الثلاثاء، 26 مارس 2019

عجائب من عالم الجن، من رحلة العياشي


من عجائب عالم الجن، من رحلة العياشي

«الرحلة العياشية»، واسمها الأصلي «ماء الموائد»، كتاب ضخم، ملء بالفوائد والدرر .. مؤلفها الإمام المسند الرحالة، الشيخ أبوسالم العياشي المغربي المالكي، المتوفى سنة 1090هـ/ 1679م.
وكتابه هذا مطبوع في مجلدين حافلين، لا يمل القارئ منهما، اشتملا على عجائب وغرائب الأسفار والرحلات، وعلى تراجم نادرة، وأسانيد، وإجازات، وملاحظات، وخواطر، وعبر ..



ومما لفت نظري، كلام نفيسٌ له في الرحلة، حول استعانة بعض الناس بالجان، وبعض الأمور التي تظهر على الشخص الذي يستعين بهم من دون الله، وفي هذا عبرة وعظة للمسلمين، أرجو بنشرها عموم الفائدة.
تحدث الشيخ أبوسالم رحمه الله، عن مجريات زياراته في القاهرة، ولقائه شيخا اسمه الشيخ علي الصوفي، شاذلي الطريقة، متفقه، عابد، أعزب، فقال:
(غريبة)
أخبرني هذا الشيخ، أن بعض من ينتحل علم الأسماء، أخبره: أنه كان يستعمل دعوة آية الكرسي، ويشتغل بها على طريق أهل ذلك الفن، فجاءه روحاني. وقال: آتيك كل يوم بألف شريفي ذهباً، بشرط أن تنفقها كلها، ولا يبقى عندك درهم واحد. فقال له: لا أقدر على  هذا، فإنه أمر لا يكاد يخفى، وأخاف على نفسي إن ظهر ذلك علي من أرباب الدولة، فلو كنت تأتيني كل يوم بشريفي واحد أو اثنين أو عشرة، ففيها الكفاية. فقال لي: لابد من الألف على الشرط المذكور، وإلا فلا. ولم يزل يراجعه في الاقتصار على الكفاية، حتى أبى عليه، وترك قراءة الدعوة.
قلتُ: وهذا من أعظم دليل على حمق الراغب في الدنيا، فإن الله قد تكفل له بالكفاية على وجه يرضاه له على قدر حاله، ويعلم فيه صلاحه إن رضي، (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء)، فلو أعطي ما فوق اللائق بحاله لم يستطع، ألا ترى أن هذا لـمـا رد إلىٰ حالٍ لا تليق إلا بالملوك ومن يحاكيهم لم يقدر على ذلك، لأنه فوق طوره، ولو استغنى بالحال الذي أقامه الله فيها فإنه أعلم بشئونه، لا ستراح. ولكنه أراد أن يدبر لنفسه حالا ظن أنه أولى به، وهو على خلاف مراد الله به، فنبهه الله بما أراه على أن ما كان يظنه من أن كثرة المال هو اللائق بحاله، وكسر في الرأي، وغلط في التدبير، لعجزه عن القيام به، وهذا رجل ملطوف به، ولولا لطف الله به لقبل ذلك، فيكون فيه حتفُه قريباً، ولكنه نظر بما آتاه الله من نور العقل والحكمة، فعلم أن ذلك لا يتم له، لأنه خلاف مقتضى الحكمة الإلهية». انتهى كلام أبي سالم رحمه الله.
أقول: ولم يزل الناس في أيامنا هذه، يرون العجب العجاب، ممن يدعون الخير والتدين، والزهد والعفة، فتظهر على أيديهم أموال طائلة، لا يعلم مصدرها، ولا يعرف لصاحبها اشتغال بتجارة أو طريق للكسب، ولكن الأمور شواهد، والتاريخ مليء بالعبر. ومنهم من يعاجله سيف الغيرة والقدرة، ومنهم من تمد له حبال الإمهال .. والله أعلم بأحوال عباده.

الهوامش:
(1) العياشي، أبوسالم عبدالله بن محمد، الرحلة العياشية، تحقيق: سعيد الفاضلي، وسليمان القرشي، (أبوظبي: دار السويدي للنشر والتوزيع، 2005م): 1/258.




نشرت المقالة الأصلية في المدونة القديمة بتاريخ 25/ 4/ 2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق