الثلاثاء، 18 يونيو 2013

خاطرة حول الزيارات الحولية

خاطرة حول الزيارات الحولية

بقلم / محمد أبوبكر باذيب

كنت قبل مدة سطرتُ سطوراً في التعقيب على كتاب «الصوفية في حضرموت»، وانصرفت عنه لأمور أهم منه عندي، وبمناسبة كلام الناس وترددهم في حديثهم حول زيارة نبي الله هود السنوية في حضرموت، فقد أحببت نشر هذه السطور، على وضعها الذي كتبته قبل سنتين، بدون إضافة أو تعديل، عساها أن تكون متوسطة في الأمر.
والله المعين.

* * *

أهل حضرموت والزيارات الحولية



لقد كان العلماء المخلصون من السادة الأكابر ينهون الناسَ من كثرة إقامة ما يعرف (بمجالس الموالد) والاستغناء بها عن طلب العلم، والتفقه في الدين، وحضُور مجالس الحلال والحرام، والإمام الداعية الحبيب أحمد بن عمر بن سميط (ت 1257هـ) كان واحداً منهم، وقد تكلم بصراحة تامة عن هذه الظاهرة التي انتشرت في زمنه(1).
جاء في «مجموع كلامه» (ص 394):
«وقال رضي الله عنه: يا فلان؛ تحفَظُ «الخطبة»(2)؟. قال: لا!.
قالَ له سيدي: رُحْتَ تتحفّظُ «المولد»، وخلّيتَ «الخطبة»! ما الأولى بالحفظ؟ قالَ: «الخطبة»!.
فقال سيدي: ما تقولُ لو دخل النبيُّ r ولحِقَ ناساً يقرَؤون «الخطبة»، وناساً يقرؤونَ «مَولده» u، با يجلس مع من؟. قالَ: مع أهل «الخطْبة». قال رضي الله عنه: هذا مولِدٌ، وهذا مَوردٌ، تضلَّعُوا من هذا المورِد (ثلاثاً)»، انتهى.
فأنت ترَى كبار المرشِدينَ من سلفِ أهل حَضْرموت، لا يرونَ (الموالد) التي يتولع بها الناسُ اليومَ، إلا مجرَّدَ وسيلةٍ لإيصَال الدّعوة، ولا ترقى أبدا إلىٰ كونها غايةً، كما ينازعُ عليه البعض اليوم، وتكلفوا الردود والمناوشات مع إخوانهم المسلمين في سبيل إيجاب إقامتها.
* * *
وانظر الى كلام إمام الدعوة ..
قال الإمام الحداد رحمه الله: «إنما يُسْتَدلُّ على كمالِ الشخص: بتأديته الفرائضَ على كمالها، لأنها عمود الدين، فمن أقامها بواجباتها وسننها، وحضورها من غير وسوسة، دل ذلك على كماله وحسن عناية ربه به، وإن عكس دل ذلك على عكس ما ذكر»(3)، [تثبيت الفؤاد: 2/123، 271].
* * *
بل إن كبار العلويين لم يكونوا شديدي الحرص على زيارة هود، كما نراه اليوم، إنما كانوا يغتنمون فراغ المجالس من العامة ليكثّفُوا حضورَهم ومقروءاتهم على أشْياخهم. وشاهد هذا من كلام الإمام أحمد بن عمر بن سميط (ت 1257هـ)، قال رحمه الله ونفع به:
«الكبار مثل الحبيب عمر بن حامد [ت 1154هـ]، وأضرابُه، في زمن الحبيب عبدالله [يعني: الحداد]، ما يزورون هُود، متغَانِمين الحبيب عبدالله»، انتهى.
* * *

العلم والعمل .. هما الأساس

لقد كان سلفُ علماء حضرموت يهتمون بالدعوة إلىٰ العلم والعمَل، يقول الإمام الداعية العابد الزاهد الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر (ت 1272هـ) في سياق كلام له في تعريف العادة وتفنيد ما يوافق فعل السلف من العادات وما لا يوافق، وفي كلامه من الوضوح والصراحة ما لا مزيد عليه، فأرعِ سمعَك وتمعّن ببصَرك في قوله:
«.. نعم؛ هذه الفضَائلُ قد تخرج عن كونها عبادةً محمودة إذا فُعلَتْ على غير مُوافقةِ الكتابِ والسنة، ولا قُصِدَ بها وجه الله تعالى، بل تمحّض فعلها لمجرد الاسمِ والرَّسْم والعادة، وغفلَ عن التعبد بها والحضور مع الله فيها. وربما قد يظهر من الملابس لها من التعصُّب والمزاحمة بالقيام بها وعدم تسليمها لمن هو أولى بها.
وكذا قد تظهر المصلحة في ترك تلك الفضيلة والانتقال إلىٰ فضيلة أخرى هي آكد وأوجب، لتغير الزمان واحتياج أهله إلىٰ مهم أعظم، فيلازم ذلك لأجل العادة، ويغفل عن التعبد بها، والحضور مع الله فيها، فهو يفعلها لكون أهله يفعلونها، أو لئلا يقول الناس: ترك عادته، بل ربما يفعلها مع التبرم بها، ويدخل في حرج لأجلها، ويرى أنه لا يسعه تركها، ويقول: عادة السلف، والسلف ما فعلوا ذلك إلا بنية صالحة، ومن غير كلفة، وإذا رأوا الترك أفضل تركوا، ويدورون مع النية فعلاً وتركاً، فليتأمل الإنسانُ نيتَه ومقصده». [مجموع رسائل الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر: ص 293-294](4).
إلىٰ آخر كلامه النفيس .. وليرجع إليه من أراده، وخير الكلام ما قل ودل، واللبيب تكفيه الإشارة.

الهوامش:
(1)  مجموع مواعظ وكلام الإمام أحمد بن عمر بن سميط: ص 394.
(2)  يعني بها: الخطبة العظيمة، للإمام طاهر بن حسين بن طاهر (ت 1241هـ)، المشتملة على أحكام الحلال والحرام، ينظر عنها للمزيد: جهود فقهاء حضرموت: 2/794.
(3)  هذا غيضٌ من فيضٍ من كلام الإمام الحداد، الذي قال فيه الباحث السعدي في بحثه «التصوف في حضرموت» (ص 140): «ويلاحظ في شخصية عبدالله الحداد العاطفة الجياشة التي لم تنضبط بالشّرع ..» الخ. ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم احفَظْ علينا عقولنا وديننا، واعصمنا من سب من سلفَ من أهل التوحيد، ممن قالوا: ربنا الله ثم استقاموا، يقال هذا الكلام في الإمام عبدالله الحداد!! القائل:
والزمْ كتاب الله واتبع سُنةً                         واقتدْ هداك الله بالأسْلافِ
وغير ذلك من جواهر الحِكَم، أيقال هذا في أحدِ من جدد الله دينَ الإسلام على يديه! حسبنا الله ونعم الوكيل، فإذا كان هذا هو قولُ السعدي في جانب هذا الإمام العظيم، فعلى الدنيا السلام!. وليتَه على أقل تقدير تابعَ بامؤمن في ما كتبه عن الإمام الحداد، في وصْف فكره النيّر، وحسن بلائه وجهاده في إصلاح المجتمع، الفكر والمجتمع: ص 266-269.
(4)  الإحالة في هذه النصيحة العظيمة على الطبعة الجديدة المتوفرة بأيدي الناس اليوم، وهي الصادرة عن دار الحاوي ودار السنابل 1429هـ/2009م.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق