حقيقة كتاب سكان مكة بعد انتشار الإسلام
المنسوب للمؤرخ عبدالله غازي المكي
بقلم د. محمد أبوبكر باذيب
أصل
هذا الكتاب إنما هو من تأليف العلامة الأديب المكي جعفر بن أبي بكر اللبني الحنفي
(ت 1340هـ/ 1921م)، وقد ذكره الأستاذ عاتق البلادي في كتابه (نشر الرياحين) في
ترجمة اللبني بعنوان (تاريخ عوائل مكة)(1)، وتابع البلاديَّ في هذا الدكتور
عبدُالعزيز السنيدي في (معجم ما ألف عن مكة المكرمة)(2).
الغريب
في الأمر، أن كتابا صدر بعنوان (سكان مكة بعد انتشار الإسلام، عوائل مكة عبر
العصور)، بتحقيق محمد الحبيب الهيلة، منسوباً إلى المؤرخ عبدالله غازي (ت 1365هـ/
1945م)، صادرا عن دار القاهرة، 1426هـ/ 2006م، يقع في 65 صفحة.
اعتمد
د. محمد الحبيب الهيلة في نشر الكتاب، كما ذكر في مقدمته، على نسخة خطية محفوظة
بمكتبة جامعة الرياض (الملك سعود حاليا)، عنوانها (نبذة من كتاب إفادة الأنام بذكر
أخبار البلد الحرام، لمؤلفه عبدالله غازي)، رقمها 782، في 19 ورقة(3).
واعتمد في تسميتها باسم (سكان مكة بعد انتشار الإسلام)، على عنوان فرعي كتب على
تلك النسخة(4).
إليكم
الحقيقة:
تحقيق
الأمر في هذا الكتاب: أنه من تأليف الأديب والقاضي المكي، جعفر بن أبي بكر اللبني،
كما ذكر البلادي، ولكن فاته أن يذكر أنه ليس سوى قطعة مستلة من كتابه الكبير
المسمى (الحديث شجُون شرح الرسالة الجدية لابن زيدون)، المحفوظة نسخته الأصلية بخط
المؤلف، في مكتبة مكة المكرمة، تحت رقم 33 أدب، وهذه القطعة تبدأ من صفحة 61
وتنتهي في صفحة 87.
وعندما
نعود إلى مقدمة كتاب (سكان مكة) المنسوب إلى الشيخ المؤرخ عبدالله غازي، تطالعنا عبارةٌ
تقول: "أما بعد؛ فهذه نبذة لطيفة اقتطفتها من (إفادة الأنام بذكر أخبار بلد
الله الحرام)، وهي هذه"، إلى أن يقول: "ذكر العلامة الشيخ جعفر بن أبي
بكر بن جعفر لبني، في (شرح الرسالة الجدية لابن زيدون)، بعد ذكر أمر قريش وخزاعة
وما وقع بينهم، ما نصه: ..." (5)، الخ. فالمؤرخ غازي صرح تصريحاً
جلياً لا مرية فيه أن الكلام الآتي كله منقول عن الشيخ جعفر اللَّبَني، ولم ينسبه
لنفسه، جرياً على الأمانة العلمية ونسبة الكلام إلى صاحبه.
وبهذا
يتبين أن هذا الكتاب أو هذه النبذة، ليست من تأليف عبدالله غازي، وإنما نقلها في
كتابه (إفادة الأنام)، ناسباً إياها إلى مؤلفها الحقيقي جعفر اللبني، وقد اعترف
الهيلة في مقدمة الكتاب بقوله: "كتاب سكان مكة بعد انتشار الإسلام، هو الكتيب
الذي نقدمه محققاً، لم ينسَب إلى مؤلفه في مختلف المصادر التي ترجمت للشيخ
الغازي"(6).
فيا
للعجب من صنيع الدكتور الهيلة، لم يقرأ مقدمة غازي جيداً، ونسب الكتاب إليه نسبة
خاطئة، وغير اسمه وعنوانه وتصرف فيه تصرفاً منافياً لكل قواعد تحقيق النصوص. ويقول
في مقدمة تحقيقه ما نصه: "إلا أن وجود هذا المخطوط الصغير بعنوانه ونسبته
للمؤلف، وما ورد في مقدمته، يقوم دليلا على ثبوت نسبة الكتاب"، إلى أن
يقول:"وفي ذلك ما يدل على أنه كتيب منفرد وضعه المؤلف جامعاً لنبذة لطيفة من
كتابه الكبير في تاريخ مكة"(7).
إن
ما استدل به الهيلة من نسبة الكتاب إلى الغازي في فهارس مكتبة جامعة الرياض [الملك
سعود حالياً]، لا يصلح دليلاً البتة، وكم في الفهارس من أخطاء في نسبة الكتب إلى غير
مؤلفيها، والشواهد على ذلك بالمئات، ويكفينا شاهداً ما نحن بصدده هنا، ويكفينا
دليلاً صريح الشيخ الغازي أن الكلام منقول عن اللبني.
دليل آخر ضمن نص الكتاب:
ورد
في (صفحة 32، من طبعة الهيلة) ذكر بيت الريس، فعلق المحقق في الهامش بأن هذه
الفقرة المخصصة لبيت الريس لم ترد في كتاب (الحديث شجون)، كأنه يريد أن يدلل ويؤكد
على صحة نسبة الكتاب إلى الغازي، وليس للَّبني.
ولكن
قول المحقق غير صحيح، فقد ورد ذكر بيت الريس في مخطوطة (الحديث شجون) في (صفحة 61)،
والغازي نقل كلام اللبني بنصه من ذلك الموضع.
فبطل الدليل الذي أراد الهيلة الاستقواء به ..
خلاصة
القول:
1-
إنّ مادة كتاب (سكان مكة) إنما هي من تأليف القاضي جعفر اللبني، وجميع ما ورد فيه
من الفوائد العلمية والتاريخية هي من صوغ قلمه، ومن محفوظه ومعارفه الواسعة، ولم يرجع
إلا إلى مصادر معلومة يسيرة، يعلم هذا جليًّا بالوقوف على أصل الكتاب.
2-
إطلاق اسم (سكان مكة) أو (تاريخ عوائل مكة) على تلك القطعة المستلة من كتاب
(الحديث شجون) إطلاق غير صحيح، وكان يجب على من استلها أن يصفها أو يسميها بوصف
واضح ليس فيه اشتباه، كأن يقول: (قطعة مستلة من كتاب الحديث شجون للقاضي جعفر اللبني
في تاريخ الأسر المكية الشهيرة)، أو أي عبارة نحوها تنسب العلم لأهله.
3-
للشيخ عبدالله غازي المكي فضلٌ لا ينكر، في إشهار تلك القطعة، وترتيب بعض موادها التي
وردت في غير مظنتها، كما في (مادة بيت الريس)، فيمكن أن ينسب إليه ذلك ويذكر دوره إلى
جانب المؤلف الأصلي.
4-
طبع حديثاً كتاب (الحديث شجون) للقاضي جعفر اللبني رحمه الله، فيمكن للباحثين
الرجوع إليه والنقل عنه مباشرة.
هذا
ما قصدت إيضاحه، إعادة للحق إلى نصابه، وبياناً للخلط الذي وقع فيه كثير من
الباحثين، وأولهم الدكتور الهيلة، رحمه الله وغفر لنا وله، ولا ننسى فضله وأياديه
على البحث العلمي، وما هذا إلا قياماً بواجب العلم.
الهوامش:
1- البلادي، عاتق بن غيث، نشر الرياحين
في تاريخ البلد الأمين، تراجم مؤرخي مكة وجغرافييها على مر العصور، جـ1 (مكة
المكرمة: دار مكة للنشر والتوزيع، 1415هـ/1994م)، 108.
2- السنيدي، عبد العزيز بن راشد، معجم
ما ألف عن مكة المكرمة عبر العصور، (الرياض، دار الملك عبدالعزيز،
1429هـ)، 194.
3- غازي، عبدالله، سكان مكة بعد انتشار
الإسلام، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، (القاهرة، دار القاهرة، 2006م)، 14.
4- وردت هذه النبذة بتمامها في كتاب (إفادة
الأنام بذكر أخبارا لبلد الحرام)، تأليف عبدالله غازي، تحقيق عبدالملك بن
دهيش، جـ6 (طبعة خاصة، 1430هـ/ 2009م)، 336-390.
5- غازي،
15.
6- غازي، 12.
7- غازي، 12.
محمد
باذيب