الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة، وفرسَانُ دعوة الإسلام


السادة آل باعلوي الحضارمة
حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة
وفرسَانُ دعوة الإسلام

بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب

الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين. وإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي ترك أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد؛ فإن من أعظم مقاصد الدين الإسلامي العظيم، ومن أهم الأمور التي نزلت بها شريعة الإسلام، أمْرُ الله تعالى بوحدة الصف، وجمع الكلمة، وعدم التفرق، ونبذ العصبيات القبلية والتنابز بالألقاب، والآيات الكريمة كثيرة في هذا الصدد، قال تعالى: ﴿وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾[الأنبياء: 92]، وقال سبحانه: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾[يوسف: 108]. ولا شيء أعظم بعدَ الإسلام من الاستقامة والاتباع، وموالاة أهل الإسلام، ومحبتهم، والحرص على وحدة صفهم، والذب عن حرماتهم، وإشاعة الحق وإظهاره لمن خفي عليه منهم.
وهذه سطور في بيان حق أبلج، لدفع باطل لجلج، دفعني لكتابتها ما رأيته من واجب البيان، وقطع تخرصات اللسان والبنان، الذي اشتط من بعض الناس، تجاه قوم أتقياء مخبتين، وعشيرة عرفت بكثرة العلماء والصالحين، ترعرع في بيتهم الدين، وعرفت بهديهم وسلوكهم مشارعُ التقوَى واليقين، في أمصار المسلمين، لدى المتقدمين منهم والمتأخرين. الصادق فيهم قول القائل:
أولئك القَومُ إن عُدُّوا وإن ذُكِرُوا


ومن سِواهُمْ فلغْوٌ غيرُ معْدُودِ

مقالي هذا، يكشف النقاب، لمن لا يعلم، عن تلك العقائد الصافية، والأقوال الشافية، للسادة الأشراف، آل باعلوي الحضارمة الحسينيين السنيين الشافعيين، الذين ألوية شرفهم غدت خافقة، وشموس علومهم ودعوتهم لم تزل في كل قطر شارقة، وما من بلد في شرق الأرض وغربها إلا وفيها منهم جماعات يقيمون الشريعة الغراء، ويرشدون الناس إلى الطريقة الواضحة التي هي من الشوائب نقية خلصاء.
وفي تعَبٍ من يجحَدُ الشمْسَ ضَوءَها


ويجهَدُ أن يأتي لها بِضَريبِ







تلك العقائد الصافية التي بينها الإمام المجدد عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في قوله: «اعلم أن التوحيد أعظم النعم، وأكبرها، وأنفعها لأهل الدنيا والآخرة. فعلى من أنعم الله به عليه، وأكرمه به، أن يعرف قدر نعمة الله بذلك، وأن يسعى في حفظها، ودوام الشكر والاغتباط بها، وأن يجتهد في تقوية توحيده، وثباته، وتأكيده، بملازمة الأخلاق الحسنة، والأعمال الصالحة، والطاعات الخالصة، التي هي من فروع التوحيد، وثمرات الإيمان»(1).


أصول نسب السادة آل باعلوي الحسينيين:



السادة آل باعلوي، قطنوا في وادي حضرموت منذ القرن الرابع الهجري، بعد قدوم جدهم السيد الإمام المهاجر أحمد بن عيسى بن محمد النقيب بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن السبط الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، وصلى على مشرفهم سيد المرسلين أبي القاسم الأمين، وأبي الزهراء البتول أم الحسنين، وزوج الكرار الأنزع البطين.
نسَبٌ كأنّ عليه من شَمْسِ الضُّحَى


نُوراً، ومن فلَقِ الصبَاحِ عمُودا

ما فيه إلا سيدٌ من سَيّدٍ


حازَ المكارم والتّقَى والجودا


كانت هجرة السيد المهاجر الى حضرموت قادماً من البصرة سنة 318هـ، ووفاته سنة 345هـ(2). وبعد استقراره في تلك الربوع، انتشرت ذريته المباركة، وتكاثرت في الوادي الميمون، وانتشرت في كل مدنه وبلدانه وقراه، ومنهم من هاجر الى أصقاع المعمورة، فكان لهم في مواطن هجرتهم الشهرة الواسعة، والذكر والصيت الحسن.

شهرة نسب السادة آل باعلوي:

استفاضت شهرة نسب السادة آل باعلوي في أصقاع العالم، والكلام في هذا الصدد يطول. وقد اعتنى علماء آل باعلوي ونسابوهم بحفظ هذا النسب الطاهر، ودونوه في مشجرات بهية، ومصنفات شهية، وتناقلوا تلك المشجرات طبقة عن طبقة، وكابراً عن كابرٍ، من القرن الثامن الهجري فما بعده، الى مطلع القرن الرابع عشر، حيث قام مفتي تريم، السيد العلامة عبدالرحمن المشهور بتحرير تلك المشجرات، وأضاف أسماء كل أو جل السادة الذين ولدوا في عصره، مع ترجمة مختصرة لمشاهيرهم وأعيانهم، وذكر تواريخ مولدهم ووفاتهم، وذكر بلدان ومواطن هجراتهم. ثم لخص أصول أنسابهم في كتابه الشهير «شمس الظهيرة»، وهو مطبوع في مجلدين. وإنما خصصت جهد السيد المشهور بالذكر لكونه متمماً ومشتملاً على جهود من قبله، والإفاضة في هذا الباب ليس موضعها هنا.

وإلا فقد ذكر هذا النسب كبار مؤرخي الإسلام، كالمؤرخ الجندي (ت بين 730هـ و732هـ) في كتابه الجليل النفع «السلوك في طبقات العلماء والملوك»، في الجزء الثاني منه (ص 135)، في ترجمة العلامة المحدث السيد علي ابن جديد العلوي الحضرمي الحسيني، المتوفى بمكة المكرمة سنة 62هـ، حيث ساق نسبه قائلاً: «أبو الحسن، علي بن محمد بن أحمد بن جديد بن علي بن محمد بن جديد بن عبدالله بن أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، ويُعرف بالشَّريفِ أبي الجديدِ عند أهل اليمن. أصله من حضرموت، من أشرافٍ هنالك يعرفون بآل أبي علوي»، إلى آخر ما قاله.
وهذا الحافظ شمس الدين، محمد بن عبدالرحمن السخاويّ (ت 902هـ) دفين المدينة المنورة، ترجم في كتابه الشهير «الضوء اللامع» لعدد من كبار رجالات آل باعلوي، منهم السيد عبدالله بن محمد صاحب الشبيكة، ترجم له في (الجزء الخامس، صفحة 59)، فسرد نسبه قائلاً: «عبدالله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن علوي بن محمد بن علوي بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زيد العابدين علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، الحسيني الحضرمي، ثم المكي نزيل الشبيكة»، انتهى.



وممن أشاد بنسب آل باعلوي، الإمام الفقيه، شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي المكي (ت 973هـ)، حيث قال في نص إجازته التي حررها بمكة في ذي الحجة سنة 942هـ، للسيد العلامة شيخ (الأوسط) بن عبدالله العيدروس (ت 990هـ) دفين أحمدآباد من بلاد كجرات بأرض الهند: «.. وكان ممن اقتفى آثار سلفه الأماثل، كنوز الحقائق، وينابيع الفضائل، ذوي الكرامات الشهيرة، والفضائل الكثيرة، بجمعهم بين الشريعة والحقيقة، وحوزهم شرفي النسب واستقامة  الطريقة»(3)، الى آخرها. وفي «ثبته» المطبوع من ذكر آل باعلوي وسوق أسانيدهم الشيء الكثير.

الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله

وممن أشاد بهم الشيخ القاضي العلامة يوسف النبهاني اللبناني البيروتي (ت 1350هـ)، في مقدمة كتابه «رياض الجنة في أذكار الكتاب و السنة»، حيث يقول: «إن سادتنا آل باعلوي، قد أجمعت الأمة المحمدية في سائر الأعصار و الأقطارِ، على أنهم من أصح أهل بيتِ النبوة نسباً، و أثبتهم حسباً، و أكثرهم علماً و عملاً و فضلاً و أدباً. وهم كلهم من أهل السنة والجماعة، على مذهب إمامنا الشافعي، رضي الله عنه، مع كثرتهم إلى درجةٍ لا يقلون فيها عن مائة ألف إنسانٍ، و مع مجاورة بلادهم، و هي بلاد حضرموت بلادَ الزيدية، و مع تفرقهم في سائر البلاد، ولاسيما بلاد الهند. أما علماؤهم الكبار، و أولياؤهم الأخيار، أصحاب الأنوار والأسرار، في هذا العصر و ما تقدّمه من الأعصار، فهم أكثَر وأنْوَر من نجوم السماء، بهم يحصل لكل من اقتدى بهم الاهتداء، و لا يمتري في صحّة نسبهم، وكثرة فضائلهم ومزاياهُم التي تميزوا بها عن الأنام، ببركة جدهم عليه الصلاة و السلام، إلا من قلَّ حظُّه في الإسلام»(4).



 ولا يفوتنا هنا أن نورد كلمة عظيمة، كتبها أحد علماء البلد الحرام، وهو الشيخ العلامة القاضي جعفر بن أبي بكر اللبني الحنفي (ت 1342هـ) في كتابه «الحديث شجون»، ونقلها عنه من أتى بعده من مؤرخي مكة المكرمة، كالعلامة الشيخ عبدالله غازي المكي في تاريخه الكبير «إفادة الأنام». قال الشيخ جعفر رحمه الله: «وأكثر السادة قاطن مكة والمدينة هم آل باعلوي، الذين انتشر ذكرهم في حضرموت، ثم صاروا يقدمون من حضرموت إلى مكة والمدينة وغيرهما من بلاد الله، وهم من نسل الفقيه المقدم، وهو من ذرية [أحمد بن] عيسى المهاجر، وينقسمون اليوم إلى: سقاف، وعطاس، وحبشي، وجفري، وما أشبه ذلك، فهؤلاء السادة هم المُسَلَّم لهم، لحفظ أنسابهم، وهم المعروفون عند نقيب السادة في مكة والمدينة، ولا يكون نقيب السادة في مكة والمدينة إلا منهم، وهم تضبط مواليدهم أينما كانوا، وتحصر أسمائهم وتحفظ أنسابهم على الطريقة المعروفة عندهم، لاقتسام وارداتهم من أوقاف ونحوها. ومن عداهم من كل من انتمى إلى النسب الطاهر سواءً كان مصرياً أو شامياً أو رومياً أو عراقياً، فإنهم على كثرتهم لم يُسلّم لهم؛ لعدم ضبط أنسابهم على قاعدة مسلّمة عند الجمهور، غير أن بعضهم تقدم معه قرائن يحصل بها بعض الظن على صدق مدعاه، وإن لم يكن بحيث يقيد بدفتر السادة آل باعلوي»(5).
أسباب ودوافع هجرة السيد المهاجر:




هجرة السيد المهاجر كانت لمقاصد شرعية، فقد أراد أن يحفظ ذريته في مكان ناء عن الفتن التي أحدقت بأرض العراق، والنيران المشتعلة التي أججتها الصراعات والخلافات السياسية والعقائدية، على حد سواء، بين أهل الإسلام، في ذلك الوقت(2). وقد كتب عددٌ من الباحثين عن الأسباب التي دعت السيد أحمد بن عيسى للهجرة من البصرة، وهي تتلخص في أسباب سياسية، ودوافع دينية. فأما الأسباب السياسية فكان منها خراب البصرة على أيدي الزنج عندما ثاروا بين سنتي 255 و270 للهجرة، ثم ظهور القرامطة والشيعة الباطنية. فكانت تلك الأسباب مجتمعة دافعة له إلى الهجرة(6). لكن سبباً مهماً، كان أكبر الدوافع، أو من أكبرها، وهو خشيته على عقائد ذريته أن تختلط بعقائد دخيلة، أخذت طريقها، آنذاك، في الانتشار، بالسنان واللسان، وهي بدعة الرفض، لاسيما وهو من أوسط بيوت العلويين الحسينيين نسباً وحسباً. ولما كان أهل البيت أدرى بالذي فيه، فإننا نسوق مجموعة من أقوال أكابر السادة آل باعلوي، الذين تحدثوا في كتبهم عن هذه الحيثية بكل وضوح وصراحة. 


نصوص كبار علماء آل باعلوي
في أن سبب هجرة جدهم السيد أحمد المهاجر من البصرة
كانت الخوف عليهم من التلبس ببدعة الرفض
النص الأول: قول السيد العلامة الجليل، الشيخ علي بن أبي بكر (ت 895هـ)، متحدثاً عن هجرة جده الأعلى السيد المهاجر رحمه الله: «.. وكان انتقاله من العراق بأهله وأولاده وأصحابه، الى أن استقروا بتريم. وكان تريم المحروس موطن أولاده وذريته، ومنزل عقبه وخلفه. وكان في ذلك سلامتهم مما التبس به أشراف العراق من العقائد الفاسدة، وفتن البدع وظلماتها، ومخالفة السنة وأهلها، وموافقة الشيعة في قبائح معتقداتهم، وربما كان ذلك بسبب سكنى العراق»(7).
النص الثاني: قول السيد العلامة، المؤرخ المكي الشهير، محمد بن أبي بكر الشلي باعلوي (ت 1093هـ) في كتابه «المشرع الروي» من ترجمته للسيد المهاجر: «كان ... صحيح العقيدة، ذا سيرة حميدة»، وقال على لسانه: «وجبت الهجرة من هذه الديار، لما حدث فيها من الابتداع والأشرار»(8)، وقال في موضع آخر: «ولما وصل السيد الإمام أحمد بن عيسى تلك الديار، قصدته الأخيار، وعملت المطي إليه من أقصى القفار ... ودخلت الخوارج تحت الطاعة، وعلمت الأباضية أنهم ليس لهم بأهل السنة استطاعة، وقام بنصرة السنة حتى استقامت بعد الاضمحلال ... ورجع عن البدعة الى السنة جم غفير»(9).

النص الثالث: قال العلامة المحقق السيد عبدالله بن أحمد بلفقيه باعلوي (ت 1112هـ) في كتابه «الدرر البهية» في سياق بعض الأسانيد، عند ذكر السيد أحمد المهاجر: «.. وأحمد هذا، هو أول خارج من العراق، إلى أن توطن حضرموت، وذلك فراراً بدينه من الفتن التي حصلت في العراق، سيما في الأشراف، حيث دخلوا في الرفض، ففر بدينه لذلك»(10)، انتهى.



النص الرابع: قول العلامة السيد عيدروس بن عمر الحبشي باعلوي (ت 1314هـ) في كتابه «عقد اليواقيت الجوهرية»، الذي عليه المدار في معرفة الرواية والإسناد في حضرموت خصوصاً، في القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين: «ومن أسباب ارتحال سيدنا أحمد بن عيسى الى حضرموت: غلبة أهل البدع بالعراق، ودخول الأذى على الأشراف العلويين، وشدة الامتحان لهم، وأمور شنيعة كثيرة متعددة ...، وبعد خروجه الى هذه الأزمان، زادت في تلك الجهة من البدع أنواع كثيرة، يعرفها من نظر في كتاب «النوافض للروافض»، للسيد محمد البرزنجي». وقال في موضع قبل هذا، في الصفحة نفسها: «فسلمت الذرية والأتباع، مما شان أهل العراق من البدع وقبيح المعتقد»(11).


تصريح علماء آل باعلوي
أنهم على السنة والجماعة، وتصريح غيرهم فيهم




قال الشيخ العلامة، شيخ مؤرخي حضرموت، عبدالرحمن الخطيب التريمي (ت 855هـ) في كتابه «الجوهر الشفاف»: «.. ولم يتفق لسواهم من كمال الشرف النبوي ... مع كمال النزاهة والطهارة من أنواع البدع، والحظوظ النفسانية، مع كمال الاتباع للكتاب والسنة»، الى آخر كلامه(12). وقال العلامة الشيخ أحمد بن عبدالله بلحاج بافضل التريمي ثم الشحري (ت 929هـ) المقتول شهيدا على أيدي الغزاة البرتغال في ساحل الشحر: «فحَصتُ على أكثر الأشراف في الآفاق، وساءلت عنهم الواردين الى مكة والمدينة، وعن صفتهم، فوصفوا لي وعرفوني أخبارهم، فما وجدت على الاستقامة وطريق الكتاب والسنة مثل بني علوي الحسينيين الحضرميين»(13).

وهذا السيد العلامة محمد بن علي خرد باعلوي (ت 960هـ) الشهير بالمحدث، في كتابه «الغرر» وهو في تراجم أكابر آل باعلوي، ومصدر مهم عن حضرموت في القرن العاشر الهجري وما قبله، لا يذكر أحداً من مترجميه من أشراف آل باعلوي إلا ويقول فيه: «الشريف الحسيب النسيب، السُّنِّي الحسيني»، وهذا كثير في كتابه.

وفي ترجمة السيد الجليل الحسين بن عبدالله العيدروس باعلوي (ت 923هـ)، أن والده السيد الإمام عبدالله العيدروس باعلوي (ت 865هـ) قال: «كنت كثيراً ما أسأل الله في السجود أن يرزقني ولداً عالماً، سنياً، وأرجو أن يكون ولدي الحسين»(14).



قال السيد العلامة أحمد بن حسن الحداد باعلوي (ت 1204هـ) في كتابه «الفوائد السنية»: «والإمام عبيدالله بن أحمد وذريته، هم أشراف حسينيون سنيون»، وقال في موضع آخر: «وكلهم شافعية أشعرية، على عقائد أهل الكتاب والسنة»(15).



وقال العلامة السيد أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين باعلوي (ت 1341هـ) في كتابه «رشفة الصادي»، في اعتراضه على قول بعضهم: «من النوادر شريف سني»: «كان الأحق والأولى أن يقال: من النوادر شريفٌ غير سني، لأن البطون العظام، والعائلات الكثيرة العدد، من هذا البيت المطهر، كلهم، والحمدلله، سُنِّيون معتقداً ومشرباً، من السادة العلوية الحسينية بحضرموت وبجاوة والهند، وكأشراف الحجاز، بني قتادة الحسَنيِّين، ..»(16)،  الى آخر كلامه.

أقوالهم في الاعتقاد
وفق مذهب السلف الصالح من أهل السنة والجماعة

         قال الإمام الحداد في خاتمة كتابه النافع «النصائح الدينية»: «خاتمة الكتاب في عقيدة أهل السنة والجماعة»، الى أن قال: «وأنه تعالى مقدس عن الزمان والمكان، وعن مشابهة الأكوان، ولا تحيط به الجهات، ولا تعتريه الحادثات. مستو على عرشه على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء يليق بعز جلاله، وعلو مجده وكبريائه»(17)، وقال: «وأنه تعالى سميع بصير، متكلم بكلام قديم أزلي، لا يشبه كلام الخلق. وأن القرآن العظيم كلامه القديم، وكتابه المنزل على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم»(18).



ولعلماء آل باعلوي، وهم أشاعرة، اختيارهم في مسألة التأويل، فمنهم من يميل إلى التفويض، يتضح ذلك في قول العلامة السيد عبدالرحمن بلفقيه، في «شرح القصيدة الفريدة في خلاصة العقيدة»، ما نصه: «واعلَم أن هذه الصفات وإن كنا لا نحيطُ بها، ولا نعلم كنهها، لكنها قطعاً صفات كمالٍ، وقد أثبتها تعالى لنفسه، وليس في إثباتها له على ظاهرها إشكالٌ. وأما ما ظاهرُه مشكلٌ، من المتشابه الذي جاء في القرآن والسنة، كإطلاق الوجه، واليدين، والرجل، والفوق، والنزول، والمجيء، والاستواء، وغير ذلك مما أفردَ بالتأليف، واشتهر في التصانيف. ففيه مذهبان: أحدهما: مذهب السلف الصالح، وكثير من الخلف، تفويضُ المراد منه إلى الله تعالى، وردّ علمه إليها، والسكوت عن التأويل مع الجزم بأن الظواهر المؤدية إلى الحدوث والتشبيه غير مراده. وقد سئل الإمامُ مالكٌ، رحمه الله تعالى، عن قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾. فقال: الاستواء معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمان به واجبٌ، والسؤال عنه بدعة. وقال الإمام الشافعي: آمنَّا بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. وقال السهروردي عن الصوفية: «وأجمعوا في كل مكانٍ على هذا المعنى، أن يقولوا فيه كما قالَ مالكٌ في الاستواء». وهذا المذهبُ هو المختار عندنا. والمذهب الثاني: التأويلُ بالدليل العقلي، على ما تقتضيه لغةُ العرب، وإنما صَار إليها أكثرُ الخلَف: لظُهور الشّبه وأهلها، المشبهين بالباطل على أهل الحق، فتعين المصيرُ إليه، خصوصاً مع ظهور فهمِه، وبروز علمِه»(19)، انتهى.  فأنت ترى أن العلامة بلفقيه يرجح مذهب التفويض، لا التأويل، الذي عليه أكثر الخلف، ما يدل على أن علماء آل باعلوي ليسوا مقلِّدين تقليداً أعمَى كما قد يظن بهم من لا يعلم أقوالهم، ولم يقرأ مصنفاتهم.




ويقول العلامة السيد محمد بن محسن العطاس (ت 1260هـ)، في رسالته «تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهات»: «ونقول: رضينا بالله، على مراد الله، كما قاله خير القرون، الذين هم بالله وصفاته عارفون، من الخلفاء الراشدين، والصحابة والتابعين، ومن على سننهم من أئمة المسلمين»(20).
وهذا السيد محمد كان شيخ السادة بمكة، وكان صهره الشريف غالب بن مساعد (ت 1231هـ)، وأرسله الشريف الى حاكم بلاد نجد (وقتذاك) الأمير سعود بن عبدالعزيز، في مهمة سياسية، وكان رفيقه في تلك المهمة الشيخ العلامة محمد طاهر سنبل المكي، رحمهم الله(21).


    تعظيم السادة آل باعلوي للصحابة الكرام أجمعين:
نقل العلامة السيد محمد بن علي خرد باعلوي (ت 960هـ) في كتابه النافع المفيد «الغرر» عن كتاب «توثيق عرى الإيمان» للبارزي رحمه الله، قوله: «.. ومن علامة محبته [أي النبي صلى الله عليه وسلم) محبة أصحابه، ومن علامات محبة أصحابه: محبة ذريتهم، وخصوصاً أولاد الصديق، والفاروق، وعثمان، وسائر العشرة، وذرياتهم. وسائر أولاد المهاجرين والأنصار. وأن ينظر إليهم المؤمن اليوم نظره إلى آبائهم بالأمس، لو كان معهم. ويعلم أن نطفهم طاهرة، وأن ذريتهم ذرية مباركة، وأن يغضي المؤمن عن انتقاد أولاد الصحابة، كما أغضى عن انتقاد ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت، لأنهم قوم شرف الله ذريتهم وأخلاقهم، فلا تغلب عليها أفعالهم، كما تغلب الأفعال فيمن أقذارهم بحسب أفعالهم»(22)، انتهى.

    كلامهم في فضل الخلفاء الراشدين وترتيبهم:

قال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن عمر بحرق (ت 930هـ) في كتابه «مواهب القدوس في مناقب ابن العيدروس»، وهو ترجمة شيخه العلامة السيد أبي بكر العدني بن عبدالله العيدروس باعلوي (ت 914هـ): «وكان متمسكاً بالكتاب والسنة، حتى إنه كثيراً ما يقولُ، إذا جرى ذكرُ التفضيل بين الصحابة رضي الله عنهم: والله العظيمِ، لو بعث الله والدي الشيخَ عبدالله، وأستاذيَ الشيخَ سعداً، وذكَرا لي: أنّ سيدنا عليًّا أفضلُ عند الله من سيدنا أبي بكر، رضي الله عنهما، ما رجعتُ عن معتقد أهل السنةِ والجماعة، من أن: أبا بكرٍ، وعُمر، وعُثمانَ، أفضَلُ من عليٍّ، رضي الله عنهم أجمعين»، ونقل هذه العبارة عن الشيخ بحرق السيدُ العلامة المؤرخ عبدالقادر بن شيخ العيدروس (ت 1038هـ) في كتابه الشهير الذائع الصيت «النور السافر في أخبار القرن العاشر»(23).



قال الإمام عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في خاتمة «النصائح الدينية»، في (عقيدة أهل السنة والجماعة): «وأن يعتقد فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترتيبهم، وأنهم عدول خيار أمناء، لا يجوز سبهم، ولا القدح في أحد منهم. وأن الخليفة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوبكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان الشهيد، ثم علي المرتضى، رضي الله تعالى عنهم، وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين»(24).
وقال العلامة الجليل السيد علي بن حسن العطاس باعلوي (ت 1172هـ) في كتابه العظيم النفع «القرطاس شرح راتب الإمام عمر العطاس»، في شرح (الذكر السادس) وهو جملة: «بسم الله تحصنا بالله، بسم الله توكلنا بالله»: «الفائدة الثانية عشرة: قال الشيخ صالح بن الصديق النمازي في كتابه «الأنوار الساطعة في شرح العقائد النافعة»: قال محمد بن قتيبة: أجمع أهل الحديث على ستة أشياء، وهي:
1- ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن.
2- وعلى أنه خالق الخير والشر.
3- وعلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
4- وعلى أن الله يرى يوم القيامة.
5- وعلى تقديم الشيخين أبي بكر وعمر في الفضل على سائر الصحابة.
6- وعلى الإيمان بعذاب القبر ونعيمِه.

لا يفترقون في شيء من هذه الأصول، ومن فارقهم في شيء منها نابذوه، وبدعوه، وهجروه»، انتهى ما ذكره النمازي»، انتهى من «القرطاس»(25).

السيد أبوبكر بن شهاب الدين باعلوي

ومن المباحث المهمة، هذا المبحثُ في تقريرِ معتقد أهل السنة والجماعة، الذي دبجه يراع السيد الجليل، العلامة أبي بكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين باعلوي في كتابه «نوافح الورد الجوري شرح عقيدة الباجوري»، قال رحمه الله: «ثم أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام عند أهل السنة: الخلفاء الراشدون الأربعة، اتفاقا، وأفضَلُ الخلفاءِ عندَ جمهورِ أهل السُّنةِ، تبعاً لجمهُور من قبلَهم من السلفِ: أبوبكرٍ، ثم عُمَر، رضي الله عنهما، ولما نُقلَ عن سيدنا علي كرم الله وجهه، أنه قال: «خَيرُ هذِه الأمّةِ بعْد نبيّها أبوبكرٍ ثُم عُمَر». ثم الأفضل بعدهما على قول الجمهورِ: عثمانُ ثم علي كرم الله وجهه. وذهب قومٌ إلىٰ التوقف بين علي وعثمان، وهو مختار الإمام مالك رحمه الله. وجمعٌ إلىٰ تفضيل عليٍّ على عثمانَ، رضي الله عنهما، منهم أبوالطفيل من الصحابة، وهو قول أهل الكوفة، ونقل عن الإمام الأعظم أبي حنيفة من تبع التابعين، وهو أحد قولي مالك، وبه جزم الإمام اليافعي وغيره.
وأما ما نقله ابن عبدالبر من أن سَلمانَ، وأبا ذرٍّ، والمقدادَ، وخباباً، وجابراً، وأبا سعيدٍ الخدريَّ، وزيد بن أرقمَ، نصُّوا على أن عليًّا، كرم الله وجهه، أفضَلُ من غيره على الإطلاق، فقالوا: لم يثبُتْ بسندٍ صَحيحٍ. قال العلماءُ: «ولا يشكل الحكم في التفضيل المذكور بالذرية الشريفة، لأنه لا من حيث البضعية المكرمة»(26). أما باعتبار البضعية؛ فلا يفضل أحد على ذريته صلى الله عليه وسلم كائنا من كان اتفاقاً، والله أعلم.
وقال المحدث الدهلوي رحمه الله في «عقيدته»: «ولا نعني الأفضلية من جميع الوجوه، حتى يعم النسب والشجاعة والقوة والعلم وأمثالها، من التي كانت في علي بن أبي طالب مثلا، بل هي بمعنى عظم نفعه في الإسلام، فأميرا أمة النبي صلى الله عليه وسلم ووزيراه أبوبكر وعمر أفضل باعتبار الهمة البالغة في غشاعة الحق بعده، دون اعتبار النسب والعلم والشجاعة وغيرها، مما كان في غيرهما أكثر وأوفر منهما بإقرارهما، وبهذا يحصل التوفيق بين الروايات المختلفة، والأدلة المتباينة»، انتهى.
ووقفَ بعضُهم عن القَول بالتَّفْضيل، وقال: لكلٍّ فضلٌ، ولا ندري من فَضّله الله على غيره، وليس أمراً يؤخَذُ فيه بالقياسِ والرأي، فوجبَ الإمسَاكُ عن الخوضِ فيه، انتهى. قال بعض أكابر الصوفية: وما بهذا القول من بأس، لأن تفويض ما لا يعلم حقيقته إلا الله إلىٰ علمه تعالى غير متنكر، ولهذا جزم الباقلاني وإمام الحرمين بأن التفضيل ظنّيٌ، وأنه في الظاهر فقط. على أن هذه المسألة ـ أعني مسألة تفصيل التفضيل ـ ليست من الأصول التي يضل فيها المخالف عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضل فيها: مسألة الخلافة، فمن طعن في حقية خِلافَةِ واحدٍ من الأربعةِ؛ فهو أضلُّ من حمارِ أهْله»(27)، انتهى.

هذا كلام العلامة أبي بكر ابن شهاب الدين باعلوي، وهو كما يرى القارئ الكريم، ينضح علماً ومعرفة وتحقيقاً، فيا ترى، هل اطلع عليه أولئك الذين يرمونه بالتشيع والرفض، ويوغرون عليه صدور العامة!(28). لقد ألف ابن شهاب كتابه «النوافح» أولَ وصوله إلىٰ حيدرآباد، ليبيِّنَ معتقَده، وبراءته من عقائد الرافضة، وبهذا ينقطع الشكُّ الحائم حولَ سلامة معتقده، باليقينِ الثابت من كلامه هُو، رحمه الله.

أقوالهم في تعظيم أفراد الصحابة:

منها قول قطب الدعوة الإرشاد، الإمام عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في كتابه «النفائس العلوية»، في جواب رفعه إليه أحد الزيدية أيام غزوا حضرموت في القرن الحادي عشر، تحت قيادة سيل الليل الصفي أحمد بن الحسن الزيدي، وكان السؤال يتضمن الاستفهام عن موقف الإمام الحداد ممن قاتلوا الإمام علياً رضي الله عنه. فكان الجواب: «اعلم أن الذين باشر علي رضي الله عنهم قتالهم بنفسه في خلافته، بعد أن خرجوا عليه، ثلاث طوائف». الى أن قال: «وكلهم بغاة عندنا، ومنازعون، وخارجون بغير حق صريح، وصواب واضح. نعم، من خرج منهم وله في خروجه شبهة، فأمره أخف ممن خرج ينازعه في الأمر ويطلبه لنفسه. والله أعلم بنياتهم وسرائرهم، وسلامتنا في السكوت عنهم ﴿تلك أمة قد خلت﴾. وقال علماؤنا في شأن الزبير ومن مَعه، ومعاوية ومن معه: إنهم اجتهدوا فأخطأوا، فلهم عذر، وعلى كل حال، فغاية من خرج على الإمام المرتضى من أهل التوحيد المقميمن للصلاة، المؤتين للزكاة، أن يكون عاصياً، والعاصي عندنا لا يجوز لعنه بعينه»(29).



ومنها قول إمام الدعوة في عصره، السيد العلامة أحمد بن عمر بن سميط (ت 1257هـ) في «مجموع مواعظه وكلامه»، وهو من المواعظ التي وردت في أول ذلك المجموع: «.. ولقد أنصف سيدنا عمر بن عبدالعزيز، حين سئل: من أفضل، أنت أم معاوية؟ فقال: التراب الذي دخل في منخر فرس معاوية وقت الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر وآل عمر»(30)
وقال بمثل هذه المقولة، شيخ تريم، ورئيس علمائها، السيد العلامة عبدالله بن عمر الشاطري باعلوي (ت 1361هـ)، ففي «نفحات النسيم الحاجري»، وهو مجموع مواعظه، جمعه ابن أخته السيد العلامة عبدالرحمن بن حامد السري باعلوي: «وقال رضي الله عنه، في شوال سنة 1359هـ، أيام قراءتنا عنده في فن التجويد، بعد أن تكلم وأطال مع طلبة العلم من جهة ما جرى بين الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، وحذر وأنذر، وكان أن يقوم قائماً بعد أن كان قاعداً من فرط تحذيره من الوقوع فيهم، والخوض فيما جرى بينهم، ومن كلامه: «يا أولادي، احفظوا عني هذه المقالة: من أراد أن ينفع الله به وينتفع، ويكون متمسكاً بالطريقة الني نحن عليها معشر العلويين، ويكون من المحبوبين، فعليه ترك الخوض في الصحابة، ولا يجادل من خاض». ثم قال: «أيش تكون! ذرة بين جبال!!.
وما جرى بين الصحاب نسكت            عنه وأجر الاجتهاد نثبت
قيل لابن المبارك: هل عمر بن عبدالعزيز أفضل أم معاوية؟ فقال: التراب الذي على منخر خيل معاوية، أفضل من عمر بن عبدالعزيز. وإن كان الحق المجمع عليه مع سيدنا علي، كرم الله وجهه، فلا ينبغي لأحد يخوض في هذا الكلام، إلا من سخف عقله»، الى آخر ما قال رضي الله عنه»(31)، انتهى.

تيقظ علماء السادة آل باعلوي لما عليه عامةُ الشيعة
 وخصُوصاً الرافضة من الخطأ

تقدم في الحديث عن السيد المهاجر، نقولٌ فاخرة، كان من ضمنها عبارات تثبت تيقّظَ أكابر السادة آل باعلوي الى ما عليه الشيعة لاسيما الرافضة منهم من الخطأ والابتداع في الدين، ونزيد على ما تقدم نصوصاً أخرى مهمة في الباب، ليكون القارئ على بصيرة.
قال العلامة الجليل الشيخ علي بن أبي بكر باعلوي (ت 895هـ) في كتابه النافع «معارج الهداية»: «فصل: واحذر يا أخي من البدع وأهلها ، وانبذها واهجر أهلها ، وأعرض عن مجالسة أربابها. واعلم أن أصول البدع في الأصول كما ذكره العلماء يرجع إلى سبعة:
الأوّل: المعتزلة؛ القائلون بأن العباد خالقو أعمالهم ، وينفون الرؤية ويوجبون الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة.
والثاني: الشيعة؛ المفرطة في حب سيدنا عليّ كرم الله وجهه ، وهم اثنان وعشرون فرقة.
والثالث: الخوارج؛ المفرطة في بغض عليّ رضي الله عنه المكفرة له ولمن أذنب ذنباً كبيراً ، وهم عشرون فرقة.
والرابع: المرجئة؛ القائلة بأنه لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم خمس فرق.
والخامس: النجارية؛ الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال ، وللمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام ، وهم ثلاث فرق.
السادس: الجبرية؛ القائلة بسلب الاختيار عن العباد ، وهم فرقة واحدة.
السابع: المشبهة؛ الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول ، وهم فرقة واحدة أيضاً.  فتلك اثنان وسبعون كلهم في النار ، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية»(32).

ومن رسالة بعث بها الإمام عبدالله الحداد باعلوي (ت 1132هـ) لأخيه السيد حامد، وكان في أرض الهند: «فإنه قد بلغنا ما كثر في أرض الهند من مضلات الفتن، وما ترادف بها من البلايا والمحن، وما قد حصل بين أهلها من الخلاف والشتات وعدم الانتظام، وهذا بلاء عظيم. وأفحش منه وأشنع وأقطع، ما بلغنا من ظهور من تظاهر ببغض الشيخين، الصديق والفاروق رضي الله عنهما، وتدين بالرفض المذموم شرعاً وعقلاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهذه هي المصيبة العظمى، والداهية الدهياء»(33).



وقال أبوبكر بن شهاب الدين باعلوي (ت 1341هـ) في كتابه «رشفة الصادي»: «ولم يكن من أهل البيت الشريف من هو على رأي الشيعة في الانتقاد على الصحابة إلا قليل، بالنسبة لأهل السنة منهم، كبعض أشراف اليمن، وبقايا في طهران والهند، ونبذ في العراق، وفقهم الله للصواب»(34)، انتهى.

وقال العلامة السيد علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ) في رسالته النافعة «إثمد البصائر»، وهي ناقصة لم تكتمل، حرر فيها الكلام على مذهب السيد المهاجر، ثم قال ما نصه: «عاشراً: قد تبينَ بما عددنا من أسماءِ الأكابر، ممن تقدم على عَصر الإمام العريضي ومن عاصره: أن مذهب الإمامية لم يكن يوماً ما مذهباً قوميا لهم، وأنهم نبذوا ترّهات الإمامية على اختلاف فرقهم نبذاً، وقاطعوهم مقاطعةً تامةً، لأنهم عرفوا مقاصدهم وما يرمون إليه. ونحن إذا طالعنا أخبار تلك الفرق ـ مع بعدنا عنهم زمناً وفكراً ـ نفهَمُ أغراضَهم، فكيف بسلَفنا وهم أذكى وأسرح، وقد بلغهم الخبر اليقين عنهم!. وما دعاةُ الفرقِ الإمامية إلا قومٌ سياسيّون، يطلبونَ الحطامَ من أتباعِهم، ويترجَّون الإمارة والغنى وجلالةَ القدر إذا ما ترأسُوا، وما هم بأهلِ دينٍ ولا حِذقٍ ولا نظرٍ بعيد، ومما يدلُّ على ذلك: ما نقلَ من خرافاتهم في الأئمّة وعقائدِهم الغريبة في صفاتِ الله ...  يأتون إلى العوام والغوغَاء في قرَى العراق ومدنها ويعدُونهم بخروج إمامٍ يسمونه لهم، ويَغرُّونهم، ويمنُّونهم، ويفتحون لهم أبواباً من الأطماعِ والمواعيد، فيميلُ أولئك لهم، ويبذلونَ لهم صدقاتٍ ومعونةً من أموالهم، فيتمتّع برغدها أولئك الدعاةُ الكاذبون»(35)، إلى آخر ما أطال به، رحمه الله. 



ثم قال في موضع آخر تحت عنوان (احترامنا للأئمة): «لا يذهبن الظن بمن قرأ ما تقدم أن كلامنا يمس نفس الأئمة الاثني عشر رضي الله عنهم وغيرهم من أئمة أهل البيت، بل هم أهلنا وسلفنا، ولهم علينا حق الرحم، وما يجب لهم من البر والإجلال لمكانهم ومقامهم، وما مَنَّ الله به عليهم، كما قال إمام الفريقين وشيخ الطريقين ومسند القطرين، شيخنا الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي الحسيني العلوي (ت 1314هـ) في «عقد يواقيته»: وقد عوض الله الحسنين رضي الله عنهما في الدنيا بما أصيبا، بأن جعل الله من ذريتهما طاهرين مطهرين، ظاهرين ظهور الشمس بالنفع في القرب والبعد، من أخيار العلماء العاملين المعمدين، والمشايخ المحققين الدالين على طرق رب العالمين، الجم الغفير الذين شهرتهم تغني عن ذكرهم وذكر محاسنهم، ولا يرى شبههم في عَصْر من الأعصار»(36)، إلخ.

تأسف أكابر آل باعلوي لما آل إليه حال بعضهم:





ننقل في هذا الصدد عبارة للعلامة السيد الشهم الجليل مصطفى بن أحمد المحضار باعلوي (ت 1374هـ)، وهي بالدارجة الحضرمية، وردت ضمن رسالة بعث بها من بلدة القويرة بوادي دوعن الأيمن، الى بلدة مشطة في مسفلة حضرموت، شرقيّ تريم، مؤرخة في رجب سنة 1351هـ، ينعي فيها الفتن التي حدثت بين الحضارم في جاوة في تلك الآونة، قال فيها: «وعسى ردة للإسلام والمسلمين، وللعلويين أجمعين، فقد ابتلوا بكثر الكلام، وما تكبته الأقلام، وسطّروا الهرُوج، وضادّوهم العلُوج، ولو سكتُوا عنها، هَزُل سمَنها. ولما كثّروا كلامها، طالَ سنامها، وانتشر خراطها، وامتد صراطها. ولو أنها خارّة مارة، لكنْ ليس بفَتح بابها، وكثر سبابها، فلا تلدُ الكلمةُ إلا كَلام، ولا الكلامُ إلا ملام. وكُثر التشدّق يضيِّع الأحلام. وبصرهم وجاوَتهم، ومذهبهم، كلهم، العَيف الخام، العامة وهّبت في السّادة، والسادة وهَّبتْ في الصَّحابة، وكله تأديب، وهذه بتلك، يؤدب هذا بهذا، وهذا بهذا، لما يرجع كل لحقه، وحق أبوه وجده»(37)، انتهى.


تحذير فقهاء آل باعلوي وعلمائهم
من بدع الرافضة كاللطم وغيره من الطقوس المحرمة

مما لخصه العلامة السيد الفقيه عبدالرحمن بن محمد المشهر باعلوي (ت 1320هـ) من فتاوى مفتي حضرموت في عصره السيد العلامة الفقيه عبدالله بن عمر بن يحيى باعلوي (ت 1265هـ) هذه المسألة المهمة، وهي: 



«مسألة (ي): العمل بيا حسين في جهة الهند وجاوة، المفعول يوم عاشوراء أو قبله أو بعده، بدعةٌ مذمومةٌ شديدة التحريم. وفاعلوه فسَّاقٌ وضُلاّل، متشبهون بالرافضة والناصبة. إذ الفاعلون لذلك قسمان:
[1] قسمٌ ينوحون ويندبون، ويظهرون الحزنَ والجزعَ، بتغيير لباسٍ، أو ترك لبس معتاد ، فهُم عصاةٌ بذلكَ، لحرمة هذه الأشياء. بل بعضُها من الكبائر، وفاعلها فاسق. وورد: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله»، وأنه يتأذى من ذلك.  فانظر لهؤلاء الجهال الحمقى، يريدون تعظيم الحسين، سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما يتأذى به، ويكون خصمهم به عند الله تعالى.  بل الذي ينبغي لمن ذكر مصابَ الحسين، رضي الله عنه، ذلك اليوم، أن يشتغل بالاسترجاع، امتثالاً للأمر، وإحرازاً للأجر، وما أصيب به السبطُ يوم عاشوراءَ إنما هو الشهادةُ، الدالة على مزيد حظوته ورفعة درجته عند ربه.

[2] وقسمٌ يلعبون ويفرحونَ، ويتخذونه عيداً، وقصدُهم إظهار الفرح والسرور بمقتلِ الحسين، فهم بذلك أشدّ عصياناً وإثماً. بل فعلهم هذا من أكبر الكبائر بعدَ الشركِ، إذ قتلُ النفس أكبرُ الكبائر بعد الشرك، فكيف بقتل سيد المؤمنين ريحانة سيد الكونين! والفرحُ بالمعصية وإظهار السرور بها شديدُ التحريم، ومرتبته كالمعصية في الإثم. بل جاء عن الإمام أحمد أنه كفر. وقد اتفق أهلُ السنة: أن بُغضَ الحسين، والفرحَ بمصابه كبيرةٌ، يخشى منها سوءُ الخاتمة. ولأن الفرحَ بذلك يؤذي جدّه عليه الصلاة والسلام وعلياً والحسنين والزهراء رضوان الله عليهم ، وقد قال تعالى : }إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله{ الآية». إلى أن قال: «.. فعُلمَ: أن إنفاقَ المالِ على العاملينَ لهذه المخازي شديدُ التحريمِ، وأخذَه: من أكلِ أموال الناسِ بالباطل»(38).

موقفهم من أتباع المذهب الزيدي في الاعتقاد

تقدم نقل فتوى للإمام الحداد في جواب سؤال رفعه إليه أحد الزيدية، في الكلام عمن قاتلهم الخليفة الراشد سيدنا علي رضي الله عنه. وأيضاً، فللإمام الحداد جهد في دفع بعض العقائد التي يقول بها الزيدية، موافقين فيها للمعتزلة، كالقول بخلق الأفعال، وهي مسألة شهيرة(39).




كما أنه رحمه الله لما جمع «راتبه الشهير» الذي يقرأ بين العشاءين في كثير من المساجد بحضرموت، جعل من جملة أذكاره عبارة: «بسم الله والحمدلله، والخير والشر بمشيئة الله». قال حفيده العلامة السيد علوي بن أحمد الحداد (ت 1232هـ) في «شرح الراتب»: «وذكر سيدنا أن الخير والشر بمشيئة الله، لأن المبتدعة، وكافة الزيدية، يقولون بقول القدرية. ولما خرجوا، قال سيدنا، لما سأله أحمد بن محمد الغشم الزيدي، عما حاصله، فأجاب رضي الله عنه، ونفع به الإسلام والمسلمين: اعلم وفقك الله تعالى، أن مذهبنا والذي نعتقده وندين الله به، أن لا يكون كائن من خير وشر، ونفع وضر، إلا بقضاء الله تعالى وبقدره، وإرادته ومشيئته»، الى أن قال: «فمذهبنا برزخ بين مذهبين: أحدهما مذهب الجبرية، القائلين بأن العباد مجبورون على ما يأتون ويذرون. .... والثاني: مذهب المعتزلة، القائلين بأن أفعال العباد الاختيارية خلقت لهم، وأنهم إن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا تركوا»(40).
ومن جملة الردود على الزيدية، ما ورد في «مجموع الأعمال الكاملة لمؤلفات العلامة السيد عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه باعلوي» (ت 1163هـ)، من جواب مطولٍ على سؤال قدمه له عالم يدعى عبدالحق الزيدي، مؤرخ في 5 جمادى الأولى سنة 1136هـ، والعالم الزيدي المشار إليه، ذكره في خاتمة جواب آخر له، على السؤال رفع إليه عن المهدي المنتظر، وكان رد بلفقيه عليه نظماً في أرجوزة سماها: «كشف الغطا عن اعتقاد آل بيت المصطفى».
ومن شعر العلامة بلفقيه في جوابه المسدّد، قوله(41):
علومُ الدّينِ فينا واضِحاتٌ


وأعلامُ الهدى فينَا مقيمَةْ

وما نخشَى ضلالاً بعد نُورٍ


تغشّانا وآيَاتٍ عظيمَةْ

فمن يشْهدْ فإنّ الحقَّ أجلَى


ومن يجحَد فذو عَينٍ سقيمَةْ










* * *
لفت نظر:



هناك أمور يصعب في أيامنا هذه كتمانها، أو الابتعاد عنها، من الدخول في حوارات مع المخالفين، وهذه أمورٌ لها حسنات وسيئات، فمن حسناتها أن يطلع ويقف الإنسان على الحقائق مجردةً عن أهواء الناقلين، ومن سيئاتها أن بعض قليلي العلم والتحصيل يتلقفون الشبهات التي لا يستطيعون ردها فيقعون في الشكوك. وقد تنبه الإمام عبدالله بن علوي الحداد لهذه الحيثية، فقال في رسالة منه لبعض مريديه وتلاميذه، الذي كتب إليه يسأله عن قيمة كتاب «الفصول المهمة» للصباغ المالكي، فأجابه بجواب في غاية الروعة والدقة والفهم: «.. فهو كتاب مليح، وليس في مطالعته محذور، ونحن قد حصلناه وطالعناه، ومصنفه من أهل السنة والجماعة، وتخصيصهم بذكر مناقبهم لا يدل على شيء، فقد ذكر الشيخ ابن حجر مناقبهم والثناء عليهم في «الصواعق». وذكر مذهب الغير لا يلزم منه الأخذ به. فشأن المصنفين والعلماء نقل المذاهب، ونقل أقوال الموافقين والمخالفين. والمذكورون في الكتاب من أكابر السلف الصالحين، ومن أئمة الدين. وإنما المحذور حصر الإمامة الظاهرة، كما تقول به الفرقة المخالفة، وفقنا الله وإياكم، وجعلنا من الذين هداهم الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه»(42).

كما نلفت النظر الى أمر مبحث مهم أورده العلامة المفتي السيد علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ) في كتابه النافع المفيد «عقود الألماس»، في ذكر معتقد السادة آل باعلوي، وتنبيهه على وقوع الزلل من بعض معاصريه من السادة بالتجرؤ على اقتحام أمر خطير، وهو المنافحة عن الإمامية، والرد على أهل السنة الأشاعرة، الى غير ذلك مما أطالَ به. فهو ببيانه ذلك أقام الحجة على أن آل باعلوي لا يسكتون في كل عصرٍ على من شذَّ منهم برأي، أو تفرّد بخلافِ ما عليه جمهورُ المسلمين، من السلف عموماً، ومن سلفهم من آل باعلوي خصوصاً، ولاشكّ أن الحكم والاعتبار للسواد الأعظم. 
* * *

ما أشبه الليلة بالبارحة:
إن الهجمة التي يتبناها بعض المغرضين في هذه الأيام، قاصدين منها تشويه هذه الأسرة الكريمة، والبيت الشريف المحتد، ليست بالجديدة ولا بالغريبة عن واقع المسلمين المتداعي المريض. فقبل قرن من الزمان، وفي النصف الأول من القرن الرابع عشر، ثارت زوابع وعواصف لا أخلاقية، رصدتها ذاكرة التاريخ، ودونتها في سجلاتها المتراكمة. نكتفي من الأمثلة المرصودة، بمثالٍ ونموذجٍ واحد، يكشف لنا عما جرى في زمَنٍ متقدم.


كتبَ الأستاذ الصحفي المخضرم، السيد أحمد بن عمر بافقيه باعلوي (ت 1426هـ) في صحيفته الشهيرة «صحيفة العرب» التي كان يصدرها في سنغافورا، مقالاً عنوانه «الحدُّ القاطعُ لاتهام العلويين بالرفض»، نشر في الصفحة الأولى من تلك الصحيفة بتاريخ يوم الجمعة 3 ذي القعدة سنة 1350هـ/ 1930م. جاء فيه قوله: «يتشدَّقُ بعضُ ذوي الأغراضِ باتهامِ العلويينَ بالرفضِ، وهم أبعَدُ الناسِ عنه، بمعناه المعروف عند أهلِ السنة والجماعة من كل جماعةٍ أخرَى في المسلمين، ليسوا أبعدَ عن الرفضِ فحسب، بل أبعدُ عن كلِّ تشيعٍ لا يتفقُ مع مذاهبِ أهلِ السنة، لأنهم من أشدِّ الناس تمسّكا بطريقةِ الرسولِ r وخلفائه الراشدين من بعده وسلفِ الأمة. وإذ لا يجدُ هؤلاء المغرضونَ ما يدعمون به اتهامهم الباطل، يقولون : إنّ العلويينَ يتستّرون عن الظهور أمام الناس بالرفض!!.
وقد اصطلحَ الناسُ على تسمية أنصارِ أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أولاد علي بن أبي طالبٍ t شيعةً، والشيعةُ فرقٌ، أقربهم إلى الصواب الزيديةُ، وليسَ بينهم وبين أهل السنة كبيرُ خلافٍ في المعتقدات كما ذكر المحققون. والعلويون ليسُوا حتّى من هذه الفرقة،  كما هو الثابتُ من أعمالهم وكتبهم وسيرةِ سلفهم، بل هم كما قلنا : من أشدِّ الناسِ تمسكا بمذهب أهل السنة، ولو كانَ هناك شيء مما يرميهم به المغرضُون لجاهروا به ودعوا الناس إليه، لأنّ من يعتقدُ شيئا -خصوصاً فيما له اتصال بالدين- يعملُ على بيانه ونشره، ما دام لا يضطره على كتمانه أمرٌ قاهر. والعلويون أحرارٌ في إبداء آرائهم، سواءً كانوا في هذه البلاد أو في غيرها، فلمَ لا يعلنون الرفض إن كانوا يرونه ؟ ويدعون إليا نهارا جهارا ؟ فهل هناك قوةٌ قاهرةٌ تمنعهم ؟ أم هم كغيرهم أحرارٌ ، وغايةُ ما في تظاهرِهم به : أن يكون موقفُهم من بقية المسلمين موقفَ شيعةِ اليمنِ والعراق. والغريبُ أنه بالرّغم من أنه لم يبدُ من العلويينَ إلا ما يدلُّ على شدة تمسّكهم بمذهب جمهورِ أهل السنة، لا يتهّمهم المغرضونَ بما يشبه تشيّعَ الزيديةِ فحسبُ، بل بـ«الرفضِ» الذي هو الغلوُّ في التشيع.
- للعلويين مؤلفاتٌ تعدُّ بالألوف، فهل حوتْ شيئا مما يتهمهم به أعداؤهم؟
- للعلويينَ من المساجدِ ما ربما يبلُغ الألفَ، فهل ظهر في واحدٍ منها شيء مما يتهمهم به ذوو الأغراض؟ أم أنهم في جميع مساجدهم بلا استثناءٍ يترضَّونَ عن الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة، على الترتيب المعروف في مساجد جمهور أهل السنة، فيترضَّون عن أبي بكر فعمر فعثمان فعلي رضي الله عنهم.

وإذا قلنا (العلويون)، فإنما نعني طبعا الأغلبية الساحقة منهم، أما أن يرَى فردٌ أو أفرادٌ قليلونَ غيرَ ما تراه أكثريتهم المطلقة، فلا ينهض دليلا ينفي ما عُرفَ عنهم من حرصهم على التمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، بل إن كونَ هذه الأقليةِ لا تتجاوز أصابع اليدينِ مما يؤيدُ أن العلويينَ من أبعدِ الناسِ تأثراً بالتشيع، معَ أنهم من أهل البيت، وأولى به وبالغلوِّ في محبة الامام علي كرم الله وجهه، غير أنهم لا يرَون ذلك. وإن زعمَ المغرضونَ أن هذه الأقليةَ أكثرُ من عددِ أصابع اليدين، لا يستطيع أحدٌ مطلقا أن يزعمَ أنها تبلغُ ولو عشرَ العشرِ من العلويين، على أنّ هذه الأقلية لم تذهبْ في تشيعها إلى أكثرَ مما ذهبت إليه الزيدية»(43).

موقف علماء آل باعلوي
من مكائد أعداء الإسلام وشبهات المنصرين
ومن الفرق الضالة التي ظهرت في العصر الحديث
كفرقة القاديانية
لم يكن علماء آل باعلوي، وهم يشكلون أجزاء كبيرة من النسيج الاجتماعي في عموم العالم الإسلامي، إلا أن يهتموا بكافة الشئون التي تجري على إخوانهم المسلمين، وأن يشاركوهم في التصدي لمكائد أعداء الإسلام، فقاوموا التنصير، واتخذوا كافة السبل لحفظ المجتمعات الإسلامية في المناطق النائية من ذلك الشر العظيم، فشادوا المساجد والجوامع، وأسسوا المدارس، وانتشروا في الأدغال، واخترقوا الصحارى، وصعدوا الجبال، وهبطوا الوديان، كل ذلك في سبيل إعلاء شأن كلمة التوحيد.
كما وقف علماء آل باعلوي أمامَ مدّ الفرق الهدامة، وصدعوا بالحق في وجه دعاتها، وأعلنوا النكير عليها. كتلك الفرقة الضالة المضلة، المعروفة بالقاديانية، التي ظهرت في  الهند، وانتشرت في عدد من البلدان الإسلامية شرقاً وغرباً. وامتدت نيرانها المحرقة الى أرخبيل الملايو، وإلى شرق أفريقيا.
فكان من المتصدين لها في بلاد الملايو، فضيلة مفتي جوهور، السيد العلامة علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ)، فكتب مقالات عديدة في الصحف العربية والملايوية، في التحذير من تلك الفرقة، الخارجة عن الإسلام، وأوضح بطلان ما هي عليه في الاعتقاد، وحذر من ضلالاتها، وقد جمعت تلك المقالات في أربعة كتيبات لطيفة الحجم، طبعت باللغة الملايوية في ولاية جوهور، بدولة ماليزيا، بعنوان «أنوار القرآن الماحية لظلمات متنبي قاديان»، طبعت سنة 1376هـ/ 1956م.



وتقديراً لجهود العلامة مفتي جوهور في الدفاع عن حياض الإسلام، كتب الأستاذ محمد جسمي بن عبد الرحمن، أطروحته للماجستير، باللغة الملايوية الحديثة، في قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية والبشرية، بالجامعة الوطنية بماليزيا، سنة 1992-1993م، وكانت بعنوان «السيد علوي بن طاهر الحداد : خدمته، وجهده ودوره في هدم الفرق الضالة بجوهور 1934-1961»، تقع هذه الأطروحة في حوالي 180 صفحة، وقد قام بترجمتها الى العربية أخينا السيد الفاضل توفيق جمل الليل، من أهل برليس، وقمت بإعادة صياغتها وتصحيح عباراتها، تمهيداً لنشرها خدمة لتراث المفتي الحداد، الغني الثري.



وامتداداً لذلك الجهد الذي قام به مفتي جوهور في شرق آسيا، فإن تلميذه الأنجب الأعلم، الداعية الجليل، السيد أحمد مشهور الحداد باعلوي، (ت 1416هـ)، دفين المعلاة بمكة المكرمة، قام بنحو ما قام به شيخه، في موطن إقامته في شرق أفريقيا، حيث قام ضد انتشار أفكار القاديانية في تلك الأصقاع، وعمل على توعية المسلمين بذلك الخطر الداهم.

جهاد السادة آل باعلوي

وهل نسي التاريخ والعالم جهود آل باعلوي في حمل راية هذا الدين العظيم، وإعلاء شأنها في المشارق والمغارب. وهل نسيت بلاد جاوة جهاد العلامة السيد عمر الزاهر باعلوي الذي حارب الهولنديين ودوخهم في آشي، حتى ظفروا به فنفوه إلى سري لانكا ومنها إلى مكة المكرمة حيث توفي سنة 1305هـ.



وهل سينسى مسلمو كيرلا، جنوب الهند، جهاد السيد العلامة علوي بن محمد مولى الدويلة (ت 1263هـ) دفين ممبُرَم (منفُرَم)(44)، وابنه السيد الأمير فضل باشا (ت 1318هـ)(45)، اللذان جاهدَا الإنجليز ودوخوهم، حتى قاموا بنفي السيد فضل إلى مكة وبعدها قربه السلطان عبدالحميد العثماني (ت 1336هـ) وخلع عليه النياشين، وتولى إمارة ظفار العمانية مدة من الزمن، ثم عاد إلى اسطنبول وتوفي بها، ينظر عن جهادهم كتاب راقم هذا البحث، وهو بعنوان «إسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند».

آل باعلوي في صدور مجالس العلم
وحلقات التعليم
العلم والدعوة، أمران متلازمان في حياة علماء ودعاة السادة آل باعلوي، كيف لا! والعلم أول الأصول الخمسة التي تقوم عليها طريقتهم، والتي سار عليها رجالاتهم جيلا بعد جيل، وهي: (العلم، والعمل، والخوف، والزهد، والورع).



فهل يا ترى! نسي الحرمان الشريفان، وأرضُ الحجاز وساكنوها، أولئك الرجال الأفذاذ من علماء السادة آل باعلوي، الذين ازدانت بهم حلقات العلم في الحرمين الشريفين، منذ القرن التاسع الهجري إلى وقت الناس هذا! من ذا الذي يستطيع إنكار شيء من ذلك! وهذه المصادر والمراجع المكية والمدنية، كلها طافحة بأخبارهم وسيرهم وتراجمهم. سنكتفي هنا بذكر أعلام العلماء من آل باعلوي، الذين تصدروا للتدريس في الحرم المكي الشريف، أو في مكة المكرمة عموماً، مكتفين بهم كنماذج يتشرف بحثنا الوجيز هذا بذكرهم.


 
فمن أهل القرن العاشر الهجري:
1.    محمد بن أحمد الخون باعلوي (ت 929هـ).
2.    حسين بن محمد شنبل باعلوي (ت 932هـ).
3.    محمد بن أبي بكر باعلوي (ت 937هـ).
4.    إبراهيم بن علي خرد باعلوي (ت 938هـ).
5.    شيخ بن حسن مولى الدويلة باعلوي (950هـ).
6.    عبدالله بن محمد مولى الشبيكة باعلوي (ت 974هـ).
7.    شيخ بن عمر السقاف باعلوي (ت 979هـ).
في القرن الحادي عشر الهجري:
8.    علي بن عبدالله ابن صاحب الشبيكة باعلوي (ت 1021هـ).
9.    هاشم بن أحمد الحبشي باعلوي (ت 1043هـ).
10.          أحمد بن شيخان باعبود باعلوي (ت 1044هـ).
11.          أحمد الهادي بن محمد شهاب الدين باعلوي (ت 1045هـ).
12.          سالم بن أحمد شيخان باعبود باعلوي (ت 1046هـ).
13.          علي بن عقيل السقاف باعلوي (ت 1048هـ).
14.          عبدالله بن علي العيدروس باعلوي (ت 1050هـ).
15.          محمد الغزالي بن عمر الحبشي باعلوي (ت 1052هـ).
16.          علوي بن حسين العيدروس باعلوي (ت 1055هـ).
17.          محمد بن أبي بكر السقاف باعلوي (ت 1062هـ).
18.          محمد بن علي بن عبدالله صاحب الشبيكة باعلوي (ت 1066هـ).
19.          أبوبكر بن حسين العيدروس باعلوي (ت 1068هـ).
20.          علي بن حسين بن عمر باعلوي (ت 1069هـ).
21.          محمد بن علوي السقاف باعلوي (ت 1071هـ).
22.          أبوبكر بن محمد السقاف باعلوي (ت 1074هـ).
23.          أبوبكر بن سالم بن شيخان باعبود باعلوي (ت 1085هـ).
24.          علي بن أبي بكر بن سالم مولى الدويلة باعلوي (ت 1086هـ).
25.          محمد بن سهل الحديلي باعلوي (ت 1088هـ).
26.          أحمد بن أبي بكر بن شيخان باعبود باعلوي (ت 1091هـ).
27.          محمد بن أبي بكر الشلي باعلوي (ت 1093هـ).
في القرن الثاني عشر الهجري:
28.          عبدالله بن عبدالرحمن كريشة السقاف باعلوي (ت 1104هـ).
29.          محمد بن عمر بن شيخان باعبود باعلوي (ت 1122هـ).
30.          سالم بن عبدالله السقاف باعلوي (ت 1123هـ).
31.          عبدالله بن علي باحسين السقاف باعلوي (ت 1124هـ).
32.          علوي بن عبدالله بن علوي الحداد  باعلوي (ت 1155هـ).
33.          عبدالله بن جعفر مدهر باعلوي (ت 1160هـ).
34.          عمر بن أحمد بن عقيل السقاف باعلوي (ت 1171هـ).
35.          جعفر بن محمد البيتي باعلوي (ت 1182هـ).
في القرن الثالث عشر الهجري:
36.          أحمد بن أبي بكر بن عقيل السقاف باعلوي (ت 1240هـ).
37.     عقيل بن عمر بن يحيى باعلوي (ت 1247هـ). وشهرته بالسقاف، وأحفاده يعرفون ببيت عقيل، ومنهم شيخ السادة الشهيد السيد إسحاق.
38.          علي بن محمد البيتي باعلوي (ت 1250 تقريباً).
39.          حسين بن عبدالرحمن الجفري باعلوي (ت 1258هـ).
40.          محمد بن محسن العطاس باعلوي (ت 1260هـ).
41.          محمد بن محمد السقاف باعلوي (ت 1283هـ).
42.          محمد بن حسين الحبشي باعلوي (ت 1281هـ).
43.          عمر بن عقيل بن يحيى باعلوي (ت 1291هـ).
44.          محمد بن إسحاق بن عقيل بن يحيى باعلوي (ت 1293هـ).
في القرن الرابع عشر الهجري:
45.          حسين بن صالح جمل الليل باعلوي (ت 1305هـ).
46.          عمر بن عبدالله السقاف باعلوي (ت 1305هـ)، شيخ السادة.
47.          محضار بن عبدالله السقاف باعلوي (ت 1311هـ).
48.          سالم بن أحمد العطاس باعلوي (ت 1316هـ).
49.          حسين بن محمد الحبشي باعلوي (ت 1330هـ)، مفتي الشافعية.
50.          عبدالله بن عمر باروم باعلوي (ت 1335هـ)، سبط آل الطبري.
51.          علوي بن أحمد السقاف باعلوي (ت 1335هـ)، شيخ السادة.
52.          عبدالله بن أحمد الغمري باعبود باعلوي (ت 1339هـ).
53.          أحمد بن عبدالله بافقيه باعلوي (ت حوالي 1340هـ).
54.          علوي بن صالح عقيل بن يحيى باعلوي (ت حوالي 1340هـ).
55.          محمد بن عبدالله السقاف باعلوي (ت 1332هـ).
56.          عيدروس بن سالم البار باعلوي (ت 1367هـ).
57.          أبوبكر بن أحمد الحبشي باعلوي (ت 1374هـ).
58.          أبوبكر بن سالم البار باعلوي (ت 1384هـ).
ومن أراد تراجم المذكورين، والتعرف على أحوالهم، فعليه بكتاب «نشر النور والزهر» للعلامة القاضي عبدالله أبوالخير مرداد (ت 1343هـ) و«مختصره» المطبوع. وكتاب «نظم الدرر» للشيخ المؤرخ عبدالله غازي المكي (ت 1364)، وأصول هذين الكتابين، من مؤلفات آل باعلوي ككتاب «المشرع الروي»، وكتاب «عقد اليواقيت الجوهرية»، وغيرها.
وممن عرف بالعلم وتصدى لتدريس العلوم، بمكة المكرمة، بعد من تقدم:
59.          محمد الهادي العطاس باعلوي.
60.          سالم بن طالب العطاس باعلوي.
61.          حامد بن علوي الكاف باعلوي.
62.          نبيل بن هاشم بن عبدالله الغمري باعبود باعلوي.


السادة آل باعلوي
في ميدان الدعوة الى الله في الوطن والمهجر
عرف عن السادة آل باعلوي بالدعوة الى الله تعالى، بالحكمة والموعظة الحسنة، وما ذاع صيتهم إلا بدعوتهم الناس الى ربهم، فكانوا يجوبون السهول والقفار في سبيل الله، وهل وجودهم وانتشارهم، وبقاء ذراريهم الى اليوم في القرى النائية إلا أكبر دليل على ذلك. ألم يكن لهم في سكنى الحواضر الكبرى في أوطانهم، كتريم ونحوها، غنية عن الرحلة والجولان في الأصقاع المتباعدة!. فلله درهم من رجال أخلصوا لله، فأنالهم المحبة في قلوب صالحي عباده، ونشر ذكرهم وصيتهم الحسن في الآفاق.
إن دعوة السادة آل باعلوي في أرض الوطن، في بلاد حضرموت، قراها ووديانها، ساحلها وداخلها، أمر من الشهرة والذيوع بمكان، لقد حفروا أسماءهم في التاريخ، بل أصبحوا هم التاريخ. وهل التاريخ إلا رجال وأحداث، فهم الرجال، وهم صانعوا تلك الأحداث. ونظرة عجلى على تواريخ حضرموت، المتقدمة والمتأخرة، المخطوط منها والمطبوع، ترجع الناظر منبهراً مندهشاً من عظمة الرجال الأوائل، الذين كانت هممهم أقوى وأصلب من الجبال الرواسي. ودونك أيها القارئ كتاب «الشامل في تاريخ حضرموت» تأليف السيد العلامة علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ) وليد قيدون ودفين جوهور بماليزيا. وكتاب «إدام القوت» للسيد العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف باعلوي (ت 1375هـ) وليد سيون ودفينها.
وإن أردت من مؤلفات غير آل باعلوي، فدونك مؤلفات العلماء من آل باقشير، وآل بافضل، وآل باعباد، وآل باجمال، وآل العمودي، وآل باوزير، وآل باشعيب، وآل باصهي، وآل مزروع، وغيرهم، ممن كتبوا في التراجم وألفوا فيها المؤلفات، ترى أنه لا تخلو ترجمة من التراجم، ولا حقبة من أحقاب التاريخ في حضرموت، إلا وآل باعلوي حاضرون فيها، إما شيوخا أو تلاميذ أو دعاة أو ناصحين مرشدين. فماذا بقي لنا أن نقول بعد هذا!.
اهتمام آل باعلوي بتأسيس الأربطة والمدارس: العلم ثم العلم ثم العلم، هذا هو شعار أكابر السادات من آل باعلوي، لا تفتح ترجمة لأحدهم إلا وتجده موصوفاً بأنه حليف المصحف والكتاب، والعلم والمحراب. ألم يقل أمير البيان شكيب أرسلان إنه لشدة إعجابه بتراجم آل باعلوي اعتزم تأليف كتاب يسميه «الحجر الكريم فيمن ولد بتريم وحفظ القرآن العظيم»، وليته فعل، على أن ما يوجد من الإرث العلمي لسادتنا الأكارم يغني عما سواه.
افتتح آل باعلوي الأربطة، في تريم، وفي بقية البلدان، وشاركهم بطبيعة الحال غيرهم من العلماء الحضارمة، ولكننا آثرنا التركيز على جهود آل باعلوي، لما يقتضيه المقال والحال. ففي شبام أسس العلامة الجليل السيد أحمد بن عمر بن سميط باعلوي (ت 1257هـ) مسجد ومدرسة حارة الفتح والإمداد سنة 1220هـ تقريباً. وفي سيون أنشأ العلامة السيد علي بن محمد الحبشي باعلوي (ت 1333هـ) رباط العلم الشهير بها سنة 1296هـ. وفي تريم تأسس رباطها الشهير سنة 1304هـ على أيدي نخبة من أهالي ووجهاء تريم وأعيانها، من آل عرفان بارجا وآل الحداد وآل الجنيد وآل الشاطري، وغيرهم.
وتفرع عن رباط تريم أربطة كثيرة، أسسها خريجو ذلك الرباط العظيم، أزهر حضرموت بحق. منها رباط عينات، أسسه السيد العلامة الحسن بن إسماعيل الحامد باعلوي (ت 1367هـ)، ورباط البيضاء أسسه السيد العلامة محمد بن عبدالله الهدار باعلوي (ت 1418هـ)، وأربطة أخرى لسنا بصدد استقصائها هنا.
وهناك من المدارس الحديثة، كانت مدرسة جمعية الحق بتريم تأسست سنة 1310هـ على يد السادة آل الكاف باعلوي، تلتها مدرسة جمعية نشر الفضائل أسسها السيد العلامة أحمد بن عمر الشاطري باعلوي (ت 1360هـ)، فمدرسة جمعية الأخوة والمعاونة أسسها السيد العلامة محمد بن أحمد الشاطري باعلوي (ت 1422هـ). وفي سيون مدرسة النهضة، واحة العلوم والمعارف، أسسها السادة الأشراف من آل السقاف، وتجد في «ديوان أزهار الربا» لأديب حضرموت وشاعرها الأشهر علي أحمد باكثير، أشعار كثيرة في ذكر النهضة ومؤسسيها ومدرسيها. كل تلك المدارس لها تاريخٌ زكي، عنبريٌ ذكي، ليت الشبان يتجهون لتدوينه وخدمته وإشاعته، وقد فعل بعضٌ شيئاً من ذلك.
اهتمامهم بدعوة القبائل: هناك فرية افتراها بعض المثقفين، وأشاعها في مؤلفٍ له، نشر في وقت قريب، تقول: إن السادة آل باعلوي يكتمون العلم عمن سواهم، وأنهم كانوا يحتكرون الثقافة، وكانوا يعملون على تجهيل القبائل وحملة السلاح. ولعمر الحق، إنها لفريةٌ عظيمة، وكذبةٌ في حق الإسلام وحق الدعاة الصالحين من آل باعلوي جسيمة، والعجب أن قائلها تربى في عش آل باعلوي، ودرج في أكنافهم. أأشياخك وأساتذتك من آل باعلوي يحتكرون العلم!! حاشَ لله، ما علمَتْ أمةُ الإسلام دعاةً وعلماءَ بذلوا العمْر، والنفس والنفيسَ، في خدمة العلم والدين ونشره لوجه الله، وفي سبيله، بالجمة والموعظة الحسنة، أفضلَ وأكرَمَ من أولئك الدعاة الأكرمين، الطاهرين.
ومن الكذبات الكبرى، التي زعمها ذلك المثقف: أن إمام الدعاة في عصره، السيد العلامة أحمد بن عمر بن سميط باعلوي ينهى عن تعليم أبناء القبائل القراءة والكتابة، من باب (ترسيخ المجتمع الطبقي الذي أوجده الدور الصوفي في حضرموت)!. فلننظر الى «مجموع كلامه ومواعظه»، لنجد فيه أبلغ الرد على هذا الكذب الصريح الذي فاه به ذلك الكاتب.
يقول الإمام ابن سميط: «ما بقي معَنا حيلةٌ إلا دعوة الصغار من عيال القبائل وغيرهم، لأنه إذا انتفع الصغير، سرى ذلك إلى الكبير بميل الطبع، لأن الوازع الديني يغني عن الوازع الشرعي»(46). وقال مخاطباً أحد تلامذته عندما همَّ بالانصراف من مجلسه ليجمعَ القبائل لتذكيرهم، بسببِ عُدوانٍ وقتلٍ وقع من بعضهم منهم على أحد المساكين، فقال له: « ... ولعل يقع تذكيرٌ في تعليمِ أولادهم: الأولاد والبنات، لأنهم قابلين، كما في الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، يرجع الصغير يرد الكبير»(47)، انتهى. فهل بعد هذا الكلام الواضح المشرق كالشمس في رابعة النهار كلام، وهل بعد الحق إلا الضلال! هذا العلم الشامخ أحمد بن عمر ابن سميط الذي هدى الله به أمة، وأحيى به أجيالاً ومجتمعات، يقال في حقه: أنه يمنع من تعليم أبناء القبائل لترسيخ الفكر الصوفي!! وأقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
هذا، ويضاف إلى ما سبق، التنويه إلى ما للعلامة السيد عبدالله بن حسين بن طاهر باعلوي (ت 1272هـ) من رسائلَ خصصها للقبائل وحملة السلاح، منها «العهد المعهود في نصيحة الجنود» وهي (الرسالة الخامسة) من «مجموع الرسائل»، ومنها: «نصيحته للقبائل»، وهي (الرسالة التاسعة عشر) من «مجموع رسائله». ذلك «المجموع» النافع المبارك، الذي طبع مراراً وتكراراً، وكانت طبعته الأولى في القاهرة سنة 1306هـ/ 1888م، وهو مجموع يشتمل على اثنين وعشرين (22) رسالةً، كلها تنضح بالعلم والفقه والدعوة الى الله(48).
قال في «العهد المعهود»: «هذه التذكرة الباعث لها تذكير الجند بالخصوص، والنصيحة لهم، لأني رأيت في هذا الزمان من الجنود ما لا يسع مؤمناً السكوت عليه، من التعدي، والظلم، والعدوان، والنهب، والسرقة، وغيرها من المظالم المآلية والحالية، لكل من لا ناصر له إلا الله، مع عدم مبالاة بما ورد في ذلك من الوعيد الشديد»(49).
وممن عانى تدريس البادية ودعوتهم إلى الله، ونشر العلم في أكنافهم، السيد العلامة علي بن أبي بكر المشهور باعلوي (ت 1402هـ) الذي سكن أحور معلماً وداعياً، وظهر من بعده بنوه فأكملوا مسيرته، واشتهر منهم السيد الداعية أبوبكر العدني بن علي المشهور، حفظه الله، وقد أفرد سيرة والده في مجلد مطبوع سماه «قبسات النور». ومنهم السيد العلامة مفتي البيضاء محمد بن عبدالله الهدار باعلوي (ت 1418هـ)، فقد أسس في البيضاء وفي قراها أربطةً ومعاهد، لا تزال قائمة إلى اليوم، يرعاها بنوه، وقد أفرد سيرته أيضاً ابنه السيد العلامة، وكيل وزارة الأوقاف باليمن، حسين بن محمد، في مجلدين، بعنوان «هداية الأخيار»، وهو مطبوع أيضاً.
الدعوة في شرق آسيا:
ففي الهند: كان للعلامة السيد شيخ بن محمد الجفري باعلوي (ت 1222هـ) دعوة عظيمة، وانتشار كبير في جنوب الهند، في أرض المليبار، ولا يزال المسلمون الى يومنا هذا يذكرونه بالخير ويدعون له عقب الصلوات في المساجد والزوايا والتكايا، ولعل الأمر أكبر وأظهر وأشهر في جزيرة سيلان. كما كان للسيد العلامة عبدالله بن علوي العطاس باعلوي (ت 1334هـ) كانت له دعوة واسعة في كلكتا، وبلاد البنقال، وأرض بورما، وله هناك زوايا ومريدون الى الوقت الراهن(50).
وفي سيلان: اشتهر وظهر دور العلامة السيد شيخ الجفري، كما تقدم. والسيد العلامة أحمد بن عبدالله بافقيه (ت 1250 تقريباً)، والسيد العلامة علوي بن عبدالرحمن المشهور (ت 1342هـ)، وحفيده السيد الداعية المعمر أحمد بن أبي بكر بن علوي المشهور (ت 1420هـ). وللمزيد ينظر كتاب «إسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند»، لكاتب هذا البحث.
وفي بلاد جاوة والملايو: الأمر أشهر وأعظم وأوسع، والكتابة فيه تحتاج الى مؤلفات، على أن من أشهر الدعاة هناك السادة الأشراف المعروفون تاريخياً بالأولياء التسعة، وهم من ذرية السيد الشريف عبدالملك بن علوي بن محمد صاحب مرباط باعلوي، المتوفى بأرض الهند منتصف القرن السابع الهجري تقريباً، وعرفت ذريته في الهند بآل عظمت خان، وكان منهم الدعاة والساسة والجنود، ثم دخلت ذريتهم وانتقلت الى جزر الهند الشرقية التي عرفت فيما بعد بإندونيسيا، أو أرخبيل الملايو، فكان لهم بها شهرة فائقة.

العلامة النحرير السيد علوي بن طاهر الحداد
مفتي جوهور بماليزيا، رحمه الله

 والكلام في هذا الصدد يطول، ويراجع للمزيد: كتاب «المدخل الى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى» للعلامة السيد علوي بن طاهر الحداد (ت 1382هـ)، وله كلام نفيس أيضاً في كتابه «عقود الألماس»، كما أورد السيد المؤرخ محمد ضياء شهاب (ت 1405هـ) دفين مكة المكرمة، الكثير من الفوائد والمعلومات في هذا الباب في تعليقاته على كتاب «شمس الظهيرة» لمفتي تريم العلامة السيد عبدالرحمن المشهور باعلوي (ت 1320هـ).

الداعية المعمر السيد علي بن عبدالرحمن الحبشي

ومن مشاهير الدعاة في القرن الرابع عشر الهجري: السيد العلامة علي بن عبدالرحمن الحبشي باعلوي (ت 1386هـ) المشهور بصاحب كويتان، وهي حارة من حارات العاصمة جاكرتا، يقام بها كل يوم أحد مجلس للتعليم والإرشاد، تحضره جموع غفيرة، حتى أن مداخل شوارع تلك الحارة أو ذلك الحي تغلق وتفرش للناس مفارش للجلوس والاستماع للدروس والمواعظ الدينية، ولا يزال هذا الأمر معمولاً به الى هذا الوقت.
الدعوة في شرق أفريقيا:


فمن كبار الدعاة في شرق أفريقيا، في القرن الرابع عشر الهجري: السيد العلامة القاضي أحمد بن أبي بكر بن سميط باعلوي (ت 1341هـ) دفين أتساندا في جزيرة أنجزيجة من جزر القمُر، والسيد العلامة صالح بن علوي جمل الليل باعلوي (ت 1354هـ) دفين جزيرة لامو بكينيا، والسيد العلامة القاضي عمر بن أحمد بن سميط (ت 1396هـ) دفين أنجزيجة بجوار أبيه. والسيد العلامة الفقيه أحمد مشهور الحداد (ت 1416هـ) الذي أمضى معظم سني حياته في أفريقيا ثم وافته منيته في مدينة جدة، ودفن بمقبرة المعلاة بمكة في حوطة السادة آل باعلوي الشهيرة.

السيد العلامة عبدالقادر الجنيد، رحمه الله
 والسيد العلامة المؤرخ عبدالقادر الجنيد باعلوي (ت 1427هـ) دفين مدينة دار السلام عاصمة تنزانيا، والسيد العلامة الداعية سعيد بن عبدالله البيض باعلوي (ت 1366هـ)، وابنه العلامة الداعية الموفق محمد بن سعيد (ت 1434هـ) دفينا كينيا، والإفاضة والتفصيل في ذكر مآثرهم يطول جداً. ونحيل القارئ الكريم على كتابين مهمين، كلاهما من تأليف الأستاذ الأديب السيد حامد بن أحمد مشهور الحداد باعلوي (ت 1434هـ)، أولهما: «صفحات من حياة السيد الداعية أحمد مشهور الحداد»، وهو منشور في دار الفتح، الأردن، سنة 1424هـ/ 2004م، وكتابه الآخر: «دراسات عن العرب والإسلام في شرق أفريقيا»، صدر في مجلد عن دار المنهاج، جدة، سنة 1428هـ/ 2007م.

السيد العلامة الداعية أحمد مشهور الحداد، رحمه الله
وللشيخ الفاضل ياسر القضماني، معاصر، من أهل دمشق، كتاب «السادة آل أبي علوي وغيض من فيض أقوالهم الشريفة وأحوالهم المنيفة»، صدر في مجلد بدمشق، عن دار نور الصباح، سنة 2014م، يقع في 448 صفحة، عقد فيه فصلا ماتعاً عن دعوة السادة آل باعلوي الى الأصقاع المتنائية، وفي الكتاب تراجم لعدد من الدعاة المعاصرين من آل باعلوي المباركين.


تصوف السادة آل باعلوي




لسنا هنا بصدد الاستيعاب والإحاطة بكل النصوص الواردة في كل مبحث من مباحث مقالنا هذا، وإنما حسبنا من القلادة ما أحاط منها بالجيد. على أننا نشير الى أمر مهم، وهو التنبيه على أن طريق التصوف الذي انتهجه السادة آل باعلوي، لم يكن إلا التصوفَ العمليَّ، الذي هو السلوكُ القويم، والثبات على العبادة، والدوام على الذكر، الذي جاءت به نصوص الكتاب والسنة. قال الإمام المجدد السيد عبدالله الحداد باعلوي (ت 1132هـ): «إن طريق السادة العلويين، ليس إلا الكتاب والسنة، وهم درجات عند الله، والله بصير بما يعملون. فمن متوسط في ذلك، وكامل، وأكمل. فهم على المهيع الواسع الموصل إلى الله تعالى، من سار عليه وصل، إلا أن سلوكهم متفاوت»، إلى آخر كلامه(51).
وفي التعريف بطريقة السادة آل باعلوي، ألفت المؤلفات، وصنفت الرسائل والمصنفات، فمنها كتاب «العقود اللؤلؤية في بيان طريقة السادة العلوية»، للعلامة مفتي الشافعية بمكة المكرمة، السيد محمد بن حسين الحبشي باعلوي (ت 1281هـ)، وغيره من المؤلفات، وقد لخصها العلامة السيد عيدروس بن عمر الحبشي باعلوي في كتابه «عقد اليواقيت الجوهرية»، وهو مطبوع متداول، كما من الكتب المعاصرة النافعة في الباب كتاب «المنهج السوي شرح أصول طريقة السادة بني علوي»، للسيد العلامة زين بن إبراهيم بن سميط، حفظه الله(52).

تحذيرهم من كتب فلاسفة الصوفية: جاء في كتاب «المنهج السوي» تحت عنوان (الفصل الرابع: في كتب تحذر القراءة فيها): «ينبغي للإنسان أن يحترز من مطالعة الكتب التي تشتمل على الأمور الغامضة، إيثاراً للسلامة، وخشية أن يفهمها على غير وجهها، فيضل عن سواء السبيل، ويهلك مع الهالكين. وذلك مثل مؤلفات الشيخ ابن العربي، وكتابي «المعراج» و«المضنون» للإمام الغزالي، وكذلك مؤلفات الشيخ عبدالكريم الجيلي، كما ذكر ذلك سيدنا عبدالله الحداد في «رسالة المعاونة»، انتهى(53).
 والكلام في هذا الباب يطول، وهذا أنموذج كافٍ للتعريف باستقامتهم على المنهج العام لأهل السنة والجماعة وعدم مخالفتهم بما عليه حفاظ الأمة وفقهاؤها وأئمتها.

بيوت وأسر السادة آل باعلوي
من أعرق البيوت والأسر في الحرمين الشريفين
وعدا الحلقات والدروس، فقد كان للسادة آل باعلوي القدح المعلى في الخدمات الاجتماعية، وكان السيد صافي الجفري باعلوي (ت حوالي 1336هـ) المشرفَ العام على عمارة وتوسعة الحرم النبوي الشريف زمان السلطان عبدالمجيد العثماني، المعروفة بالعمارة المجيدية. وكان شيوخ السادة ال باعلوي في مكة والمدينة أهل مكانة لا تخفى، وكان السادة آل السقاف في مكة والمدينة من شيوخ آل باعلوي، ومن أعلامهم: العلامة المفتي السيد علوي بن أحمد السقاف باعلوي (ت 1335هـ) بمكة. والسيد علوي بن عبدالرحيم السقاف باعلوي بالمدينة، وابنه السيد عباس، فابنه السيد عمر بن عباس (ت 1394هـ) وزير الخارجية السعودية في عهد الملك فيصل آل سعود رحم الله الجميع.

الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
وخلفه وزير الخارجية السيد عمر السقاف، رحمهم الله

وهل ينسى التاريخ دور السيد إبراهيم بن عمر السقاف باعلوي، قنصل المملكة العربية السعودية في سنغافورة، الذي عيّنه الملك فيصل بن عبد العزيز في 4 نوفمبر 1964م(54).

قصر السقاف بمكة المكرمة

وهل قصر السقاف بعابدية مكة المكرمة إلا من إرث السادة آل السقاف من آل باعلوي الأشراف!. وما عهد السيد أمين عقيل العطاس باعلوي (ت 1435هـ) منا ببعيد، وقد تولى منصب الأمين العام المساعد برابطة العالم الإسلامي. وهل أمين مكة المكرمة الحالي، السيد أسامة بن السيد فضل بن السيد العلامة عيدروس بن سالم البار باعلوي، إلا أحد أفراد هذا البيت الكريم! .. وكم سنعدد ونذكر، وكم سنترك من رجالات آل باعلوي.
فهمُ الكثير الطيّبُ المدعو لهم     مِنْ جدِّهِمْ يومَ الزّفافِ، ألا تَعي!
* * *

تُرى! أيَّ شيء نأتي، وأيَّ شيء نذَرُ! الكلام على آل باعلوي متعدد الوجوه، متشعب الكلام، لا يمكن أن تحيط به مقالة في صفحات معدودة.  لقد كانت تلك جولة سريعة، في مسارب التاريخ، ونصوص مختارة من بطون الكتب، أردنا أن تكون على ذهن القراء الكرام، ليعرفوا فضل هذا البيت الكريم، وما عليه أهله وأفراده في الحديث والقديم.


فهل يصح بعد ما تقدم أن يصدق أحد المطاعن السخيفة التي يرمى بها السادة آل باعلوي من كونهم مناصرين للشيعة الحاقدة، أو بأنهم طائفة باطنية، أو غير ذلك من الترهات السخيفة. أو أن يروج لهذه الفرية الحمقاء، والكذبة الصلعاء في أي وسيلة من وسائل الإعلام، أو تصدر في بيانات يكتبها أناس جاهلون بأسس العلم ومقومات المسلم الغيور على دينه وأرضه ومجتمعه!.

وإننا، بناءً على جميع ما تقدم .. نصدع بالقول بملء أفواهنا، ونتساءل تساؤل المستفهم المستنكر، بكل ثقة وصلابة: منذُ متى كان السادة آل باعلوي ـ وهم أهل العلم والفضل، والحضارة والنزاهة، في طول التاريخ وعرضه ـ  في يوم من الأيام، أو ليلة من الليالي .. مثيري شَغبٍ، أو ناشري الفتن، أو ذوي عصبيات دينية أو طائفية!! سبحانَ الله!، (قل هاتوا برهانكم إن كنت صادقين). إن من يزعم تلك المزاعم، ينادي على نفسه بالجهل الفاضح لمسيرة التاريخ، وللسِّيَر البيضاء النقية الناصعة لهذا البيتِ الكريم الأصيل، ذي المجد الأثيل.
وهل إلا في مثلهم يقولُ الحطيئة:
أقِلُّوا علَيهم لا أباً لأبيكُمُ


من اللَّومِ أو سُدّوا المكانَ الذي سَدّوا

أولئك قومٌ إن بنَوا أحسَنُوا البِنَا


وإن عاهَدُوا أوفَوا وإن عقَدُوا شَدّوا

وإن كانَت النُّعْمَى عليهِمْ جزَوا بها


وإن أنعَمُوا لا كدّرُوها ولا كدُّوا
|
وإن قالَ مولاهُمْ على كُلّ حَادثٍ


من الدّهْرِ ردُّوا فضْلَ أحلامِكُمْ رَدُّوا

مطَاعينُ في الهيجَا مكاشيفُ للدّجَى


بنَى لهمُ آباؤهُمْ وبنَى الجدُّ

* * *
ختاماً، لم يكن ما سقناه إلا مقدمة لأبحاثٍ مستفيض، يقوم بها الباحثون الجادون، نسأل الله تعالى أن يبارك في أوقاتهم، ويعينهم على إتمام أبحاثهم، لأنها من الواجبات المهمات، والفروض المحتمات، دفعاً للشبه المضلات، وقطعاً للألسن المتخرصات، ونسأله تعالى أن يجعل ما سقناه في هذه العجالة وافياً بالغرض والمقصد، والحمدلله على ما وفق وألهم وأرشد، وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وآل سيدنا محمد، وصحبه وسلم وباركَ ومجّد.


الهوامش:
1-  الحداد، عبدالله بن علوي، الدعوة التامة والتذكرة العامة (بيروت، دار الناشر، 1412هـ) : ص 204.
2-  لمعرفة تفاصيل الكلام عن هجرة السيد المهاجر وأخباره، ينظر: الشاطري، محمد بن أحمد، أدوار التاريخ الحضرمي (جدة: عالم المعرفة، 1983م)؛ شهاب، محمد ضياء، الإمام المهاجر.
3-  [الحبشي، عقد: 2/1041]
4-  النبهاني، يوسف بن إسماعيل، رياض الجنة في أذكار الكتاب والسنة (بيروت: دار الفكر العربي، 1990م): ص 25.
5-  اللبني، جعفر بن أبي بكر، الحديث شجون شرح الرسالة الجدية لابن زيدون، تحقيق: مسفر (جدة: مكتبة كنوز المعرفة: 1435هـ/ 2014م): ص 92-93؛ غازي، عبدالله غازي، إفادة الأنام بذكر أخبار بلد الله الحرام، اعتنى به: عبدالملك بن دهيش (مكة:توزيع  مكتبة الأسدي، 1430هـ/ 2009م): 6/ 340.
6-  الشاطري: ص 157.
7-  السقاف، الشيخ علي بن أبي بكر، البرقة المشيقة في ذكر لباس الخرقة الأنيقة، (القاهرة: طبع على نفقة السيد علي بن سهل جمل الليل، 1347هـ):  ص 133.
8-  الشلي، محمد بن أبي بكر، المشرع الروي في مناقب السادة بني علوي، (جدة: د.ن، 1402هـ): 1/77.
9-  الشلي: 1/248؛ الحبشي، أحمد بن زين، شرح العينية، (سنغافورة: مطبعة كرجاي، 1407هـ): ص 129، 132.
10-                        بلفقيه، عبدالله بن أحمد، الدرر البهية في المسلسلات النبوية: (مخطوط).
11-                الحبشي، عيدروس بن عمر، عقد اليواقيت الجوهرية، تحقيق محمد أبوبكر باذيب، (الأردن: دار الفتح للدراسات، 1428هـ/ 2007م): 2/1111.
12-                الحداد، أحمد بن حسن، الفوائد السنية في ذكر نبذة من فضائل نسبة من ينتسب الى السلسلة النبوية، اعتنى به: زيد عبدالرحمن بن يحيى، (تريم: مقام الإمام الحداد، 1429هـ/ 2008م): ص 248.
13-                        الحداد، الفوائد السنية: ص 248.
14-                        خرد، محمد بن علي، كتاب الغرر (القاهرة: المكتب المصري الحديث، 1405هـ): ص 425.
15-                        الحداد، الفوائد السنية: ص 237، 241.
16-                ابن شهاب الدين، أبوبكر بن عبدالرحمن، رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي، (القاهرة: مط الإعلامية، 1303هـ): ص 171.
17-                        الحداد، عبدالله بن علوي، النصائح الدينية (بيروت: دار الناشر، 1412هـ):  ص 349.
18-                        الحداد، النصائح: ص 350.
19-                        بلفقيه، عبدالرحمن بن عبدالله، شرح القصيدة الفريدة في خلاصة العقيدة.
20-                        العطاس، محمد بن محسن، تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهات: ص 50.
21-                        دحلان، أحمد زيني، خلاصة الكلام (القاهرة: مطبعة بولاق، 1305هـ): ص 292-293.
22-                        خرد:  ص 496-497.
23-                بحرق، محمد بن عمر، مواهب القدوس في مناقب ابن العيدروس (ضمن المجموعة العيدروسية، طبعة خاصة): ص 12؛ العيدروس، عبدالقادر بن شيخ، النور السافر في أخبار القرن العاشر (بيروت: دار صادر، 2001م): ص 130.
24-                        الحداد، النصائح: ص 352.
25-                العطاس، علي بن حسن، القرطاس شرح راتب الإمام عمر العطاس، (القاهرة: مطبعة المدني، 1386هـ/ 1966م): 2/ 364.
26-                اللقاني، إبراهيم بن حسن، هداية المريد شرح جوهرة التوحيد، نسخة مخطوطة، (الرياض، مكتبة جامعة الملك سعود، رقم الحفظ: 2612): ورقة 158 ،الوجه (ب).
27-                ابن شهاب الدين، أبوبكر بن عبدالرحمن، نوافح الورد الجوري بشرح عقيدة الباجوري، (حيدرآباد، مطبعة فخر نظامي، 1317هـ/ 1899م): ص 106.
28-                باذيب، محمد أبوبكر، إسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، (الأردن: دار الفتح، 1434هـ/ 2013م):ص  281-283.
29-                        الحداد، عبدالله بن علوي، النفائس العلوية (بيروت: دار الناشر، 1412هـ): ص 120-121.
30-                لعجم باذيب، دحمان بن عبدالله، مجموع مواعظ وكلام الإمام أحمد بن عمر بن سميط، تحقيق: محمد أبوبكر باذيب، (الأردن: دار الفتح، 1425هـ): ص 68.
31-                السري، عبدالرحمن بن حامد، نفحات النسيم الحاجري، (تريم: دار العلم والدعوة: 1427هـ/ 2006م)، ص 345-346.
32-                        المشهور، عبدالرحمن بن محمد، بغية المسترشدين (القاهرة: المطبعة الميمنية، 1309هـ) ص 298.
33-                        الحداد، علوي بن طاهر، عقود الألماس (سنغافورة، مطبعة كرجاي، 1407هـ): ص 93.
34-                        بن شهاب الدين، رشفة الصادي: ص 171.
35-                        الحداد، علوي بن طاهر، إثمد البصائر (نسخة مكتوبة على الآلة الكاتبة): ص 74.
36-                الحداد، إثمد: ص 76؛ باذيب، جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، (الأردن: دار الفتح، 1428هـ/ 2009م): 1/ 273-275.
37-                بن حفيظ، سالم بن حفيظ، منحة الإله في الاتصال ببعض أولياه، اعتنى به محمد أبوبكر باذيب، (تريم: دار المقاصد، 1426هـ/ 2005م): ص 586-587.
38-                        المشهور: ص 298.
39-                        للإمام الحداد كلام نفيس على مسألة القدر وخلق الأفعال في كتابه «النصائح الدينية»: ص 56-61.
40-                الحداد، علوي بن أحمد، شرح راتب الحداد، (سنغفورة: مطبعة كرجاي، 1414هـ/ 1993م): ص 258-259. وللاطلاع على أسئلة الغشم الزيدي، وجواب الإمام الحداد، ينظر: الحداد، النفائس العلوية: ص 92-94.
41-                        بلفقيه، عبدالرحمن بن عبدالله، مجموع الأعمال الكاملة.
42-                        الحداد، علوي بن طاهر، عقود الألماس: ص 93.
43-                باذيب، محمد أبوبكر، السيد أحمد عمر بافقيه من رواد الصحافة العربية (الأردن: دار الفتح، 1426هـ/ 2006م):  ص 435-436
44-                باذيب، محمد أبوبكر، إسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، (الأردن: دار الفتح، 1434هـ): ص 199-200.
45-                        باذيب، إسهامات: ص 200-207.
46-                        باذيب، مواعظ: ص 84.
47-                        باذيب، مواعظ: ص 477.
48-                باذيب، محمد أبوبكر، أضواء على حركة نشر التراث الحضرمي في المهجر، (الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 1434هـ): ص 42-44.
49-                        بن طاهر، عبدالله بن حسين، مجموع رسائل، (القاهرة: المطبعة الميمنية، 1306هـ): ص 109.
50-                        باذيب، إسهامات: ص 51-55؛ و: ص 250-252.
51-                        الحداد، عقود الألماس: ص 56.
52-                بن سميط، زين بن إبراهيم، المنهج السوي، (تريم: دار العلم والدعوة، تريم، بالاشتراك مع دار الفتح بالأردن، 1429هـ/ 2008)، يقع في 770 صفحة.
53-                        بن سميط، ص 270.


ملاحظة:

* أعدت النظر في المقال وزدت فيه مباحث وفصولاً مهمة، ضحى يوم الخميس 26 ذي القعدة، سنة 1436هـ.

 http://embassies.mofa.gov.sa/sites/singapore/AR/AboutHostingCountry/SaudiRelations/Pages/default.aspx





هناك 5 تعليقات:

  1. ما شاء الله! بحث مفيد جدا جزاك الله خيرا

    ردحذف
  2. أحسنت وأبدعت جزاك الله خير

    ردحذف
  3. بارك الله فيكم استاذنا ودكتورنا ... جهود مباركة وبحث يدل على التعمق في العلوم والكتب، نفع الله بك وجعلك ذخرا للاسلام والمسلمين.

    ردحذف
  4. ماشاء الله تبارك الله بحث مفيد وماتع خطة يراعك ايها الفارس الشيخ وفقك الله واتم بك نعمته ببروز اثر هؤلاء الاماجد والرد على كل غال ومارق اللهم امين بجاه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم

    ردحذف
  5. ما شاء اللهَ! وبارك الله فيكم شيخنا الكريم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، إنه لبحث قيم مفيد جدا في هذه الآونة التي يرمي فيها الحق باطلا أو زيغا أو بدعة أو ... أو ... كما يوصف فيها أهل الطرق الصافية التي تسير على النهج النبوي المستقيم كطريقة السادة آل باعلوي الكرام مثيري شَغبٍ، أو ناشري الفتن، أو ذوي عصبيات دينية أو طائفية أو ... أو ... (كما قلتم في ختام مقالتكم هذه التي تستحق أن تكتب بخط ذهبي في مكان بارز بأوسط ديار حضرموت وفي سائر الأمصار التي يتواجدون فيها، والتي ينبغي أن تقرر في منهج مادة التاريخ الإسلامي لناشئة سادة آل باعلوي الكرام، حفظهم الله سادة قادة للإسلام والمسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأفاض علينا من فيوضهم وبركاتهم)
    محبكم في الله من سريلانكا،
    محمد رزان بن محمد حنيفة العلمي الجالهينوي

    ردحذف