الجمعة، 14 يونيو 2013

الشاعر مبارك باصويطين (جحلة) .. يفك شفرة المستر فلبي



بأبيات رمزية .. من الشعر الشعبي الحضرمي
الشاعر مبارك باصويطين (جحلة) .. يفك شفرة المستر فلبي

بقلم/ د. محمد باذيب
حدثني أبي حفظه الله، قال:
قدم المستر عبدالله فلبي في مهمة سياسية سرية الى حضرموت، زمن السلطان صالح القعيطي، وزار شبام في وفد رسمي. وتم إشعار الأهالي باستقباله، فاستعد الأهالي لذلك، وجهزوا (عدة الشبواني) وكان رئيس العدة مبارك باصويطين، الشهير بلقب (جحلة).

فلبي


وخرج في عراض الوفد من الأعيان: بكار بن عبدالله جبر، وعوض بن سالم باعبيد، وحسين بن عبدالله لعجم، و(صاحب العزة) أبوبكر بن سالم باذيب ( العصري)، وغيرهم ..
وأعدت ساحة القصر السلطاني في شبام حسب العادة المتبعة لاستقبال الوفود الزائرة، وهي عادة مستمرة حتى اليوم.
اقبل الوفد، يتوسطهم (الشيخ) أو المستر .. فلبي، الذي عرف باسمه الإسلامي (عبدالله)، مغطياً به على اسمه الحقيقي (هاري سانت جون فيلبي) .. كان يرتدي العقال المقصب (المربع)، في زي عربي أصيل .. ولكن الرجل كان أبيض البشرة، محمراً، مما أثار فضول الناس .. فالثياب ثياب عربية بدوية أصيلة، ولكن البشرة يساحيل أن تكون بشرة رجل من أهالي الجزيرة العربية ..
أخذ الناس يضربون أخماساً في أسداس، فبين قائل: هو سوري!، ومن قائل: بل لبناني، وثالث يقول: فلبي اسم أجنبي، لعله إنجليزي!!

رسمية الاستقبال جعلت السؤال عن جنسية الشخص المحتفى به، أمراً ثانوياً، فهو ضيف الدولة أولا وآخراً .. ومتى ما جاءت جهينة بخبر الأصل والمنشأ، فلتأت به .. المهم أن يتم الاستقبال على خير حال ..

بكار بن عبدالله جبر، أحد الأعيان، كان ممن قتله الفضول، وأراد أن يقف على حقيقة الشخص المحتفة به، فلبي .. أمسلم هو أم نصراني!! يبدو أن عروبته لم تكن تعني للشيخ بكار جبر الشيء الكثير.

الشاعر الشعبي، جحلة، كان مشهوراً بفراسته التي لا تكاد تخطئ .. وكان الأعيان إذا أرادوا منه شيئاً من تعرف على حقيقة أمر ما، أو ترجيح كفة شخص ما، فإنهم يكرمونه  بشيء مادي أو معنوي .. فهو فحل شعراء البلد والمنطقة في عصره ..
تحدث بكار جبر مع جحلة .. وطلب منه أن يصدر فتواه النهائية في فلبي .. وأن لا يقصر في وصفه أثناء إلقاءه قصيدته الاحتفائية الرمزية .. كما هو المعتاد ..

هوّك أصحاب العدة .. وضربوا بعصيهم .. إيذاناً منهم في بدء المراسيم ..
وضرب الطبل ..
أخذوا يتزملون .. ولاّ كُبْ .. ولاّ كُبْ .. هوووه!!

حميت العدة .. وحميت الطاسات ..
ترنموا بما تيسر ..
هدأوا ..

ثم ساد الصمت والسكون في جنبات الساحة ..

كان الشاعر مبارك جحلة، قد أصعد النظر وصوبه في الضيف الأبيض البشرة، الأشقر الشعر .. ذي العقال المقصب .. المتسمي بالشيخ عبدالله!!
قتله بنظراته .. وكأنه فك شفرةً عصية ..
لم يستطع الكبراء والأعيان أن يفكوها ..
وهم من هم في الفراسة وبعد النظر ..


دخل جحلة متفرداً وسط المدارة .. 
وأصدر فتواه في (الشيخ عبدالله) ..
أبيات شعبية حمينية رمزية ..
تحمل الكثير والكثير من المعاني ..

قال جحلة:

شُفْت عيسَى ابن مرْيَم في المحَل هذا وُجِدْ

وِحْلَت أمّه في وجُوده ..  ربّك العَالم شِهدْ !

شُفْه مرْوِحْ يا (كرامه)!! الحذَرْ منه ابتعِدْ

الحذَرْ تلقيه صُبغَكْ .. لحمْ! ما فَوقه كبِدْ !!


لقد صدر المرسوم الشبامي في ديانة (الشيخ عبدالله) ..
الشيخ عبدالله .. لا يعدو أن يكون من أتباع (ابن مريم)
ولكنه .. (مروح) .. لا يغتسل من جنابته!!
فاحذروه .. إنه مثل رأس اللحم المسروقة منه (الكبد)!!
لا يؤمن جانبه!!

تلك كانت الرسائل الرمزية التي أصدرها جحلة من وسط المدارة

وسلامتكم



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق