السيد العلامة
علوي بن طاهر الحداد (ت 1382هـ)
وإنكاره الخرافات التي كانت جارية في بعض وديان ومناطق
حضرموت في عصره
غلب على أذهان
بعض الناس، أن علماء حضرموت، ممن يسمونهم (التقليديين)، أو شيوخ الحلقات، أو أن السادة
العلويين بالخصوص ومن في محيطهم، لم يكن لهم إنكار أو احتساب في نصح العوام المرتكبين
للطوام، وأنهم جميعاً بلا استثناء كانت تروق لهم الأفعال الجاهلية التي يقوم بها البادية
عند بعض قبور المشهورين بالولاية والصلاح. وهذا ظن خاطئ.
وإنما سبب
انتشار هذا الظن، أو هذا التصور، أن من كتب عن المصلحين والمنكرين، لا يذكر إلا علماء
من غير العلويين، كالشيخ باصبرين، أو الشيخ البيحاني، مع أن هذين الشيخين الجليلين
إنما تخرجا على شيوخ عصرهما، وأكابر شيوخهما هم من السادة العلويين، أيعقل أن يتخرج
عالم فذ على شيخ ذو نهج مختلف؟
ألم يطنب
الشيخ البيحاني في مدح شيخه العلامة عبدالله الشاطري، وما رثائيته الحزينة فيه إلا
مثال صادق على حسن أدبه مع شيخه ومربيه ومعلمه ..
وقد يكون
سبب التركيز على تلك الشخصيات بالتحديد، وجود مؤلفات مفردة لهم في هذه المواضيع، ولكن .. عدم وجود كتابات
لعلماء تريم وغيرها في هذه الأمور لا يعني أنهم لم يكونوا يحتسبون في إنكار المنكر
..
ولنأخذ مثالا
صريحا، فالعلامة الجليل، السيد المتبحر في العلوم، علوي بن طاهر الحداد، كتب الكثير
من التنبيهات المهمة على تلك المنكرات، في كتابه التاريخي الشهير (الشامل في تاريخ
حضرموت ومخاليفها) ..
فيبدو أن
الباحثين ومن كتب في موضوع الإصلاح الديني، ومن يحلو لهم أن يطلقوا مصطلح( القبورية)،
لم يقفوا على ذلك الكلام الرائق المهم، لهذا العلم الجليل .. فنجدهم لا يذكرونه في
أبحاثهم، وكتاب (القبورية) للشيخ أحمد المعلم مثال لذلك. فإنه لم يشر من قريب ولا من
بعيد الى جهود السيد الحداد في محاربة الخرافات في حضرموت ..
وإليكم هذه
النقولات المهمة من كتاب (الشامل) .. تأملوها جيدا .. وسوف أنشرها تباعاً .. وهي من
ترجمة أعددتها للسيد الإمام المذكور، في مقدمة (الشامل) .. أرى أن الواجب والحال يقضي
بسرعة نشرها، والدلالة عليها.
كتب/ محمد
باذيب
[] آراؤه
الدينية:
كأي مؤرخ
ناقد بصير، وعالم فقيه متشرع، لم يدع المؤلف العلامة رحمه الله، أي مناسبة تواتيه ليعلق
على بعض العادات الدينية التي كان لها انتشار ووجود في المنطقة التي يؤرخ لها، إلا
وعلق عليها بما يناسبها، مدحاً أو قدحاً.
1- فنجده
يشدد النكير على بعض عادات البدو، مما لا يوافق الشرع. مثل عادة عقد النسب، التي كان
يفعلها بعض القبائل، فقال عنها: «هذه العادة
موجودة في وادي حبان وأحور وما والاهما، فيأتي من كان اسم ابنه (سعيد)، مثلاً، إلى
قبيلي آخر، (القبيلي: هو أحد أفراد القبيلة ذات العصبية والسلاح)، عنده ابن اسمه (سعيد)
أيضاً، ويقول له: إني جئت مناسباً لك، ونريد عقد النسب بيننا على وَلدي وولدك، اللذين
يسمّى كل منها بسعيد، ويلزم هذا أن يقبل هذا العرض والطلب، وأن يعقد بينه وبين الطالب
عقد النسب، ويلزمه حينئذ القتالُ معه، والدخول معه في الحرب والسلم. وقد لعبَ بعضُ
الولاة ونحوهم على ناس من الرعايا بهذه العادة، فاستهلكوا أموالهم، وحكيَتْ لنا عن
ذلك حكايات مؤلمة، ولا توجد هذه العادة عند قبائل حضرموت» .
2- كلامه
عن نصب المشاهد في مواضع ليست هي بالمقابر، وإنما هي أعلام يطلق عليها اسم شخص مدفون
في موضع بعيد عنها، ليتذكروه ويترحموا عليه. فقال عند سياق تاريخ قرية الباقحوم: «وقرية
الباقُحُوم؛ فيها الباقحوم، وعندها علَمٌ مشيد بالنّورة، وهم يسمونه: مشهد الحبيب عبدالله
الهدار. والمراد به: جدّي ..، وكان في بدايته، بل وفي نهايته، يتردد إلى الأودية الخالية
والشعاب، للخلوة والتفرغ للعبادة والذكر. فكان إذا أصعَد إلى الشعب مرَّ بقريتهم، وقد
ينزل عندهم. فلما توفي أقاموا له ذلك العلَم ليتذكروه فيقرؤوا له الفاتحة.
ولم أر من
تكلَّم على حكم مثلِ هذه الأعلام من فقهاء الشافعيةِ، ومن المقطوع به: أنه إن ترتَّبَ
عليها ما يخلُّ بالإيمان، من اعتقاد ضرٍّ، أو نفعٍ، لغير الله تعالى، فلا شكَّ في حرمة
إقامتها. وسوف يتعِبُ نفسه من أراد أن يجد لها أصلاً من كتابٍ أو سنةٍ، أو يجعلَها
من قسم البدع المطلوبة» .
ما أشد ثباته
رحمه الله في هذا الموضع، حيث لم تأخذه العاطفة، ولم يجامل أو يحاب، أو يتكلف أن يأتي
بدليل للمشهد الذي أقيم لجده، أبي أبيه، وهذا دليل على عظم تدينه، ووقوفه عند الحدود
الشرعية، وعدم خلطه العاطفة بالدين.
(يتبع)