توبة الشوكاني
وهي رسالة وجيزةٌ بقلم
القاضي محمد بن علي الشوكاني اليماني الصنعاني
(ت 1250هـ/ 1834م)
يعلن فيها توبته من تكفير الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي وغيره من الصوفية
ويعلن رجوعه عما ورد في كتابه «الصوارم الحداد»
بعد أربعين سنة من تأليفه
قرأها وقدم لها
د. محمد أبوبكر عبدالله باذيب
تمهيد
«توبة الشوكاني»، عنوان غريب وملفتٌ للنظر، لرسالةٍ طالعني اسمها في فهارس مكتبة مولانا آزاد الكائنة في مدينة عليگـڈھ، وهو الاسم الذي تحمله المكتبة المركزية لجامعة عليگـڈھ الإسلامية، التي أسسها السَّير سيد أحمد خان المتقي الدهلوي (ت 1315هـ/ 1898م).
وسميت
تلك المكتبة باسم مولانا أبوالكلام آزاد (ت 1377هـ/ 1958م)، أحد كبار قواد
النهضة الحديثة في بلاد الهند، ومن رموز وأعلام الثورة على الاستعمار
البريطاني (تظهر صورته على يسار الصفحة).
طالعني
ذلك العنوان في زيارتي الأولى لمكتبة مولانا آزاد في مايو 2009م، ولم يتسع
وقتي حينها للنظر في المخطوطة والتعرف على مضمونها، وبقيت متشوقاً إليها،
إلى أن آذن الله بالعودة إليها بعد أكثر من سنة ونصف، وذلك في ديسمبر
2011م، فقدمت على جناح الشوق، متطلعاً للنظر فيها، كي أشفي غليلي، وأشبع
فضولي، وأعرف الأمر الذي تابَ عنه القاضي الشوكاني!. فلماذا هذا العنوان
الصَّارخُ؟ وما الذي أوجبَ تأليف هذه الرسالة. السطور التالية ستكشف للقارئ
الكريم كل التفاصيل التي يريد التعرف عليها.
مكتبة مولانا آزاد المركزية بجامعة عليگـڈھ الإسلامية
وصف المخطوط:
وُضِعَتْ
بين يديَّ المخطوطة، ونظرت فيها، فإذا هي صغيرة لطيفة، لا تزيد عن 4
أوراق، محفوظة ضمن مجموعة حبيب گنج، برقم 21/10 عربي، كتبت في جمادى الأولى
سنة 1322هـ/ يوليو 1904م، كتبت بقلم المولوي غلام فقير الله.
ويوجد
مرفقاً بها قصاصة صغيرة لا تتجاوز مقاس راحة الكف، بعث بها الشيخ حسين بن
محسن الأنصاري اليماني (ت 1327هـ/ 1908م) إلى تلميذه ومحبه النواب حبيب
الرحمن الشرواني الأنصاري رحمه الله، مؤرخة في 10 جمادى الأولى 1322هـ،
وعليها توقيع الشيح حسين (حسين عرب). أرسلت من بهوپال في الساعة 7 صباح يوم
23 أغسطس 1904م، ووصلت عليكرة في اليوم التالي 24 أغسطس. وهي بقلم المولوي
محب الدين الفاروقي.
كما
يوجد في مجاميع النواب حبيب الرحمن، إجازة من الشيخ حسين بن محسن له، بخط
جميل، مجلدة تجليداً محكماً، قد زرتُ بعد اطلاعي عليها حفيده البروفيسور
رياض الرحمن، المولود في 8 رمضان سنة 1342هـ/ 15 أبريل 1924م، عميد كلية
اللغة العربية بجامعة عليگره سابقاً، وقد أدرك 27 عاماً من حياة جده، الذي
توفي في شوال 1369هـ/ 11 أغسطس 1950م. فأقر بها، وأقر بعلاقة جده بشيخه
حسين بن محسن، ولكنه للأسف ليست له رواية عن جده، ولم أستطع التعرف على من
يروي عنه، فقد كان منصبه الاجتماعي ووظيفته تجعل الأخذ عنه متعسراً، وقد
تفصح الأيام عن جديد.
محمد باذيب إلى جوار البروفيسور رياض الرحمن الشرواني، عليگـڈھ
وكانت علاقة الشيخ حسين بالنَّواب علاقة وطيدة، فقد كان ينزل عنده أياماً في موضعه المعروف بحبيب گنج، وهو من أضلاع عليگـڈھ، كما تدل عليه مقدمة إجازته له.
الشيخ حسين بن محسن وآثار الشوكاني:
من
المعلوم عند المشتغلين بالتاريخ، وأهل النظر في كتب التراجم والأسانيد، أن
الشيخ حسين بن محسن الأنصاري رحمه الله، المولود في تهامة اليمن، بقرب
الحديدة، صاحب يد طولى في نقل تراث العلامة الشوكاني من اليمن إلى بلاد
الهند، وقيامه بشراء وبيع مخطوطات مؤلفات الشوكاني على الملك صديق حسن خان
القنوجي (ت 1307هـ/ 1889م) زوج ملكة بهوپال، الذي أكرمه وأنزله في دار
ملكه، وتتلمذ عليه، وقام به وبأسرته أتم القيام.
وكان
الملك صديق خان مهتما بآثار الشوكاني، حتى نسبه البعض إلى انتحال مضامين
العديد منها مع التصرف في بعض العبارات فقط، وقد دافع العلامة السيد محمد
عبدالحي الكتاني المغربي (ت 1382هـ/ 1962م) رحمه الله عن الملك صديق، وذب
عنه تلك التهمة.
والحديث شجون، ولست بصدد التفصيل هاهنا.
وأما
عن علاقة الشيخ حسين بن محسن بآل الشوكاني، فترجع إلى أخذه عن القاضي أحمد
ابن القاضي الشهير محمد بن علي الشوكاني، وتتلمذه عليه، وكان شديد المحبة
والإخلاص لشيخه القاضي أحمد، وحفظ وتحمل عنه ما لم يتحمله غيره، ويرجع
الفضل للشيخ حسين في حفظ تراث آل الشوكاني المتناثر في مكتبات الهند، وقد
رأيت منها كتاباً في التصوف والرقائق للقاضي علي بن محمد الشوكاني بقلمه،
في مجلد كبير، محفوظ في خزانة مكتبة ندوة العلماء بلكنهو، ينتظر في يخرجه
إلى حيز النشر والطباعة.
سبب ظهور هذه الرسالة:
لم
أقف على سبب إرسال هذه الرسالة للنواب حبيب الرحمن، ويمكن التخمين بأنه
دار بحث ونقاش بين الشيخ حسين بن محسن والنَّواب حبيب الرحمن، يهمنا من ذلك
بروزها إلى حيِّز الوجود، والحمدلله على ذلك.
مضمون الرسالة:
اشتملت المخطوطة على ثلاثة من النصوص ذات المضامين التالية:
1) النص الأول:
رسالة الشيخ حسين بن محسن لتلميذه حبيب الرحمن الشرواني، يبلغه فيها أنه
استنسخ له نسخة من رسالة «توبة الشوكاني»، نقلاً عن النسخة الأم التي
بحوزته، وهي بخط شيخه القاضي أحمد ابن الشوكاني. هذا فحوى رسالة الشيخ
حسين، ولم أجد من يسعفني بترجمتها حرفياً.
2) النص الثاني:
عبارة للقاضي أحمد ابن الشوكاني، صدر بها «توبة أبيه»، ونقل في أولها
عبارةً لوالده كتبها على طرة نسخة من كتابه «الصوارم الحداد القاطعة لعلائق
أرباب الإلحاد»، والتي صرح فيها بتكفير جماعة منهم الشيخ ابن عربي وغيره،
وهذا النص كنت وقفت عليه قبل مدة بقلم الشوكاني نفسه، ولم أجده حال تسطير
هذه السطور، وإن كان نقله عن خط ابنه أمر في غاية الوثاقة، ويفي بالمراد.
وهذا نص كلامه، على لسان الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الحُدَيدي، ثم على
لسان شيخه أحمد:
«يقول
مؤلف هذه الرسالة، محمد بن علي الشوكاني، غفر الله له: هو تائب إلى الله
من جميع ما حره فيها، مما لا يرضى الله به، عز وجل، وقد طالعتُ بعد تأليفه
«الفتوحات» و«الفصوص»، فرأيت ما للتأويل فيه مدخلاً، لاسيما عند هؤلاء
الذين هم خلاصة الخلاصة من عبادالله عز وجل، انتهى من خط ولده شيخنا الحافظ
أحمد بن محمد بن علي الشوكاني.
*
وقد ألف والدي رسالةً أخرى، بعد تحرير الرسالة الأولى بزيادة على اربعين
سينة، وخلاصتها: أنه ممن يتأول لابن عربي. انتهى الموجود من خط ولده شيخنا
المذكور بلفظه، فقط».
ثم أورد الشيخ حسين بن محسن الأنصاري بعقب هذا النص ترجمته من العربية إلى الأردية، وما سبق يغني ويكفي.
3) النص الثالث: هو نص رسالة الشوكاني المعنونة بـ«توبة الشوكاني»، وهي موضوع حديثنا، وسيأتي نصها في حينه.
* * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق