الثلاثاء، 26 مارس 2019

تقديمي لكتاب «الأنوار الساطعة»، لشيخنا السيد الحبيب الفاضل طه بن حسن السقاف، نزيل المدينة المنورة، رحمه الله



تقديمي لكتاب «الأنوار الساطعة»، لشيخنا السيد الحبيب الفاضل طه بن حسن السقاف، نزيل المدينة المنورة، حفظه الله


 




بيانات الكتاب:
اسم الكتاب: الأنوار الساطعة والفوائد الجامعة في الحث والترغيب في طلب العلوم النافعة والعمل به ابتغاء وجه الله والدار الآخرة.
المؤلف: طه بن حسن السقاف.
الناشر: دار الحاوي، بيروت.
سنة النشر: 1433هـ/ 2012م.
عدد الصفحات: 255 صفحة.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُلله الذي علَّم بالقلم، علمَ الإنسانَ ما لم يعْلم، والصلاةُ والسلام على المعلِّم الأول، والرسُولِ الأكْمَلِ، سيدنا محمَّدٍ r الذي حثَّ على العلْمِ والتعليم، لتزكيةِ العقُول وتصحيحِ الأعمال وتنويرِ الأفْهام، وفوقَ كلِّ ذي علمٍ عَليمٌ. أما بعد؛
(1)
فإن الحثَّ على طلبِ العلم النافع، والتحريضَ عليه، والترغيبَ فيه، من الأعمالِ الشريفة المحمُودة، والأفعالِ السنية، التي لا يتجرَّد لها إلا ذوو الهمَمِ العلية، والقلُوبِ الرَّحيمة المشفِقَة على حالِ الأمة وأوضَاعها من التردِّي في حَضيضِ الجهلِ والإسْفاف. وإن الناسَ لم يزالوا بخَيرٍ، ما تعلمُوا العلْمَ النافع، ورغبوا في صُحبةِ العلماء الربانيينَ، الصّالحين المصْلِحين. وإنه ما نزلَ بالأمة هذا البلاءُ العظيم، من التشدُّد والتطرُّفِ والعصبية، إلا بسبَبِ الجهْل بحقيقَة الدّينِ وجَوهره، وبُعدِ المترسِّمين بظَواهر العُلوم عن صُحبة الرَّبانيين.
قال ابنُ عطاء الله في «الحكم»: «لا تصْحَبْ من لا ينهِضُكَ حالُه، ولا يدلُّكَ على الله مقَالُه». وقال سهلٌ التستريُّ: «احْذَر صُحبةَ ثلاثةٍ: الجبابرةِ الغَافلين، والقُرَّاء المداهِنين، والصُّوفية الجاهلينَ. أي: الذين قنِعُوا بظاهِر النِّسْبةِ، وتحلَّوا للناسِ بالزُّهد والتعبّدِ، وهؤلاءِ على الناسِ فتنةٌ وبلاءٌ». وقالَ أمير المؤمنين عليٌّ، عليهِ السلامُ: «قطعَ ظهري رجُلانِ: عالم متهتكٌ، وجَاهلٌ متنسِّكٌ»(1).
فوقعَ الناس بسبَبِ قلَّةِ الربانيين، ومَوتِ الصالحين، في بلاءٍ وجَهدٍ جَهيد، ويقينُنا أنه لنْ يصْلُحَ آخِرُ هذه الأمة إلا بما صَلُحَ به أولها، كما قالَ الإمامُ مالكٌ رحمه الله، قيلَ له: وما أولها؟ قال: التُّقَى.
وأينَ الناسُ اليومَ من التقوى، وأينَ الناسُ من المرُوءَة، وأين الناسُ من صَحيحِ العبَادة، وتصْحيحِ المعَاملة، وقوّة اليقين، ومتانَة الدّين. لقد ابتلُوا بجمْعِ الحطَام، وكثرَةِ الكَلام، والتبَاهي بأصناف الملابسِ وأنْواعِ الطَّعَام، فبئسَتْ تلكُم حياةٌ، وبئْسَتِ هذه حالةٌ.
(2)
إن في نشْر هذا الكتابِ النافع، وأمثاله من الكتُب، إقامَةٌ للحُجّة، وغرسٌ للفضيلة، التي ولابدّ وأن تُثمِرَ وتنتجَ نِتاجاً طيباً، ﴿تؤتي أكلَها كلَّ حين بإذْن ربها﴾، إذا حسُنَتِ النيةُ، ولا يقولنّ أحدٌ: إن الناس لا تقرأ، فإن لكلِّ سَاقطة لاقطَة، أو كما قيلَ: «للتينِ قومٌ وللجُمَّيزِ أقوامُ»، فليسَ جميعُ الناسِ لا يقرأون، ولا جميعُ الناسِ لا يقتَنون الكتُبَ.
وفي المقابلِ، فليس بمَقدُورِ كلِّ مؤلفٍ أو كاتبٍ، أن يرقَى منَابر الإعلام الحديثة، أو يظْهَر في هذه الشّاشة أو تلك، كما يهيأ لمن أرِيدَ لهم ذلكَ الظهُورُ، الذي يستوي فيه مَن يعْلَم ومن لا يعلَم، وممن يحسِنُ الحديث وينمِّقُه وهو خِلْوٌ عن العمَل به، أو الذَّوقِ له. فليسَ الظهورُ وتصَنُّعُ القَولِ بدليلٍ على الإخْلاص، فالكلامُ والخَطَابة صَنعةٌ، يتقنها البرُّ والفَاجِر. وإنما حديثُنا هنا، في إيقاظِ الهمَم، لارتقَاء القِمَم، وفي تحفيزِ الشّبابِ على الإقبالِ والتنافُسِ في طلَبِ العلْمِ النافع، المهذِّب للنفُوسِ، المزكِّي للعقُول والقلوبِ.
(3)
لقد أحسنَ الحبيبُ الفاضل، السيدُ طه بن حسَنٍ السّقاف، أمتعَ الله بحياته، بجَمْعه هذه النبذةَ المباركة، التي سماها «الأنوار الساطعة والفوائد الجامعة»، إذ حشَد فيها فوائِدَ، وأخْباراً، وآداباً، ونوَّعها، فهي كالمائدة فيها ما لذَّ وطَاب، وهي على وجازتها مفيدَةٌ، لمن ألقَى لها سَمْعه، وأصْغَى لها بقَلبه.
وقد حمَّلني أمانةً، وقلَّدَني مِنةً، إذْ كلَّفني بأن أنظُرَ فيها، وأراجِعَها، كما هو ديدَنُه في مراجَعة وتصحيحِ ما يقَعُ بين يديه مما أقُوم بنَشْره من كتُبِ التراثِ، فكانَ ذلك دَيناً عليّ في رقَبتي، أرجُو أن أكون قد أدَّيتُه على أحسَنِ وأكمل وجْهٍ. وإلا فَإني أحقَرُ شأناً من أن أراجعَ أو أقرِّظَ لمثل الحبيبِ طَه، وهو من جملةِ شُيوخي الذينَ أعتزُّ بهم.


(4)
إن هذا الحبيبَ الفاضل، جامعَ هذه الرسالة، إنما هو نموذجٌ بين أظهرنا، لـمـا كان عليه السلَفُ الأخيارُ الأبرار، من حُبِّ العلْمِ والتعلُّق به، شيباً وشبَّاناً، واقتناصِ الفائدَة من محالها ومظَانِّها، والبعْدِ عن الغُرور والصَّلَف والتكبُّر، ورؤيَةِ النفْسِ وإتْباعِها هَواها، وإني لأشْهدُ أني كلَّما لقيتُه، أو زرتُه، أجِدُ لديه من الفوائد العزيزة، والبحْثِ عن تَراجم الرجَال، والتّفتيشِ عن نوادر الكتُب والأخْبار، مع الهمّة والمتابعَة والحرْص، ما لا أجدُه عندَ صِغَار الشباب وفِتْيانهم، من أبنَاء الفضلاء، ممن هم مظِنةُ تلكمُ الشئون، الذين شُغِلوا بتُرَّهاتِ هذا الزَّمان، أو ابتُلوا بالتطلُّع إلىٰ المقامَاتِ العَالية، وابتِغَاءِ الوصُولِ إلىٰ الغَاياتِ من غير طلَبٍ ولا تعَبٍ ولا ارتقاءٍ لسلَّمِ المجْدِ، هذا؛ إذا كانَتْ لديهم غَاياتٌ، وحُرِّرتْ منهم النِّياتُ.
فمثَلُهم كمثَلِ من أتى البيتَ من غير بَابه، أو كالمتسَوِّر على محرابِه، ﴿وهل أتاك نبأ الخصْمِ إذ تسوّرُوا المحْرَاب﴾، فلا شيخَ يهديهم غيرُ الكِتَاب، وحتَّى الكتابُ إذا وُجِد، لم يكن دليلاً إلا لمن لقّحته مجالسَةُ الشّيوخِ، وعُرِفَ بصُحْبة أهلِ الرسُوخ، وتواضعَ لأشيَاخِه وأقْرانه ومن دُونَه، وطأطأ رأسَه لمن أفادَه ولو بفائدَة، فطالبُ العلمِ المتواضِعُ، مثلُه كالسّنبلَة، كلما زادَ حملُها طأطأتْ رأسَها، ولا تبقَى منتَصِبةً إلاَّ إذا خَفَّ حِملُها، وفرغَ رأسُهَا.


(5)
إن الحبيبَ طه بن حَسن، وإن لم يعرِفْه الكثيرونَ من شبَّاننا، وأبنَاءِ جيلنا، تكفيه صُحبته لخالِه إمامِ العَصْر، ومفْخَرة الدّهر، الحبيب عبدِالقادر بنِ أحمد، نفَعنا الله به، بل لقد شارك خاله في الأخْذِ عن بعض شيوخ عصره، كالحبيب محمّدِ بن هَادي، والحبيبِ أحمد بن مُوسَى، والحبيب هَدّار، وغيرهم. وأدركَ طبقةً عالية من أهلِ العلم والرِّوايَة والإسْناد، فهنيئاً له ما أدرَكَ، وهنيئاً له ما جمع، وهنيئاً لنا به وبآله الكرَامِ.
وليسَ هذا الكتابُ بأولِ أعماله وتصَانيفه، بل سبقَته أعمالٌ قبل ذلك، جُلّها في فنِّ التراجِم والتاريخ، ولقد حَفِظ هذا الحبيبُ بهمّته وصَبره وجَلَده، الكثير والكثير من الأخبار، وقيّدَ لنا العديدَ من الشواردِ والفوائد، إنْ في تعليقاتِه على رحْلَتي الحبيب عمر بن سميط، أو في خِدْمته الممتَازة لكتَاب «الأمالي» لجدِّه الحبيبِ أحمدَ بنِ عبدالرحمن السَّقاف، أو في الكتابِ العظيمِ الحافل «فيُوضَات البحْر الملي» الذي أفردَه لسيرةِ وأخبار سيِّدنا شيخِ الشيوخ، وإمَام أهل الرسُوخ، الحبيبِ عليِّ بن محمدٍ الحبشي، نفعَنا الله بمحبَّة الجميع. كلُّ هذه الأعمالِ والمجاميع، لتشهد للحبيب طه بحُسْن العمَل، والإتقان، والتحرير، فجزاه الله عن أهله وسَلفه، وعنَّا وعن محبيه خيرَ الجزاء.



(6)
فيا مَعْشر الشبابِ، دونَكُم عَروساً خريدَةً، جُليَتْ لكم، وجلِبَتْ إلىٰ سُوقكم، فهَل من مبتاعٍ، وهلْ من خَاطبٍ؟. وهل مَنْ يُرَدِّد قول الإمام التّاجِ السبكي:
سَهَري لتَنقيحِ العلُومِ ألذُّ لي      من وَصْلِ غَانيةٍ وطيْبِ عِنَاقِ!
إذا لم تكُنْ لكم هممٌ في غَير الملذَّاتِ الفَانية، فعلى دُنياكمُ السَّلامُ.
وليكُنْ هذا مسْكَ الختَام، والله تعالى المسئولُ أن يبلِّغَ كلَّ طالبٍ ما رامَ، والحمدُلله رب العالمين.


وكتبه محمد أبوبكر عبدالله باذيب
جدة، ضحى الأحد، غرة ذي الحجة الحرام من عام 1431هـ
الموافق 7 من نوفمبر سنة 2010م



(1) ومن أراد المزيدَ من هذه الحكَمِ والنصَائحِ والآدابِ العلية، فعليه بالكتابِ العظيم «إحياء علوم الدين»، الذي أعرضَ عنه أكثَرُ هذا الجيل، وقد كان السَّلفُ الصالح يجزِّئونَه أربعينَ جُزءًا، يقرأونَ منه كلَّ يومٍ جُزءًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق