الأربعاء، 27 مارس 2019

في وداع أستاذي الجليل السيد حامد بن أحمد مشهور الحداد (ت 1434هـ) رحمه الله


في وداع أستاذي الجليل
السيد حامد بن أحمد مشهور الحداد

بقلم محبه الأسيف / محمد أبوبكر باذيب
عليكره، الهند، 27 أبريل، 2013




عن سن ناهز الثمانين عاماً، كانت وفاة الكاتب الشاعر الأديب، والعالم المؤرخ، السيد حامد بن أحمد مشهور الحداد، رحمه الله تعالى. وذلك مساء يوم الجمعة 16 جمادى الآخرة سنة 1434هـ. كان الفقيد من مواليد مدينة قيدون بحضرموت، وتربى في حجر أبوين كريمين، وتلقى تعليمه الأولي على يد جده لأمه العلامة السيد عبدالله بن طاهر الحداد (ت 1367هـ) الذي رعاه في الفترات التي يكون فيها والده العلامة السيد أحمد مشهور الحداد مسافراً للدعوة إلىٰ الله خارج وطنه. فعلى يدي أبيه وجده، كان تخرجه العلمي، ونضوجه الأدبي والفكري. كما صحب في مدة حياته عدداً من العلماء الأجلاء، وجالسهم وانتفع بهم، كجده (أبي زوجته) مفتي جوهور السيد الإمام علوي بن طاهر الحداد (ت 1382هـ)، والعلامة السيد علوي المالكي، والسيد الجليل قاضي القضاة في زنجبار البوسعيدية الحبيب عمر بن أحمد بن سميط (ت 1396هـ)، وغيرهم رحمهم الله.
(1)
في السبعينات الهجرية، قدم السيد حامد مشهور وهو في العقد الثالث من عمره إلىٰ أرض الحجاز، وأقام في مدينة جدة، حيث التقى بأخيه السيد علي، وتنقل الأخوان في عدد من الوظائف والأعمال الخاصة، ثم افتتحا لهما عملاً تجارياً خاصاً بهما، وتيسرت لهما ولأسرتهما سبل العيش الكريم في هذه البلاد المباركة.



مع خوضهما غمار الحياة العملية، لم يكف السيدان عن متابعة مجالس العلم والأدب، وارتياد حلقات الفقه والحديث التي تكتنفها مدينة جدة، وغيرها من الحلقات التي تقام في الحرمين الشريفين. وكان أبوهما العلامة الداعية الجليل، حريصاً كل الحرص على متابعة أبنائه حيثما حلوا وأقاموا، فيراسلهم تباعاً، ويطمئن على استقرارهما النفسي ومجتمعهما العلمي قبل العملي. كما كان يتردد عليهما في جدة عند قدومه من أرض مهجره في شرق إفريقيا حيث قضى ما يربو على الستين عاماً هناك، داعياً وقائما بواجب الإرشاد والتعليم الإسلامي في أقطار شرق إفريقيا: كينيا وأوغندا، وما جاورها.
(2)
من الوظائف المكتبية التي زاولها السيد الفقيد رحمه الله، وظيفة في المكتب الخاص للشيخ محمد بن لادن رحمه الله، تحت إدارة الشيخ أحمد بامفلح.


الشيخ أحمد بامفلح

وفي تلك الأثناء تعرف بحكم علمه وأدبه، وعلاقة الشيخ بن لادن بمختلف شرائح المجتمع الحجازي، على أدباء حجازيين، من أمثال العواد، وفؤاد شاكر، وطبقتهما، وكانت تدور بينهم وبينه حوارات ومجالسات أدبية غاية في الرقي والسمو. ثم بعد برهة أصبح كاتباً مرموقاً في صحيفة البلاد السعودية، التي نشرت له العديد من المقالات والقصائد الشعرية، وجرت في بعض الفترات مساجلات وردود أدبية بينه وبين بعض أدباء مكة المكرمة، كان رحمه الله يحتفظ بقصاصاتها إلىٰ أواخر أيامه بعد مضي أكثر من خمسين عاماً على نشرها.
(3)
كما كان للفقيد رحمه الله تردد على أرض الكنانة، وكان يكثر الجلوس إلىٰ أدبائها وعلمائها، كمفتي الديار المصرية الشيخ حسنين مخلوف (ت 1410هـ) رحمه الله، الذي كان من أصدقاء أبيه، وقدم لرسالته النافعة المسماة (مفتاح الجنة) التي ترجمت إلىٰ عدة لغات وحصل بها نفع عظيم.
وفي مصر، تعرف السيد حامد على ناشر مصري يدعى الحاج فايق، كانت لديه مطبعة، وكان محباً للشيخ مخلوف، فعقدت بينهما صداقة أثمرت صدور كتابه الأول (دراسات عن العرب والإسلام في شرق إفريقيا)، الذي صدرت طبعته الأولى حوالي سنة 1390هـ، محلاة بمقدمة للكاتب الشهير الأستاذ أنور الجندي، مؤرخة في رجب 1389هـ، وكان الناشر هو الذي استكتب الجنديَّ بعد أن عرض عليه الكتاب ليقدمه لجمهور القراء. كان ذلك الكتاب حصيلة عمر قضاه السيد المترجم في عنفوان شبابه إلىٰ جوار أبيه في شرق إفريقيا قبل أن يتوطن مدينة جدة. وكان تأليفه لهذا الكتاب بعد أن رأى وسمع الكثير من التساؤلات في بلاد العرب عن إخوانهم من عرب ومسلمي شرق إفريقيا، وعن أوضاعهم الدينية والاجتماعية، فجاء كتاباً وافياً بالمطلوب.



قال الأستاذ أنور الجندي رحمه الله في مقدمته: .. إن المؤرخين والباحثين يتوقعون أن تصبح قارة أفريقيا في القريب هي قارة الإسلام، ولكن الجهود المبذولة لمواجهة الخطر تحتاج فعلا الى دراسات واسعة، والى بحث مكثف، ومن هنا جاء فضل هذا البحث العميق الواسع الذي قدمه صديقنا الأستاذ حامد بن أحمد مشهور الحداد، والذي يكشف عن مخططات النفوذ الأجنبي في شرق أفريقيا، وعن الدور الإسلامي الكبير الذي يقوم به المسلمون من أجل دحض هذا الخطر التبشيري الماحق، وتثبيت دعائم الدعوة الإسلامية.

(4)
وظل ذلك الكتاب القيم أربعة عقود في ثوب طبعته التجريبية التي أصدرها الحاج فايق، إلىٰ أن تفرغ السيد الفقيد رحمه الله للعناية بكتابه القيم ذاك، فأخرجه في حلة بهية، بعد أن زاد في مادته العلمية ما يقرب من الضعف، فجاء في 750 صفحة، يزهو برونق الطباعة الحديثة، مزودا بصور متنوعة لأعلام ومواضع في شرق أفريقيا.



وكان لكاتب السطور شرف الإشراف على مراجعة وتصحيح هذا الكتاب وإعداد صوره تحت عناية المؤلف رحمه الله، وصدرت هذه الطبعة المزيدة عن دار المنهاج، بجدة، سنة 1428هـ/ 2007م.
(5)
أثناء إعداده للطبعة المزيدة من كتابه السابق عن شرق إفريقيا، كان الفقيد رحمه الله قد أعد العدة للكتابة عن أبيه الجليل، الداعية الذي عرفته مجاهل أفريقيا وبلدانها، سواحلها ودواخلها، شواطئها وأدغالها، داعياً إلىٰ الله، ومذكراً ومرشداً إلىٰ سبيل الله، العلامة أحمد مشهور الحداد، المتوفى بمدينة جدة يوم الأربعاء 14 رجب سنة 1416هـ، ودفين جنة المعلاة بمكة المكرمة. كان العلامة السيد أحمد مشهور عضواً في لجنة المساجد في رابطة العالم الإسلامي، وشهدت له قاعات الرابطة خطباً ومشاركاتٍ عديدة، وكان من أصدقائه الشيخ محمد علي الحركان، والشيخ محمد صالح قزاز، وبينه وبين المذكورين أخوة وصحبة في الله، كما توجد بينهم قصائد شعرية، ومساجلات أدبية، تنبي عن عظم ومتانة العلاقة بين أولئك الرجال الأفذاذ المخلصين.



وضع السيد الفقيد حامد رحمه الله، كتابه عن أبيه وسماه (الإمام الداعية الحبيب أحمد مشهور الحداد صفحات عن حياته ودعوته)، وجاء في مجلد فاخر بلغت صفحاته 623 صفحة ومعها ملحق بالصور في آخر الكتاب. وتولت نشره دار الفتح، الأردن، وصدر عنها في طبعته الأولى سنة 1424هـ/ 2003م. مع مقدمة لفضيلة السيد العلامة عمر بن حامد الجيلاني، حفظه الله. وازدان بتقاريظ متنوعة لعدد من العلماء الأجلاء، منهم العلامة أحمد بن علوي الحبشي رحمه الله، والعلامة الداعية السيد محمد سعيد البيض رحمه الله، والسيد العلامة حسين بن محمد بن هادي السقاف حفظه الله، كما تضمن كلمة لسعادة الدكتور محمد علي البار، أحد أصدقاء المؤلف، ومن تلاميذ والده الداعية الكبير.
(6)



وكان آخر ما صدر من نتاج قلمه كتاب (الحضارة الإسلامية وثوابتها أمام تحديات الحضارة والعولمة الوافدة)، صدر عن دار المنهاج أيضاً، في طبعته الأولى، لسنة 1429هـ/ 2008م. ويقع في 238 صفحة.
(7)
كما كان من مظاهر بره وقيامه بواجب إخوانه وأصدقاء عمره، سعيه في نشر ديوان صديقه الشاعر السيد أحمد بن علي بافقيه، المطبوع بعنوان (صدى السنين ورجع الأنين)، الصادر عن دار الفتح، الأردن، في طبعته الأولى لسنة 1430هـ/ 2009م، في مجلد لطيف بلغت عدد صفحاته حوالي 220 صفحة. كان لكاتب السطور القيام بالتصحيح والتقديم والإشراف على الطباعة، كما ازدان الديوان بمقدمة للسيد عمر الجيلاني، والشيخ محمد بن أحمد بافضل (أبوطارق)، وهما من إخوان الشاعر بافقيه وأصدقائه. وهذا لون اجتماعي أدبي متميز، فيه رونق العلم، وحلاوة الأدب، وطلاوة الأخوة والمحبة.



كما طوقني منة أخرى من مننه، بأن قدم لكتابي الذي أفردته عن حياة السيد أحمد عمر بافقيه، بمقدمة قيمة، أضفت على الكتاب رونقاً وقيمة أكبر ..

هذا ما نشر لفقيدنا الراحل رحمه الله، ولا يزال له من المؤلفات التي تنتظر دورها للنشر: ديوان شعره، وكتابان في مناقشة بعض المؤلفين من الغلاة التكفيريين والطائفيين، نرجو أن ترى النور قريباً بإذن الله تعالى. وقد أوكل رحمه الله مهمة التصحيح والمراجعة والإخراج لكاتب هذه السطور، فأسأل الله تعالى أن يعينني على تحمل هذه الأمانة والقيام بحقها.
* * *
رحم الله فقيدنا الكبير العزيز على قلوبنا، وتلقاه بروح وريحان، وأسكنه فسيح الجنان، وخالص التعازي نقدمها لإخوته السادة الكرام علي وعبدالقادر وحسن، ولابنه السيد علوي، ولكافة أسرته وأقاربه ومعارفه ومحبيه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق