كلمة وجيزة حول ما يثار عن تشيع مفتي حضرموت
العلامة الجليل السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف
(1300-1375هـ)
بقلم / محمد أبوبكر باذيب
هذه مداخلات، قمت بتحريرها وترتيبها هنا، وأصلها محاورة جرت بيني وبين بعض الإخوة على صفحات (الفيس بوك) بين الأمس واليوم، حول بعض الشئون العلمية والفكرية المتعلقة بشخصية العلامة الجليل، وقد أجبت عنها إجابات وجيزة شافية في الموضوع، والتفصيل في كتابي «جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي» الجزء الأول.
مولده سنة 1300، ووفاته 1375. وهو القائل:
خمسٌ وسبعون عاماً عني انصرمت ** متى التفتُّ إليها يتعب الجيدُ
لابن عبيدالله في تواريخ حضرموت تاريخان كبيران: أحدهما (بضائع التابوت)، والثاني منتخبه: (إدام القوت). استل في الثاني من الأول ما يخص كل بلدة وقرية ومدينة من تاريخها العلمي والاجتماعي وغير ذلك. وصدرت للثاني طبعتان، يسر المولى لكاتب السطور التعليق على بعض الشئون التاريخية الواردة فيها.
وذكر بعض الإخوة المداخلين: أن له ديواناً يسمى (الإماميات)، ووصف هذا الكتاب بالديوان قد لا يصدق عليه بالمعنى العام، لأنه عبارة عن جمع للقصائد التي مدح بها إمام اليمن في وقته، يحيى حميد الدين، ومن هنا جاء العنوان، أما ديوان ابن عبيدالله فهو مطبوع في مصر سنة 1380هـ، في أكثر من 500 صفحة، وله ديوانان آخران مخطوطان.
مداخلة
ذكر بعض الإخوة المادخلين اسم كتاب ابن عبيدالله، أو بالأحرى رسالته، التي عنوانها: «نسيم حاجر»، وقال في تعليقة له: «لولا ميله رحمه الله للشيعة الإمامية، لكان أمره أعظم، رحمه الله... »
فعقبتُ عليه بالآتي:
وما ذكره السيد فلان، من ذكره عنوان كتابِ السقاف: «نسيم حاجر»، قد يربط العبض بينه وبين قصائده (الإماميات)، فيذهب به الظن الى توجه فكري أو عقدي لدى السيد ابن عبيدالله.. وهذا خلاف الواقع والحقيقة.
فابن عبيدالله سني أصيل، وفقيه شافعي محقق، لم يكن يوما ما على غير هذا المشرب والمذهب، ورسالته في مذهب جده المهاجر من أغرب الأشياء وأعجب التصانيف، لأنه ذهب فيها الى تعريف (الإمامة) بما يطابق تعريف الصوفية لمرتبة (القطب)، وليس فيها اي مساس بالمذهب الاثناعشري من قريب و لا من بعيد. وقد حلّلتُ هذه الرسالة وفصّلتُ الكلام عنها في مقدمة كتابي: «جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي». وخلاصته ما قدّمت ذكره ..
هذا ..
وللشيخ الأستاذ عمر أبوبكر باذيب، بحثٌ مطول جميل ونافع جدًّا، حول ما نسبه بعض أهل صنعاء الى السيد ابن عبيدالله، من تعرض للشيخين رضي الله عنهما، وتقوّلوا عليه مالم يقله، واستنطَقوا من شعره ما خامَر ظنونهم، مما ليس صحيحاً البتة.
وإليكم شيئا من التفصيل:
إن بعض الناس لم يطلعوا على رسالة (نسيم حاجر)، وأخذوا من عبارة مؤلفها في العنوان، وهو قوله: (نسيم حاجر.. في تأييد قولي عن إمامية المهاجر». أن قصده (المذهب الإمامي الجعفري الاثني عشري الرافضي!! .. وهذا مخالف لما يعنيه السيد السقاف تماماً .. وهو لم يذكر الشيعة الاثني عشرية ولا مذهبهم ولم يقترب من فكرهم أصلا.
قصة تأليف هذه الرسالة «نسيم حاجر»
لما ألف ابن عبيدالله السقاف كتابه (إدام القوت) عقد فيه مباحث في مادة (الحسيسة) لمناسبة ورود ذكر المهاجر. ومن المباحث: تطرّقه الى مذهب المهاجر، فهو يقرر أنه ليس بشافعي ولا أشعري، مخالفا لعصريه العلامة علوي بن طاهر الحداد. ثم بلغه أن السيد الحداد (وهو في بلاد الملايا) يعد العدة للرد عليه، وإثبات شافعية المهاجر وأشعريته .. فبادر الى جمع رسالته «نسيم حاجر»، وبيّن فيها مقصوده بالإمامة، كما سبق وأوضحتُ.
ثم سارع الى طبعها ونشرها، قبل أن يطلع على رسالة الحداد، بل الحداد نفسه توفي دون أن يتم رسالته .. فتأمل
ومما جاء في رسالته «النسيم»:
تصريحه بأنه لم يقصد الاثني عشرية، لسببٍ بسيط، وهو أنه يجهلُ مذهبهم!، ولم يطلع في حياته على مؤلفٍ لهم، غايةَ الأمر، وقصاراه، أنه عرف بعضَ ما هُم عليه من خلال نظره في كتب (السادة الزيدية(.
ومن أغرب ما في رسالة «نسيم حاجر»:
نقل السقاف عن مقال للشيخ علي الطنطاوي، منشور في (مجلة الرسالة)، يذكر فيه: أن الشيعة الإمامية يطعنون في الشيخين والصحيحين!! .. فكتب يقول: إن سلفه من بني عليو ليسوا من هذا الطعن لا في قليل ولا كثير .. وأنه يبررأ من هذا القول..
فبالله عليكم ..
هل ترون أن السقاف في هذا يميل الى الشيعة؟؟
أم أن رسالته في واد، والإمامية الاثني عشرية في واد بعيد عنه سحيق .. !! أنصفوا يا طلاب العلم ..
فعقب صديقنا الفاضل بقوله:
أخي الكريم، لم نقل إن الإمام ابن عبيد الله كان إماميا، حاشاه، ولكن قلنا: كان له ميل، وهذا لا ينقص مقداره، فكم من عالم من آل البيت تجد له ميولا زيدية أو إمامية،أو في مسألة أو مسألتين، أو هوى، وهذا من حرية التفكير، وموسوعية الثقافة أن يتأثر الإنسان بمذاهب ومفكرين خارج بلده...أعطيك مثالا من بيتنا؛ وهو الإمام أبو المزايا محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني، كان سلفيا ظاهريا، وهو من بيت صوفي مالكي، وبالرغم من ذلك فقد كان تأثير الطريقة الكنتية القادرية واضحا عليه، كما كان معجبا بمجتهدي المذهب الإمامي ويثني عليهم من حيث العمق الفكري، والموسوعية الثقافية، وملأ بتراجمهم كتابه "طبقات المجتهدين وأعداء التقليد في الإسلام"، وقولنا هذا عنه لا يضيره، وليس من الدفاع عنه أن ننكره، خاصة وأن كتبه طافحة بذلك، وحذف ذلك من كتبه هو مسخ لشخصيته!!!فتأمل...
فقلت له:
يا سيدي الفاضل ..لاشك أن نقل تراث العلماء كما هو دون مواراة أو مواربة هو الأصل. وهو الذي نقول به، وندافع عنه. لكن ابن عبيدالله ليست عنده تلك الميول التي تذكرها البتة. فقط مجرد ان الناس رأوا على غلاف رسالته (إمامية المهاجر)، سارعوا بنسبته اليهم عن غير تحقيق. هذا الذي أقوله.
وأضيف:
لن يجد كل من طنطن حول تشيع ابن عبيدالله سطرا واحدا يتكئون عليه. أعني: تشيعه بمعنى الرَّفض، لا التشيع المسنون من حب الآل الكرام ومدح أهل الكساء عليهم السلام،
وكتبه طافحة بالترضي عن الشيخين .. وهو ضد سب معاوية والنيل منه، وله موقف من شيخه ابن شهاب وابن عقيل .. صرح به في (إدام القوت)، في مادة (يشحر) ص 835 (طبعة المنهاج).
فماذا بقي؟؟