الأربعاء، 27 مارس 2019

ودَاعاً عَالم الشّامِ - في وداع العلامة الدكتور البوطي رحمه الله وغفر لنا وله


ودَاعاً عَالم الشّامِ
بقلم / محمد أبوبكر باذيب
الهند، 23 مارس، 2013






وكانت في حياتك لي عظات ** وأنت اليوم أوعظ منك حيا

اليوم سيوارى الثرى، عالم الشام بلا منازع، عبد ربه، الفقير إلى رحمة ربه ومغفرته، الرجل الذي عاش ملء السمع والبصر، العالم الفذ الذي لا يشق له غبار، ذو التصانيف البهية، والكلمات العذبة الندية، الذي كم نهل من معين علمه الموافق والمخالف، الذي كانت مجالسه مجالس علم وخشية، الرجل الذي كم استدر بحسن بيانه وفصاحته الدموع، وكم أطرب الآذان وأبهج النفوس بتلك المعاني التي يغرفها من بحر الحكم، والذي قاوم المادية العلمية بسلاحها الفكري، والأديب المترسل صاحب القلب العطوف، الذائق المحب العابد الذاكر، الرجل الذي ثبت على مبدأه ولم يحد عنه، حتى قضى نحبه في الأرض المقدسة التي ولد على ثراها، وهاهو اليوم سيودع ثراها .. محمد سعيد ابن الشيخ العارف بالله الملا رمضان البوطي الكردي الشافعي الأشعري النقشبندي.


اليوم سيوارى جثمانك الثرى ..
اليوم سيلقي عليك أهلك ومحبوك نظراتهم الأخيرة ..
أيها العالم الذي انتفع الناس بعلمه، وأنا ممن تتلمذ على كتبك، وانتفعت بها كما انتفع بها الآلاف غيري .. لم أكتب هذه السطور لأرثيك، ولم أكتبها مدحاً لك، أو إشادة بعلمك، فمن أنا ومن أنت، وماذا عساني أن أقول في هذا الباب، فلا ينكر فضلك وعلمك إلا حسود أو حاقد. ولو أن مخالفيك أنصفوك، لما افتروا عليك ما افتروه، وتشفوا من مقتلك كما سمعنا وقرأنا ..
إنما أكتب هذه السطور، ودمعي يتحدر، وعبراتي تسابقني .. أتذكر معها شهداء الشام، وتتمثل أمام عيني صور الأشلاء ممن حصدتهم آلة القتل المجنونة، في فتن عمياء بكماء صماء .. وأمام عيني وناظري صور الأطفال الصغار الذين ذبحوا بلا رحمة ولا هوادة، صور النسوة اللواتي تدرعن بالسواد، صغاراً وكباراً .. صور المقابر الجماعية والأخاديد التي حفرت لتستوعب تلك العشرات والمئات من موتى المسلمين ..
أيها الراحل .. سنفتقدك عالماً، ناصحاً، صاحب مبدأً .. نعم، لا ننكر هذا. ولكن: هل ترانا سنفردك بالبكاء والدموع دون أولئك .. هل سننسى في غمرة أحزاننا أحزاناً ودموعاً لم ترقأ، وأكباداً حرى .. وأيتامى وأيامى .. كلا، فهو أمر صعب جداً على كل ذي نفس حرة، وعلى كل من في قلبه ذرة من الرحمة. لن ننسى شهداء الشام والمظلومين الذين ماتوا ونبكيك منفرداً .. فرحمات الله عليكم أجمعين. وكل منا ومنكم سيلقى الله منفرداً، وسيحاسب على عمله منفردا، (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
أيها الراحل .. كلنا إلى الموت نصير، وكلنا إلى القبر راحلون:
ومن لم يمُتْ بالسيفِ ماتَ بغيره ** تعدّدتِ الأسبابُ والموت واحد
كان قدرك أن تكون من أبناء الشام، ومن أبرز أعلامها، وكبار علمائها .. وأن تمتحن في حياتك بالقرب من الحاكم الغاشم، ليتك لم تكن كذلك .. لكنه قدرك.
كان قدرك أيها الراحل الكبير، أن تكون في ذلك الموضع الذي أقامك فيه ربك .. فتكون للناس فيك دروس وعبر، وأي عبر.
تمنيتُ لمن في علمك وشموخ كبريائك أن لا يكون ممن يمتهنهم ذلك النظام الخسيسالوضيع النذل القذر  ..
ألم يكن في مقدورك أن تعيش بعيداً عنهم!!
ألم يكن في مقدورك أن تهاجر من ديارك كما فعل غيرك!!
كان في مقدورك ذلك، ولكنك كنت تتمثل ثبات الأوائل في حماية الأوطان .. وكنت ترجو أن تطفأ نار الحرب، وأن تحقن الدماء التي خشيت عليها أن تراق .. ولكن: اتسع الخرق على الراقع، وأتى أهل الشام ما كنت تخشاه. فكان وقوفك غير محمود، وبقاؤك في موضعك ذاك ..  قرة عين المبغض والحسود ..
لا فائدة من التمنيات .. قدمت على ربك، وهو أعلم بحالك ونيتك. وقد استودعناك لديه وهو الرحيم العدل الحكيم، نرجو لك الغفران، وندعو لك بالرحمة، وحاشانا أن نكون من الشامتين بموتك وإن كان هناك من يشمت، وليتهم يسألون أنفسهم لماذا يشمتون؟
أولئك المتألون على ربك أن لا يغفر لك ويدعون لك ببئس المصير .. ألم يسألوا أنفسهم، ويقفوا قليلا: أي مصلحة كانت لك من قربك من النظام؟ وأنت شيخ كبير!. لم تكن بحاجة إلى دعم النظام، ولم تكن مستقوياً به، ولم يكن مطمع في مناصب وأنت من أنت ..
أعيذك أن تكون راضياً، لو كنت عالماً بكل تفاصيل ما يجري حولك، بالقتل والتعذيب .. أقول لنفسي: لعلك كنت تداهن البعثيين وتقف بينهم وقلبك يلعنهم .. أيكون موالياً للكفار، راضياً بأفعالهم، من دموعه تبلل نحره كل يوم وليلة خشية من ربه؟!! وهو من هو مثالا للإخلاص والزهد وحب الله والدلالة عليه!! لا والله، حاشاك، وهذا ظني واعتقادي فيك.
لقد كان ثباتك ووقوفك في أرضك، وفي دمشق، وصمودك الرهيب وأنت بين براثن الكفر والطغيان .. مضرب مثل، كان ولن يزال، وإن كان هذا يؤخذ عليك من قبل من أوذوا وأخرجوا من ديارهم، فماذا كانوا ينتظرون منك؟. كنت صاحب مبدأً، يحدثنا صمودك بلسان حاله عنك أنك تقول: إذا خرجت مثل من خرجوا، لمن نترك هذه الديار، وهذه الأوطان؟ ولمن نترك أمتنا وشعبنا، فلنصبر ولندار النظام بما نستطيع .. ونقترب من رأس الحكم حتى نأمن مكره، فنؤدي رسالتنا وأمانتنا تحت أنظاره، فماذا نريد أكثر من تنوير الناس، ودلالتهم على الهدى، والأخذ بأيديهم إلى طريق الله.
فإما حياة تسر الصديق ** وإما ممات يغيظ العدا
كذلك كنت في نظري .. فمن شاء أن يرضى عن فعلك فليرض، ومن شاء أن يسخط فليسخط .. وهذا ما ظننته فيك، وإن كانوا يأخذون عليك فتاوى يقولون: إن الخبثاء استباحوا بها دماء الثائرين .. لكن فتواك بحرمة قتل المدنيين هي الأصل، فهم يتذرعون بهذه الفتوى. وهي صحيحة، ولم يكن لمثلك أن يفتي بسواها .. ولقد كنت من أهل نظر واجتهاد. ومثلك أهل للاجتهاد، ومثلك أهل للنظر، ومثلك مصدر لقول يسمع، ومثلك يؤجر إن أخطأ ويثاب إن أصاب .. الكل يشهد بهذا، حتى من تنكب سبيلك، وقال إنك كنت صاحباً له يوما ما .. له فتاوى مماثلة لفتاويك، عندما كان في مثل موقفك، فلماذا هو اليوم يقليك ويجفوك ويعاديك؟! مثلك ممن قصدهم القائل بقوله:
* فيك الخصام وأنت الخصم والحكم *
ولو لم تكن أنت أنت .. لما تحركت فيك الألسن والأقلام .. هذا، وأستغفر الله العظيم إن زل اللسان والقلم، وبالله سبحانه المعتصم، وهو القصد والغاية، وليس لما في سواه غاية ولا مقصد.
اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم إنا نسألك أن تغفر له ما فرط من أعماله، وتؤجره على ما قدم من حسن عمل، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن مسيئا فتجاوز عنه بمنك وكرمك. وتقبله مع إخوانه ومن تقدمه ولحق به من الشهداء والصالحين، ارفع درجاتهم، وكن لأهاليهم وذويهم راحماً وناصراً ومعيناً. اللهم أطفئ نيران الفتن، ما ظهر منها وما بطن .. اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا.
وصل اللهم وسلم على عبدك ونبيك وحبيبك، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشفعه فينا بمنك وكرمك، وبجاهه نسألك يا أكرم مسئول أن تعافينا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. والحمدلله رب العالمين.





معضلة كتب المناقب والكرامات في مجتمعنا الحضرمي


معضلة كتب المناقب والكرامات في مجتمعنا الحضرمي

بقلم/ محمد باذيب
21 مارس، 2013


تعد قضية كتب المناقب والكرامات من أكثر القضايا التي تشغل ذهن المثقف المسلم، في كل اصفاع المعمورة، تستهلك فيها أوقات كثيرة، بين الشباب والكبار والصغار، شرعيين ومثقفين .. وكافة الطبقات والشرائح.

بين مدافع عن حقوق الأولياء ومقاماتهم، وبين منكر لكل الخرافات (بحسب كلامه) التي في تلك الكتب ..

بين من يراها مصدراً تاريخياً مهما ، وآخر يراها تشكل عصب الانتكاسة في أمتنا.

بين من يحترمها كثيراً ويعلو بها الى مرتبة عدم الانكار، وبين من يسفه أحلام كاتبيها ..

وهكذا .. سجال لا ينتهي .. ولن ينتهي.

وقد كتبت قريباً في موضوع لا يزال النقاش حوله دائراً: أن أصل الكرامة عند المسلمين جميعاً ثابت بنص الكتاب والسنة، ولكن: أفراد الكرامات التي تنقل عن أفراد الناس، من شاء صدقها ومن شاء أنكرها. ولا يلزم من انكار كرامة ما، ان نشنع على المنكر، مادام أنه يثبت اصل الكرامة، فليس من واجبه أن يصدق عين الكرامة التي سمعها، فقد يكون قام مانع لديه من تصديقها.

لكن الذي لا ينبغي: هو كثرة التشنيع على تلك الأقاصيص والأخبار والكرامات التي في الكتب، لأن أكثرها أخبار مهجورة، ونبشها والنكير عليها مما يزيدها انتشاراً .. فتكون النتيجة عكسية.

ثم أمر آخر: ينبغي مراعاته، وهو مشاعر الناس. فكثير من الأخبار تنسب لأناس لهم ذرية وأبناء وعشيرة، فاحتراماً لمشاعر هؤلاء على إخوانهم المسلمين، ولو كانوا محتسبين في الإنكار، أن يراعوا هذه الأخوة الإسلامية .. لأن المسألة في نهاية المطاف مجرد أخبار وقصص، فلماذا المبالغة في انكارها، وهي لا ترقى ان تكون في مرتبة الأحكام الشرعية، أو العقائد الدينية!!


المدونات المناقبية والحفاظ على الهوية:

لننظر إلى الموضوع نظرة أخرى، اجتماعية وديموغرافية، حيث أسهمت تلك المدونات في الحفاظ على أمر مهم جدا، ما كان ليستمر إلى أيامنا هذه لولا وجودها كعامل مساعدٍ فاعلٍ في الحفاظ على الهوية.
نعم، فقد كان ولا يزال لكتب المناقب حضور في الروحات والمجالس التي يقيمها الشيوخ المربون في أماكن شتى من موطن الحضارمة ومهاجرهم. لقد مثلت هذه القراءة المناقبية ركيزة مهمة في ربط الأجيال بعضها ببعض، بغض النظر عن سلبيات النظرة الكراماتية كما يراها البعض، فهي في وجهة نظري مهمة جدا، للحفاظ على الهوية.
لعل أبرز من استفاد وحافظ على هويته الأصلية من قومنا الحضارمة، هم السادة الأشراف بنو علوي، في المقدمة بكافة بيوتاتهم وأسرهم المتنوعة، يتلوهم المشايخ كآل بافضل وآل الخطيب وآل باعباد [أكتفي بهؤلاء كنماذج تاريخية حية]، ممن لهم تآليف قديمة تعود إلى القرن الثامن الهجري وما بعده. هذه الأسر والبيوت الكريمة، حافظت إلى جانب تراثها التاريخي المناقبي الزاخر على أمور أكثر أهمية، تشكل العمود الفقري لمآثرها وأمجادها، وهو الاستمرارية العلمية في أفرادها، وحفظ المشجرات النسبية وتحريرها، ووفرة الإنتاج العلمي التأليفي إلى حد مّا مقارنة بغيرها ممن لم يحافظوا على هذا التسلسل.
لكننا نجد أسراً أخرى ذات تاريخ مناقبي هي الأخرى، لا يقل جودة وفخامة عمن سبق ذكرهم، كآل باقشير، وآل العمودي، وآل باجمال [أكتفي بهم كأمثلة تاريخية حية]، لم تحافظ كل المحافظة على ما حافظ عليه من ذكرناهم قبل، نعم، تاريخهم وتراثهم العلمي القديم محوظ، وكلنه لم يبق متصلاً ومتجدداً كما هو عليه الحال عند الأوائل. فآل باقشير قرضوا تقريباً، ولم يبق لهم أي ذكر في الوادي، وزرت بلدهم العجز، قرب قسم، فلم اجد سوى بيت وحيدٍ وذكر لي أفراد منهم في المهجر، لا يشكلون بمجموعهم ما يمكن نسميه (عشيرة)، أما آل العمودي فكثرة كاثرة، ولهم حضورهم القوي في مختلف بلدان العالم، اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً، ولكن بصورة مختلفة أو مغايرة لما كان عليه أوائلهم من زعامة روحية ودينية، نعم بقي لهم منصبٌ يقوم بدور اجتماعي في منطقته، ولكن: بالنظر إلى الأدوار العظيمة التاريخية التي للأوائل، نجده دوراً متواضعاً جداً. أما آل باجمال فقد ازدهر انتاجهم وعطاؤهم العلمي في القرنين العاشر والحادي عشر، وبقي ضعيفاً إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجري، ثم تلاشى، ولهم مشجرات ولكن حضورهم الاجتماعي يكاد أن لا يذكر.
جميع من ذكرت لهم تاريخ مناقبي، ولا أدري لماذا يصر البعض على التشنيع فقط على السادة الأشراف؟!. إنه أمر مثير للتساؤل بشكل ملح. ولعلنا لا نبتعد كثيراً إذا أرجعنا تلك الأسباب المتوقعة إلى سبب رئيس: وهو الاستمرارية التاريخية المتسلسلة منذ القديم وحتى اليوم هذا، لهذه الأسر الكريمة الأصول، مما أنتج تضايقاً لدى البعض من بقاء الريادة والزعامة الروحية للأشراف، إن من يقوم بمعادات هذه الأسرة الكريمة المحافظة، ينادي على عقله بالانتقاص، وعلى دينه بالنقصان، ولماذا المعاداة؟ التي لا يمكن تفسيرها إلا بدوافع الحسد الممقوت!.
حافظ أوائل هذا البيت الكريم على سير عظمائه، ودونوها بشكل من الأشكال، وورثوها للأجيال التالية، وحافظوا على مشجراتهم النسبية، وعلى موروثهم العلمي .. وتسلسل فيهم جيلا بعد جيل، وقرناً بعد قرن. إنهم يستحقون الاحترام والتقدير كله، لأنهم نموذج يحتذى به حقاً، عرف قيمة التوثيق حق المعرفة، وقام بحق التوريث العلمي حق القيام. بغض النظر عن جزئيات في تلك المدونات المناقبية التي يثير البعض النفوس ويشحنها ضدها.
* * *
وقد دار بيني وبين أحد الأحباب الكرام من أهلنا في حضرموت، حوار أظهر فيه أسفه لكثر كتب المناقب في تراثنا الحضرمي، وازدياد انكار بعض الناس في هذه الأيام عليها، وأنها تسبب لهم حرجاً أمام المجتمع ..
فقلت له:
لا ادري لماذا انتم مستاءون جدا من الكرامات. انظر إلى كتب المغاربة .. مليئة بالكرامات. وكذلك كتب الهنود وكتب الشوام، والأتراك، والأكراد، وكل الأمم المسلمة .. عندي وجهة نظر في هذا الأمر، مما يخص تراثنا الحضرمي: وهو أن المغاربة (مثلا) ومثلهم الهنود، ألفوا في كل العلوم، من حديث وفقه وتفسير وغير ذلك. بينما اقتصر علماء حضرموت على التأليف في الفقه، وفي التصوف، والكتب المناقبية وبعض المؤلفات التاريخية، وقليل في علم النحو.
لدينا، نحن الحضارمة، تراث فقهي، كبير، وقد عددت في بحثي عن فقهاء حضرموت (875 كتاباً فقهياً)، منها: 60% لا تزال مخطوطة!! .. ولأسباب اجتماعية وفكرية متضادة، ظهرت الكتب المناقبية وطغت على الساحة عندنا، لبعض الأسباب التي ذكرتها أول مقالي. وقد يكون من نافلة الجواب، القول بأن هناك تعادلاً وترجيحاً عند غير الحضارمة بين الإسهام في التآليف المناقبية التي يمكن أن تدرج في عداد الكماليات والترف العلمي، وبين المشاركة القوية في تدوين وشرح ونقل العلوم الأصلية، من تفسير وعقائد وحديث وغيرها. بينما قلت المؤلفات بشكل كبير فيها عند الحضارمة، واكتفوا بقراءة ما وصلهم من مؤلفات الأعلام الكبار، في جميع الفنون. سوى ما ذكرنا من الفقه والتصوف، وشيء من النحو.
أرجو أن تضيف هذه الخواطر، وهذه السطور، شيئاً ذا بال إلى هذه القضية الحساسة، وأن يمعن القراء النظر فيها، حتى تنجلي عن القلوب والأبصار تلك النظرات السوداوية التي تنتاب البعض، فيتعامل مع هذه القضايا بحساسية زائدة، ويدرجها في أبواب الولاء والبراء، والأمر دون ذلك بكثير.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

أحمدُ المشهورُ من عَلياءْ قُصَي - قصيدة





أحمدُ المشهورُ من عَلياءْ قُصَي








أحمدُ الرحمنَ إذْ منَّ علَي ** بالجميلِ المحْضِ أسداهُ إليّ

نسبتي للقَومِ ساداتِ الورَى ** نسبةً خلصَاءَ من غِشٍّ وغَيّ

رأسُهم حدادُنا فخْرُ العُلا ** أحمدُ المشهورُ من عَلياءْ قُصَي

سيدٌ طالتْ مناقِبـُه فلم ** يدرِكِ الراؤُونَ مناه بعضَ شَيء

علمُه والفضْلُ والأخْلاقُ والـ ** ـسؤدُدُ الباذخُ، منهم فخْر طَي!

عَالي الإسناد والإمدادِ مَن ** بزَّ أقواماً، رقى من غير ليّ

قالَ باحنان في أبياتِه ** (يا ابنَ طه هذِه الغادةُ مَيّ)

فانتضَى المشهورُ في أسْجاله ** مثلَ فهدٍ يقطع البيداءَ طي(1)

شعرهُ في الذَّوقِ عالٍ صرحُه ** دونَ إسفافٍ يُرى أو نحْو عَيّ

روَّح الرحمَنُ رُوحاً طالمَا ** رفرَفتْ في حيّنا وقت العُشَي

يا ابنَ طهَ حبكُم محسُوبكم ** شوقُه قد طالَ فارحَمْ ذا الحُشَيّ


محمد باذيب؛ عليكره، الهند
السبت 4 جمادى الأولى 1434هـ
16 مارس، 2013


الهوامش:
(*) مطلع الأبيات مستعار من ابيات السيد العلامة العارف، الحبيب محمد بن زين بن سميط (ت 1172هـ) يذكر فيها فخاره بأخذه عن الإمام المجدد عبدالله بن علوي الحداد (ت 1132هـ)، وتلميذه العلامة الكبير أحمد بن زين الحبشي (ت 1144هـ). واستعرته تبركاً بذلك المطلع.
(1) هذان البيتان يشيران الى مساجلة فاخرة رائعة، دارت بين الحبيب الإمام أحمد مشهور الحداد (ت 1416هـ)، وبين الشيخ العلامة محمد بن علي زاكن باحنان (ت 1383هـ)، وابنه الشيخ علي بن محمد (ت 1410هـ)، رحمهم الله أجمعين .. وهي على وزن هذه الأبيات.

التشنيع على صوفية حضرموت .. لماذا؟! وإلى متى؟


التشنيع على صوفية حضرموت .. لماذا؟! و إلى متى؟

بسم الله .. عونك اللهم.
لمست من كلام بعض الإخوة في حواري معهم، وبعدما كثر الحديث هذه الأيام حول قضايا متعلقة بتراث أو فكر الشيخ العلامة الشهير، الإمام تقي الدين ابن تيمية، رحمه الله وسائر أموات المسلمين. لمست منهم عتاباً لعدم الخوض في نقد التصوف، وبالخصوص ما يوجد في تراث أهل حضرموت، من كتب مناقبية تاريخية، تشتمل على قصص وأخبار من الكرامات أو المنامات وغير ذلك ..

إلى أن وجدت تصريحا ومطالبة حثيثة من أحد الفضلاء، في أثناء حوار معه حول الخلط العجيب الذي وجد في (مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله) الكتاب المعروف ذي البضعة والعشرين مجلداً، وكان الكلام حول أن هذا (المجموع) اتبع فيه جامعه، الذي عكف على جمع مادته 45 سنة، رحمه الله وأثابه على حسن قصده، اتبع فيه طريقة القص واللزق، فأخذ من كتب الشيخ ومؤلفاته ورسائله، من هاهنا وهاهنا، وألف من جميع تلك النصوص المتشابهة والمتماثلة ما سماه (مجموع الفتاوى)، وقد بين باحث فذ من الباحثين المعاصرين، ما وقع في ذلك (المجموع)،  وكشف عن الطريقة التي اتبعت في (جمعه)، وألف كتابا سماه: (صيانة مجموع الفتاوى من التحريف والسقط)، وهو مطبوع ومتوافر على الشبكة.

فقال ذلك الأخ الكريم في حواره متقصداً إياي بكلامه، خارجاً عن موضوع الحوار الأصلي حول (مجموع الفتاوى):
(... وأي جهد بشري لا يخلو من أخطاء ويستوي في ذلك اﻹمام ابن تيمية ومن جمع تراثه الرائع ... لكن لو قارنا هذه اﻷخطاء اليسيرة بما عند القوم لوجدنا الفرق الكبير.
ويكفي (فلان) [يعنيني]، باعتباره حضرمي ما يوجد في كتب كثير من صوفية حضرموت مما لو كنت صوفيا لوضعت رأسي في التراب ولما رفعته حياءأ وخجلا من نسبتي إليهم مما هو مذكور وأيضا مما هو واقع مشاهد وموثق وتجد كثيرا من ذلك في منتديات صوفية حضرموت اﻷول موثق بصور من تلك الكتب)

وقد علقت على كلامه بالآتي:

أخونا الكريم (فلان) حفظه الله، يريد أن يخرج بالحوار الى ما يتعلق بالتصوف، وهذا أمر غير محمود في حوار علمي رصين، أقصد الانتقال الى قضية غير قضية الحوار، لأنه يشتت الموضوع.
وحتى لا يظن أني تحاشيت التعليق على كلامه الأخير فيما يتعلق بالتصوف في حضرموت، لظن قد يخطر في باله، فأقول:

1- لا يدس رأسه في التراب إلا الذليل الخائف، ولست بحمدالله كذلك. فما عندك أبرزه.

2- الشريعة على رأس كل منتسب للإسلام، ومن بدر منه لفظ يخالف ظاهر الشرع، فإما أن يكون زائل الشعور فيعذر إن ثبت زوال شعوره وهو إما ذهول أو شطح ولهما حكم معروف. أو يكون قاله على سبيل شيء من أساليب اللغة من مجاز أو تورية، فينظر فيها فإن أمكن حملها على شيء من ذلك فه أولى من رميه بما ربما لم يقصده. أو متجرئاً قاصداً محادة الشريعة فيرمى بقوله عرض الحائط ولا يلتفت إليه. والأحكام في هذا واضحة جلية.

3- حكم الكرامة عند أهل السنة إثبات أصلها، أما التصديق بأفرادها فغير واجب. بل هي من باب: صدق أو لا تصدق. إلا ما ثبت على لسان المعصوم فواجب التصديق بها.

4- التصوف جميعه لم يخل مما تشير إليه، من وجود قصص بعضها فيها كرامات، وبعضها فيها منامات، وبعضها شطحات، وفي بعضها تعبيرات تلائم حالة العصر الذي قيلت فيه، وهذا كثير، لم يخل منه كتاب من كتب التاريخ، حتى مناقب الإمام أحمد ومناقب أصحابه من الحنابلة، بل وحتى مناقب الشيخ التقي ابن تيمية موضوع حوارنا هنا.

5- أقصى ما عندهم مما قد يشنع به البعض عليهم: أن يقول أحدهم أنه اطلع على اللوح أو عرج به الى السماء، والأول قد قاله الشيخ ابن تيمية، فعلى أي شيء يشنع على مثل البوصيري في قول: (ومن علومك علم اللوح)، لن يكون الشيخ ابن تيمية أكرم على الله من رسول الله فلا يطلعه على اللوح ويطلع الشيخ ابن تيمية. وأما العروج فهو مخرج على قولهم: ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي.

كما أن الكثيرين يرددون نغمةً واحدة اتفقوا على ترديدها، وهي نغمة مصطلح: القبورية، الذي نشأ على يد الشيخ التقي ابن تيمية رحمه الله، ولا أدري لماذا تخصيص الصوفية بهذا اللقب. فحتى الحنابلة يدخلون معهم في هذا الوصف، ونظرة على (مناقب الإمام أحمد) لابن الجوزي كفيلة بإثبات ذلك .. فالحنابلة لم يتركوا من فضائل زيارة قرب الإمام أحمد شيئا، حتى قالوا بأن رب العالمين سبحانه وتعالى يأتي ويزور أحمد في قبره!! ولم نر مثل هذه الفاقرة في مناقب أعظم قطب صوفي ممن يشنع عليهم إخوتنا الحنابلة!!


6- مبنى الدين والشريعة عند سادتي علماء حضرموت رضي الله عنهم ورحمهم على أسس شرعية متينة، وهم شافعية أشاعرة على مسلك الجنيد والغزالي ومشرب الشاذلي، فماذا تنكر عليهم في ذلك وجماهير الشعوب والعلماء والقضاة وأعلام الدين في كافة العصور والطبقات على تلك الصفة؟.

7- لم يبن علماؤنا أي حكم شرعي أو قضائي على كرامة أو خصوصية إن ثبت لصاحبها، ولم يعطلوا أيا من أحكام الشريعة. فهل تلومهم أن جرت على يد أحدهم كرامة، أو رأى مناماً؟؟

8- لم يخاصم أهل حضرموت أحداً لم يصدق بما ورد في بعض الكتب المناقبية، او يرموه بكفر أو شرك أو بدعة بسبب عدم اتباعه لهم، بخلاف متبعي الشيخ ابن تيمية وغيره من المتأخرين، الذي أحرجوا الناس أيما حرج، وسفهوا العقول، وتدخلوا في عقائد الناس، ورموا كل من زار قبرا أو بنى قبة بأنه مشرك، والأمر لا يخلو ولا يعدو دائرة الحلال والحرام.

9- كثير هم العلماء الحضارمة الذين أنكروا أموراً جرت في بلادهم، كمسائل السماع، ومسائل الحوليات والزيارات، وهو مدون وثابت في كتبهم، منهم العيدروس الأكبر ت 864هـ، والحداد 1132هـ.

10- يتردد في قصائدهم وأشعارهم التوسل أو الخطاب وما الى ذلك، وهي إما أن تفسر في إطارها الأدبي الذوقي، أو على الأقل تدرج في باب المسائل الخلافية. فماذا في الأمر؟.

هذا ما تيسر في هذا الوقت .. والله المستعان وعليه التكلان.

من مزاح الصالحين قصة الحبيب أحمد المحضار (ت 1304هـ) مع الشيخ الفقيه أبي بكر بن أحمد باحميد الدوعني

من مزاح الصالحين
قصة الحبيب أحمد المحضار (ت 1304هـ)
مع الشيخ العلامة أبي بكر بن أحمد باحميد الدوعني



كان واديا دوعن الأيمن والأيسر يعجان بالفقهاء والصالحين، من كافة البيوت والأسر، وكان من فقهاء وادي دوعن الأيسر: الشيخ الفقيه المعمّر، العلامة أبوبكر بن أحمد باحميد، ومرجعهم إلى الحالكة، وليس من آل باحميد الأنصار سكان مدودة.
عاش الشيخ أبوبكر في قرية شهيرة مباركة، اسمها (ضَرْي)، وهو أخذَ عن العلامة المتفنّن، الفقيه الصوفي الناسك، الشيخ سعيد بن عبدالله بن عثمان العمودي.
ومن تلاميذه: السيد الجليل، الحبيب عبدالله الهدار بن طه الحداد (ت 1294هـ)، قرأ عليه في الفقهِ وغيرِه. والحبيب الشهير، أحمد بن محمد المحضار (ت 1304هـ)، والحبيب العارف بالله، الحبيب طاهر بن عمر الحداد (ت 1319هـ)، وغيرهم.
وكان هذا الشيخ الفقيه الصالح، قد عمر عمراً طويلا، وعاش حياته في وادي دوعن، مدرساً ناشراً للفقه والعلم. وله أخبار طريفة مع بعض تملاميذه.
منها قصته مع الحبيب أحمد بن محمد المحضار، صاحب القويرة. وقد أورد هذه القصة العلامة المؤرخ المتفنن الحبيب علوي بن طاهر الحداد في كتابه «الشامل»، فأسوقها بلفظها من الكتاب المذكور، قال رحمه الله:
«يحكَى: أنّ الحبيب أحمد بن محمد المحضار جاءَ مرةً إلى ضَرْي، وزار الشيخَ وهو في آخر عمره، وقد وهنَتْ قُواه، وظهر عليه الضّعف، فاستأذنه أن يقرأ عليه شيئاً يسيراً بقصد التبرك، فأذن له، فابتدأ كأنه يقرأ من الكتابِ، فقال: «فَصلٌ: في الخجَاعَة»!.
فحميَ الفقيهُ ونشِطَ، وجلسَ معتدلاً، وابتدأ يقرّر. فقال: نعم؛ وهي عشرةُ أقسامٍ، أحدها: اللينُ في الكلام، وهو عندنا، والتسعة الباقية عندكم يا أهل دَوْعن، وهي: كذا، وكذا. فعدّد تسعة أمورٍ مما يلامُ عليه أهل دَوعن، لا محلّ لذكرها.
وبعد انقضاء هذا المزحِ، عاد الحبيبُ أحمد، فقرأ قراءةً صحيحةً؛ وكأنها أرادَ أن يثير همتَه بمَزْحه أولاً. والخجاعة: كلمةٌ حضرمية، محرفة عن الخجَاءَة، بالهمز. وهُم إنما يعنُونَ بها لينَ الكلامِ وفاحشَه، ولها معانٍ أخر، هم لا يقصدونها»(1).
التعليق:
فانظر إلى تلطف الحبيب أحمد المحضار مع شيخه أبي بكر، ومعاودته له في مرضه الأخير، وإدخاله السرور عليه. ودخوله عليه من باب العلم والقراءة في الكتب.
كما أنها تبين عن حدة ذكاء الشيخ باحميد، وشدة استحضاره، مع بلوغه سناً عاليةً، وإتيانه بالجواب بعد أن حميَ بتلطف المحضار .. مرتباً على طريقة الفقهاء، وتعيينه تلك الخصال العشر، وهذا من حدة الذهن، وصفاء الخاطر، وإلا فمن هو في مثل سنه وحاله وصحته لا يستحضر حتى ربع خصلة، فكيف بعشر!!.
وهذه القصة لمن تأملها مملوءة ذوقاً، ولطفاً، وعلماً، وأدباً ..
رحم الله المشايخ الفقهاء وتلاميذهم، ورحم الله السادة الأجلاء الذين يدخلون السرور على شيوخهم، وعلى مجتمعهم، ويحفرون في ذاكرة التاريخ أخباراً وقصصاً لا تنسى.

 الهوامش:
(1) الحداد، علوي بن طاهر، الشامل: ص 173.

نحن الأشاعرة - قصيدة


نحن الأشاعرة - قصيدة



كنت في حوارٍ منذ البارحة مع بعض الشباب المتحمس، وكان قد سبق لي حوار معه على قبل أيام، حول مسألة الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأقمتُ عليه الحجة في جواز الجهر بها، نقلا عن أئمةٍ عدول، ونقلتُ له تحقيق العلامة الشربيني في (الإقناع) في المسألة بعينها.
فأراد أن يحاججني بأن الذكر وقت الخطبة من اللّغْو، ونقل نصًّا عن (شرح مسلم) أراده حجةً له. فتتبعته! فوجدته قد بتَر كلام النووي، المنقول عن سيدنا الشافعي: بأن بطلان الخطبة بالكلام إنما هو مذهبُه القديم، تفريعاً على قوله بوجوب الإنصات، وأما على المذهب الجديد فالإنصاتُ مسنونٌ، لا محرم. فبتَـر هذا القول .. فعلمت أنه يتفنن في صوغ النصوص كما يريد هو، لا كما عليه الأمر في حقيقته.
وبالأمسِ، كان حوارنا في مسألة العلو، من مسائل الاعتقاد، وهو يريد أن يقنعنا بالعلوِّ الحسي الذي يقتضي التجسيم، وأتى بكلام لشيخ المفسرين الطبري، بتره أيضاً، فأحضر بعضُ المشاركين في الحوار  النصوص التي بترها ذلك المتحمس .. فحار.

فكتبتُ أقول له:
ومِنَ العجائبِ، والعجائبُ جمةٌ ** بتْـرُ الخلاقِيْ للنصُوصِ بشَطْبِها

حَاورتُه فأتى نصوصَ أئمة ** في الدين، ظُلماً، قصَّها من جنبِها

وأتى ليصرُخَ: يا ابن بخْضَر! ويلَكُم ** بتْـرُ النصوص محرّمٌ أجْرِمْ بها

قُلْ للخِلاقي: كفَّ! وارحَمْنا من الجدَلِ العَقيمِ دَع النصُوصَ لصَحْبها

فالله ربُّ الخلقِ لا تَرْقى إليـ  **   ـــه عقُولُهم أنَّى تحيط بربها!!

آمنتُ بالله العظيمِ مُوحِّداً ** قُلْها مع الإخلاصِ وامْضِ بدَرْبها

فانبرَى لأبياتي وأتى بكلام سيء، مليء بالسباب، وفحش القول، ونسبه لمن لقبه بالقحطاني، وهذه أبياته:
يا أشعريةُ هل شَعرتُمْ أنني ... رمدُ العيون وحكة الأجفان!!
أنا في كبُودِ الأشعرية قرحةٌ ... أربو فأقتلُ كل من يشناني
ولقَد برزتُ إلى كبار شيوخكمْ ... فصرفتُ منهم كل من ناواني
وقلبتُ أرضَ حِجاجهم ونثرتُها ... فوجدتها قولا بلا برهانِ!!
إلى آخرها ..

بالله عليكم .. هل هذا كلام علمي، أم سبابٌ يتنزه الورع الحريص على دينه عن قوله، ثم انظروا إلى تكريس ثقافة قتل المخالف في قوله: (أربو فأقتلُ كل من يشناني)، هذه سمة الخوارج والله، أيقتل المسلم بدمٍ باردٍ لأجل شبهات يروجها خلف الخوارج؟!
وإني والله لا أعرف من هذا القحطاني .. ولكني أحفظ حديثاً أخرجه الشيخان مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قطحان يسوق الناس بعصاه). وإن هذه الأبيات الجريئة المليئة بالوقاحة، لا يقل أثرها عن الضرب بالعصا الوارد في الحديث .. والله المستعان.
وجواباً على تلك الأبيات الحانقة، نظمت الأبيات التالية:

نحن الأشاعرة ..

ظُلَمٌ من الحقدِ المريعِ تكتَّلتْ ** فأتت بنظمٍ خائر الأركانِ

سَبٌّ وهتكٌ للمحارم ويلَهم ** ظلَموا شريعةَ أحمد العدناني

آلله يأمركم ببهْتِ أئمةٍ ** شَادُوا منار شريعة الرحمنِ!؟

الأشعريُّ إمامُنا علَمُ الهدى ** فخْرُ الأماثل عالم رباني

أتباعُه في المشرقين تطاولتْ ** أعلامُهم وعلتْ على ثهلان

لا ينكِرُ الفضْلَ العظيمَ لهم سوى ** سُودُ القلوبِ وجامدو الوجدانِ

دانَتْ لنا الدنيا ودانَ شعوبها ** ولنا مفاخرُ لا ترامُ لثانِ

بجهودِنا كم فتنةٍ ولّتْ ولم ** تصْمُدْ أمامَ هوادر الطوفانِ

فسَلِ البقاعَ تجبْكَ شمُّ جبالِها ** وسُهولُها والموجُ في الشطآنِ

عُمرتْ بنا أصقاعُ معموراتها ** وبنا استطالَ الدينُ في اليابانِ

في شَرْقها أو غَربها كنَّا ولم ** نبرحْ ودونك مهبطَ الركبانِ

كنا بأندلسٍ، ونحنُ عمامة ** في رأسِ كل أميرٍ او سلطانِ

وسَل المكاتبَ والمنابرَ جهرةً ** واسمَعْ مفاخر دولة العثماني

نحنُ الكواكبُ بل شموسٌ نورُها ** عمَّ البسيطةَ .. ما ترى العينانِ

فاشرَقْ بنا يا مَنْ حسدْتَ فخارنا ** وارفُقْ بقلبك من لظَى النيرانِ

محمد أبوبكر باذيب
ولاية أوترابراديش UP، عليكره، الهند
الأربعاء غرة جمادى الأولى 1434هـ

قصة الحياة - قصيدة


قصة الحياة


ذكرياتي ذكْرَياتْ ** هي أحلَى الأمنياتْ

ليتَني أرجعُ طِفْلاً ** في حُجُور الحاضناتْ

ليتَ أيامي الخَوالي ** كالنّخيلِ الباسِقاتْ

ثَابتاتٍ في الأراضِي ** كالجبالِ الراسياتْ

لا تُقَـفّيها الليالي ** والشّهورُ التالياتْ

* * *

أرْجِعُوني لزَمانٍ ** حالمٍ حُلوِ السِّماتْ

أرجِعُوني لزَمانٍ ** طعمُه (سكّر نباتْ)

يا زَماناً كنْتَ غضًّا ** يا مثاليَّ الصفاتْ

* * *

لم يُبالِ الطفلُ يوماً ** بالبلايا الواقعاتْ

لا؛ ولا فكّر يوماً ** أنها سمُّ الحياةْ

كان يَلهُو في البرَاري ** فوق هاتيكَ الصَّفاةْ

ضَاحِكاً يملأ فَاهُ ** بالنكَاتِ السائراتْ

* * *

كَبُر الطفلُ غلاماً ** ناشئاً مثل النباتْ

شَبّ عُوداً صَار كَهلاً ** صَار شيخاً ثم ماتْ!!

هكَذا العمْرُ يولِّي ** هكذا العمرُ افتئاتْ

يا تُرَى هل قيلَ يوماً: ** أوقفوا سيْرَ الحياةْ!!

أم محالٌ يا تُراه؟! ** أم خيالٌ أم سُباتْ!؟

لا تجيبوني فهَذا ** من بديهاتِ الشِّياتْ!

إنّ هذا الموتَ حقٌ ** قد وُلدتُمْ للممَاتْ!



محمد باذيب
ليلة الجمعة .. 19 ربيع الآخر 1434هـ