من مزاح الصالحين
قصة الحبيب أحمد المحضار (ت 1304هـ)
مع الشيخ العلامة أبي بكر بن أحمد باحميد الدوعني
كان واديا دوعن الأيمن والأيسر يعجان بالفقهاء والصالحين، من كافة البيوت والأسر، وكان من فقهاء وادي دوعن الأيسر: الشيخ الفقيه المعمّر، العلامة أبوبكر بن أحمد باحميد، ومرجعهم إلى الحالكة، وليس من آل باحميد الأنصار سكان مدودة.
عاش الشيخ أبوبكر في قرية شهيرة مباركة، اسمها (ضَرْي)، وهو أخذَ عن العلامة المتفنّن، الفقيه الصوفي الناسك، الشيخ سعيد بن عبدالله بن عثمان العمودي.
ومن تلاميذه: السيد الجليل، الحبيب عبدالله الهدار بن طه الحداد (ت 1294هـ)، قرأ عليه في الفقهِ وغيرِه. والحبيب الشهير، أحمد بن محمد المحضار (ت 1304هـ)، والحبيب العارف بالله، الحبيب طاهر بن عمر الحداد (ت 1319هـ)، وغيرهم.
وكان هذا الشيخ الفقيه الصالح، قد عمر عمراً طويلا، وعاش حياته في وادي دوعن، مدرساً ناشراً للفقه والعلم. وله أخبار طريفة مع بعض تملاميذه.
منها قصته مع الحبيب أحمد بن محمد المحضار، صاحب القويرة. وقد أورد هذه القصة العلامة المؤرخ المتفنن الحبيب علوي بن طاهر الحداد في كتابه «الشامل»، فأسوقها بلفظها من الكتاب المذكور، قال رحمه الله:
«يحكَى: أنّ الحبيب أحمد بن محمد المحضار جاءَ مرةً إلى ضَرْي، وزار الشيخَ وهو في آخر عمره، وقد وهنَتْ قُواه، وظهر عليه الضّعف، فاستأذنه أن يقرأ عليه شيئاً يسيراً بقصد التبرك، فأذن له، فابتدأ كأنه يقرأ من الكتابِ، فقال: «فَصلٌ: في الخجَاعَة»!.
فحميَ الفقيهُ ونشِطَ، وجلسَ معتدلاً، وابتدأ يقرّر. فقال: نعم؛ وهي عشرةُ أقسامٍ، أحدها: اللينُ في الكلام، وهو عندنا، والتسعة الباقية عندكم يا أهل دَوْعن، وهي: كذا، وكذا. فعدّد تسعة أمورٍ مما يلامُ عليه أهل دَوعن، لا محلّ لذكرها.
وبعد انقضاء هذا المزحِ، عاد الحبيبُ أحمد، فقرأ قراءةً صحيحةً؛ وكأنها أرادَ أن يثير همتَه بمَزْحه أولاً. والخجاعة: كلمةٌ حضرمية، محرفة عن الخجَاءَة، بالهمز. وهُم إنما يعنُونَ بها لينَ الكلامِ وفاحشَه، ولها معانٍ أخر، هم لا يقصدونها»(1).
التعليق:
فانظر إلى تلطف الحبيب أحمد المحضار مع شيخه أبي بكر، ومعاودته له في مرضه الأخير، وإدخاله السرور عليه. ودخوله عليه من باب العلم والقراءة في الكتب.
كما أنها تبين عن حدة ذكاء الشيخ باحميد، وشدة استحضاره، مع بلوغه سناً عاليةً، وإتيانه بالجواب بعد أن حميَ بتلطف المحضار .. مرتباً على طريقة الفقهاء، وتعيينه تلك الخصال العشر، وهذا من حدة الذهن، وصفاء الخاطر، وإلا فمن هو في مثل سنه وحاله وصحته لا يستحضر حتى ربع خصلة، فكيف بعشر!!.
وهذه القصة لمن تأملها مملوءة ذوقاً، ولطفاً، وعلماً، وأدباً ..
رحم الله المشايخ الفقهاء وتلاميذهم، ورحم الله السادة الأجلاء الذين يدخلون السرور على شيوخهم، وعلى مجتمعهم، ويحفرون في ذاكرة التاريخ أخباراً وقصصاً لا تنسى.
الهوامش:
(1) الحداد، علوي بن طاهر، الشامل: ص 173.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق