أرسل لي أحد الإخوة
الكرام، رابطاً لكلمةٍ كتبها أحدهم، بعنوان
(رفقا بالدعاة يا طلاب العلم).
ينتصر فيها للدعاة. ويعرّضُ بمنشورات سابقة لي
انتقدت فيها أموراً عبتها على بعض الدعاة والمتصدرين.
ولسانُ حاله، يوافق قول أخ كريم آخر، كان قد صرح لي من مدة مؤنباً إيايَ
على نشري مقالات التناصح، قائلاً: نرى أن طلاب العلم أكثر نقداً لغيرهم، ونرى أن
الدعاة أكثر تلاقياً منهم، وأكثر قبولاً ومحبة لبعضهم البعض. هذا كلامه، وأنا
أخالفه فيه، لأنه يفهم أن على أهل العلم السكوت عن أخطاء الآخرين، ولو كانت شرعية
ودينية، والسكوت عنها محرم ..
وأقول له: من ذا الذي ينكر فضل
الدعاة!!. وأنهم قاموا بتحمل واجب كبير عن أمتهم.
ولقد قلت، ولازلت أقول وأكرر القول: إنه من واجبنا مؤازرة الإخوة الدعاة والدعاء
لهم بالتوفيق والسداد.
ولكن .. ليت دعاتنا
واخواننا في مدرسة حضرموت يقومون بدور اجتماعي ودعوة للشباب الضائعين على الأرصفة
بدﻻ من تكرار المواعظ في مناسبة واحدة، وفي مجلس واحدٍ. ألا ترون معي، أن من يحضرون المجالسَ
العامة الموسمية والشهرية، هم بحاجة إلى تعلم
الأحكام الشرعية، وإلى مزيد من فهم الكتاب والسنة وبيان عظمة الدين، أكثر من
غيرهم. فقد حفظوا المواعظ ووعوها جيداً.
لماذا لا نجدد في لغة الخطاب، ونرتقي بأفهام
الناس ووعيهم في كل مرة إلى مرتبة أعلى مما سبق في أعوام ومواسم ماضية.
على أن منشوري هذا إنما هو لبيان أمر مهم ، فيجب علي ذكره وتوضيحه لمن لم يتابع منشوراتي السابقة، واكتفى بسماع ما ينقل إليه، وظن أني أنكر على الدعاة المؤهلين الصادقين مع أنفسهم ومع الآخرين، لمجرد تصدرهم او قيامهم
بالوعظ والدعوة، دون معرفة الأسباب الداعية للكلام وبذل النصح: إن الذي انكرته في
منشورات لي سبقت على تصدر الجاهلين والمهممين غير المؤهلين. انما هي امور اولية ﻻ
ينبغي للمسلم العادي جهلها، فضلا عن داعية مترسم، يظن فيه أنه قد أتقن شيئاً من
أساسيات العلم والدعوة، بينما هو خلو منها، خالي الوفاض تماماً، ولا حول ولا قوة
إلا بالله.
إن الذي أنكرته يتلخص
في التالي:
الأول: كلمات في العقيدة ترد على ألسنة بعض الوعاظ، موهمة للتجسيم، بل هي
شديدة اﻻيهام. كقول أحدهم: إنه في ليلة اﻻسراء والمعراج التقى الحبيب بحبيبه،
والتقى الخالق بالمخلوق. هكذا قالها صراحة، بلفظه بحروفه. والحال: أن هذه
العبارة صريحة بوقوع مواجهة بين الحق تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم، وهو تجسيم
صريح. وهذا خطأ فاحش، بل منكر من القول يجب التحذير منه.
الثاني: إتيانهم بأحاديث ﻻ أصل لها، إما موضوعة نص عليها الأئمة الحفاظ،
أو مما لا أصل له، أو مما ورد في مصادر شيعية بحتة، ليس لها سند حتى عند الشيعة
أنفسهم.
فينسب ذلك الداعية للنبي
صلى الله عليه وسلم ما لم يقله وما لم يثبت من فعله عليه الصلاة والسلام. كيف نسكت
على مثل هذا الهراء والتزوير والتزييف في حق العلم والسنة والدين!؟ وأين ذلك
الداعية الزاعم أنه ينشر محبة النبي صلى الله عليه وسلم ودينه وشريعته وهو يسوق الأحاديث
المكذوبة؟ ألم يبلغه النهي الشديد في الكذب على رسول الله، وقوله صلى الله عليه
وسلم: «إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحدكم»، وحديث: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ
مقعده من النار»!؟.
الثالث: نقل بعضهم
حكماً وعباراتٍ بنصها وفصها وحروفها من مواعظ البابوات، ومواقع النصارى العرب. وقد
عددت لأحدهم أكثر من 15 عبارة ناقلها بحروفها عن البابا شنودة وغيره من القساوسة.
داعية مسلم، يلبس
لباس أهل الدين، وعليه سيما الدعاة إلى الإسلام، وينتسب إلى طريقة شريفة سُنية
سَنية علوية، ثم لا يجد من المواعظ في كتب أشياخه وسلسلة سنده، ما
ينقله للناس! ..
فليأخذ من كتب العلماء من غير طريقته، فليأخذ من كتب الأئمة الكبار المشهورين .. فلينقل حديثاً نبوياً .. هل انتهى كل ذلك!! أفيعدم شخص مترسم بالدعوة وسيما الدعاة نصاً عن أهل الإسلام!! حتى لا يجد سوى مواعظ النصارى؟! وليته نسبوها للبابا في معرض دعوة النصارى .. ولكنهم اتوا بها في سياق مواعظ لإخوانهم المسلمين!!. وتريدوننا أن نسكت!؟
فليأخذ من كتب العلماء من غير طريقته، فليأخذ من كتب الأئمة الكبار المشهورين .. فلينقل حديثاً نبوياً .. هل انتهى كل ذلك!! أفيعدم شخص مترسم بالدعوة وسيما الدعاة نصاً عن أهل الإسلام!! حتى لا يجد سوى مواعظ النصارى؟! وليته نسبوها للبابا في معرض دعوة النصارى .. ولكنهم اتوا بها في سياق مواعظ لإخوانهم المسلمين!!. وتريدوننا أن نسكت!؟
الرابع: إسفاف
البعض في الموعظة، فهذا واحد منهم يشبه الطواف بالكعبة بطواف
الحيوان المنوي حول البويضة. ويقول: سر هذا الطواف من ذلك الطواف. لنفرض أن ذلك صحيح
عند الأطباء، وعلماء الإعجاز .. فلنا أن نتساءل ونقول: فما بال نطفة الكافر!!؟.
أين ذهب عنه سر طواف نطفته!؟
يا جماعة الخير ..
للناس عقول، وللناس ذوق، هؤلاء الدعاة قتلوا الذوق الصحيح، واغتالوا
النظر الفسيح، كلامهم يدور حول الأسرار والأنوار، وأين هم من مجاهدات أسلافهم؟
وعلومهم وأعمالمهم؟!.
الخامس: نقل بعضهم نصوصاً من كتب بعض الأكابر، مع تحريفه أو النقص منه. كنقل البعض عن كتاب (الدعوة التامة) للإمام الحداد، الذي ما فتئ في كتابه ذلك يبكت المترسمين عن غير جدارة، والدعاة عن غير تأهيل. وما فتئ يذكر الدعوة مقرونة بالعلم في كل الكتاب .. فأخذ منه ذلك البعض ما يخص الحثّ على الدعوة وحذف ما يخص الحثّ على العلم. مع أن الكلام كان في سياق متحد. وهذا تصرف غير محمود.
سادسها:؛ ولعلها أفحشها: انتساب بعضهم إلى الأكابر من الشيوخ، وإيهامهم المدعوين أنهم تلامذة للعالم الرباني الفلاني، أو أنه تخرج على يديه. بينما هو لم يقرأ عليه حرفاً، ولم يحقق عليه مسألة، وغاية أمره أنه ربما نال منه إجازة للبركة. فلماذا يتشبعون بما لم يعطوا؟ وهل أصبح سوق الوعظ والإرشاد رائجاً بمجرد لبس الجبة والعمامة؟ وبمجرد الحصول على إجازة في الورد والراتب؟.
سابعها: أن بعضهم
لم يكتف بالوعظ. بل افتتح دروساً في كتب لم يهضمها، بل لم يدرسها، ولم يقرأها على
شيخ أو أستاذ، أو حتى يكون له إجازة فيها! على أقل تقدير!.
هذا هو التطاول
بعينه، بل الجرأة على العلم والدين، كان الواجب عليه أن يسير هو إلى مجالس العلم
ويدل المدعوين الذين التفوا حوله على اهل العلم. لا ان يغشهم، ويلقي عليهم كلاماً
لا يمت للعلم بصلة، بل ويبقي عليهم حوله، كي لا يذهبوا للغير. وقد شاهدت بنفسي
وأخبرني من كان بتلك المثابة، ثم تعرف على طريق أهل العلم، فرأى الفرق والبون
الشاسع، فتحول عن شيخه الأول، بل وأصبح يعاديه، ويعتقد أنه غشه وضحك عليه.
هذا ما عبته في
منشوراتي. وهذه هي النقاط التي أنكرتها على من رأيت وسمعت وعلمت من أصناف الدعاة.
وأستغفر الله لي ولهم. ما قصدت هتك ستر احد منهم. وﻻ التشهير به. ولكنها أمور
تراكمت خلال عقدين من الزمان، أنتجت لنا نماذج مشوهة، لا يليق بنا التغاضي عما
يفعلونه، ولا السكوت عما يصدر عنهم من مهازل وأمور لا يصح نسبتها لطريق أو منهج بل
ولا لدين الإسلام الخاتم. وإني لفي شغل شاغل عن عيوب نفسي، فضلا عن أتتبع عيوب غيري.
وانما انكرت ما ذكرته حماية لجانب العلم والدعوة والدين. وتنبيها للناس على خطر
القول على الله بغير علم. والله الموفق والمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق