الثلاثاء، 29 أبريل 2014

أهيب صورة رأيتها على الإطلاق .. صورة ابن السنوسي الكبير







صورة الإمام المجدد، محيي الدين، وناشر سنة سيد المرسلين، السيد الإمام، محمد بن علي السنوسي الكبير، دفين الجغبوب، بواحات الصحراء الكبرى، سنة 1275هـ، رحمه الله، وأكرم نزله. وقد نظمت فيه أبياتاً من قبل، وهذه أخرى، تثنيها، مبعثها لواعج وأشجان، عند انبعاث العزم على زيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وافتقادي وجود شيخنا السيد مالك بن العربي السنوسي، الذي كنا ننيخ الركاب ببابه في زياراتنا، ونتفقده ويتفقدنا، وقد واراه الثرى، وما عدنا نراه إلا أثراً، رحمه الله وأكرم نزله.  

له هيبةٌ شقّتْ مرارةَ أكبُدٍ ** ونورٌ تكادُ العينُ من ذا السنا تعْمَى

يُرَى مَلَكاً من شاهق الجوِّ هابطاً ** كمثْلِ رجال الغَيب تبصرْهُ لا وَهْما

إمامٌ جليلٌ شرّفَ الله قدره ** وقارٌ وسمتٌ إن وصفت وإن .. مهْمَا

هو ابنُ السنوسيِّ الذي عزَّ مثلُه ** وريثٌ همامٌ عارفٌ طاولَ النجْمَا

له دوحة في ليبيا طالت السما ** فخاراً ومجداً لم تزغْ طرفاً يومَا

فعنه تلقاها محمدٌ ابنه ** شريفهم(1) من ألبس الهمم القوْما

فمهديهم(2) قد قام بالأمر بعده ** فوطدها ركناً أشاع بها السِّلمَا

فأحمدُ(3) ذو القدر الذي شاع في الورى ** شجاعٌ همامٌ جاهدَ الكفر والظلمَا




وعنه تلقى شيخنا أحمد(4) الذي ** له في العلا والفضل منزلة عظمَى




ومالك(5) لا ننساه شيخٌ مبجّلٌ ** أفادَ وأسدَى كم كريمٍ له أمَّا




فجالستُه دهراً تلوتُ (موطّأ) ** فقدناه بدراً كان في الليلة الظلماءْ

أولئك فخر الآل آل محمد ** لهم وسط قلبي في الحشا منزل أسمى

ثووا في بقيع النور في طيبة الندى ** جوارَ رسُولِ الله أنعم بها نُعْمَى

أولئك وراثُ النبيِّ ورهطُه ** فأكرم به بدءاً وأكرِمْ به ختمَا

عليهِ من المولى صلاةٌ تعمه ** وتشمل أحفاداً كراماً مضوا قدْما

محمد أبوبكر باذيب
نظماً في يوم الثلاثاء 29 جمادى الآخرة 1435هـ

الهوامش:
(1) السيد محمد الشريف بن الإمام السنوسي، توفي سنة 1313هـ.
(2) السيد محمد المهدي بن الإمام السنوسي، توفي سنة 1319هـ.
(3) السيد أحمد الشريف بن محمد الشريف، توفي بالمدينة سنة 1351هـ، ودفن بالبقيع.
(4) هو الحبيب أحمد مشهور الحداد باعلوي، توفي بجدة سنة 1416هـ، ودفن بمكة، بمقبرة المعلاة.
(5) السيد مالك بن العربي بن أحمد الشريف، توفي العام الماضي، 1434هـ، بالمدينة، ودفن بالبقيع.

رحمهم الله أجمعين

الاثنين، 28 أبريل 2014

كتاب (أولياء الشرق البعيد) .. نموذج للعبث التاريخي، والعمل الممنهج على نشر الثقافة الإيرانية في صفوف السادة بني علوي في إندونيسيا



في مطلع شهر جمادى الآخرى 1424هـ، الموافق أغسطس 2003م، زرت دمشق الشام، الغالية العزيزة على قلوبنا، وتجولت كعادتي في مكتباتها، واقتنيت منها ما أعجبني وآنقني من الكتب الجديدة، وما لفت نظري من العناوين الرائقة. وكان من بين ما لفت نظري، كتاب عنوانه (أولياء الشرق البعيد، أساطير مجهولة في أقاصي المعمورة، رواية تاريخية حول كيفية انتشار الإسلام في أرخبيل الملايو)، يقع في 480 صفحة. لمؤلفه الدكتور بشار الجعفري. صدر عن دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، 2003م. أي أنه كتاب طازج في ذلك التاريخ.

غلاف كتاب بشار الجعفري عن أولياء الشرق البعيد



ترى ماذا يريد كاتب سياسي، ورجل بمستوى الجعفري، من الكتابة في هذا الموضوع؟ فإن التواصل التاريخي بين بلاد الشام وشرق آسيا كان ضعيفاً جداً، ولو كان الكاتب مكياً أو حجازياً أو حضرمياً، لما كان هناك أي عجب. لكن يزول العجب، إذا علمنا، من خلال تصفح ذلك الكتاب، وليته كان صادقاً مع نفسه، ومع حقائق التاريخ، ولم يعمد الى الكذب والتزوير.



بشار الجعفري مندوب النظام السوري المتوحش في الأمم المتحدة
ذلك الكتاب الغريب المريب ..
طالعته سريعاً في تلك الآونة، وأمررت عليه قلم الملاحظة، وسجلت في هوامش نسختي بعض التعليقات التي لم يكن بد من كتابتها. والذي استدعى مني كتابة هذا المقال الآن وبعد مضي أكثر من 10 سنوات، هو لقاء ضمني ببعض الإخوة الكرام، وجرى ذكر الكتاب، فأخرجته من صف الكتب، وقرأت عليهم بعض ملاحظاتي، فرأوا أنها قمينة بالنشر، وجديرة بالإذاعة. سيما وأن الكتاب يتصل بتاريخ السادة العلويين الحضارمة، المتوطنين منهم أو المهاجرين. فعزمت بعد ذلك على تبييض تلك الملاحظات، لقد كنت أرجو أن أعيد القراءة مرة أخرى، ولكن الوقت لا يسعف، والميسور لا يسقط بالمعسور. والله المعين.

وإليكم الملاحظات:

الملاحظة الأولى:
سرد الكاتب قصة درامية عن السيد أحمد بن عيسى المهاجر، وإيراده تواريخ محددة في ترجمته، وأحداثاً تفصيلية دقيقة، ليس له فيها أي مصدر إلا خيال الكاتب، منها:
1- تاريخ ميلاده، سنة 240هـ (ص 49، 61).
2- أسماء شيوخه، الذين عدد منهم الحافظ أبوداود، المحدث الشهير، وسهل التستري الصوفي المعروف! (ص 66).
وغير ذلك مما حشى به الفصل الأول من كتابه، من ص 49 إلى ص 148. مائة صفحة كلها كذب وخرافات وأساطير في ترجمة شخصية رجل جليل القدر، لم تسعف المصادر المتوافرة لدينا بإمدادنا بتفاصيل عنه، سوى اسمه، وموطن مولده، وبلد هجرته، وتاريخ وفاته. ولم يرد في أوثق المصادر شيء سوى ذلك. وهذا لا يضيره، فكم أفقد الإهمال من شهير.
فأي جرأة لدى الكاتب حتى ينشر أكاذيبه المحضة بهذا الشكل الفاضح؟!

الملاحظة الثانية:
قال أثناء حديثه عن هجرة السيد المهاجر إلى حضرموت، متحدثاً عن تأثير وصوله إلى مدينة الهجرين، فقال:
"وصل نبأ التجمع للإمام أحمد، وهو في داره بالهجرين، يتحدث مع الشيخ عبدالله بن محمد الزماري العمودي، من وجهاء دوعن، فاستشاره بالأمر .." [ص 153].
التعليق:
لأن الكاتبَ متسور على تاريخنا الحضرمي، فهو لا يعي ما يكتب، وكان أستر له لو لم يسوّد أوراق صفحات كتابه، ولو لم يخرجه للناس.
أسرة آل العمودي منسوبون لجدهم الأعلى الشيخ العارف سعيد بن عيسى العمودي، أو: عمود الدين، الذي توفي سنة 670هـ، وهو تلميذ السيد الإمام الكبير، الفقيه المقدم، محمد بن علي باعلوي، المتوفى سنة 653هـ.
ولا عموديَّ إلا وهو من ذرية الشيخ سعيد بن عيسى .. فكيف يصح في الأذهان أن يكون الشيخ الذماري ممن اجتمع بالسيد المهاجر؟!!!
الشيخ عبدالله الذماري العمودي، رحمه الله، كان والياً على وادي دوعن، وكانت وفاته في مدينة ذمار اليمنية سنة 840هـ. وليس هذا موضع ترجمته. وقد عرجت على ذكره في كتابي (جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي). ثم هو عالم فقيه محقق، وليس مجرد (وجيه من وجهاء دوعن)، كما وصفه الكاتب. وهو (الذماري) بالذال المعجمة، وليس بالزاي، كما رسمت في الكتاب.

الملاحظة الثالثة:
قال الكاتب في [ص 154]:
"وبعد معركة بحران، خلد الإمام أحمد للراحة، فقد طعن في السن، وصار عمره بحدود الثمانين عاماً، فأخذ ينيب عنه ابنه عبدالله، يؤم الناس في الصلاة، ويشرح لهم أصول دينهم الحنيف، وفق عقيدة آل البيت..".
التعليق:
يقول المثل العربي: كاد المريب أن يقول خذوني!.
ركب الكاتب متن عمياء، وتدخل في شئون لا دخل له بها .. ثم يقول لنا: عقيدة آل البيت!. ما معنى هذا؟!
أشراف حضرموت منذ عرفوا إلى اليوم، وهم سنيون أشعريون شافعيون، عقيدتهم هي عقيدة السواد الأعظم، ليست لهم عقيدة خاصة بهم، ولا هم على مشرب الفرق التي تدعي أنها على عقيدة آل البيت. ولكن الكاتب أراحنا من كثرة التحليل والتكهن لمعرفة مراده ومقصده من كتابة هذا الكتاب ونشره، بذكره هذه العبارة الواضحة الصريحة.
الكاتب الجعفري، وإن كان من أسرة دمشقية، ومن بيت وجد فيه أكابر من علماء أهل السنة صوفية شافعية، إلا أن هذا لا يشفع له في كون هواه غير هوى أجداده. فاتجاهه واضح لا ريب فيه. والثقافة الإيرانية طاغية في الكتاب، لأن مذهب الرافضة كما نراه اليوم، من دعاية لمذهبهم، وما يقومون به من مذابح ومنازعات سياسية هنا وهنناك، تجعلنا نستدل عقلاً وتديناً على أنه مذهب سياسي، يقوم على أساس طائفي عرقي، يتلبس بلباس الدين، ويتمسح بملاءات آل البيت، وادعاء حبهم ..

الملاحظة الرابعة:
قال في [ص 155] متحدثا عن رحلة السيد الإمام عبيدالله بن المهاجر وتجارته التي زعمها له، عبر موانئ حضرموت:
"وكان أهل ساحل حضرموت، وخاصة ميناءي الشحر والمكلا، معروفين بنشاطهم التجاري البحري مع الهند والسند وسرنديب، وأفريقيا. فذهب عبيدالله إلى هذين المينائين واستثمر قسماً من أمواله في تلك التجارة البحرية... !!".
التعليق:
ميناءا الشحر والمكلا حديثا التكوين .. أما موانئ حضرموت القديمة فكانت بروم، وحيريج، والمهرة، والأشغاء أو الأسعاء، والشحر كمدينة لم تتكون إلا في وقت متأخر، بعد أن ملكها آل فارس وآل إقبال في حوالي القرن العاشر، وساحلها يعرف بساحل الشحر أو الأشحار .. أما المكلا فكانت خيصة صغيرة، كما وصفها مؤرخونا، ولم يصبح لها شأن إلا في عهد الكسادي، أو قبله بقليل، أي من بعد القرن الثاني عشر الهجري.
فأين القرن الرابع الهجري الذي عاش فيه السيد المهاجر وأولاده، من تلك القرون المتأخرة!؟
ومن أي مصدر أتى لنا أن السيد عبيدالله بن المهاجر كان تاجراً؟!

الملاحظة الخامسة:
قال الكاتب في [ص 159] بعد ذكره وفاة الإمام المهاجر:
"فآلت الإمامة إلى ابنه عبيدالله، وكذلك رئاسة نقابة آل البيت في حضرموت واليمن..".
التعليق:
كلام فضفاض .. لا يوجد لدى كاتبه أدنى دليل أو مستمسك عليه.
وهذه مجاميع كتب سادتنا بني علوي في التاريخ والمناقب والتراجم، لم تذكر شيئا من ذلك البتة. أي نعم، السيد الجليل عبيدالله له مقامه السامي، ولكن أن يوصف بأنه نقيب أشراف حضرموت واليمن !! هذه تحتاج إلى إثبات. بل إن العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، ذهب في كتابه (إدام القوت) إلى هدم تلك الهالات اللقبية التي يضفيها المؤرخون بدافع العاطفة البحتة، البعيدة عن التحقيق العلمي التاريخي، ويراجع كلامه في موضعه.
تكرر ذكر النقابة عند المؤلف في ص 163، وص 168، وص 171.
وفي الموضع الأخير قال، عند ذكره وفاة السيد محمد بن علوي بن عبيدالله:
"واجتمعت العائلة، وصحبها، وقرروا نقل الإمامة إلى ابنه علوي بن محمد، مع تسميته نقيباً لهم، على غرار سنتهم التي ساروا عليها أباً عن جد.."!!.
ثم كم هو عدد أشراف بني علوي وقت موت المهاجر؟! لم يتجاوز عددهم العشرة، فعن أي نقابة يتحدث الكاتب!!؟. نعم، ثمة نقابة عرفت في زمن النقيب أحمد بن علوي باجحدب ت 973هـ، وقبله في زمن السيد النقيب عمر المحضار 833هـ، ذكرها المؤرخون، وذلك بعد أن انتشرت الذرية المباركة، وتكاثرت الأسر والبيوت العلوية.
لا أظن السادة بني علوي في حاجة لمتطفلين يعرفونهم بتاريخ أجدادهم!. فقد كفاهم أسلافهم مئونة الكتابة والتدوين، وحرروا تراجم أسلافهم أيما تحرير.

الملاحظة السادسة:
قال الكاتب في [ص 163] مستطرداً في روايته الخرافية الساذجة عن أصول سادتنا بني علوي، مما يدل على جهله المطبق، وغرضه المشبوه في روايته السخيفة المحرفة المكذوبة:
"عاد الإمام عبيدالله من سوق الرابية إلى الحسيسة، مثقلا بالأخبار السيئة الواردة من أنحاء الخلافة كافة، وماهي إلا أيام، حتى توفي أمير حضرموت أبوالجيش، فخلفه ابنه عبدالله بن أبي الجيش، وهو بعد صبي..".
التعليق:
يقول الحكماء: إذا بليتم فاستتروا!.
ترى ما دخل أبي الجيش الزيادي، حاكم زبيد، بحضرموت وأهلها؟!
أبو الجيش، هو القائد محمّد بن إبراهيم بن زياد، الذي ملك زبيد، وتوفي بها سنة 391هـ. لم يأت إلى حضرموت، ولا كان أميراً عليها، ولا عرفها ولا عرفته. فمن أين يأتي ذلك الهاذي بتلك الغرائب؟!
هذا مدعاة للشك في أن يكون الرجل ألف الكتاب بنفسه ..

الملاحظة السابعة:
قال الكاتب في [ص 204]، في الباب الثالث، الذي جعل عنوانه (في الهند، على الطريق إلى آتشيه)، بعد أن تحدث عن رحلة نسجها خياله للسيد عبدالملك عم الفقيه إلى الهند ومنها إلى آتشيه!!:
" .. وشرح السلطان لعبدالرحمن وصحبه أن الإسلام قد وصل إلى الجزيرة في عام 548هـ على يد داعية إيراني قدم من تبريز، ويدعى أبا البركات يوسف التبريزي!..".
التعليق:
هذا الكلام كله من نسج الخيال .. فأي شيء منه نأخذ أو ندع؟!.
الملفت في الكلام أن هناك عملاً ممنجهاً في الرواية إلى ترسيخ قدم التسمية الإيرانية لبلاد فارس. فمعلوم أن إيران اسم مستحدث لبلاد فارس الإسلامية السنية التي فتحتها جيوش الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأن الإسلام فيها قديم جداً. ويعود تاريخ إطلاق هذا الاسم على بلاد فارس إلى سنة 1934م، زمن حكم رضا شاه بهلوي، بتواطئ المؤرخين الفرس سعيد نفيسي، ومحمد علي فروغي، وغيرهما، من دهاقنة السياسة الفارسية آنذاك.
ولكن يبدو أن الجعفري يطمح إلى ما فوق ذلك، فهو يريد أن يرسخ لدى القراء أن إيران قديمة الوجود على الخارطة الدينية والفكرية، منذ العصور القديمة، وهذه لعبة مكشوفة. فليلعب سواها، فإنه لن يتمكن من الضحك على عقول القراء، مادام يوجد فيما بينهم من يقرأ بعقله قبل عاطفته.

الملاحظة الثامنة:
قال الكاتب في [ص 208]، في أثناء حديثه عن سلطنة آتشيه، أيضاً:
" .. ولقد أدى تأسيس السلطنة الإسلامية في آتشيه إلى تهافت التجار والدعاة المسلمين من كل حدب وصوب إليها، وصار لهم مكان يجتمعون فيه، يدعى "أدي قناة"!
ومنهم داعية جاء من حضرموت، ويدعى أحمد بن أبي بكر الشلي، كان قد تتلمذ على يد الإمام علي بن محمد بتريم، ثم فر منها بعد المذبحة التي قام بها عثمان الزنجيلي، عندما دخلها واستباح حرماتها..".
التعليق:
لم يتهافت سوى كذب ذلك الكاتب الذي لا يزال يصدق نفسه أنه مؤرخ، أو قاص، وما أقصوصته إلا الأكاذيبُ. وخذوا هذه الحقائق، لتعلموا مدى كذبه وتزويره في كل صفحات كتابه السخيف.
آل الشلي أسرة علوية تنسب إلى السيد الشريف عبدالله (الملقب شليه) بن أبي بكر بن علوي الشيبة بن عبدالله بن علي بن عبدالله باعلوي. [الشاطري، المعجم اللطيف: ص 110]. توفي السيد عبدالله شليه سنة 924هـ، [ترجم له حفيده في «المشرع الروي»: 2/127، وينظر: الحبشي، عقد اليواقيت، بعنايتي: 2/952].
شيوخ السيد أبي بكر شليه، كما في «عقد اليواقيت»، هم: والده، ومحمد بن علي مولى عيديد المتوفى سنة 862هـ، وأبوبكر العدني ت 914هـ، وحسين، ابنا العيدروس الأكبر، وعبدالرحمن بن الشيخ علي، وعبدالله بن أحمد بامخرمة، الجد، ت 903هـ، وغيرهم.
كلهم بين القرن التاسع والعاشر، فأنى له أن يأخذ عمن توفي سنة خمسمائة ونيف وتسعين؟!!.
وأنى لمن توفي في القرن العاشر أن يدرك مذبحة الزنجيلي التي حدثت سنة 576هـ، أو السنة التي تليها؟!

الملاحظة التاسعة:
قال الكاتب في [ص 315]، في أثناء حديثه عن رحلة ابن بطوطة اللواتي الطنجي، الرحالة الشهير:
" .. وفي (ظفار)، اجتمع ابن بطوطة بالإمام محمد مولى الدويلة، رئيس نقابة الطالبيين في حضرموت، وابنه الشيخ عبدالرحمن السقاف، وأخبرهم نبأ أقاربهم في الهند والصين، وجمقا، وسومطرا، وميندناو..".
التعليق:
هل رأيتم كذباً كهذا الكذب المكشوف؟!
لن أعلق بأكثر من هذا ..

الخلاصة:
هذا الكتاب وأمثاله، من الدسائس التي يراد من نشرها وإشاعتها، غسل الأدمغة، والكذب على العقول، وتزييف الحقائق التاريخية، سيما لدى البسطاء والعامة من الناس، بل حتى بين المثقفين الذين ليس لهم معرفة بالمصادر الصحيحة، سيما في ظل غياب المصادر الموثقة، أو قلة انتشارها. ومثل هذا الكتاب، لاشك وأنه قد نشر بأكثر من لغة، كالعربية، والإنجليزية، والإندونيسية (الملايوية)، وغيرها. سيروج بكافة الوسائل والطرق المتاحة. لذا فإن التصدي لمؤلفه، وأمثاله، أمر واجب.

أرجو أن أكون قد وفقت في التنبيه على خطره، وعلى أخطائه الفاحشة، ودللت على تزوير مؤلفه، وعبثه بالتراث التاريخي العلوي الحضرمي، والعمل على تشويهه وتطويعه ليتوافق مع رغبات مؤلف الكتاب. وهذا جهد المقل، ولو أردت التعليق والملاحظة على الكتاب بكماله، لأخذ مني ومن القراء وقتاً طويلاً. ولكن ما ذكرته هنا، كاف فيما ذكر من إرادة التنبيه على خطره.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ..

د. محمد أبوبكر باذيب
28/6/1435هـ
الموافق: 28/4/2014م






الأحد، 27 أبريل 2014

ما قلت لك: أدي له من الخضراء(*) .. يمشيك !!

ما قلت لك: أدي له من الخضراء(*) .. يمشيك !!

دلف الأب الثري، إلى قاعة المناقشات في الحرم الجامعي
واستمع إلى مناقشة ابنه المدلل السمين ..
وبينما المشرف والمناقشون، في احتدام المناقشة
ومع تلعثم الابن .. وعدم إلمامه بمادة البحث الذي كتبه
له باعة الضمير، في سوق النخاسة الكتابي العربي

إذا بالأب يصرخ قائلا: ما قلت لك يا ولدي .. أدي له من الخضراء!!
لو كان أديت له .. كان مشاك!!



احمر وجه الابن بشيء من حمرة الحجل الموضعي المؤقت
وطالب رئيس الجلسة أن يخرج الأب من القاعة
(حفظاً لماء الوجه .. فيما زعموا!!)

وانفض اللقاء ..
ونجح الابن.
نجحت الوصفة!!

وتعين الابن المدلل أستاذا جامعياً في جامعة مرموقة ..
بسر الورقة الخضراء ..

هامش:
هذه وقائع قصة حدثني بها زميل للولد المدلل .. بعد سنين من الواقعة. وكانت المناقشة لرسالة ماجستير في التاريخ الإسلامي.
* الخضراء: الورقة ذات فئة 100 دولار!

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

توضيح المعالم في التفرقة بين الواعظ والمتعالم والعالم



كتب إلي أحد الإخوة  .. يقول:
دار بيني وبين أخٍ عزيز نقاش حول المبالغة في وصف الدعاة إلى درجة العلماء ؛ بل الاستغراب ممن لا يقبل لهم هذا الوصف ؛ وكأنني أقصد انتقاصهم ، أو حسدًا لهم!!
فقال لي: مثل من ؟
قلتُ له: مثل الداعية الشيخ فلان ،
الرجل لم يستوعب كلامي !!. وقال مستنكرًا: هو معروف بالعلم ودرس عند المشايخ فلان، وفلان ... إلخ. وانقطع النقاش اضطرارًا ، على أن نكمل لاحقاً.
سؤالي: ما هي المعايير المنصفة المنضبطة المقبولة للجميع لصحة وصف الشخص و: "العالم"؟ وما هو السلّم الذي ينبغي أن يكون سلكه حتى وصل إلى درجة العالم.

أقول لأخي العزيز ولكافة القراء ..
كنت وعدت بالكتابة مرة أخرى حول هذا الموضوع. ولامانع من العودة إليه مرة أخرى.
بعض المتابعين لما كتبته سابقاً ظنوا أن النقد والمتابعة الحثيثة لإصلاح صفوفنا الداخلية تكمن في الأخذ على أيدي شباب تصدروا للدعوة أو للوعظ العام، مع نقص الإمكانيات العلمية، وحسب. وظنوا أن الكلام منصب على فئة (الشباب).
وهذا غير صحيح .. إنما نقدنا هو لمن فقد معيار ما يخوله أن يسميه الناس (عالما). ولو كان من لابسي أفخر المشالح، وأكبر العمائم. العلم لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، ولا ذكراً ولا أنثى، ولا سيداً ولا مسوداً. العلم شريف في نفسه، يبني من العدم بيوتاً، والجهل يهدم بيت العز والشرف.

وهل تظنون من يتسمون في زمننا هذا بمحدثي العصر، ومفاخر الدهر، ومحققي الأوان، وغير ذلك من الألقاب .. بمعزل عن النقد، وبمنأى عن أن تطالهم أقلام الناصحين. فليكنوا من أهل الحديث، أو من السلفيين، أو الصوفيين، أو أي فئة أو طائفة من طوائف المسلمين العديدة، ميزان العلم لا يختلف من فئة الى أخرى، ولا من طائفة الى غيرها. إما علم، وإما جهل.

... ماهي المعايير؟
السؤال هنا عن المعايير المنصفة المنضبطة المقبولة للجميع لصحة وصف الشخص و: "العالم" ؟ وما هو السلّم الذي ينبغي أن يكون سلكه حتى وصل إلى درجة العالم.
نعم .. نريد أن نحدد معايير العالم من غيره.
أما من حيث العلم الإجمالي، الذي يخرج به الشخص من حيز الجهل المطلق الى سعة العلم الجزئي .. فتعلم ما يجب معرفته من الدين بالضرورة. واكتساب بعض المعارف التي تنفي عنه صفة الأمية والجهل.
ولكن هذا لا يرقيه الى مرتبة العلمية الخاصة.
فمن هو العالم؟!
أجاب الإمام الشافعي عن هذا السؤال، ووضع أهم المعايير التي ينبغي لطالب العلم أن لا يخلي منها عمره، ولا تحصيله. في قوله:
أخي لن تنال العلم إلا بستة ** سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ** وصحبة أستاذ وطول زمان

فأولها: الذكاء، واتقاد الذهن، وجودته. لأن به يستطيع الإنسان تمييز العلم النافع له من غيره, فيحرص على جودة التحصيل، ونبذ ما لا يفيد.

الثاني: الحرص. أي على اغتنام العمر، لأنه إن ذهب خلياً في أوله، لم يفلح صاحبه في آخره. كما قال الشاعر:
وهل موسم إلا الشباب فإن مضى ** خليا، فباقي العمر يتلوه قافيا

الثالث: الاجتهاد. والمراد هنا الجد في الطلب، وعدم الكسل. وليس الاجتهاد الاصلاحي عند الأصوليين. وأخبار السلف في الجد في التحصيل كثيرة، يكفي لمعرفتها مطالعة كتاب العلامة الجليل الشيخ عبدالفتاح أبوغدة رحمه الله (صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل).

الرابع: البلغة. أي: تحصيل القدر اللازم من المال الذي به يكتفي الإنسان عن الاحتياج الى الغير، مما يلزم منه التذلل لهم، وبقاؤه في ربقة الانصياع والائتمار للغير.

الخامس: صحبة الأستاذ. وهذه أهم المهمات، فمعرفة الشيوخ، وحسن انتقائهم، والتوافر على معرفة شيخ مربي تقي نقي عالم صالح، أمر لا يكون إلا بالتوفيق. ولا يتأتى التوفيق إلا مع الإخلاص في طلب الشيخ.

السادس: طول الزمان. وهذا قل من يتنبه إليه. فليس العلم يؤخذ في دورة صيفية من ذوات الأربعين يوماً، ولا في حضور درس شهري أو أسبوعي. نعم، تلك أمور مفيدة، تعين على معرفة أول الطريق، ولكنها وسيلة لما بعدها، وليست غاية. فالأحمق من ظن أنه بحضوره دورة في علم الحديث لمدة شهر سيصبح محدثا، أو بمجرد حضور مجالس سماع الصحاح في مدة معلومة سيصبح من أهل العلم. وكذلك من ظن أن تحصيل الإجازات يغنيه عن القراءة والتحصيل والطلب.
تلك أمور حسنة، ولكنها إذا عدم صاحبها التوفيق، والنظر الى ما بعدها وما وراءها، من ركوب متن الصبر، وامتطاء ذروة العزيمة والمجاهدة لبلوغ أعلى المراتب .. فإنها تكون مضيعة للعمر، مجلبة للسخط والفساد.

قال الإمام الحداد في (النصائح الدينية و الوصايا الإيمانية): "وأما الاتساع في العلوم الدينية النافعة ، والاستكثار منها، والزيادة على قدر الحاجة، فذلك من أعظم الوسائل إلى الله، وأفضل الفضائل عند الله، ولكن مع الإخلاص لوجه الله في طلب العلم، ومع مطالبة النفس بالعمل بما تعلم . وتعليمه لعباد الله، مريداً بذلك كلّه وجه الله والدار الآخرة" [ (ص: 98)].

والكلام يطول .. وخلاصة الأمر: أن من خلا عن تلك الأمور الستة التي ذكرها سيدنا وإمامنا الشافعي رحمه الله، فهو دعي في العلم، واليوم نرى أناساً يصدرون ويقدمون للناس، ويوصف الواحد منهم على أنه (محدث العصر)، وهو لم يلزم شيخاً واحداً، ولم يعكف أو يجث بركبتيه في مجلس شيخ، بل منهم من نشأ عاقاً لأبيه، مكباً على الصحف والكتب، وظهرت على يديه منافع ظاهرة، ولكنها مشوبة بما فيه تفريق للمسلمين، وتهجم على عامتهم، وتطاول على سلفهم، وإزراء بما عليه الأمة من تقليد لمذاهب دينية فقهية راسخة، فخرج الناس بسبب الجرأة على أهل العلم، من تقليد الشافعي الى تقليد الوادعي، ومن تقليد أبي حنيفة النعمان الى تقليد قاضي بني شوكان. وهلم جراً.

ومنهم من برز بمظهر الوعظ، وأجاد الكلام على شاشات التلفاز، وأصبح يقدم نفسه على أنه مصدر لمعرفة حديث الرسول، ولفقه السلف الفحول، فكل ما يقوله ذلك المنطيق، فهو خلاصة وعين الدين، وما سواه فهو الضلال المبين. فافتتن به الشيب والشبان، والعجائز والصبيان. وأصبح مرجعهم: حلقة الشيخ فلان، على شاشة قناة الإيمان، في ليلة الخامس من رمضان!! وضاع بذلك فقه الشافعي وأبي حنيفة النعمان، في زمن تشيخ الغلمان. والى الله المشتكى من هذا الحال .

فما هو الحل؟
الحل، هو أن يتجه الإعلاميون الى إبراز الواجهات العلمية الأصيلة، وأن يعودوا بالناس الى منابع العلم الراسخ، بتوجيه الأنظار الى المصادر الدينية الثابتة، التي حفظ الله بها دينه على مر العصور، وأن يعملوا على توثيق اتصال الناس بمصادر العلم الكبيرة، وأن يقوم أهل الغيرة بإسكات المضللين والمضللات، من أشباه العلماء والعالمات، وأن لا يسمح بالوعظ إلا لمن استكمل أدواته، وأجيز بالتصدر والوعظ من حملة العلم وحماته، وأتم دراسة وحفظ المقررات الموضوعة على أيدي ثقاته، وإلا بقينا في العمه والتيه، وفي مثال الحمار ذي الأسفار كفاية لكل نبيه.

ومن مقترحات السلم التعليمي لطالب العلم (شافعي المذهب):
-       حفظ القرآن الكريم أو ما تيسر منه، مع إتقان تجويده.
-       دراسة علوم القرآن، من كتاب مختصر فيها، مزبدة الإتقان، أو مباحث للقطان، أو التبيان للصابوني.
-       قراءة الكتب الستة، إن تيسرت، أو الصحيحين على الأقل، مع الموطأ برواية يحيى. ثم التوسع لمن أراد، بقراءة المسند الحنبلي، وما وراءه. كما يجب عليه تطلب قراءة كتب الموضوعات، وعليه بالمصنوع والمنار المنيف بتحقيق الشيخ عبدالفتاح، والمقاصد الحسنة، وكشف الخفاء للعجلوني. وغيرها من المطولات كاللآلئ المصنوعة للسيوطي، والفوائد المجموعة للشوكاني، ثم تنزيه الشريعة للكناني، وغيرها.
-       دراسة العقيدة، من متن الطحاوية، وبعض شروحها كشرح الميداني. أو النسفية مع شرح السعد وبعض الحواشي عليها، أو الجوهرة مع شرح الباجوري. أو الخريدة مع شرح الصاوي. أو السنوسية وشرحها الكبير. ويطالع مع ذلك بعض كتب الردود والمقالات، ومن أهم ما ينبغي طلبه في هذا الباب مقالات العلامة الكوثري، وسائر كتبه الأخرى.
-       دراسة النحو من الأجرومية مع التحفة السنية لمحيي الدين، فالملحة وبعض شروحها، فالمتممة مع الكواكب، فشرح القطر، فابن عقيل مع حفظ الألفية إن تيسر. ثم مطالعة التسهيل وشرح عليه.
-       دراسة علوم اللغة. من المعاني والبيان والبديع والبلاغة، فيحفظ متن الجوهر المكنون، ويقرأ شرحه، وحواشيه، والتلخيص للقزويني وشرح السعد، وينظر في المطولات، وفي مصنفات المعاصرين المفيدة في الباب.
-       دراسة علم المنطق، من إيساغوجي، وشروحه وأهمها شرح شيخ الإسلام زكريا، ثم السلم المنورق وشروحه، فالشمسية وشرحها للقطب، وألفية ابن شهاب وشرحها نظام المنطق.
-       دراسة الفقه بدءا بالمختصرات، كالسفينة وأبي شجاع، مع ابن قاسم، فالمقدمة مع المنهاج القويم أو بشرى الكريم، ثم فتح المعين، فالعمدة، ثم المنهاج مع المغني، ثم التحفة. فمطالعة التنبيه والمهذب.
-       دراسة الأصول: بدءا بالورقات، فشرح الحطاب عليها، فنظمها للعمريطي مع شرحه، فمراقي السعود وشرحه نشر البنود، فلب الأصول مع شرحه الغاية، فالمنهاج الأصولي مع شرح الإسنوي، فجمع الجوامع مع مطالعة حاشيتيه. ثم قراءة ومطالعة المطولات كالبرهان والمستصفى، ودراسات المتأخرين وتلخيصاتهم كأبي النور زهير، والوجيز لهيتو، وأمثاله من المعاصرين.
-       دراسة علوم الحديث، بدءا بالبيقونية وشروحها ومن أجودها شرح العلامة عبدالله سراج الدين، فالنخبة وشرحها وحواشيها، فالمقدمة الصلاحية وشرحها ونكتها للحافظ ابن حجر، فتدريب الراوي، فتوجيه النظر للجزائري وظفر الأماني للكنوي، وبقية رسائله ومصنفاته التي أخرجها العلامة أبوغدة، رحمه الله. كما أن كتب الأثبات والأسانيد لا يخلو النظر فيها من فوائد لمن تطلبها.
-       ثم بعد ذلك يطالع كتب التاريخ، بدءا بالسيرة النبوية، فيقرأ سيرة ابن هشام، فالسيرة الحلبية، فسيرة الدحلان، فما فوقها كسيرة الصالحي. ثم يطالع تاريخ الطبري، والبداية لابن كثير، فكتب الصحابة كالاستيعاب والإصابة. وكتب التراجم لمتأخر القرون، وتاريخ أهل بلده وأعلامهم، وأجداده إن كان من بيت علم، ليحصل له التأسي بهم. ولا يخلي يده من كتاب (الأعلام) للزركلي لفائدته.
-       ثم ينظر في كتب البلدان، ككتاب ياقوت، وابن الفقيه، وكتب المواضع كمعجم ما استعجم، والروض المعطار، وكتب الرحلات.
-       ولا يخلي وقته من النظر في كتب الأدب، وحفظ المعلقات، والمقامات الحريرية والبديعية، ويحفظ ما تيسر من شعر الجاهليين، فالمحْدَثين كالمتنبي وأضرابه، ويطالع في كتب الأمالي لفائدتها، كأمالي ابن الشجري، والقالي، واليزيدي. ومعجم الأدباء لياقوت، وكتب الأدباء المعاصرين كالرافعي ومحمود شاكر، وأمثالهم من أهل مصر والشام، وهلم جرا، والباب واسع جدا.

فإذا ما حصل الشخص هذه الكتب، ورقى في ذلك السلم التعليمي، أو ما يماثله، كانت الثقة بوعظه، وتمكن من التربع على كرسي الإرشاد والإفتاء والتعليم، وكانت له الصدارة عن جدارة .. ويعرف العالم بسمته، ورسوخه، ورزانته وبعد نظره، وتأمله في الوقائع والأحداث، ولا يعجل بالكلام دون النظر في محتوشات الأمور، نعوذ بالله من الغرور. 

وغير من تقدم وصفه، هو المتعالم: وهو شخص يدعي حيازة هذه العلوم، والاطلاع على منطوقها والمفهوم، ولكنه ينكشف عند الامتحان، وعند مطالبته بمقروءاته وذكر شيوخه.

أما الواعظ .. فهو دون ذلك بكثير، فيكفيه معرفة ضروريات الدين، وقراءة بعض كتب الرقائق والسلوك، وشروح بعض كتب الحديث، وحفظ بعض مقالات الصالحين، والتدرب على الكلام والخطابة، وإن أضيف إليه شيء من الذكاء واللباقة، كان ذلك حسناً. 
ووصف الداعية والواعظ بالعالم، من باب علمه بجملة من الأمور الدينية، وصف صحيح. ولكن وصفه بالعلامة الفهامة، ونحو ذلك من المبالغات، من الأمور الممجوجة، التي بسببها تشتبه الأمور على العامة، ويظنون كل صاحب عمامة، فقيهاً فهامة.
ومما يحسن بالداعية علمه، والنظر فيه، ليجزل خطابه، ويحسن نظامه، قراءة كتب الرقائق، ككتب حجة الإسلام الغزالي، وكتب ابن الجوزي، ومصنفات بعض المعاصرين، كالشيخ الداعية الكبير أبي الحسن الندوي، وكتب الداعية المصلح الشيخ محمد الغزالي، والأستاذ الغيور أنور الجندي، والأستاذ فتحي يكن، وأمثالهم، فهي مفيدة للداعية، وتعطيه أبعاداً دعوية، ومجالات متعددة للكلام والوعظ، والتأثير على المستمعين والمتابعين.
كما أن حفظ بعض الطرائف، والأخذ من كتب الأدب شيئاً من القصص والأخبار، أمر محبب للناس، ونحن نرى ونسمع كيف يكون تأثير القصاص على المجتمعات، حتى أن الأحاديث الموضوعة لم تسر في الأمة ويستشري شرها إلا من طريق مجالس الوعاظ والقصاص، وقديماً صنف السيوطي رحمه الله كتابه (تحذير الخواص من أكاذيب القصاص). 

والله المستعان، وعليه التكلان. اللهم علمنا من لدنك علماً واسعاً يا ذا الجلال والإكرام.

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

والدي؛ و«صحيح البخاري»



منذ نشأنا في حجره، وميزنا ..

سيدي الوالد الشيخ أبوبكر بن عبدالله باذيب حفظه الله


كان والدنا حفظه الله تعالى كثير التعلق بكتب العلم. ولم تكن تفارقه نسخته من «صحيح البخاري»، تلك النسخة العتيقة، التي حفظت له ذكريات عزيزة. وهي نسخة عتيقة، من الطبعة السلطانية، مضبوطة ومحررة، اقتناها في مكة المكرمة عند قدومه لموسم حج سنة 1378هـ. وهي السنة التي ولد له فيها شقيقي أبو محمد، محفوظ أبوبكر، حفظه الله.




كان أبي في تلك السفرة، بصحبة والده، الجد الشيخ عبدالله بن سالم باذيب (ت 1382هـ)، بعد قدومهما من بومباي، حيث أجريت عملية الماء الأزرق لعيني الجد، ولكنه لم يستفد منها، وظل بصره مكفوفاً الى وفاته رحمه الله سنة 1382هـ، وفيها كان وجود أخي عبدالله، الذي سمي على اسم جده.

حج الوالد والجد مع السيد المطوف، شيخنا الحبيب محمد بن صالح المحضار (ت 1427هـ)،

السيد المطوف محمد بن صالح المحضار رحمه الله

وكان معهم في المخيم، شيخ مكة، السيد العلامة علوي بن عباس المالكي (ت 1392هـ)،

السيد العلامة علوي بن عباس المالكي رحمه الله

كما اتفق في تلك السنة حضور سيدنا ومرشدنا الحبيب العلامة، أحمد مشهور الحداد (ت 1216هـ)، رحم  الله الجميع.

السيد العلامة الحبيب أحمد مشهور الحداد رحمه الله

ومن أخبار الحبيب أحمد مشهور، مما حدثني به أبي، قال: كان السيد أحمد مشهور الحداد، يأتي بالسنن النبوية على الوجه الأتم، ويحرص على اتباع ما ورد، حتى أنه كان يحتفظ بقصعة صغيرة بقدر المد، يستخدمها للوضوء، لا يزيد في وضوئه على قدرها.

وفي تلك النسخة، كانت قراءاته المتكررة للصحيح على شيخه السيد عبدالله بن مصطفى بن سميط في زاوية المسجد الجامع بشبام .. وقبلها كان يقرأ في النسخ المتوفرة في الزاوية .. وربما من نسخة قديمة من الصحيح كانت في ملك الأجداد.

شيخ شبام السيد العلامة عبدالله بن مصطفى بن سميط رحمه الله

وفي زاوية المسجد الجامع، كان للوالد، ولصديقه وزميله في الدراسة والطلب، الشيخ محمد جبران بن عوض جبران، صحبة وتآخي، وعلى مائدة «صحيح البخاري» في شهر رجب، كانا يلتقيان صباح مساء، فيحضران في الزاوية وقت اجتماع الناس، وإذا تفرق الناس، عكفا على القراءة بمفردهما، ليقطعا شوطاً في الكتاب، حتى يكون الختم في موعده المضروب له سلفاً. وكان الختم يكون يوم 27 رجب.

المسجد الجامع بمدينة شبام حضرموت

وسبب القراءة الانفرادية، أن القراءة بحضور العامة كانت بطيئة، وكان السيد عبدالله يشرح بعض الأحاديث التي تمر بهم في المجلس، أو يجيب على أسئلة السائلين. وهذا يحدث في أكثر حلقات القراءة في كافة البلدان.

رسالة من السيد عبدالله بن مصطفى لتلميذه الشيخ الوالد
يظهر فيها الاحترام الكبير بين الشيخ والتلميذ

كما أن عادة ختم «صحيح البخاري» متبعة في كثير من بلدان اليمن وحضرموت، وغيرها من بلاد العالم الإسلامي. وفي زبيد والحديدة والتهائم لهم عناية كبرى.

وكان سيدنا الجد، الشيخ العلامة المسند الفقيه، محمد بن أبي بكر باذيب (ت 1324هـ) رحمه الله تعالى، قد أحضر سند «البخاري» من شيوخه في زبيد وتهامة اليمن، وأشهر قراءة «البخاري» في شبام عقب استقراره فيها بعد أن أقام في مدينة الحديدة سنين طوال، لازم كبار فيها شيوخ عصره، قرأ عليهم، وروى عنهم، وقد ذكرهم في إجازته الحافلة التي كتبها للسيد العلامة أبي بكر بن سالم الحبشي، ولابنه السيد عبدالله بن أبي بكر، رحمهما الله، بمناسبة هجرتهما من شبام إلى أرض جاوة، سنة 1320هـ تقريباً. وقد نشرتها وتوسعت في التعليق عليها ضمن كتابي «المحاسن المجتمعة في مآثر الإخوة الأربعة».



ربنا انفعنا ببركتهم ** واهدنا الحسنى بحرمتهم

وأمتنا في طريقتهم ** ومعافاة من الفتن