السبت، 29 يونيو 2013

في وداع الزاوية


في وداع الزاوية






هذي الحياةُ الفانية ** ليسَتْ حياةً باقيةْ

جلّ الأنام تكالبُوا ** يرْجُون شمْطا عاريةْ

متقبضّونَ بحبلها ** تلكَ الحبالُ الباليةْ

سكروا بخمر غرورها ** ألقتهم في الهاويةْ

يا مَن ركنتَ لرُكنِها ** أبصِرْ طريقكَ ما هيه!

بعد الثّمان تصرمَتْ ** عني حبالُ الزاويةْ

والأمرُ بالإفراغ قد ** وافَى .. فأبكى حاليَهْ

وتعبتُ من بحثٍ على ** مأوى يسدّ الحاجيَة

والفكر طاش وهذه الـ ** ـعبراتُ صارت جارية

* * *

يا ليلةً في الزاويةْ ** صارت لياليَ ماضيةْ

لا زال حلواً ذوقها ** تلك الشهور الحاليةْ

في حفظ رب العرش أودعْتُ السنين الخاليةْ

ومجالساً عشنا بها ** أوقاتُ وصل هانيةْ

ليسَتْ تدومُ لأنها ** ضمْنَ الحياة الفانيةْ


محمد باذيب
مساء السبت 20شعبان 1434هـ

الخميس، 27 يونيو 2013

تقديمي لكتاب (جمعية الحق، رائدة النهضة بحضرموت)، لمؤلفه الأستاذ هشام الرباكي



باسْمِه تعالى



كم هو جميل أن ينظر المرء حواليه باحثاً عن بعض الأثارات من علم وأخبار من مضى، فيبحث ذات اليمين وذات الشمال فلا يجد ما يبرد الغلة، أو يشفي العلة، على الفضول وحب الاستطلاع، واستكناه أحداث الأيام الخوالي. ثم إذا به يظفر بين طرفة عين وانتباهتها، فيجد ما كان شغوفاً بمعرفته، والبحث عنه.
وكم في تراثنا وتاريخنا الإسلامي عموماً، والتاريخ المحلي لبلدان المسلمين، من معالم وأحداث لم تأخذ حظها من البحث والإبراز والتوثيق، وتمضي الأيام والسنوات، وتنسى وتضيع الكثير من الحقائق والأخبار، وتندثر وتبلى الوثائق، ولا يسلم من عوادي الأزمنة، ومن الاندراس تحت عجلة التاريخ إلا ما كتب الله له البقاء، وحفظه للعيان، بسبب نية صالحة كانت قد سبقت لمؤسسيه، أو لحكمة أراد المولى إظهارها وبروزها للعيان.
وما جمعية الحق في تريم، أثراً وتاريخاً، إلا نموذج لما وصفناه من تلك الآثار العمرانية الحضارية، التي أصابها ما أصاب غيرها من المعالم الأثرية المهمة في وادي حضرموت، فإن هذا المعلم العلمي الحضاري الإسلامي، الذي يعد من مفاصل تاريخ النهضة الحديثة في وادي حضرموت، أقصى جنوب الجزيرة العربية، والذي أضاء للناس في البلدة الغناء بضعة عقود من الزمن، كان قد خبا ضوءه، وطفئت شمعته، لأسباب تاريخية وسياسية واجتماعية عديدة.
كتب الكثيرون من أبناء تريم، ومن مؤرخي الحضارمة، عن جمعية الحق وعن مدرستها، وكانت كتاباتهم تعريفية أكثر من كونها توثيقية، وقد أبرأوا ذمتهم أمام التاريخ بذكر تلك المعلومات القيمة التي أودعوها مصنفاتهم، كما فعل العلامة ابن عبيدالله السقاف، والعلامة محمد الشاطري، والأستاذ باوزير، وغيرهم، ممن كتب عن النهضة العلمية وتاريخها في حضرموت. ولكن الحاجة الماسة إلى إظهار دور تلك المدرسة والجمعية لم تزل دواعيها قائمة.
لقد اندرست أكثر معالم المبنى التاريخي الذي أنشئ ليكون مقراً لجمعية ومدرسة الحق بتريم، ولكن الأهالي، وورثة المؤسسين احتفظوا بالعديد من الوثائق المهمة التي يعود بعضها إلى ما قبل قرن من الزمان.
ومما شهدته في مدة إقامتي بتريم الغناء، أيام الدراسة في كلية الشريعة بها، محاضرة قيمة ألقاها السيد الفاضل علوي بن سهل الكاف، حفيد السيد عبدالرحمن بن شيخ الكاف، أحد مؤسسي الجمعية، بل هو أبوها الشرعي إن صح التعبير، والسيد علوي يحتفظ لديه بوثائق التأسيس ونص القانون الرسمي، وغير ذلك من الوثائق. وكانت محاضرة ممتعة، ألقيت في مقر حزب الإصلاح بتريم، الكائن في الشارع العام قرب قصر التواهي، وكان من بين الحضور الشيخ علي سالم بكير باغيثان، والأستاذ كرامة سليمان بامؤمن، وعدد من المهتمين، وكانت المداخلات جيدة، كان ذلك في سنة 1419هـ فيما أذكر. ولم أحضر محاضرة تاريخية في تريم سواها آنذاك. وعقب تلك المحاضرة تواصلت مع السيد علوي سهل الكاف، رغبة في خدمة تاريخ حضرموت وإبراز تلك الوثائق التي لديه، فرأيته متحفظاً بعض الشيء، وقال: سيأتي وقتها المناسب لنشرها.
وهاهو اليوم قد أذن وسمح بنشر وثائق جمعية الحق، وتصدى للكتابة عنها، الأخ الكريم الأستاذ هشام الرباكي، من أبناء الغناء النشطين، فحياه الله، وحيا همم الشباب الناهض المتطلع لخدمة تاريخه وتراثه، وقد كتب هذا البحث الشيق، وطعمه بالتراجم والصور، وأفرغ ما وجده من معلومات في بطون الأوراق القديمة وسود بها أوراق بحثه، فأشبهت الكحل في عيون بحثه القيم.
ولقد حمّلني الأخ الكريم عبءَ التقديمِ لبحثه هذا، وهو وإن كان مستغنياً عن سطوري، قائماً متحدثاً عن نفسه بنفسه، إلا أن حسن ظن أخي الكريم، ورغبته في التواصل العلمي، ولمودة يكنها في قلبه الصافي تجاه إخوته، دفعته إلى طلب ذلك، والإلحاح عليه، والمتابعة الحثيثة لتحقيقه، ولا أجد ما أكافئه به إلا قولي:

أحسَنْتَ صُنعاً يا هشام ** ووقيت من حسد اللئامْ

أحسنْتَ صُنعاً يا ابن هـ ** ـاتيكَ الروابي والخيامْ

أدّيتَ دَيناً في رقابِ الــ** ــقَومِ هذبْتَ الكلامْ
و
لقد أمطْتَ ببَحثِكَ الــ ** ـــغالي عن الحُسْن اللثامْ

هو حُسْنُ مأثَرةِ النهو ** ضِ وحُسْنُ جَوهرة النظامْ

جمعيةِ الحقِّ التي ** نهضَتْ بها قومٌ عظامْ

جمعيةِ الحَقِّ التي ** لمعَتْ ضياءً في الظلامْ

كَمْ ذا لها من سُمعةٍ ** حَسُنَتْ وكان لها احترامْ

قد شَادَها قومٌ سمَوا ** بالعلم يا نعم الكرامْ

وتخَرجُوا من الأولى ** أهلُ المعارف والذّمامْ

حلقْ بتاريخ البلا  ** دِ وقُمْ، وحَقِّك لن تضامْ

سيسُودُ في التاريخِ مَنْ ** أدّى الأمانة واستقامْ

سيسُودُ في التالين مَنْ ** سَهِرَ الليالي لا ينامْ

فامضوا بني قومي إلى ** العلياء واخترقوا الزِّحامْ

لا تيأسوا فاليأسُ مو ** تٌ والبقاء لذي الدوامْ

دومُوا على عزَماتكم **  فالعزْمُ في الدنيا الحسامْ

شقُّوا الطريقَ إلى العلا ** مَهْرُ المعالي مستدامْ

درْبُ المعالي شائكٌ ** ما فازَ إلا المستهامْ

فالحمدلله على ما وفق وهدى، والشكر للباحث الكريم أن فرّغ من وقته وجهده للكتابة عن هذا المعلم التاريخي، ولقد قضى ديناً، وحملَ عن أهل تريم خاصة، والحضارمة عامة ثقلاً، وعسى أن يقتدي به الباحثون الجادون، فيظهروا من زوايا الوادي المبارك، ومن بين الركام الثقافي العلمي المتوافر، ما يؤدون به خدمة جلى للوطن والبلاد، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

وكتبه د. محمد أبوبكر باذيب
جدة، ضحى الأحد 18 جمادى الآخرة 1434
الموافق 28 أبريل 2013م

الجمعة، 21 يونيو 2013

الجواب المعلن للأسئلة الواردة من لندن



الجواب المعلن
للأسئلة الواردة من لندن

بقلم/ د. محمد باذيب




بعث إلي أحد الإخوة الكرام الفضلاء، من الطلبة العرب المسلمين الدارسين في بعض الكليات العلمية، في العاصمة البريطانية لندن، أسئلة، رجاني أن أجيبه عنها. ولما لم أجد بدا من الاعتذار، ورأيته متلهفا على الجواب، علقت عليها بما تيسر، على عجل، أرجو أن يكون فيما كتبته فائدة لي وللأخ السائل. وها أنذا أنشرها للعموم، رجاء تداولها بين أيدي الإخوة الفضلاء، علهم يدلون بدلوهم، أو يصوبوني في خطأي.
والله الموفق والمعين


أخي العزيز ... فلان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليك جواباً وجيزاً عما سألت عنه، أرجو أن يكون وافياً بالمطلوب.

السؤال الأول
س1 / هل التديُّن يغذي الإنسان بالتطرف والإرهاب؟ وهل هو سببٌ في إلغاء العقل أحيانا؟
الجواب
التدين عبارة عن التزام الإنسان بشريعة من الشرائع، وقانون من القوانين التي تحكم تصرفات وعلاقات الفرد في حياته، وتنظم له أمور معيشته.
والتدين أو الالتزام الديني لا يكون إلا مرتبطاً بشريعة سماوية، فالدين إنما يعرف بأنه مجموع الشرائع التي أنزلها الخالق سبحانه وشرعها لمصالح عباده.
وبما أن الدين والقانون هو كما سبق تعريفه، فمن الخطأ القول: إن الدين يغذي الإنسان بالإرهاب فلا يوجد دين سماوي، ولا تشريع إلهي، ولا تقنين بشري، يشرع الجريمة والتخويف لأتباعه .. أبداً.
التطرف والعنف والجريمة والإرهاب .. هذه الأمور نتائج صفات بشرية، تنتج عن الغرائز التي خلقها الله تعالى في كيانات الخلق، وسبب ظهورها وانبثاقها عن الفرد هو رعونات نفسه التي لم تتهذب، ولا تهذيب لها إلا بالاتباع الصحيح للناموس الإلهي والتشريع الرباني .. فليس كل من اتبع ديناً اتباعاً شكليا صورياً أسقطنا عليه حكمنا الجائر بأن السبب في تصرفاته الرعناء هو الدين.
نعم، هناك أمر مهم يجب التنبيه عليه، وهو: أن الأحكام التشريعية الإلهية التي تحكم علاقة المتدين بغيره من أتباع الأديان الأخرى، يوجد فيها ما ينظم علاقة الحرب كما يوجد ما ينظم علاقة السلم .. تلك الأحكام لا تختلف في تشريعها وسنها وإنزالها عن الأحكام العبادية المختصة بسلوك الفرد وطاعته الخاصة لربه وخالقه سبحانه. الجامع بينها: أن على المتدين أن يتعرف على تلك الأحكام والتشريعات الربانية تعرفاً يكفل له فهم روح التشريع، ويجلي عن بصره وبصيرته حقائق الدين وجوهره، وهذا لا يكون إلا على أيدي علماء ربانيين من ذوي النفوس المتهذبة، التي تشبعت بحب الله وبالمعرفة الكاملة أو شبهها بروح التشريع وسمو أخلاقه.
أما من درس الدين والتشريع دراسة مجردةً عن الفهم الشامل، والتقصي والتتبع للأحكام التشريعية من مختلف وشتى جوانبها العلمية والمعرفية، فهذا شخص قاصر الفهم والإدراك، وينتج عن تصدره وتدريسه لغيره: نقل الفهم القاصر والخاطئ (أحيانا) إلى غيره .. ومن هنا نتج الخلل في نسيجنا الديني الإسلامي.

أما أن يكون الدين ساتراً للعقول، وما يقال في هذا الباب كلام تافه، لا ينبغي أن يعيره العقلاء اهتمامهم، فالدين الصحيح .. يزيد في الأذهان الصفاء والنور، ويكسب محبه بشغف وإخلاص شفافية وذوقاً عاليا في التعامل. ومن جرب وذاق عرف. 




* * *


السؤال الثاني
هل كل من قال (لا إله إلا الله) دخل الجنة؟ حتى وإن كان إرهابياً، وقتل الناس ودمّر البلاد، كابن لادن؟ وفي المقابل من لم يقلها من أهل النار وإن كان مسالماً ؟؟

الجواب
نحن المسلمين متعبدون بما وردنا عن الله وعن رسوله المعصوم صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في نص الكتاب المنزل، وهو كلام الله تعالى، وفي كلام المعصوم الصحيح الثابت: أن التلفظ بكلمتي الشهادة هو الأمر الذي تعصم به الأرواح والنفوس، وبه يكون الدخول في الإسلام، وبه تناط الأحكام الشرعية الدينية التي شرعها رسول الله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم لأمته بوحي من الله.
هذه الكلمة هي الفارق بين المسلم وغير المسلم .. على أي ملة كان.
بعد ذلك .. ننظر:
فإن كان المتلفظ بهذه الكلمة الشريفة العظيمة، ممن راعى حقوقها، وتعلم واجباتها وحفظ نفسه وغيره بموجباتها، كان من الناجين السعداء ..
وإن لم يقم بحقها، أو أتى بما ينافيها ويخالفها، فله حالان:
حال يكون فيها عاملا بنقيض التوحيد، أو جاحداً غير مصدقٍ بلوازم النبوة والرسالة، .. فيكون حكمه حكم من لم يتلفظ بها، وهو المنافق المبطن الكفر. فهو كافر غير مسلم.
وحال؛ يكون عاملاً فيها بما يخالفها لا على سبيل الإنكار والجحود، ولكن على سبيل المعصية والمخالفة، مع الإقرار بصدق الرسول ورسالته وشريعته .. فهذا عاص، والعاصي يعذب بقدر معصيته. وأمره إلى الله.
وعلى ماسبق ..
فمن لم يتلفظ بكلمتي الشهادة، إن كان راغباً عنها مستنكفاً من التلفظ بها، متجافياً عن التصديق برسالة ونبوة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كافر كفراً أصلياً. أما من لم يتلفظ لعارض، وكان قلبه عامراً بالحب والتصديق للنبوة والنبي وللدين بمجموعه، فهو كافر ظاهراً مؤمن باطناً، وهو ناج باذن الله.
وليس مجرد المسالمة وفعل الخير من غير تلفظ بالشهادتين، وصدق اتباع للرسول المعصوم .. بعاصم لذلك المسالم الفاعل الخيرات من خلود النار، لأنه استنكف عن التصديق .. أما من لم تبلغه الدعوة، فهو ناج على تفصيل ذكره العلماء. وأما من بلغته الدعوة مشوهة، ففيه كلام وتفصيل، وأمره إلى الله.
والنصوص كثيرة في هذا ..

* * *

السؤال الثالث
هل الدعاء على الارهابيين وان كانوا مسلمين اولى من الدعاء على الكفار ؟ واصلا ل يجوز الدعاء على الكفار بالعموم ؟؟

الجواب
أما الدعاء على البغاة فجائز، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على العرنيين الذين نزلوا في وادي العقيق في أمان الله ورسوله فقتلوا راعي الإبل وسرقوا ماله، وقتلهم وصلبهم لأنهم بغاة مفسدون. والدعاء على المسلم الباغي في حال عدوانه وبغيه قد يكون أولى من الدعاء على الكافر غير الحربي المسالم الذي لم يضر المسلمين. لأنه ليس هناك داع أو حامل للدعاء على الكافر غير الحربي والحال هذه.
وأما الدعاء على عموم الكفار .. فلا أحفظ فيه شيئاً، إلا أن يكونوا مقاتلين لنا، محاربين، فيجوز لنا أن ندعو عليهم بمقدار بغيهم وظلمهم، وإذا كفوا كففنا .. والله تعالى أعلى وأعلم.


كتبه  د. محمد أبوبكر باذيب
17 رجب 1434هـ