الشيخ عدود يقرأ على إمامنا فال أباه
بقلم/ محمد باذيب
24 يناير، 2013
هذه صورة نادرة تجمع العلامة الجليل، أحد كبار علماء موريتانيا في وقتنا، سيدي الشيخ محمد بن عبدالله العلوي، الشهير بفال أباه، وبجواره العلامة الفذ عدود رحمه الله، وهو يقرأ عليه بعض مصنفاته. إنه منظر يستدر العواطف، ويلهب المشاعر، ويعطش طلاب العلم إلى اقتفاء تلك السير الكريمة، والتخلق بتلك الأخلاق العظيمة.
ومولانا فال أباه رعاه الله، هو شيخ مشايخي، فقد درست أصول الفقه من كتاب «غاية الوصول» لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري على تلميذه وخريجه أستاذنا الفقيه المحقق، والعالم المدقق محمد الأمين بن محمد الحافظ، في كلية الشريعة، وفي رباط العلم الشريف بتريم الغنا صانها الله، كما قرأت عليه وحضرت شطراً من درسه في «مراقي السعود» بشرح الناظم «نشر البنود»، بحضور سادتي أعلام تريم الخفاقة، الحبيب سالم الشاطري، والشيخ محمد باعوضان، والشيخ محمد الخطيب، في ردهة الرباط الرئيسية، وكان سيدي الحبيب سالم شرع في حفظ «المراقي» وتسميعه على الأستاذ الأمين، فيا لله من همة قعساء، إذ كان عمره حينها قريباً من الستين.
ثم أكرمني المولى بلقاء الشيخ فال أباه في حرم نبيه وصفيه صلى الله عليه وسلم، وتشرفت بلثم كفه بقرب الروضة المطهرة، وأنعم علي بإسماعي حديث الأولية، وأجازني عامة مروياته، بحضور الأستاذ الأمين، وشد على يدي وصافحني.
وأما الشيخ العلامة محمد سالم بن عبدالودود، الشهير بعدّود، فلم أتشرف بلقائه، ولكن شهرته في جزيرتنا العربية فائقة، وله أصحاب ومحبون كثر، واشتهر بمناظيمه الفقهية والأصولية، وشروحه ودروسه البهية، ولعله أشهر عند العرب من العلامة أباه، ولكنه مقر بأعلمية الشيخ أباه وتفوقه عليه، رحمه الله. وقد كانت وفاة الشيخ عدود يوم الأربعاء 4 جمادى الأولى سنة 1430هـ، رحمه الله.
وقد رثاه مولانا العلامة فال أباه بقصيدة من أروع ما قيل في الرثاء، مطلعها:
أما تبرح الأيام من أمرها الإمرِ ** تقلب أحشاء القلوب على الجمر
يتابعنا طول الليالي تبيعها ** متابعة المثؤورِ في طلب الثأر
ومنها:
أيا دهر روعت القلوب بداهمٍ ** على العلم والتقوى كأنك لا تدري
ألست بهذا الشيخ أقررت أعينا ** وشنفت آذانا بواسطة النحر
فجعت العلا والمكرمات بسالم ** فأبدلت منها سالم الجمع بالكسر
إلى آخرها .. وهي من الراوئع.
وتعبيراً عن مشاعري تجاه منظر الشيخ عدود وهو يقرأ على الشيخ فال أباه، وردتني هذه الأبيات، أرجو قبولها على علاتها ممن يطالعها:
البدرَ أم نورَ الصباح تراهُ ** أم ذاكم الحبر التقيْ أباهُ
أم طلعةُ النجمِ المنيرة قد بدَتْ ** للناظرين، تلاشَتِ الأشباهُ
فخرُ المحاضر قطبُها ومنيرُها ** من للعلوم يشيعُها .. لولاهُ
لولاهُ ما كان (النبوغُ) لفتيةٍ ** حضَرُوا لديهِ، وما مضَوا لسواهُ
نهلُوا وعَلُّوا من معينِ عُلومِه ** حاشاه يحرمُ راجياً حاشاهُ
فلنَا به كم عروةٍ شُدَّتْ فلمْ ** تضعُفْ ولم تنفكّ عن يمناهُ
كان اللقاءُ برَوضة المختارِ في ** شَهْر الهدَى والنور ما أبهاهُ
شَدَّ الكريمُ على يديَّ مصافحاً ** لله ذاك الفحلُ ما أسماهُ
تمَّ الوصالُ وزادني شوقاً ولم ** أشْفِ الغليلَ، متى متَى ألقاهُ؟
أبقاهُ ربُّ العالمين ممتعاً ** في صحةٍ ومن الضّنَا عافاهُ
ولعلمِه أجرى الكريمُ سواقياً ** لم يدرك الراؤون بُعدَ مداه
نظم/ محمد أبوبكر باذيب، سامحه الله.
وفي الرابط التالي مرثاة الشيخ فال أباه في الشيخ عدود:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق