الاثنين، 10 أغسطس 2015

دعاء الصلاة على المتهاونين فيها .. موعظة عن الإمام أحمد بن عمر بن سميط (ت 1257هـ)






يقول محمد باذيب، سامحه الله: أخبرني شيخي العلامة الفقيه النحوي المربي، السيد الشريف أحمد بن علوي بن علي الحبشي (ت 1429هـ)، رحمه الله، عن شيخه وعمه السيد محمد بن علي الحبشي (ت 1368هـ)، عن أبيه الإمام علي بن محمد الحبشي (ت 1333هـ)، عن أبيه الإمام محمد بن حسين الحبشي (ت 1281هـ)، مفتي الشافعية بمكة المكرمة، رحمهم الله أجمعين:
أن شيخه إمام الدعاة في عصره، الإمام أحمد بن عمر بن سميط (ت 1257هـ): سئل عن أسباب الفوضى العارمة التي كان سائدة في حضرموت في زمنه، في منتصف القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، إذ كان لا يقوم حاكم إلا ويطاح به، ولا سلطان إلا ويخلع، ولم يقر للناس قرار، ولم يطب لهم عيش، فزادت الهجرات وتباعد الناس عن أوطانهم، وكثر قطاع الطرق والسلب والنهب. فأجابهم ذلك الإمام الحكيم، والمرشد العظيم، بقوله: ما بالناس إلا دعوة الصلاة!!.
قلتُ له: وما دعوة الصلاة؟.
فقال رحمه الله ونفع بعلمه: إنما يقصد الإمام أحمد بن عمر بن سميط بـ«دَعْوَة الصَّلاة»، ما ورد في الحديثِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «مَنْ توضَّأ فأبلغَ الوُضوءَ، ثمَّ قامَ إلى الصَّلاة فأتمَّ ركُوعَها وسجُودَها والقراءةَ فيها، قالتِ الصَّلاةُ: حَفِظكَ الله كَما حَفِظْتني، ثم صُعِد بها إلى السَّماء ولها ضوءٌ ونُورٌ، ففتِحَتْ لها أبوابُ السَّماء، حتى يُنتهَى بها إلى الله، فتشْفَعُ لصَاحبِها، وإذا لم يتمَّ ركُوعَها، ولا سجُودها، ولا القراءةَ فيها، قالَتْ: ضيَّعكَ الله كَما ضيَّعْتَني، ثم صُعِد بها إلى السَّماءِ، وعليهَا ظلمةٌ، فغُلِّقَتْ دونَها أبوابُ السماء، ثم تلَفُّ كما يلَفُّ الثوبُ الخلَقُ، فضُرِبَ بها وجْهُ صَاحبِها»(1).
قال الحبيب احمد بن علوي الحبشي، رحمه الله: فانظروا يا أبنائي، كم من الناس اليوم تدعو عليهم صلواتهم، لأنهم لا يحسنونها، كثيرون لا يحسنون الوضوء، وبعضهم لا يحسن القراءة، وبعضهم يستعجلون فيصلونها كنقر الديك، وأحوال الناس لا تخفى على أحد. فانتبهوا لصلاتكم، وأحسنوا أداءها، وأقيموها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي». فهذا هو سر «دَعْوةِ الصَّلاة»، فاعلموه.
أقولُ: رحم الله مشايخنا، ما أبلغ مواعظهم، وما أبعد نظراتهم، وهذه موعظة بليغة، لا تحتاج منا إلى كبير فكر ونظر، وما بقي إلا العمل، والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتذكير الناس بواجباتهم الدينية، وفروضهم العينية، ولا يلتفت الى من يقلل من شأن الحديث في فروض العين، ويقول: وما بقي لكم كلام إلا في الوضوء والاستنجاء. فهذا المعترض قليلُ أدَبٍ وعلم، كما أنه قليل عقل. قليل أدبٍ مع الشرع والتشريع، وقليل علمٍ لأنه لا يفرق بين معرفة الواجب العيني وغير العيني، وقليل عقلٍ، لأنه لم يعِ بعدُ سر الحياة، وسر الإيجاد في هذا الكون؛ فلا صلاح للمجتمعات الإسلامية إلا بهذه الفروض العينية، فإنه: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلنا وأحبابنا من مقبولي الصلاة، مقبولي العبادات، القائمين بفروض الأعيان، المتيقظين لواجباتنا، المؤدين لها على الوجه الأكمل، يا كريم، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداةً مهديين، يا رب العالمين؛ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الهوامش:
(1) هذه رواية البيهقي في «شعب الإيمان» 4/501، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، من طريق ابي حربٍ، زهير بن خيثمة، ورواها في موضع متقدم: 1/479، من طريق مسلم بن أبي الوضاح، مختصرةً، ولفظ حديثه: «إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني، وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها، ولا سجودها قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني فتلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه». وضعف الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» رواية البيهقي، ومدارها على رواية الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت، به. ولكن لحديث البيهقي متابعات، فتابعه البزار (7/140، 150) من طريق عيسى بن يونس عنه، والشاشي في «مسنده» من طريق (ص 299) إبراهيم التميمي عنه، ومن طريق (ص 300) محاضر عنه. قال الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/145) عن رواية البزار: «الأحوص بن حكيم وثقه ابن المديني والعجلي، وضعفه جماعة، وبقية رجاله موثقون». ولحديث عبادة رضي الله عنه، شاهد من رواية ثور بن يزيد عن خالد بن معدان، أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (ص 239). وللحديث رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه، أخرجها الطبراني في الأوسط (3/236، حديث 3095)، واتفق العراقي والهيثمي (1/378) على ضعف سندها، لوجود عباد بن كثير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق