الثلاثاء، 26 مارس 2019

نشيدُ ديوبند

نشيدُ ديوبند

من نظم / محمد أبوبكر باذيب
جدة؛ 2/6/1433هـ



عندما كنت في دُيوبَنْد، في ربيع الآخر من عام 1433هـ/ 2012، ورأيتُ الطلاب الهنود، الذين نسميهم في بلاد العرب بالأعاجم، يتوافدون، صغاراً وكباراً على حلقات العلم، يحفّونَ بشُيوخِهم، وبأيمانهم كتُبُ الحديثِ والفقه، و«ديوان المتنبي»، وكتب النحو العربي كـ«الكَافية»، وشروحها، وغيرها .. 
كتبٌ لا يعرفها أبناء العرَب من خرِّيجي الجامعات العربية، والدارسين باللغة العربية، فمن هو الأعجمي .. أبناؤنا أم أبناء الهنود، الذين حفظوا علوم أجدادنا، الذين نتشدَّقُ صباحَ مساءَ بأننا أحفادُ الكرام الفاتحين، وأنجال العلماء العاملين !!
وهم لا يكلون ولا يملون، في حركة دائبة، ونشاط مستمر. تذكرت أيام دراستي في تريم، وعاد بي الحنين والشوق إلىٰ تلك الأيام الخوالي، والربوع التي لم تفارق ذكراها خيالي، والعهد قريب، وإن عقداً ونصفاً من السنين، كفيل بأن يبقي ذكاء تلك الجذوة مشتعلة، وتلك النار متقدة، حنينٌ لم يكف، وشوقٌ عظيم يجرف.
وأكثر ما عظّم ديوبند في قلبي وعيني، هو تلك العناية العظيمة، عديمة النظير، بكتب السنة المطهرة، التي يختم فيها طلابُ الجامعة (الكتُبَ الستة)، أمهات الحديث النبوي، في السَّنَة الأخيرة من سنيِّ دراستهم، التي تدْعَى عندهم (دورة الحديث). 



وليس الأمر يتوقَّفُ في قراءتهم وختمهم للأمهات الستة، مرجع المسلمينَ، وأس تشريعهم بعد كتاب رب العالمين، بل إنها مرتبطة بأسانيد قوية، وسلاسل متينة، من لدن أولئك الأشياخ البررة، إلىٰ سيِّد أهل الدنيا والآخرة، r، فهم قومٌ علومهم مسندة، وخيولهم ملجمة مسْرَجة، علمٌ وعمَلٌ، وكفاحٌ وعزْم، لا يعرف الملل. حيَّاهم الله وبيَّاهم من شيوخٍ كرامٍ، وأئمة عِظَام، لا غادر الجود والحيا أراضيهم.
فياليت هذا النظام يعمل به في بلادنا، وفي جامعاتنا الدينية، وكلياتنا الشرعية، إذاً لصلحت كثير من الأحوال في بلاد العرب، لأن الطالب يتخرج من الكليات الشرعية، وحصيلته من الحديث قليلة جداً، وغاية الأمر أن يدرس بعض كتب علوم الحديث، أي المصطلح، ولكن قراءة الأمهات والمتون، أمر بعيد عن أذهان رؤساء ومؤسسي تلك الكليات والمعاهد، فليتهم يتيقظون، وليتهم يتنبهون.
ثم إنه خطر في بالي، مع انشغال أولئك الفتية، بل الرجال الأبطال، بطلب العلم، وعكُوفهم على المطالعة والحفظ والمذاكرة، هل هناك، يا ترى، أناشيد مدرسية يرددونها، كتلك التي كنا نرددها في المدارس العصرية؟.سألتُ أحد كبار الخريجين عن ذلك. فأجابني: نعم؛ هناك أنشودة نظمها فضيلة مولانا العلامة رياسَت علي البجنوري، قبل أكثر من خمسين عاماً، أيام دراسته أو عقب تخرجه من الجامعة، وقد نالت القبول والاستحسان، ولم يزل الطلاب ينشدونها ويحفظونها منذ ذلك الحين وحتى اليوم. طلبتُ منه أن ينشدني بعض أبياتها، فقال: لن تفهمها، هي بالأردية!. وقد كنت أظنها بالعربية، فوقع في بالي، لماذا لا تكون هناك أنشودة بالعربية؟. ومسلمو الهند من أشد الشعوب حباً للعربية، وتعلماً لقواعدها وحفظا لنصوصها.



ظل ذلك الخاطِرُ يتابعني، حتى بعد عودتي أدراجي، فأمسكتُ القلم، وكتبتُ في برهة من الوقت، هذه الأبيات، أرجو أن تكون معبرة عن لسان حال طلابها وزُوَّارها، وهي شيء بسيط أقدمه لهذه الجامعة العظيمة، مشيداً بعظيم الجهود المبذولة فيها، ومُكْبِراً عالي تلكَ الهمَمِ التي يتحلَّى بها شُيوخها وطُلَّابها.





دُيوبَنْدُ يا قبلَةَ الطَّالبِينْ ** دُيوبَنْدُ يا مَوئِلَ العَارفينْ
دُيوبَنْدُ يا مَنْزلَ القَاصِدينْ ** فدُومي لنَا واسْلَمي كلّ حِينْ
* * *
دُيوبَنْدُ أنْتِ الهنَا والمنَى ** دُيوبَنْدُ خَيرُ غنًى يُقْتَنَى
دُيوبَنْدُ طابَتْ لنَا مَسْكَنَا ** فبَاركْ بها رَبَّنَا يَا مُعِينْ
* * *
دُيوبَنْدُ أشْياخُها عَاملونْ ** دُيوبَنْدُ أعْلامُهَا مخلصُونْ
دُيوبَنْدُ أمٌّ رؤومٌ حَنُونْ ** وطُلابُها من خِيَار البَنِينْ
* * *
بها العلْمُ أعلامُه خافقَةْ ** بها النُّورُ أضْواؤُه شَارقَةْ
بِهَا الفضْلُ أشْجَارُهُ بَاسِقةْ ** بها يَسْتظِلُّونَ طُولَ السِّنينْ
* * *
دُيوبَنْدُ خَيراتُها في البِلادْ ** تَسيرُ وتنفَعُ كُلَّ العِبَادْ
وَفيها الأسَاتِيذُ من كُلِّ وَادْ ** وقَومٌ عِظامٌ مضَوا أكْرَمينْ
* * *
دُيوبَنْدُ مثْرَى علُومِ الحديثْ ** دُيوبَنْدُ ودقٌ ملِثٌّ مُغيثْ
حَياً كلُّه نَافعٌ لا خَبيثْ ** يرُدُّ الهزيلَ سَميناً بَطينْ
* * *
دُيوبَنْدُ أنْشُودَةٌ في الحيَاةْ ** دُيوبَنْدُ مأوَى الرجَالِ الهدَاةْ
وكَمْ عَارفٍ في حماهَا لِوَاهْ ** يرَفْرِفُ تَهدي بِه الحَائرينْ
* * *
دُيوبَنْدُ أنوارُهَا باهرَةْ ** دُيوبَنْدُ أزْهَارُهَا نَاضِرةْ
دُيوبَنْدُ أربَاعُهَا عَامْرَةْ ** بكُلِّ ذَكيِّ الفُؤادِ فَطِينْ
* * *
دُيوبَنْدُ ما مثلُهَا في الزَّمَانْ ** ولم أرَ نِدًّا لهَا في الأوَانْ
ومن زارَهَا سَوفَ يَلْقَى الأمَانْ ** وينْسَى بها أهْلَه والبَنينْ
* * *
سألتُكَ رَبِّي لها يا كَريمْ ** عَلى أهْلِها للعَوافي تُدِيمْ
وتُبقِي لنَا دَرْبها المسْتَقِيمْ ** وتَهدِي لها قَومَنَا أجْمعِينْ
* * *
إلهي استجِبْ دَعْوتي يا مُعينْ ** ولاطِفْ بجُودك قَلْبَ الحزِينْ
ليَعْمُرَ بالذِّكر طول السنين ** ويحشَرَ في زُمرَةِ الصَّالحينْ
* * *
ونوِّر لنَا رَبَّنا دَرْبنَا ** وأكْرِمْ بفَضْلِكَ أشْياخَنا
وزِدْهُمْ عُلاً ربَّنا واهْدِنا ** جميعاً إلىٰ الخير دُنْيَا ودِينْ
* * *
وصَلَّى إله الورَى سرْمَدا ** على عبْدِهِ المصْطفَى أحمدَا
هو المرتجَى للأنَام غَدَا ** فشَفِّعْهُ في المسلمينَ أجمعِينْ

دُيوبَنْدُ يا قبلَةَ الطَّالبِينْ ** دُيوبَنْدُ يا مَوئِلَ العَارفينْ
دُيوبَنْدُ يا مَنْزلَ القَاصِدينْ ** فدُومي لنَا واسْلَمي كلّ حِينْ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق