الاثنين، 10 أغسطس 2015

التعليق على منشور عنوانه (من الخطأ صيام يوم عاشوراء)


التعليق على منشور
عنوانه (من الخطأ صيام يوم عاشوراء)

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
وبعد، فقد وقفت على منشور عنوانه: (من الخطأ صيام يوم عاشوراء..!!!). أورد فيه كاتبه بعض النقاط التي رأى حسب فهمه أنها لا تتفق مع ما هو معروف من مشروعية الصيام في هذا اليوم المبارك. ويفهم من المقال بعمومه وخصوصه، الطعن في أحاديث صحيح البخاري، الكتاب الفذ الذي هو من مفاخر المسلمين، ومن أهم مصادرهم في تلقي الحديث النبوي الشريف.
إن محاولات الطعن في أحاديث صحيح البخاري ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة، وكثير منها موجود في بطون الكتب والأسفار، وليس عدم ظهورها او اشتهارها هو ضعف أهل العلم عن التصدي لها، بل قد أجيب عنها وقتلت وأميتت منذ عهود، ولكن أموراَ عديدة وأسباباً شتى جعلت جعلت العوام يتلقفون هذه المطاعن وهذه الشبهات ويصدقونها، منها:
قلة الاطلاع لدى الكثيرين من متلقفي هذه الشبهات.
ومنها: تدهور أنظمة التعليم الإسلامي،
ومنها: النمو المتسارع للمذهب الجعفري الإمامي. الذي يحاول تثبيت قواعده في البلاد السنية.
ومنها: أن الشريحة المستهدفة من أبناء العلويين (الأشراف بالعموم) جلهم ليسوا من طلبة العلوم الشرعية، وجل جلهم لم يقرأوا كتب السنة المطهرة، ومن قرأ منهم فقراءاته محدودة، لا تتجاوز السرد غالبا، وإن جاوزته فهي محصورة محدودة، وقليل ما يبحثون ويتدارسون علوم الحديث فيما بينهم، أو يطلبونها على أهلها.
ومنها: أن تلك الشريحة، تستهدف بسبب الانتماء العرقي، يضاف إلى الضعف العلمي، فينتج عنه التسليم لتلك الشبهات والاستسلام التام لها، وعدم انتقادها.
هذه الأسباب وغيرها جعلت من تلك المنشورات، والكلمات تنتشر بين شباب العلويين، وتستهويهم، وهذا امر يجب التنبه له، والحوار الهادف مع القائمين عليه، فمن كتبت له الهداية، وانصاع لصوت الحق، وأنصت له، فيرجى له كل خير، ومن أعرض ونأى، وكابر وتعامى، فهو وشأنه، ونسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى الهدى والصواب .. وكنت أود أن أطيل، ولكن الوقت لا يسعف، لكثرة الأشغال .. فسأكتفي بإيراد الشبهات التي في الكلام أعلاه، والتعليق عليها.
مقدمة:
قول صاحب المنشور: (من الخطآ [كذا] صيام يوم عاشوراء)، صواب الكلمة (الخطأ)، فهي مهموزة لا ممدودة.
أما مدلول الكلمة فهو خاطئ ومجانب للصواب، لأن مفاد هذه الكلمة أو العبارة رد السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه محادة لله ولرسول الله، لأن شرعنا وديننا الإسلامي إنما تلقيناه عن رسول الله بأمر الله ووحيه، وقد صح عندنا معاشر المسلمين الموحدين أن صيام عاشوراء مشروع ومسنون، لصيام المشرع الأعظم، النبي المعصوم له، وأمره بصيامه.
وإنّ ردَّ الصحيحِ الثابت من الدين، طعنٌ في الدين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س/ بم ثبت صوم عاشوراء؟.
ج/ ثبت صوم عاشوراء في السنة النبوية بعدة أحاديث، وعدة طرق، كلها صحيحة ثابتة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام. وهو ما اتفقت عليه الأمة، وتواطأت عليه من عهد النبوة وحتى يوم الناس هذا.
[1] قال صاحب المنشور: (أولا:: قال-عليه الصلاة والسلام-:"لإن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر". لكنه توفي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يصوم التاسع والعاشر).
التعليق: لا أدري من أين ينقل هذا الكاتب الأحاديث النبوية، ألا يخشى من العقوبة الشديدة في التقول على النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث لم يرد بالصيغة التي نقلها البتة، بل الذي في صحيح مسلم: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع »). وهو بهذا النص في مسند أحمد وغيره، بأسانيد صحيحة قوية. فليس فيه: (والعاشر) كما في المقال. لأنه عليه الصلاة والسلام كان قد صام العاشر فعلاً، بل وصامه قبل هجرته من مكة إلى المدينة.
أخرج الشيخان، البخاري ومسلم، عن أم المؤمنين حبيبة رسول رب العالمين عائشة رضي الله عنها : أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فرض رمضان. ورواه ابن خزيمة أيضا وغيره.
وعند النسائي في (السنن الكبرى) وفي روايته مزيد تفصيل وإيضاح: عن عائشة ، قالت : كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فنزل صوم رمضان فكان رمضان هو الفريضة فمن شاء صام يعني عاشوراء ومن شاء ترك.
فقول الكاتب: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يصم عاشوراء، غير صحيح، بل صامه وأمر بصيامه، وأمره من الدين، والسنة: إما فعل، أو قول، أو تقرير. كما هو معلوم.
[2] قول صاحب المنشور: (ثانيا:: هل يُعقل أنّ النبي-عليه الصلاة والسلام- الذي أخبر عن الأمم السابقه وأخبر عن سيدنا موسى ثمّ لم يعلم بأنه في هذا اليوم قد أنجى الله موسى من الغرق..!!).
التعليق: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله وحي من الله، كما قال تعالى: (إن هو إلا وحي يوحى)، ومعلوم ومستفيض من أحواله الشريفة عليه الصلاة والسلام أنه ينتظر الوحي في كافة شئونه، وما حادثة الإفك، وحديث التأبير، إلا شواهد قوية ناصعة على أنه صلى الله عليه وسلم يتوقف فيما لم يوح إليه فيه بشيء، وهذا من كمالاته عليه الصلاة والسلام، وليس فيه أي نقص قد يتوهمه ناقص الإيمان وعديم الأدب مع النبوة والأنبياء، وما اعتراضه الا دليل على جهل وتطاول غير مسلّم له.

[3] قول صاحب المنشور: (ثالثا:: هل يعقل ان النبي يقتدي باليهود في الصيام بعد أن رآهم يصوم يوم عاشوراء...!!).
التعليق:
أخشى أن يكون في هذا الكلام استهزاء واستخفاف بمقام النبوة، لأن الكاتب جعل نبيه صلى الله عليه وسلم متبعا في العبادة التي هي جوهر الدين، متبعاً ومقلداً لمخلوقين، أو مقلدا لدين من قبله من الأنبياء، وأطلق الكلام، ولم يذكر أو يشر أن للوحي في هذه الأمور الدينية مدخلاً أو تواجداً.
فنحن نعلم ونقر ونعتقد أن كل ديانة تنسخ في مجملها الديانات التي قبلها، إلا فيما لم نؤمر بمخالفته، كهذا الصيام. ولكن، من الذي له حق التشريع في اتباع شرع من قبلنا؟ إنه المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وهناك قاعدة أصولية تقول: (شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه). وأصل هذه القاعدة هو الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس ، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه.
ونحن في صومنا يوم عاشوراء إنما اتبعنا نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو أمرنا بصيام يوم عاشوراء، بوحي من الله، لأن كلامه وتشريعه وحي، بنص الكتاب العزيز. فلماذا التشكيك؟؟.

[4] قول صاحب المنشور: (رابعا::السيرة النبوية تُخبرنا بأن النبي قد أجلى اليهود بعد غزوة الأحزاب س 3هـ .. ثم أجلاهم من خيبر إلى الشام س 7 هـ ..فكيف رآهم يصوموا يوم "عاشوراء" في السنه العاشره من الهجره قبل وفاته(.
التعليق:
هذا كلام مضطرب، وتعبير غير صحيح .. وهذه العبارة تدل بصريحها ومنطوقها على أن الكاتب لا يعرف أصل المسألة التي يتحدث عنها، ويخوض فيها.
لأنه لو علم وقرأ حديث عاشوراء المروي عن ابن عباس، في صحيحي البخاري ومسلم، وهو: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا»؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. 
فهذا الحديث يدل على أن المعصوم صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء في السنة الأولى، فصامه عليه الصلاة والسلام وصامه الناس معه، ثم شرع في السنة الثانية صوم رمضان. وعليه فقد اختلف أهل العلم، هل كان صوم عاشوراء فرضاً أم سنة، لحديث مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم: "لما فُرض رمضان تُرك عاشوراء". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري (4/ 247): "ما ترك استحبابه بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه".
فمن هنا يعلم جوابنا على استشكال الكاتب واحتجاجه بإجلاء اليهود عام الأحزاب ..

[5] قول صاحب المنشور: (خامسا:: هل ورد عن الصحابة الذين هم قدوتنا في اتباعهم للنبي-علية الصلاة والسلام- وهم أحرص الناس على اتباعه...بصيامهم ليوم "عاشوراء" ... لم نسمع ذلك عنهم ولاحتى عن سلفنا الصالح...!!!).
التعليق:
في هذا البند يظهر جهل كاتب المقال، وهزال معلوماته الدينية بشكل يدعو للأسف على حال أبناء المسلمين أن يصلوا إلى هذا المستوى من الجهل.
فهو لا يعلم أن الصحابة كانوا يمرنون أبناءهم الصغار على الصيام في يوم عاشوراء وغيره من الأيام الفاضلة، أخرج البخاري في (باب صوم الصبيان)، بسنده إلى الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ، ومن أصبح صائما فليصم.
قالت: فكنا نصومُه بعدُ، ونصَوِّمُ صبيانَنا، ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
فأين غفل عن هذا الحديث وأمثاله؟؟

[6] قول كاتب المنشور: (سادسا:: وهو الأهم أين هم اليهود الآن من صيامهم لهذا اليوم.. فهل أصحبنا نقتدي بفعل اليهود وهم لايصومون هذا اليوم...!!).
التعليق:
وما دخلنا باليهود؟؟ صاموا أم لم يصوموا .. نحن مسلمون، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونصوم اتباعاً لقوله وفعله، وما علينا بالكفرة الفجرة قتلة الأنبياء، وأعداء الله ورسوله ..

[7] قول صاحب المنشور: (اخيرا:: بما أننا أصبحنا نصوم يوم "عاشوراء" اقتداء باليهود ونحتفل بمولد النبي -عليه الصلاة والسلام-إذا وجب علينا أن نحتفل مع المسيحين في احتفالهم بولادة عيسى -عليه السلام- أو أن نصوم اليوم الذي رفع الله فيه عيسى إلى السماء...!!!).
التعليق:
نعيد ونكرر، نحن لم نصم الا اتباعا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهو الذي شرع لنا هذا الصيام.
أما احتفالنا بمولده صلى الله عليه وسلم فهذا من توقيرنا له، وإشاعة لمحبته. وهذا الاحتفال ليس بفرض ولا سنة، بل هو عادة، تنطبق عليها الأحكام الخمسة، فقد يحرم وقد يكره وقد يباح وقد يندب وقد يجب .. وتختلف هذه الأحكام باختلاف الدواعي والأسباب التي تتعلق بمريد فعل المولد النبوي وبنيته من فعله.
وأما احتفال النصارى بنبي الله عيسى، فما دخلنا نحن المسلمين به؟ وقياس الكاتب الاحتفال بمولد عيسى عليه السلام بصيام عاشوراء فرحا بنجاة موسى عليه السلام، قياس غير صحيح.
لأن صوم عاشوراء سنة نبوية، وإنما عللها النبي صلى الله عليه وسلم بنجاة موسى، تأليفاً لقلوب اليهود، كما قال القرطبي في شرح مسلم (المفهم)، ولبيان منزلة أخيه نبي الله موسى منه صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: (نحن أولى بموسى منهم).
فصوم عاشوراء ورد فيه نص وتشريع نبوي إسلامي، بينما ميلاد عيسى لم يرد فيه نص يأمر بالفرح به، بل نهينا عن اتباع اليهود والنصارى في أعيادهم وأفراحهم.
ولهذا، فقد استقر الحكم في صوم عاشوراء بأنه سنة، ومندوب صومه، وأن فرضيته قد نسخت بفرضية رمضان.
هذا ما أردت أن أعلق به على المنشور السابق، لما توجه إلي طلب الكتابة في هذا الموضوع .. وأسأل الله تعالى أن يجنبني وأحبابي الزيغ والزلل.
ونسأله أن يحيي في قلوبنا حبَّ الدين والسنة، وأن يتوب علينا توبة نصوحا، ونهدي إلى روح سيدنا أبي عبدالله الحسين، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته في الجنة، وإلى أرواح من استشهدوا معه في كربلاء .. أطيب التحية والسلام، ولنقرأ ما تيسر من القرآن الكريم ونهديه إلى أرواحهم الطاهرة، وإلى أرواح أهلينا وأجدادنا وآبائنا في الطين والدين، والحمدلله رب العالمين.

وكتبه/ د. محمد أبوبكر باذيب، أستاذ العقائد والأديان
المحاضر بجامعة السلطان محمد الفاتح، إسطنبول
الجمعة 9 محرم 1434هـ/ 23 نوفمبر 2012م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق