الثلاثاء، 26 مارس 2019

كتاب (الشاهد المقبول في الرحلة إلى مصر والشام وإسطنبول) للحبيب شيخ بن محمد الحبشي (ت 1348هـ)


صورة غلاف الكتاب

البيانات:
اسم الكتاب : الشاهد المقبول بالرحلة الى مصرو الشام وإسطنبول.
المؤلف: شيخ بن محمد بن حسين الحبشي (ت 1348هـ).
المحقق: محمد أبوبكر باذيب.
الناشر: دار الفتح للدراسات والنشر.
سنة النشر: 1433هـ/ 2012.
عدد الصفحات: 430 صفحة (مزود بالصور والوثائق).



قالُوا عَن هذه الرِّحْلة
(1)
الحبيب علي بن محمد الحبشي
(1259-1333هـ)
قال مِنْ مكاتبةٍ: «وأخي شيخُ بن محمد الحبشي وردتْ منه كتب من جهة جاوا وشرح فيها أسفاره، وأطواره وأوطاره، وثقته إن شاء الله تعالى بالله قوية، يبلغ بها أمله عن قريب، ويعود إلينا سالما من الزمان وفتنه, وهُو لي يا محبّي؛ نعمَ الأنيسُ والسّلوةُ في زماني, وقد كدَّر عليَّ سفرُه غايةَ التكدير، ولكن الرجاء في الله أن يعيدَه، ويبلغه من خير الدارين ما يريده.
وقد أرسل إلينا هذه الأيام مقدمة رحلته المسماة «الشاهد المقبول بالرحلة إلى مصر والشام واسطنبول»، فتصفّحْناها فإذا هي سلوةٌ للناظرين، وسرورٌ للمستمعين, شرحَ فيها مما شاهدَه فيما لاقاه، أشياءُ تقوّي الإيمان بالله، وأخوكم المبارك عوض سمِعَ غالبها، وألزَمْناه أن يخبرَكُم بذلكَ»[1].
(2)
الأستاذ عبدالله بن محمّد الحبَشي
(معَاصر، حفظه الله)
كتبَ يقولُ: «هذه الرِّحلَةُ من أوسَعِ ما وقفتُ عليه في مجالِ الرِّحْلاتِ عند أهل اليمَن، ويكادُ الوحيدَ الذي تصدَّى لكتابةِ الرحلة عن قصْدٍ وعنايَةٍ من أهلِ حَضْرمَوت. فهم على الرّغْمِ من كثرَةِ هجْراتهم ورِحْلاتهم، لم نجد منهم من قام بكتابة رِحْلةٍ مسْتقلةٍ لنفسِه، وإنما هي أخبارٌ شفهيةٌ، تقالُ هنا وهنَاك، وقد اضمحلّتْ بانتهِاء أهْلها. فكانَ العلامَةُ شيخُ بن محمدٍ الحبَشيُّ رَائِدَ هذا الفنِّ عندَ الحضَارِم»[2].
وقالَ:  «في أوائلِ القَرنِ الرابعِ عشَر الهجريِّ، والخلافَةُ العثمانيةُ في بداياتِ الاحتضَار، كانَ لعلماء اليمنِ ولعٌ كبيرٌ بزيارَة عاصِمَة الخلافةِ، وكأنهم يحسُّونَ بأنهم يودِّعونَ آخِرَ أمجادِ المسلمينَ والحضَارة الإسْلاميةِ وفتوحِها المجيدَة.
وقد رأينا جماعةُ من أهل اليمَن يحدُوهم الشوقُ إلى تقبيل الأعتابِ المقدّسة، ومشاهدَةِ بقية المجدِ الغابِر، حيثُ محمّدٌ الفاتحُ، والسلاطينَ العِظَامُ من آل عثمان، وكان العلامةُ شيخُ بن محمّدٍ الحبشيُّ، واحداً من أولئك الذين زارُوا الآستانةَ، وانعطَفوا قبلَ زيارتهم لها إلى مصْر والشّام».
*   *   *


تقديم
بقلم الحبيب المنصب علي بن عبد القادر الحبشي
 ﴿هو الذي يسيركم في البر والبحر﴾
الحمدُلله الذي خلقَ في عُظَماء البشر همماً تكِلّ الجبالُ الراسياتُ عن حملها، وجعلَ في سِيَرهم قصَصاً لمن له قلبٌ أو ألقَى السمْعَ وهو شهيدٌ، وأصلِّي وأسلمُ وأبارك على المتبوعِ الأعظم، والرسُول الأكرم، r، وعلى آله حملة علمه، وينابيع حكْمَته ، وصحابته حُرَّاسِ فكْره، وأمَناء دعوته، وعلى تابعِهم سلفاً وخلفاً، فهُم القومُ الذين خُلِقوا ليدلُّوا على الله، واجتهَدوا ليَهدُوا إلى الله، ورحَلُوا ليظْهِرُوا من أسرار عجَائب ملْكِ الله.
فكانُوا رسُلَ خَيرٍ وألسُنَ بِشارةٍ، بعْد أن ارتَوتْ وتنوّرتْ عقولهم، وزكَتْ نفوسُهم، وتحققَتْ أرواحُهم بمعنى مدلولِ خبر قولِه تعالى: ﴿وإذ قالَ ربكَ للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة﴾. فكم هو عَجيبٌ هذا الإنسانُ الخليفَة، الذي حملَ الأمانةَ بعْد أن أبتْ وأشْفقَت السمواتُ والأرضُ والجبال أن تحمِلَها. وكان من  نوعِ هذا الكَائن البشريِّ الذي هو محلُّ خلافةِ الله في أرضِه، رحَّالتُنا صاحبُ هذه الرحلة، الحبيبُ العلامة، شيخٌ.
* * *
عَجيبٌ أمرُ هذَا الفذِّ الأشَمِّ، والحبرِ العليم، والرحّالة الغَطمْطَم، وليس هذا بعجيبٍ! فكيفَ؛ وهو ابنُ مفتي مكة المكرمة، وصِنوُ محدِّث الحجَازِ، وزينة وادي إبراهيم، وأخُ ومريدُ مُؤسِّس أولِ رباطٍ للعلم بحضْرموت، فكان هذا الإمام الحبيبُ النسيب، والفقيهُ الخرِّيتُ، شيخُ بن محمد الحبشيّ، تتمة القلادَة، وثالثُ الثلاثة، أولادِ مفتي مكة، التي قامَت عليها منصّة العلمِ والدعْوة التي حملَها هؤلاء العظَام، مع إخْوَتهم الأعلامِ، خلافةً عن والدهم.
شخصيةٌ فذّة متفردة، جمعَتِ العلْمَ الكبير، والعقْلَ الخطير، والشعر الغزير، فكانَ لوحةً جمعتْ فنونَ العلمِ المتنوعةِ، تفسيراً، وحديثاً، وفقْهاً، وأدباً، وما ذلك على الله بعزيز:
وليسَ على الله بمسْتنكَرٍ          أن يجمعَ العَالم في واحِدِ
فكيفَ، وهو ابنُ مفتي الشافعية بمكة المكرمة، وابن أمٍّ داعيةٍ، وجدُّه لأمه قاضي مدينة تريم الغناء، فترعرعَ في مكةَ، بين البيتِ العتيق والمسعَى نشأةً، وبين حيِّ جرْول وخَيفِ منى تعلُّماً وتربيةً، ولم يفارِقْ والدَه المفتي في الحرم المكيّ، فكان كالظلِّ لشَاخصِ والده في مجالسِ إفتائه وتدريسِه، وتعليمه وقراءته عليه، وتلقيه السند عنه في جملة من الكتبِ منهَا: كتاب «كشف الغمة» للإمام الشعراني، وكتاب «الشِّفا» للقاضي عياض، وغيرها[3].
وكان بلبلَ حلقةَ شيخِه العلامةِ السيد أحمد زيني دحلان، في قراءة «تفسير البيضاوي»، وغيره من فنون الفقه والنحو. وأذناً صَاغيةً لمجلسِ ودرسِ سَماعِ وإملاءِ أخيه المحدّث الحسينِ بن محمّدٍ، في درس «صحيح مسلم»، وكتاب «الأسماء والصفات» للبيهقيّ، ولكَ أن ترَى ذكْره لذلكَ، في إجازة المؤلف كذلك للشيخِ المباركِ، المذكورة في هذه الرحلة.
ولقد كان تلميذاً متلقياً ملازماً حريصاً، لشَيخ فتْحه، بمكَّة أولاً، ثم بحضْرموت برباطِ العلمِ ومسْجد الرياضِ بمدينة سيؤون، في مجالسِ ودروس شَيخه الأكبر، ونَجْمه الأزهر، وبابِ دخوله في وصُوله، ومعْراجِ روحِه في قبوله الكبير، وسِراجه المنير، الذي ليس له في نظرِه شبيهٌ ولا نظير، ولا ينبئك مثلُ خبير، أخيه الإمام المجدِّد، نور الدينِ، عليّ بن محمد بن حسين الحبشيِّ، نفعنا الله به في الدارين. فقد كانت بدايةُ اتصاله به في مكة المكرمة، عام 1282هـ، وهو في شَرْخ الشبابِ، فقربه منْه وأدناه، وأتحفه بنظراتِه الإكْسيريةِ وربّاه، فأسرعَ إليه ملبياً، وبما ألبسَه من الصفاتِ الحسنة متحلياً، وأقام معه مدةً في مكة وهو ملازمٌ له.
ثم إنه عند خرُوجه من مكّة المكرمَة راجعاً إلى مدينة سيؤون، وطنِه، صَحِبه بعد أن طلبَه من إخوانِه الكرام: عبد الله، وأحمد، والحسين، فأسعفوه بذلك. فخرجَ به في معيته، وله منه كمالُ الملاحظةِ، حتى وصل سيؤون، فلازمه ولازمَ دروسَه ومجالسَه صباح مساءً، وقرأ عليه جملةً من الكتبِ في كل فنٍّ من فنُونِ العلم، وأجازَه إجازاتٍ خاصّة وعامةً، وألبسَه الخرقة، ولقّنه الذكر، وله منه المكاتباتُ الجامِعة، والوصَايا النافعة، فمنها وصيّته مع أولادِه وأولادِ سيدنا الإمام، وأحيلك إلى هذه الرحلة، في إجَازة المؤلفِ للسيد حسن البار، لترى صورةً بقلمِ المؤلفِ من ذلك الوصْف والتعبيرِ، والأدَبِ الكاملِ مع أخيه وشيخِه الإمام، وذكره باكورةَ اتصالِه، وكمالَ انتفاعه به.
ومن قرأ تلكَ الوصَايا والإجازاتِ، يتجلى له العطفُ الأخويُّ والأبويُّ، وحسْنُ التلقي والتأدّبِ بجميعِ أشكاله، ومدى الحبِّ الكبيرِ، ومعاني الودّ والتربية التي تزْخَر بها تلك الأقلامُ المفعَمةُ بالمشاعر الفياضة، علَّنا نأخذُ منها منهجاً لما ينبغي به التعاملُ بين الإخوانِ ومع كلّ إنسانٍ، ولعل يطلعُ عليها الخلفُ فيأخذوا عبرةَ ودرساً من ذلك السلفِ.
* * *
رحلَ إلى شرْق آسيا حاملاً همَّ الدعوة إلى الله، وعَاد إلى سيؤون وحضْرموت مسقطِ رأسه ليكونَ أحدَ كواكبِ هذه المجرة العلمية، والدَّوحة النبوية، وركناً من أركانِ رباط العلم بسيؤون، وهذه المدرسَة الحضرمية السنية الأشعريةُ العلوية الصوفية، التي وصل شُعَاعها إلى غَانا غرباً، وإلى الهند شرقاً، وإلى تركيا شمالاً، وإلى جنوب أفريقياَ. فاقرأ في شخْصيته العلم والعمَل، والورعَ والخوفَ من الله، وتعلّمْ منه الأدبَ والهدْيَ النبويَّ، وحُسْنَ السمتِ ولطفَ التعامل، وتفهّمْ منه براعةَ الوصْفِ والأخبار، والحظْ منه أنفَةَ النفسِ ورُوحَ الإباءِ، واستَشْعِر في كتابته الدقّةَ و النزاهة.
كلّ هذا وذاكَ، لم يكن حديثُنا عن فردٍ بذاتِه ، أو شَخصٍ بعينه، ولكنَّ حديثَنا عن مرحَلة تاريخيةٍ، وحقبةٍ زمنيةٍ، وعن نتاجِ تربيةٍ، ونَجاح تجربَةٍ، ومخاضِ مرْحَلةٍ، صنعَتْ لنا هذا العالم المتفرِّدَ، فعندما نتحدّثُ عنه، فإنما نتحدّثُ عن التاريخ ورجَاله، والعلْمِ وحملتِه، والشعْرِ وعذُوبتِه، والفقهِ ودقائقه. نتحدّثُ عن مكةَ العلم والإسناد .. وحضرموت التربيةِ والتلقي .. وسيؤون العلم والأدب.
* * *
وهنا أجدُ نفسي قد أخذَني تيارُ فكري، بعد أن فقَد قلمي مجاديفَ قاربِه الصّغير، في خِضَمِّ هذا البحْر المتلاطِمة أمواجُه. فليعذُرْني كلّ قارئٍ أكانَ باحثاً، أو مؤرخاً، أو أديباً، أو سائحاً مطّلعاً، عن تقصيري في وصْف أحداثِ ومباحثِ هذه الرحلة، تاركاً لسان حالها تتحدّثُ عن نفسها، وتصف أخبارها، لأنه سيقف في ثنايا أسْطرِها ، على معانٍ خفية ، ومقاصدَ معنويّة، للغة أهل العلم، ومنهجَهم في تبادلِ الأخْذ والتلقي عن بعْضهم البعْضَ، تحملاً وإجازةً، استمداداً وإمداداً، من هذه الرّحلة النفيسة، الجامعة الماتعة.
* * *
ولقد انتفعْنا بمخطوطِ هذه الرحْلة زمناً طويلاً، وأحببنَا أن يكونَ النفعُ والانتفاع أعمَّ وأكبر، لهذا الكنز الثمين، والسِّفْر الموسوعيِّ العَظيم، الذي لم يرَ النور منذُ مائةِ عامٍ من حين كتابتها.
وقد أذنَ الله بطباعتها ونشْرها محققة على يد احد أبنائي الباحثين المتعطشين لنشر التراث وخدمته، وهو الباحثُ، محمد بن أبي بكر باذيب، الذي عهدتُه طالبا مجدًّا نشِطاً، حينما كنتُ أستاذًا أدرّسُ بكليةِ الشريعةِ والقانونِ بجامعَة الأحقاف، وفّقَ الله الباحِثَ، وسدّد خُطَاه، وزاده فتحاً وفهما وتوفيقاً.
وباركَ الله في ابني الموفّق المنوّر، شَيخ ابن الجد علويّ، ابن مؤلف الرحلة، الجدّ شيخ بن محمد بن حسين الحبشي، الذي تمَّ على يدِه نيةُ ومشروعُ والدِه المرحُوم في طبعِها ونشْرها. تقبلَ الله من الجميعِ، وشكرَ سعْيهم، وجعلَه في ميزان حسناتهم، والحمدُلله أولا وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمّدٍ باللسانِ الجامعةِ، في الحضرة الواسِعَة، وعلى آله وصحبه وسلم.

قال ذلك بفمه ورقمه بقلمه المنصب
علي بن عبد القادر بن محمد ابن الإمام علي بن محمد الحبشي
برباط العلم الشريف، سيؤون  حضرموت  اليمن
غرة محرم من 1432 هـ


[1]  هذا النص ورد في مقدمة الرحلة: ص 38،  ونص هذه المكاتبةِ كاملا يوجد في مجموع المكاتبات: ص 449 (عن نسخة بقلم الحبيب عبدالقادر بن أحمد السقاف)، وتاريخها: يوم السبت 27 جمادى الآخرة سنة 1329هـ، والمخاطبُ بها هو صديقه الشيخ سالم بن عبدالرحمن باسويدان الشبامي، المتوفى بشبام سنة 1336هـ.
[2]  «الرحالة اليمنيون»: ص 246.
[3]  انظر إجازته للشيخ محمد المبارك الجزائري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق