نعي شيخنا الداعي الى الله السيد محمد سعيد البيض باعلوي، رحمه الله
(1362 - 1434هـ)
لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. إنا لله وإنا إليه راجعون. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فراديس الجنان، ثلمة ونقص كبير، اللهم اغفر وارحمه واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم اجبر كسر أهله وذويه وطلابه بفقده، وأجرنا في مصيبتنا واخلفنا بخلف خير وصدق وصلاح.
وإنا على فراقك يا سيدي وشيخي وأستاذي محمد سعيد البيض، لمحزونون، والله محزونون، ما أقصر مدة هذه الحياة، وما أهونها على الله. جمعنا المولى بك في الجنان، وسقانا وإياك من حوض سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلم كل آن.
والله ما شهدناك إلا ناشرا للخير، داعيا إلى الله، مذكراً عباد الله، بما ينفعهم في معادهم، ويكون ذخرا لهم في أخراهم ..
ما عرفناك إلا معلماً، مفيداً ومستفيدا، متواضعاً أشد ما يكون عليه العالم الفقيه المسند الأديب من التواضع، جمعت علوماً، ونلت فهوماً، قصر الكثير من أبناء جيلك ومن أهل بلدك ومن عشيرتك عنها، وعن نيلها، كنت سواحلي النشأة والتكوين، لكنك كنت أفصح وأعلم وأبرع وأجل وأكرم وأسخى من آلاف مؤلفة من العرب الذين ألهتهم الأموال والبنون.
أيها الراحل العزيز تمهل ** ما قضينا لشخصكم من حقوق
أيها السارب السعيد هوينا ** قف تريث فذا لموع البروق
قف قليلا لنا أيا ابن سعيد ** ففؤادي أضناه كثر الخفوق
مذ أتى النعيّ أدهش لبي ** وعراني بكاء حزن دفوق
أفلن أراك في الحجاز خطيبا ** ورفيقا لكل بر شفيق
ونزيلا على الكرام صباحا ** ومساء مع الصديق الصدوق
وسؤولا عما استجد من الكتـ ** ـب وعما استقر في صندوقي
يا لها الله من ليال قضينا * ها ماشعرنا بصبحها والشروق
أيها الراحل الكريم الى الله فارحل لتلاقي هناك خير فريق
آنس الله من يبيت وحيدا ** وتغشاه بالرضا وبالتصديق
بجزيل العطاء منه تعالى ** وبحسن اللقاء والتشويق
وسيعلي لك الإله مقاما ** يتراءى كنجمة العيوق
فلقد كنت في مراضيه تسعى ** باشتياق فحان حين اللحوق
فسلاما على السعيد المرقى ** وسلاما على هداة الطريق
هي زفرة حزين، ودمعة مشتاق، ومقامكم سيدي فوق هذا، وقد استودعناك ربك، وهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
والسلام على روحك وعلى أرواح آبائك الطاهرين، (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد).
نبذة عن الفقيد:
توفي فقيدنا السيد الشريف العلامة الداعي الى الله بحاله ولسانه وقلمه، محمد بن سعيد بن عبدالله البيض باعلوي الحسيني، عن عن عمر يناهز 73 سنة، ولد في ممباسا بكينيا، شرق أفريقين، سنة 1362هـ، وتوفي هذا اليوم الأحد 24 من صفر 1434هـ، الموافق 6 يناير 2013م، أخذ العلم عن أبيه الشريف الداعية السيد سعيد بن عبدالله البيض، وعن شيخ المتأخرين سيدنا الإمام المعمر الحبيب عمر بن أحمد بن سميط (ت 1396هـ)، وعن شيخنا وسيدنا الإمام الحبيب أحمد مشهور الحداد (ت 1416هـ)، وعن غيرهم من الشيوخ في حضرموت والحجاز وغيرها.
كان صاحب دعوة وهمة في نشر الإسلام في ربوع أفريقيا وأدغالها، أسس المدارس، وأنشأ المعاهد الإسلامية العربية، لم يكن يخاف في الله لومة لائم، ولا يخشى انتقاد منتقد، ولا ينتظر أحداً، وكان أديباً وشاعراً، وفقيهاً فرضياً، ومؤرخاً رحالة، جاب البلاد الأفريقية شرقا وغرباً وشمالا وجنوباً، راكباً وراجلاً، كان إذا دخل شهر رمضان لا يلفى في بلده، ولا يراه أهل بيته، بل يسير من قرية إلى أخرى، يتفقد المسلمين الفقراء، وكأنه موكل بهم، يدخل السرور عليهم، حتى إذا دخلت العشر آب إلى أهله وأولاده، وقضى العشر والعيد عندهم.
ماذا أقول عن رجل كان دعوة متجسدة، ولا غور، فهو الذي ترعرع ونشأ في أحضان الدعاة، فتح عينيه في هذا الدنيا على أبيه الذي كان شعلة نشاط، وعلى شيخه ومربيه الثاني الحبيب أحمد مشهور الحداد، وقد كان الاثنان متآخيان في الله، متآزران على نشر دين الله.
فيالها من نشأة، ويا لها من صحبة.
وكان سيدنا الفقيد نشيطاً، لا يترك موسماً من مواسم العبادة إلا ويحرص على التواجد فيه، في الحرمين الشريفين، في مواسم الحج، وفي رمضان المعظم، وكان يتردد على حضرموت مسقط رأس آبائه وأجداده.
وقد ترك مؤلفاتٍ نافعة، وأنظاماً مباركة، منها:
تخريج أحاديث كتاب «النصائح الدينية» للإمام الحداد، وقد سلم مسودته إليّ وعهد إلي بنشره.
خير هدية في طريق السادة العلوية، وهي منظومة في نحو مائة بيت، سلمها إلي بخطه وقمت بنشرها سنة 2002م بمعاونة بعض الإخوة جزاهم الله خيراً، وطبع منها 3000 ثلاثة آلاف نسخة، سلمت كلها إلى يده فوزعها على طلابه.
وله غير ذلك.
ولما أتممتُ جمع وتأليف كتابي «المحاسن المجتمعة في مآثر الإخوة الأربعة»، قدمته إليه، فقرظه بأبياتٍ ممتعة، قال في مطلعها:
أتتك المحاسن مجتمعة ** تنوه بالإخوة الأربعة
شبام الكريمة قد أنجبت ** فطاحل إذ طابت المزرعة
إلى آخرها، وهي مدرجة مع التقريظ في خاتمة الكتاب المشار إليه.
وكان سريع البديهة، ينظم على السليقة، عفو الخاطر، وكم لي معه من ذكريات حسنة، ومآثر مستحسنة، تدوينها فرض علي، قياماً بحق صحبتي له، وكثيرة هي حقوق أشياخي، أسأل الله الإعانة على أدائها مع اللطف والبركة. هذا ما حضرني الآن، عقب بلوغي نبأ وفاته، وترجمته طويلة، وتستحق البسط والإسهاب، فهو من خيرة رجال الإسلام في هذا العصر، رحمه الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق