفقاً بها قصاصة صغيرة لا تتجاوز مقاس راحة الكف، بعث بها الشيخ حسين بن محسن الأنصاري اليماني (ت 1327هـ/ 1908م) إلى تلميذه ومحبه النواب حبيب الرحمن الشرواني الأنصاري رحمه الله، مؤرخة في 10 جمادى الأولى 1322هـ، وعليها توقيع الشيح حسين (حسين عرب). أرسلت من بهوپال في الساعة 7 صباح يوم 23 أغسطس 1904م، ووصلت عليكرة في اليوم التالي 24 أغسطس. وهي بقلم المولوي محب الدين الفاروقي.
كما يوجد في مجاميع النواب حبيب الرحمن، إجازة من الشيخ حسين بن محسن له، بخط جميل، مجلدة تجليداً محكماً، قد زرتُ بعد اطلاعي عليها حفيده البروفيسور رياض الرحمن، المولود في 8 رمضان سنة 1342هـ/ 15 أبريل 1924م، عميد كلية اللغة العربية بجامعة عليگره سابقاً، وقد أدرك 27 عاماً من حياة جده، الذي توفي في شوال 1369هـ/ 11 أغسطس 1950م. فأقر بها، وأقر بعلاقة جده بشيخه حسين بن محسن، ولكنه للأسف ليست له رواية عن جده، ولم أستطع التعرف على من يروي عنه، فقد كان منصبه الاجتماعي ووظيفته تجعل الأخذ عنه متعسراً، وقد تفصح الأيام عن جديد.




محمد باذيب إلى جوار البروفيسور رياض الرحمن الشرواني، عليگـڈھ

وكانت علاقة الشيخ حسين بالنَّواب علاقة وطيدة، فقد كان ينزل عنده أياماً في موضعه المعروف بحبيب گنج، وهو من أضلاع عليگـڈھ، كما تدل عليه مقدمة إجازته له.
الشيخ حسين بن محسن وآثار الشوكاني:
من المعلوم عند المشتغلين بالتاريخ، وأهل النظر في كتب التراجم والأسانيد، أن الشيخ حسين بن محسن الأنصاري رحمه الله، المولود في تهامة اليمن، بقرب الحديدة، صاحب يد طولى في نقل تراث العلامة الشوكاني من اليمن إلى بلاد الهند، وقيامه بشراء وبيع مخطوطات مؤلفات الشوكاني على الملك صديق حسن خان القنوجي (ت 1307هـ/ 1889م) زوج ملكة بهوپال، الذي أكرمه وأنزله في دار ملكه، وتتلمذ عليه، وقام به وبأسرته أتم القيام.
وكان الملك صديق خان مهتما بآثار الشوكاني، حتى نسبه البعض إلى انتحال مضامين العديد منها مع التصرف في بعض العبارات فقط، وقد دافع العلامة السيد محمد عبدالحي الكتاني المغربي (ت 1382هـ/ 1962م) رحمه الله عن الملك صديق، وذب عنه تلك التهمة.
والحديث شجون، ولست بصدد التفصيل هاهنا.
وأما عن علاقة الشيخ حسين بن محسن بآل الشوكاني، فترجع إلى أخذه عن القاضي أحمد ابن القاضي الشهير محمد بن علي الشوكاني، وتتلمذه عليه، وكان شديد المحبة والإخلاص لشيخه القاضي أحمد، وحفظ وتحمل عنه ما لم يتحمله غيره، ويرجع الفضل للشيخ حسين في حفظ تراث آل الشوكاني المتناثر في مكتبات الهند، وقد رأيت منها كتاباً في التصوف والرقائق للقاضي علي بن محمد الشوكاني بقلمه، في مجلد كبير، محفوظ في خزانة مكتبة ندوة العلماء بلكنهو، ينتظر في يخرجه إلى حيز النشر والطباعة.
سبب ظهور هذه الرسالة:
لم أقف على سبب إرسال هذه الرسالة للنواب حبيب الرحمن، ويمكن التخمين بأنه دار بحث ونقاش بين الشيخ حسين بن محسن والنَّواب حبيب الرحمن، يهمنا من ذلك بروزها إلى حيِّز الوجود، والحمدلله على ذلك.
مضمون الرسالة:
اشتملت المخطوطة على ثلاثة من النصوص ذات المضامين التالية:
1) النص الأول: رسالة الشيخ حسين بن محسن لتلميذه حبيب الرحمن الشرواني، يبلغه فيها أنه استنسخ له نسخة من رسالة «توبة الشوكاني»، نقلاً عن النسخة الأم التي بحوزته، وهي بخط شيخه القاضي أحمد ابن الشوكاني. هذا فحوى رسالة الشيخ حسين، ولم أجد من يسعفني بترجمتها حرفياً.
2) النص الثاني: عبارة للقاضي أحمد ابن الشوكاني، صدر بها «توبة أبيه»، ونقل في أولها عبارةً لوالده كتبها على طرة نسخة من كتابه «الصوارم الحداد القاطعة لعلائق أرباب الإلحاد»، والتي صرح فيها بتكفير جماعة منهم الشيخ ابن عربي وغيره، وهذا النص كنت وقفت عليه قبل مدة بقلم الشوكاني نفسه، ولم أجده حال تسطير هذه السطور، وإن كان نقله عن خط ابنه أمر في غاية الوثاقة، ويفي بالمراد. وهذا نص كلامه، على لسان الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الحُدَيدي، ثم على لسان شيخه أحمد:
«يقول مؤلف هذه الرسالة، محمد بن علي الشوكاني، غفر الله له: هو تائب إلى الله من جميع ما حره فيها، مما لا يرضى الله به، عز وجل، وقد طالعتُ بعد تأليفه «الفتوحات» و«الفصوص»، فرأيت ما للتأويل فيه مدخلاً، لاسيما عند هؤلاء الذين هم خلاصة الخلاصة من عبادالله عز وجل، انتهى من خط ولده شيخنا الحافظ أحمد بن محمد بن علي الشوكاني.
* وقد ألف والدي رسالةً أخرى، بعد تحرير الرسالة الأولى بزيادة على اربعين سينة، وخلاصتها: أنه ممن يتأول لابن عربي. انتهى الموجود من خط ولده شيخنا المذكور بلفظه، فقط».
ثم أورد الشيخ حسين بن محسن الأنصاري بعقب هذا النص ترجمته من العربية إلى الأردية، وما سبق يغني ويكفي.
3) النص الثالث: هو نص رسالة الشوكاني المعنونة بـ«توبة الشوكاني»، وهي موضوع حديثنا، وسيأتي نصها في حينه.
* *  *









الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

لصوص الشعوب والهبة الحضرمية

لصوص الشعوب والهبة الحضرمية


هذه صورة تظهر فيها براميل نفط، مستخرج من آبار البترول الحضرمية، وهي مسجلة باسم شيخ قبيلة نافذ من قبائل اليمن الأعلى  .. وهذا مال عام ينهب في وضح النهار .. ليته كان ذاهباً الى خزينة الدولة .. ولكنه ذهب الى جيوب لصوص الشعوب.



وحتى وإن كانت الصورة، كما قيل لي: مفبركة، او معمولة بالفوتوشوب، فهذا لا يؤثر في أصل الموضوع، لأن المقصود هو التنبيه على المنكرات التي يرتكبها أولئك اللصوص الكبار في حق شعوبهم، فقد تضخمت أرصدتهم في الخارج، وتملكوا في الوطن أراض وعقارات مدّ النظر، وكل هذا ولا أحد يقدر على حسابهم ولا نقدهم .. ومن انتقدهم غيبوه في السجون.
ولكن لابد للظلم من نهاية .. فقد هبت قبائل حضرموت الأبية هبة قوية في وجوه أولئك اللصوص، ونسأل الله أن يكلل هبتهم بالنجاح، وأن يعينهم على ما هم فيه من مجاهدة الظلم والظلمة.
فأقول:

سرَقتمْ وعُثتُمْ بلا ناهيَهْ ** مضيتم على سَطوةٍ عاتيةْ

ولكن ظُلمَ الطغاةِ انتهَى ** وقامت قبائلُنا الضّاريةْ

ستُنهي تسلّطكُم في البلادِ ** وتختِمُ بالضَّربةِ القَاضيةْ

فكلٌ يرَى سَرقاتِ الكبار ** و(حاشِدُ) في غيها سَاريةْ

سَنوقِظُها بعد لَيلٍ طويلٍ ** ونَمْضي بهبتّنا الباهيةْ

أأبناءَنا في بلادِ العُلا ** وإخْوَاننا في الرُّبَى الغاليةْ

وفي وادي الخيرِ في حَضْرموتَ ** وسُكانَ أنجَادِنا العاليةْ

وفي كلِّ وادٍ وفي كل حَيْدٍ ** وفوقَ المضاربِ والناحيةْ

فرُصّوا الصّفُوفَ ولا تكسَلوا ** وحاموا على الطّفلِ والجاريةْ

غدَا النفْطُ بين أياديكمُ ** فكونوا لآبارِه حَاميةْ

فإمّا حميتُمْ وأنتم حماةٌ ** وإلا سقطتم إلى الهاويةْ

محمد باذيب