من وصايا الإمام الجليل، شيخ وادي حضرموت
الحبيب الحسن بن صالح البحري الجفري (ت 1273هـ)
وصية على صورة خطبة، كتبها بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم، في إحدى السنوات، وفيها نصائح مهمة، منها: نهيه عن خروج النساء إلىٰ المساجد ليالي الختومات التي تقام في المساجد .. وعمله بقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح).
ومن واقع هذه النصيحة يمكن أن تستلهم وتستفاد فوائد عديدة، من أعظمها: انصياعُ الدعاة إلىٰ حكم الشرع، وتفعيلُ قواعدِ الفقه في الواقع المعاش، والبعد عن الأمور التي تستوجب حدوث الخلاف بين المسلمين، سيما وما كان الدليل الصريحُ على خلافها والنهي عنها، ولا يقويها الا القول الضعيف، أو الدليل الواهي، أو العادة المتبعة.
وهذا نص الوصية:
بسم الله الرحمن الرحيم
«الحمدُلله العليةُ كلمتُه مع تغابر الأوقاتِ، وتقلب الزمان، الموكَفة رحمتُه على أهل الإيمان والإحسان، السابقة نعمته على أهل اليقين والعرفان، الواضحة حجته بصريح الآيات والبرهان، القاصِمة نقمته لأهل الظلم والعدوان، المهلكة سطوته لأهل المخالفة والعصيان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، ولا نظير ولا أعوان، شهادةً أتقى بها محذور سخَطِه ووعيدِه للعاصين في دار الهوان، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله البشير النذير لكافة الإنس والجانّ، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ما تعاقبَ الملَوانِ، صلاةً وسلاماً أعدُّهما ذخيرةً يوم تطايُر الصحفِ ونصْب الميزان.
أما بعدُ؛ معاشر الإخوان، تعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله حقَّ تقاته، وسارعوا إلى سبيل مرضاته، واجهدوا في البذر يومَ الحصاد، وأعدّوا الجوابَ يوم ينادي المناد، ونزّهو النفوس والأعمال من دواعي الفساد، فإن ذلك يوم تبدو فيه المخبآت بالانتقاد، وتطير القلوب فرَقاً من شهادة البقاع والأجساد، ويحاسب الجبار على ما لمحَ بالبصر أو سنحَ في الفؤاد.
ثم إنه قد وافاكم شهرُ القبولِ والبركات، فاغتنموا نفائسَ أوقاته بكسب الخيرات، والأعمالِ الصالحات، وتعرّضوا فيه للنفحاتِ، وجزيل الهباتِ، واتجروا فيه بفعلِ المكرُمات، وصالح الحسنات، وتقرَّبوا فيه من ربّ البرياتِ بنوافل الصلوات. واحذَروا تدنّسوا غرر أيامِه ولياليه بشؤم المخالفاتِ، وقبيح السيئات.
وامنعُوا النساءَ من خروجهنَّ ليالي الختومِ، فإنه من أعظم المهلكاتِ، المسخطة لربِّ الأرض والسماوات، فإن حصلَ المنعُ وإلا فتركُ الختمِ وإسْرارُه أولى من وجود القبائح المخزياتِ، إذ تركُ المفاسدِ أولى من جلبِ المصالح عند أولي النفوس الزكياتِ، والقلوب المخلصات.
واحذَرُوا أكلَ الحرامِ، وظلم الأنام، وجانبوا أهل الظلم المصرِّين على الفحشِ والآثام، فإنهم إن لم ينتهوا لترَوُنَّ فيهم عاجلَ العقوبةِ، وشرَّ المثوبةِ، بالدمار والبوار، وخرابِ الديار، فإنهم قد أعرضوا عن الله، وبارزوا بالمخالفة والعصيان، وقد أقام الله عليهمُ الحجّة، بأن دعوناهُم إلى ما فيه نجاتهم وسعادتُهم، بامتثال أوامر الله واجتنابِ نواهيه، ولكن أعمَى الله بصائرهم، واستولى عليهم الشيطان بالمكر والخسرانِ، ليكونوا مع في عذاب النيران.
فنسأل الله العصمةَ من مكرِه، والسلامة من شرّه، وأن يوفقنا لمرضاته، وأن يخلع علينا جزيل هباته، وأن يورثنا دار أهلِ تقاته، إنه الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق