الجمعة، 21 يونيو 2013

الجواب المعلن للأسئلة الواردة من لندن



الجواب المعلن
للأسئلة الواردة من لندن

بقلم/ د. محمد باذيب




بعث إلي أحد الإخوة الكرام الفضلاء، من الطلبة العرب المسلمين الدارسين في بعض الكليات العلمية، في العاصمة البريطانية لندن، أسئلة، رجاني أن أجيبه عنها. ولما لم أجد بدا من الاعتذار، ورأيته متلهفا على الجواب، علقت عليها بما تيسر، على عجل، أرجو أن يكون فيما كتبته فائدة لي وللأخ السائل. وها أنذا أنشرها للعموم، رجاء تداولها بين أيدي الإخوة الفضلاء، علهم يدلون بدلوهم، أو يصوبوني في خطأي.
والله الموفق والمعين


أخي العزيز ... فلان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليك جواباً وجيزاً عما سألت عنه، أرجو أن يكون وافياً بالمطلوب.

السؤال الأول
س1 / هل التديُّن يغذي الإنسان بالتطرف والإرهاب؟ وهل هو سببٌ في إلغاء العقل أحيانا؟
الجواب
التدين عبارة عن التزام الإنسان بشريعة من الشرائع، وقانون من القوانين التي تحكم تصرفات وعلاقات الفرد في حياته، وتنظم له أمور معيشته.
والتدين أو الالتزام الديني لا يكون إلا مرتبطاً بشريعة سماوية، فالدين إنما يعرف بأنه مجموع الشرائع التي أنزلها الخالق سبحانه وشرعها لمصالح عباده.
وبما أن الدين والقانون هو كما سبق تعريفه، فمن الخطأ القول: إن الدين يغذي الإنسان بالإرهاب فلا يوجد دين سماوي، ولا تشريع إلهي، ولا تقنين بشري، يشرع الجريمة والتخويف لأتباعه .. أبداً.
التطرف والعنف والجريمة والإرهاب .. هذه الأمور نتائج صفات بشرية، تنتج عن الغرائز التي خلقها الله تعالى في كيانات الخلق، وسبب ظهورها وانبثاقها عن الفرد هو رعونات نفسه التي لم تتهذب، ولا تهذيب لها إلا بالاتباع الصحيح للناموس الإلهي والتشريع الرباني .. فليس كل من اتبع ديناً اتباعاً شكليا صورياً أسقطنا عليه حكمنا الجائر بأن السبب في تصرفاته الرعناء هو الدين.
نعم، هناك أمر مهم يجب التنبيه عليه، وهو: أن الأحكام التشريعية الإلهية التي تحكم علاقة المتدين بغيره من أتباع الأديان الأخرى، يوجد فيها ما ينظم علاقة الحرب كما يوجد ما ينظم علاقة السلم .. تلك الأحكام لا تختلف في تشريعها وسنها وإنزالها عن الأحكام العبادية المختصة بسلوك الفرد وطاعته الخاصة لربه وخالقه سبحانه. الجامع بينها: أن على المتدين أن يتعرف على تلك الأحكام والتشريعات الربانية تعرفاً يكفل له فهم روح التشريع، ويجلي عن بصره وبصيرته حقائق الدين وجوهره، وهذا لا يكون إلا على أيدي علماء ربانيين من ذوي النفوس المتهذبة، التي تشبعت بحب الله وبالمعرفة الكاملة أو شبهها بروح التشريع وسمو أخلاقه.
أما من درس الدين والتشريع دراسة مجردةً عن الفهم الشامل، والتقصي والتتبع للأحكام التشريعية من مختلف وشتى جوانبها العلمية والمعرفية، فهذا شخص قاصر الفهم والإدراك، وينتج عن تصدره وتدريسه لغيره: نقل الفهم القاصر والخاطئ (أحيانا) إلى غيره .. ومن هنا نتج الخلل في نسيجنا الديني الإسلامي.

أما أن يكون الدين ساتراً للعقول، وما يقال في هذا الباب كلام تافه، لا ينبغي أن يعيره العقلاء اهتمامهم، فالدين الصحيح .. يزيد في الأذهان الصفاء والنور، ويكسب محبه بشغف وإخلاص شفافية وذوقاً عاليا في التعامل. ومن جرب وذاق عرف. 




* * *


السؤال الثاني
هل كل من قال (لا إله إلا الله) دخل الجنة؟ حتى وإن كان إرهابياً، وقتل الناس ودمّر البلاد، كابن لادن؟ وفي المقابل من لم يقلها من أهل النار وإن كان مسالماً ؟؟

الجواب
نحن المسلمين متعبدون بما وردنا عن الله وعن رسوله المعصوم صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في نص الكتاب المنزل، وهو كلام الله تعالى، وفي كلام المعصوم الصحيح الثابت: أن التلفظ بكلمتي الشهادة هو الأمر الذي تعصم به الأرواح والنفوس، وبه يكون الدخول في الإسلام، وبه تناط الأحكام الشرعية الدينية التي شرعها رسول الله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم لأمته بوحي من الله.
هذه الكلمة هي الفارق بين المسلم وغير المسلم .. على أي ملة كان.
بعد ذلك .. ننظر:
فإن كان المتلفظ بهذه الكلمة الشريفة العظيمة، ممن راعى حقوقها، وتعلم واجباتها وحفظ نفسه وغيره بموجباتها، كان من الناجين السعداء ..
وإن لم يقم بحقها، أو أتى بما ينافيها ويخالفها، فله حالان:
حال يكون فيها عاملا بنقيض التوحيد، أو جاحداً غير مصدقٍ بلوازم النبوة والرسالة، .. فيكون حكمه حكم من لم يتلفظ بها، وهو المنافق المبطن الكفر. فهو كافر غير مسلم.
وحال؛ يكون عاملاً فيها بما يخالفها لا على سبيل الإنكار والجحود، ولكن على سبيل المعصية والمخالفة، مع الإقرار بصدق الرسول ورسالته وشريعته .. فهذا عاص، والعاصي يعذب بقدر معصيته. وأمره إلى الله.
وعلى ماسبق ..
فمن لم يتلفظ بكلمتي الشهادة، إن كان راغباً عنها مستنكفاً من التلفظ بها، متجافياً عن التصديق برسالة ونبوة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كافر كفراً أصلياً. أما من لم يتلفظ لعارض، وكان قلبه عامراً بالحب والتصديق للنبوة والنبي وللدين بمجموعه، فهو كافر ظاهراً مؤمن باطناً، وهو ناج باذن الله.
وليس مجرد المسالمة وفعل الخير من غير تلفظ بالشهادتين، وصدق اتباع للرسول المعصوم .. بعاصم لذلك المسالم الفاعل الخيرات من خلود النار، لأنه استنكف عن التصديق .. أما من لم تبلغه الدعوة، فهو ناج على تفصيل ذكره العلماء. وأما من بلغته الدعوة مشوهة، ففيه كلام وتفصيل، وأمره إلى الله.
والنصوص كثيرة في هذا ..

* * *

السؤال الثالث
هل الدعاء على الارهابيين وان كانوا مسلمين اولى من الدعاء على الكفار ؟ واصلا ل يجوز الدعاء على الكفار بالعموم ؟؟

الجواب
أما الدعاء على البغاة فجائز، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على العرنيين الذين نزلوا في وادي العقيق في أمان الله ورسوله فقتلوا راعي الإبل وسرقوا ماله، وقتلهم وصلبهم لأنهم بغاة مفسدون. والدعاء على المسلم الباغي في حال عدوانه وبغيه قد يكون أولى من الدعاء على الكافر غير الحربي المسالم الذي لم يضر المسلمين. لأنه ليس هناك داع أو حامل للدعاء على الكافر غير الحربي والحال هذه.
وأما الدعاء على عموم الكفار .. فلا أحفظ فيه شيئاً، إلا أن يكونوا مقاتلين لنا، محاربين، فيجوز لنا أن ندعو عليهم بمقدار بغيهم وظلمهم، وإذا كفوا كففنا .. والله تعالى أعلى وأعلم.


كتبه  د. محمد أبوبكر باذيب
17 رجب 1434هـ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق