الثلاثاء، 26 مارس 2019

دليل جديد على كون ثنية الوداع هي الثنية الشمالية لا الجنوبية


دليل جديد على كون ثنية الوداع هي الثنية الشمالية لا الجنوبية

بقلم/ محمد أبوبكر باذيب
12 / 9 / 2012

هناك خلاف دائر بين المؤرخين وكتاب السيرة، أي ثنيتي الوداع هي التي دخل منها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة عشية الهجرة النبوية!؟. وحتى نقرّبَ هذا الخلاف للقراء الكرام، علينا أن نذكّرَهم بأن هناك في المدينة ثنيتان شهيرتان، كلاهما تدعى ثنية الوداع.
الثنية الأولى: هي الثنية الجنوبية، والتي كانت تعرف في الجاهلية بثنية التعشير، والتي لا تزال قائمة بعض معالمها حتى زمن قريب، وكان يعتليها بناء تركي لقلعة صغيرة.
والثنية الأخرى: هي الثنية الشمالية، وهي التي ثبت في الصحاح أن أهل المدينة استقبلوا النبي صلى الله عليه وسلم مقدمه من تبوك عندها، وهي قريبة من جبل ذباب، الذي بني عليه مسجد الراية، وعرفت في أزمنة متأخرة بالقرين التحتاني.
سبب الاختلاف:
إنما جرى الاختلاف في أي الثنيتين هي التي وردت في خبر الهجرة، للضعف الحاصل في سياق بعض الأخبار، ولأنه لم يرد بأسانيد صحاح ترفع الخلاف، وتبين المقصود بصورة جلية وواضحة. فاجتهد الباحثون وكتبوا العديد من البحوث، والأكثرون منهم على أنها هي الثنية الشمالية، وخالف البعض فزعم أنها الجنوبية، وأتى كل من الفريقين بأدلته.
ثم أثناء تحريري وبحثي في المصادر، وقفت على دليل جديد، لم أجد أحداً استدل به قبلي، وهو استنباط لطيف من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عند الحاكم، في وصف الطريق الذي سلكه ابن أريقط، دليل الركب النبوي، إلى المدينة: ".. ثم أجاز بهما ثنية المرار، ثم سلك بهما الحفياء"، الحديث.
فإن هاتان الثنيتان الواردتان في هذا النص، (ثنية المرار)، و(ثنية الحفياء)، تقعان في الجهة الشمالية، و(الحفياء) قريبة من (الغابة)، الأرض الشهيرة التي كانت ضمن أملاك الزبير وذريته، وهي خلف جبل أحد.
وأما ثنية المرار، (بضم الميم أو كسرها)، الوارد ذكرها في سياق حديث أم المؤمنين، فهي ثنية أخرى غير (ثنية المرار) المكية، التي بقرب الحديبية، والتي ورد ذكرها في (صحيح مسلم) عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله r: "من يصعد الثنية، ثنية المرار، فإنه يحطّ عنه ما حط عن بنى إسرائيل"، قال: فكانَ أولَ من صعدها خيلُنا، خيل بني الخزرج، ثم تتامَّ الناس. وعلل ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث) حط الخطايا لمن صعدها، لكونها ثنية شاقة.
وبمقارنة وصف الثنيتين، ما ورد في حديث أم المؤمنين، وما ورد في حديث جابر، يتبين بجلاءٍ أنهما ثنيتان متغايرتان. لكن عالمين جليلين اختلفا في تحديد موضع الثنية المدنية، فالقاضي عياض (ت 544هـ/ 1149م)، ذهب في (مشارق الأنوار)، إلى القول بأنها في جهة أحُد. فاعترضه السمهوديّ (ت 911هـ/ 1505م)، وردَّ قوله، ولكنه، هو الآخر أيضاً، ذهب مذهباً بعيداً، حيث رجّح أنها التي في الحديبية.
و(ثنية المرار)، هذه هي المدنية، وهي مغايرة لـ(ثنية المرار) المكية، التي ورد ذكرها في حديث مسلم، ضمن المرويات الواردة عن أحداث يوم الحديبية، وحددها القاضي عياض في (مشارق الأنوار) بأنها في جهة أحد. ولكن العلامة السمهودي، رد كلام القاضي وشنع عليه، ونفى وجودها في المدينة، ولعله، أعني السمهودي رحمه الله، لم يقف على رواية الحاكم.
ورد السمهودي من حيث هو رد على مقتضى شرح القاضي لحديث الحديبية، رد وجيه، لأن القاضي ذهب إلى كون (ثنية المرار) الواردة في حديث مسلم، هي التي في جهة أحد، وهذا غير صحيح، ولكن السمهودي، أيضاً، من جهته، لم يوضّح أن هناك ثنية أخرى في المدينة، فهل هو لم يقف على رواية الحاكم؟.
والذي يميل الباحث إليه: أن ورود اسم (الحَفياء) في حديث أم المؤمنين، وهي ثنية شهيرة، واقعة في الحد الشمالي لحرم المدينة، هي التي يصدق عليها وصف القاضي عياض إياها بأنها في جهة أحد، لأن مقصوده الجهة الشمالية، وهذا القول يعضد وبقوة قول جمهور المؤرخين، في أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان من الجهة الشمالية، وأن (ثنيات الوداع) المقصودة بالذكر في خبر الهجرة، هي الثنية الشمالية، وليست الجنوبية.
وكنت قد حررت نبذة عن (ثنية الوداع)، نشرتها قريباً، فيها تفصيل .. فليرجع إليها من شاء. وهذه زيادة عليها، واستكمال لموضوعها، والله الموفق.


المراجع:
1- السمهودي، علي بن عبدالله، وفاء الوفا بأخبَار دار المصطفى، تحقيق: قاسم السامرائي، جـ4 (لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 1422هـ/2001م)، 194.
2- الحاكم، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، جـ3 (بيروت: دار الكتب العلمية، 1411هـ/ 1990م)، 9.
3- مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري ، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، جـ8 (بيروت: دار إحياء الكتب العربية، 1374هـ/1956م)، 123.
4- ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى ومحمود محمد الطناحي، جـ1 (بيروت: المكتبة العلمية، 1399هـ - 1979م)، 650.
5- اليحصبي، القاضي عياض، مشارق الأنوار على صحاح الآثار، جـ1 (تونس، المكتبة العتيقة، وبيروت، دار التراث، د.ت)، 136.
6- السمهودي، جـ4، 194.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق