الاثنين، 10 أغسطس 2015

تعليقات ابن الطيب الشرقي الفاسي (ت 1170هـ) على كتاب «اقتفاء الأثر» لأبي سالم العياشي (ت 1090هـ) - 1



بسم الله، وبه نستعين
يقول محمد باذيب، سامحه الله:
إني وقفتُ في بعْضِ الأيامِ على نسْخةٍ قَديمة من كتابِ «اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر»، صَنْعة العلامة المسند الرحالة، الشيخ الإمام أبي سالم العياشي المغربي، المتوفى سنة 1090هـ. تقع في 37 ورقة من القطع المتوسط، وهي خالية عن ذكر سنة النسخ، واسم الناسخ، ولم أتيقن هل هي نسخة أبي سالم نفسه بخطه، أم هي بخط غيره.





والذي لفت نظري فيها، وجود بعض حواشي تلك النسخة قد حليت وزينت بتعليقات نفيسة، وإيضاحات مهمة، دونها بقلمه العلامة الإمام الشمس محمد ابن الطيب الشرگي الفاسي، المتوفى بالمدينة المنورة، سنة 1170هـ. كما حلي جيدها، وزينت صفحتها الأولى، بإجازة بقلم العلامة السيد علي بن عبدالبر الونائي المصري ثم المكي، دفين أم القرى، سنة 1212هـ، رحمه الله، لتلميذه العلامة الشيخ محمد بن محمد البناني المغربي المالكي، مفتي المالكية بمكة، والمتوفى بها سنة 1245هـ. واكتملت زينتها، وكملت بهجتها، بوجود خط العلامة المحقق الشيخ أبي الخير العطار، الذي لم يكثر من التعليقات عليها، بل اكتفى بشيء يسير من القول، لبيان تحقيق نسبة بعض الخطوط لأصحابها.
وها أنا أذكر للأخ المستفيد، والراغب في المزيد، ما وقفت عليه من تلك التعليقات، والفوائد المستجادات، ليعلقها المعتني بهذا الشأن، في نسخته من ذلك الكتاب المستطاب، إذ هو محقق ومطبوع، وبمكان من الشهرة والذيوع، وبالله العون، ومنه نستمد التوفيق. وأبدأ بذكر نص إجازة النور الونائي، وهي مؤرخة في يوم السبت 3 ربيع الأول سنة 1204هـ.
(1)
أولاً؛ إجازة الونائي للبناني:
«حمداً لمن أجابَ من سَأله، وأثابَ من امتثلَ أمْرَه، وصلاة وسلاماً على سيدنا محمد الذي جدد معالم الدين وأعلاها، وأورد أمته من المناهل الصافية أحلاها.
أما بعد؛ فلما كان فنُّ الحديثِ هو المرتبةَ التي سارَتْ في تحصيلها سوابقُ الركبان، والمزيةَ التي هجرت لوصلها طيبَ المنام عامّةُ ذوي العرفان، أرادَ الإمامُ الفاضل، والجهبذ المناضل، الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد عربي البناني المكي، أدام الله النفع به، ووصل أسباب الخيرات بسببه، آمين. الانتظام في عقد هذا الدر النظيم، فسأل أن أجيز له ما صحت لي فيه الرواية، ظناً منه أن لي أهلية الدراية، فأحسنت ظنه، وأجزته بجميع ما يجوز لي بشرطه المعتبر، عند أهل الأثر، من تقوى الله تعالى في السر والعلانية ما استطاع، والتثبت في الجواب إلى اليقين، وأن يقول فيما يخفى: لا أعلم، فقد قال أعظم المرسلين صلى الله عليه وسلم: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل».
 هذا؛ وأروي عن أئمة، ما بين سماعٍ وقراءة، وإجازة، مشافهة، ومناولة، ومراسلةً، منهم خاتمة المحدثين، وشمس المسندين، أبو الفيضٍ، محمد مرتضى بن محمد الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي، عامله الله وأحبته بالرضوان الوفي. قد سمعتُ عليه الكثيرَ من الأحاديثِ، كالبُخاريِّ، وغيره. وأجازني متلفظاً، نظماً، ونثراً، بحق روايته عن أئمة، منهم: شمس الدين محمد بن الطيب الفاسي، لغوي أهل عصره، عن صاحب هذا «المعجم»(1)، أبي سالم العياشي(2)، قدس الله تعالى سره. والمسئول من المجاز الدعاء للفقير بحسن الختام، والرضا على ممر الأيام.
كتبه العبد الفقير الذليل الى المولى الجليل
علي بن عبدالبر الحسني الشافعي الونائي
عفا الله تعالى عنه وعن والديه وأحبابه في الدارين
وأزال الشدة عنه وعن باقي أهل الحرمين
حرر في يوم السبت ثالث ربيع الأول
سنة 1204 من هجرته صلى الله عليه وسلم».
الهوامش:
(1) تنبيه مهم: ابن الطيب الشركي إنما ولد سنة 1110هـ (زركلي: 6/177)، وأبو سالم توفي سنة 1090هـ، فلا يتأتى له إدراكه أو الرواية عنه بحالٍ، ولكنه كان يروي عنه على احتمال دخوله في عموم إجازة أبي سالم لوالده وأولاده ومن سيولد، كما بين ذلك العلامة الكتاني في «فهرس الفهارس» (2/1071)، حيث قال في ترجمة ابن الطيب: «ومن أعلى رواياته: روايته عن الشيخ أبي سالم العياشي، بإجازته لأبيه وأولادِه، ومن سيولدُ له، صرَّح بذلك ابنُ الطيِّبِ في (الحديث المسلسل بالفاتحة) من مسلسلاتِه، قائلاً: «أروي عن أبي سالمٍ، صاحبِ «الرحلة»، في عمُوم إجازته للوالدِ وأولادِه ومن يولَدُ له»، انتهى كلامه رحمه الله.
أقولُ: هذه الإجازةُ من أضعف الإجازات، والرواية والعمل بها على خلاف المعتمد والمعول عليه عند أهل الشأن، وفي قبولها تساهل كبير، لأن من ولد بعد وفاة المجيزِ لا يعد من المتحملين عنه، وقد عمل السيد عبدالحي رحمه الله بأمثال هذه الإجازة في روايته عن يوسف السويدي الذي جعله يروي عن العلامة الزبيدي، وبين مولد السويدي ووفاة الزبيدي أكثر من خمسين عاماً، والكلام يطول، وللمسألة أشباهٌ ونظائر متعددة، والله أعلم.
(2) يظهر أن العلامة البنانيَّ، رحمه الله، كان قد اعتمدَ على كلام شَيخِه الونائيِّ، فأسندَ من طريقه روايته مسلسلاتِ أبي سالمِ بهذا السندِ، مع أن فيه ذكر المصافحة ونحْوِها، مما يستحيلُ اتصَاله من طريقِ ابن الطيِّب عن أبي سالم، وقد تنبه العلامة السيد عبدالحي الكتاني لهذا، فقال في «فهرس الفهارس» (1/229)، ما نصه، من أثناء ترجمته للبناني المذكور: «وله ثبتٌ ذكرَ فيه المسلسلاتِ العشرة المشتملةَ عليها «فهرسة أبي سالم العياشيّ»، ساقها بسنَدِه عن الونائيِّ، عن الحافظ الزبيديِّ، عن ابن الطيب الشرگي، عن أبي سالم، ثم ذكر إسنادَ «الصحيح»، و«الموطأ»، وبقية الستة، و«مسند الشافعي»، وأحمد، و«شفا عياض»، ثم إسناد «فهرس العياشي» عمن ذكر. ومما ينتقد عليه فيهِ أكبرُ انتقادٍ: أنه ساق فيه مثْلَ إسنادِ المصافحة والمشابكَة بسنده إلى الشرگي قائلاً:صافحني العياشيُّ، مع أنّ ابنَ الطيِّبِ الشَّرْگِيَّ ولدَ بعد موتِ العياشيِّ بنحو العشرين سنةً، وروايتُه عنه إنما هي بضمْنِ إجازته لأبيه وأولاده، فاعلمه»، انتهى.

(يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق