السبت، 1 فبراير 2014

طبعات كتاب «إدام القوت» للسقاف وما اعتراها من حيفٍ وسقط وتهذيب لبعض نصوص الكتاب - الحلقة الخامسة (رد على مقال الأمانة العلمية عند المدعو محمد باذيب)




توجيه لمن أراد تطبيق  منهجية (النصّ المخْتَار):
بما أن الحديث متواصل حول ما جرى في طبعة دار المنهاج، وبما أن القائمين عليها أرادوا نشْر كتاب «إدام القوت» على طريقة أو منهجية النص المختار، فإنه لا بد من معرفة الأسس العلمية لتلك المنهجية، لأن البيوت تؤتى من أبوابها، أما الهجوم على قضايا منهجية بدون معرفة لقواعدها، فأمر غير سليم. كتب الدكتور عبدالمجيد دياب، أحد من كتب وألف في مناهج تحقيق النصوص، وله كتاب رائد في بابه، يقول:
«الحالة الخامسة: النص المختار.
قد يُلجَأ أحياناً إلىٰ مخطوط بعينه، فيتَّخذُ أساساً لنشْر مؤلَّفٍ مّا، ثم يضافُ إليه في الهامش الرواياتُ المغايرة. وقد اعتَاد الأدباء الباحثون، الذين يتصدون لنشر تراثنا القديم، أن يجمعوا كل ما تصل إليه أيديهم من نسخ لـمـا ينشرون، ثم يختاروا إحدى هذه النسخ، ويجعلوها الأصل، ثم يخرجوها كما هي طبقاً لـمـا رواه الراوي أو شرحه الشارح، وفي أثناء ذلك يشيرون إلىٰ ما قد يكون هناك من اختلافٍ بين هذا الأصل وغيره من النسخ الأخرى. وهذه هي الطريقة العلمية المتعارف عليها في نشر الكتب. وفيها تتجلى الأمانة العلمية الدقيقة، ما دام المقصُود منها إخراجَ نسْخةٍ معيَّنة بالذات، كما يتجلّى فيها الرغبةُ في استيعابِ كلِّ الفوائدِ الممكِنة، بجمْع الرواياتِ المختلفة في كتابٍ واحدٍ.
ولا شكّ أن في ذلك العمل من المجهود العظيم ما لا يخفى، ومن المشقة الشديدة ما نرجُو أن ينالَ به هؤلاء الباحثون ما يستحقونَ من ثَناءٍ وتقدير. وفي رأيي، كما في رأي الكثير من المحققين المعاصرين، أنه إذا لم توجد نسخة المؤلف (الأم)، يستحسن أن تعتبر النسخ التي بعد ذلك كلها أصولا، يكمل بعضها بعضاً، فلا يوضع معكوفات [ ] إلا إذا كانت الزيادة خارجة عن النسخ، أي من عند المحقق، أو من مرجع آخر غير النسخ، وهذا هو ما عليه العمل الآن»(1).
منهجية التعامل مع كتبٍ كالإدام:
إن الطريقة السابقة، التي شرحها الدكتور دياب، أرى أنها تتناسب مع الكتب التي الزيادات والاختلافات في نسخها محدودة، أما في مثل حالة «إدام القوت»، فإن كلّ نسخة من نسخه تلقى فيها تفاوتاً وتباينا كبيرين، حتى كأن كل نسخة مؤلف جديد، لتغير الأسلوب، والنقص والزيادة في المعلومات المتعلقة ببعض البلدان والمواضع، وهناك منهجية خاصة بمثل هذه الحالات، تحدث عنها دياب في كتابه، مستشهداً عليها بكتب الأمالي النحوية والأدبية، قائلاً:
«كثيراً ما تتعرض كتب المجالس والأمالي للتغيير والتبديل، والزيادة من التلاميذ والرواة، وبعض المؤلفين أملى كتابه أكثر من مرة، كما مر بنا، وبين كل هذه الأمالي، للمؤلفِ الواحدِ، فروقٌ كبيرة، تزيد باباً أو أبواباً!. ففي مثل هذه الحالة، يرى برجستراسر (ت 1353هـ/ 1933م)، أنه «يجب على الناشر أن يختار إبرازه (أي رواية) واحدة للكتاب، ولا يمزجها بغيرها» [أصول نقد النصوص: 27].
وليس برجستراسر أولُ مبتدعٍ لهذا، فقد قال الخطيب البغدادي (ت 463هـ/ 1072م): «لأصحابِ الحديثِ نسخٌ مشهورة، كل نسخة منها تشتمل أحاديث كثيرة، يذكر الرواي إسناد النسخة في المتن الأول منها، ثم يقول فيما بعد: وبإسناده، إلىٰ آخرها. فمنها نسخة يرويها أبواليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. ونسخة أخرى؛ عن أبي اليمان عن شعيب أيضاً عن نافع عن ابن عمر. ونسخة عن يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. وسوى هذا نسخ يطول ذكرها. فيجوز لسامعها أن يفرد ما شاء منها بالإسناد المذكور في أول النسخة، لأن ذلك بمنزلة الحديث الواحد المتضمن لحكمين، ولا تعلق لأحدهما بالآخر، فالإسناد هو لكل واحد من الحكمين، ولهذا جاز تقطيع المتن في بابين، والأكثر على ما تقدم ذكرنا له» [الكفاية: 214].
- فإذا سأل سائلٌ: أي الرواياتِ تستحقُّ أن تنشر؟.
- نقولُ: للمحَققِ أن يؤثر النسخة التي بخط المؤلف على التي كتبت بخط غيره(2)، سواء في عصره أو بعد وفاته، ويؤثر المسهبة على المختصرة، والمصححة على التي فيها خلل، والتي لها نسخ كثيرة على التي نسخها قليلة، فإن خالف المحقق هذه القواعد فعليه أن يعرف القارئ بالنسخ التي يتركها، ويبين له خصائصها»(3).
وأختم بالقول إن هذا الكتاب القيم، لم يحقق بعد، وإني أرجو أن يوفق الله من يقوم على خدمته وتحقيقه تحقيقاً علمياً متقنا، وينشره بكشافات وفهارس تقربه للباحثين.
ـــــــــــــــــــ
(1) عبدالمجيد دياب، تحقيق التراث العربي منهجه وتطوره: ص 249-250.
(2) كان هذا رأيي بخصوص كتاب إدام القوت، وقد كانت تعليقاتي كلها على (النسخة الأم) التي بخط ابن عبيدالله السقاف، أما النصوصُ التي أضيفَتْ لاحقاً بعد تمام عملي، فلم أعلقْ على شيء منها.
(3) عبدالمجيد دياب، تحقيق التراث العربي: ص 250-252.

تَمَّ البيانُ، والحمدُلله ربِّ العالمينَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق