(6) خواطر التناصح والإصلاح
كتب أحد الإخوة
الأعزاء يقول:
(أتساءل وأفكر
بصوت عالٍ: هل المهم تأدية النصيحة ومجرد التنفيس؟
أم أن النصح بحكمة وأسلوب وإبداع، مع مرافقتها [كذا] بالمحبة
والرحمة والأخذ باليد في مساعدتهم، بما يمكن عمليا، على الاتجاه للتصحيح والتغيير
.
الحبايب والعلماء
لم يقصروا كثيراً إذا صح ظني. لكن المطلوب من الامة كثير.
والممكن تنفيذه قليل بسبب العدد والإمكانيات والحال الكائن والبيئة والعصر. نحن بحاجة
لتظافر الجهود ... وأعتقد ان همتكم وحرقتكم أهلا لعمل التغيير لكن يمكن انه خانكم التعبير
وغيره).
وأقول معلقا
على كلامه ..
هذه خاطرة
طيبة، من قلب محب، ونفس صافية.
وما ذكره
الأخ الكريم من علاج ودواء لظاهرة المتمشيخين غير الأكفاء، قد يكون ناجعاً لو أن الأمر
عولج مبكراً. ولكن المرض استشرى.
وعلى أن الشيوخ
والعلماء، كما ذكر، لم يقصروا في البيان .. ولكنهم قصروا تقصيراً بالغاً في السماح
لهؤلاء بالتصدر، مع وجود الأعلم والأصلح منهم.
إن أول مسامير
نعش الدعوة المفيدة التي يرجى منها الإصلاح، هو تصدير الفارغين علماً وعملاً. على أي
شيء صدروا؟
لا هم من
الملازمين للشيوخ مدداً طويلة والسالكين على أيديهم، كما كان عليه أسلافهم.
ولا هم من
الفقهاء الذين تخرجوا وأجيزوا بالتدريس.
ولا هم من
نوعية المثقفين الذين لهم اطلاع وعلم وإلمام ولو بأطراف من العلوم. فهم أعداء الثقافة أصلا. أفكارهم لا تصب إلا في
قنوات معينة. وكلامهم لا يتجاوز الحديث في أمور مكررة ..
كما أنهم
ضعفاء جداً في الوعي التاريخي، والإدراك حتى لتاريخ دعوتهم التي ينتمون هم إليها
.. وهذه من أعجب الأعاجيب. وجدت منهم من لا يعرف حتى سلسلة انتمائه في الطريق، ولا
يحفظ أسماء شيوخه ولا يكاد يميز طبقاتهم، بله أن يحفظ تواريخ وفياتهم أو يعرف تراجمهم
..
وقلت مرة
لجماعة من الإخوة: مجتمعنا الدعوي الصوفي، ينطوي على عقلية الترجمة الكراماتية، التي
لا تعرف الترجمة إلا كتلة من الفضائل والعبادة والهالة القداسية للشخص المترجم ..
هذه العقلية
إنما سادت وتسود في المجتمعات المهضومة والمغلوب على أمرها، ولا تسود في المجتمعات
الراقية علمياً ودعوياً ..
وانظروا الى
السلف من الدعاة الأكابر .. من نمط الإمام الحداد، ومدرسته التي خرجت الأكابر، وتفرعت
عنها مدارس: السقافية السيونية، والحبشية الراشدية، والسميطية الشبامية، والبارية الدوعنية،
والجفرية الهندية، والأحسائية، والعمودية، والحبانية، والسليمانية، والحامدية .. وووو
كل تلك المدارس
وفروعها، كانت تعج بالفقهاء والقضاة، والدعاة، ووالنحاة، واللغويين، والأدباء والشعراء،
وتفيض مشاعر أهلها محبة لبعضها البعض، الناقص يكمله أخوه، والكامل يرشد الناقص الى
سبيل الكمال ..
أما اليوم
.. فلا فقه، ولا أدب، ولا علوم آلة، ولا لغة.
مع أن شيوخنا
الأكابر الذين مضوا قريباً .. كانوا متنوعي الأذواق، متعددي الاتجاهات، فقهاء قضاة
أدباء شعراء لغويين .. وكان التصوف لهم سلوكاً وعملاً تدل عليه أخلاقهم، وكانوا يفيضون
محبة على مجتمعات متعددة، ويتلاقون مع الناس في دوائر متداخلة، من ذوي القربى فمن دون.
فما الذي
جرى اليوم في الناس؟!
قطعا وحتما
إذا بقي الوضع على حاله، ستنقرض تلك الواجهات العلمية الحاضنة، وسيحل محلها صور مشوهة
تضر ولا تنفع، كما قال الإمام الحداد في كلامه الذي سبق نشره، ممن سكوتهم خير من كلامهم،
لأن كلامهم مضر، ولو كان في أمور الدين، لأنه كلام ناقص، صادر عن نفوس جامحة.
وجوابا على
عبارة صديقنا التي قدمناها سابقاً، أقول:
الكلام في
هذا توصيف كلامنا ومنشوراتنا على شقين:
الشق الأول:
أن جزءا منه تنفيس، لأن الماء زاد على الطحين، وبلغ السيل الزبى. ولأن الأمر المنتقد
أصبح ظاهرة يستنكرها الجميع، فالتواري خلف الأسوار، والتجاهل، لا يفيد، بل يزيد الطين
بلة، بأن يظن أن الجميع راضون بما يجري من مهازل.
الشق الثاني:
مسألة الشفقة على المنتقَد ورحمته والأخذ بيده. وهذه يمكن أن تكون لو أن المتصدر المنتقَد
كان يقبل الكلام من إخوانه أو زملائه.
ولكنه لا
يقبل إلا من شيخه، هذا إن قبل منه!! وهي إحدى الكبر.
لأن المتصدر
الجاهل يكابر، وقد تحدثنا مع بعضهم ممن يوردون الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال: ما دام الحديث جبته من كتاب، فليس لي علاقة بكونه موضوع
او صحيح.
انظر الى
هذا الجاهل المغرور ماذا يقول!!
صدق الإمام
الشافعي عندما قال: ما جادلني جاهل إلا غلبني.
كيف تفهم
هذا الشخص أن الحديث الموضوع يحرم روايته والتحديث به إلا لبيان وضعه. وهو يقول لك:
وجدته في الكتاب الفلاني، أو ذكره الشيخ أو السيد فلان!! إذا كان الناقل الأول جاهلأ
بحكم الحديث فيعذر. أما هذا الناقل الثاني فلا يعذر البتة وقد أقمنا عليه الحجة.
هذه العقول
يا سادة يا كرام .. تحتاج الى غسيل بجف وكلوركس، وإعادة جليها من جديد .. المصيبة من
سكوت بعض الشيوخ على باطل أتباعهم، واستمراء خروقاتهم الكبيرة للعلم، وانتهاكاتهم المتكررة
في مواعظهم البائسة التي مل الناس منها.
قمصموا ظهورنا برواية الموضوعات واختراع قواعد اصولية لم يسمع بمثلها في شيء من كتب العلم والمعرفة
ردحذف