الأحد، 24 مارس 2019

تعقيبٌ على مقال «المدارس اليافعية السلفية في حضرموت». بقلم د. محمد أبوبكر باذيب



تعقيبٌ على مقال
«المدارس اليافعية السلفية في حضرموت»


بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب
  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.
وبعد؛ فقد طالعتُ صبيحة يوم الأربعاء، 13 رجب 1440هـ، الموافق 21 مارس 2019م، مقالاً منشوراً في إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي عنوانه «المدارس اليافعية السلفية في حضرموت». وبحثتُ عن مصدره، فوجدته منشوراً على موقع الموسوعة اليافعية، على الرابط التالي:
فرأيت في ذلك المقال ما لا ينبغي المرور عليه دون التوقف عنده، وإعادة النظر في مصادره، لأن بعض التصورات التي أدلى بها الكاتب لا تتوفق وواقع الأعلام الذين ذكرهم، فإنني بحكم معايشتي الطويلة لمصادر تاريخ وتراجم الحضارمة، رأيت الكاتب تجاوز كثيراً، وتمحل في أمور، والتقط في مواضع عبارات لا تعطي القارئ تصوراً كاملاً للعصر الذي كتب عنه، ولا للأعلام الذين ذكرهم. فاستعنت بالله تعالى، وفرغت من وقتي بضع ليالٍ أرهقني فيها السهر، وخرجت بهذه السطور، جعلتها تعقيباً على ذلك المقال المنشور.
ثم تأكدتُ أن المقال ما هو إلا فصل أو مدخل مستلٌ من «الموسوعة اليافعية» التي صدرت عام 1437هـ، وموضعه: في المجلد الثامن، المختص بتاريخ (يافع في حضرموت) الجزء (12)، ص39-34. وفي الحقيقة إن «الموسوعة اليافعية» عندي منذ مدَّة، مهداة من ناشرها الأخ العزيز، الشيخ أبي أسامة، محمد بن سالم بن علي جابر، حفظه الله، ومع زحمة المشاغل لم أتفرغ لقراءتها القراءة الفاحصة، وألقيت نظرة عجلى على بعض صفحاتها، واكتفيتُ بوضعها في صف المراجع الحديثة في تراجم الأعلام.
وتلك الموسوعة لا شك أنها عمل كبير، بذلت فيها جهود، وقام عليها باحثون، وتعبوا في تحرير موادها، وتجشموا الكثير لنشرها، ولست بالمقلل من أهميتها، أو الطاعن في شأنها، وإنما هذه ملاحظات أردت أن تكون من الناشر والباحثين على بال، ليعيدوا النظر في صياغة بعض العبارات، ويكتبوا بتصور تام، فالحقيقة بنت البحث.
ورُبَّ معلومة يجدها القارئ في كتاب مَّا، كتبت على عجَل، أو كتبت عن طريق السماع وعفو الخاطر، إذا غربلتْ وعُرضت على المصادر الأصلية، سنجدها منافية ومخالفة للتصور الذي رأيناها عليه في المرة الأولى.
إن مصادر التاريخ عبارة عن أوعية، فيها الحلو وفيها المر، وإذا تطلبنا ترجمة علم من الأعلام، فعلينا أن نأتي بما له وما عليه بحسب ما ورد في المصادر الأصلية، ولا بأس أن ندرس الوقائع التي تناولته بالذم ويتم تناولها بالتحليل والتفصيل لمعرفة صدق الخبر من عدمه، لكن أن تحجب تلك الأقوال القادحة، أو ينتقى من كلام المؤرخين ما فيه مدح فقط وتخفى الجوانب الأخرى التي قيلت فيه، دون أدنى إشارة إليها فهذا تصرفٌ غير سليم، يوجب على الناقد أن يتوقف عنده ويعرض الصورة كاملة بدون تدخل.
أخيراً، فإنني أؤكد مرةً أخرى، أن هذه الملاحظات والتعقبات إنما هي للمذاكرة التاريخية حول المعلومات التي وردت في المقال المشار إليه، ودعوة لإعادة النظر في صياغته، لا تسفيهاً لمشروع الموسوعة اليافعية، ولا تقليلاً من أهميتها، صرحتُ بهذا حتى لا يأتي من يتقوَّل عليَّ ما لم أقله. والله يغفر للجميع، ويتولانا بفضله ورحمته.  
* * *




الملاحظة الأولى
قول الكاتب: «المدارس اليافعية السلفية في حضرموت».
التعليق:
[1] تكلف كاتب المنشور، وفقه الله، في هذه التسمية، فإن الموضوع الذي كتب تحت هذا العنوان لا يحتمل أن يسمى بالمدرسة البتة. لأن مصطلح (المدرسة) بمعنى: الجماعة ذات الأفكار المشتركة، مصطلحٌ حديث. جاء في (المعجم الوسيط) [1/ 280]: (المدرسة: مكانُ الدرس والتعليم. وجماعةٌ من الفلاسفة أو المفكرين أو الباحثين تعتنقُ مذهباً معيناً، أو: تقولُ برأي مشتركٍ، (مج). ويقال: هو من مدرسة فلانٍ، على رأيه ومذهبِه)، انتهى. [2] النسبة السلفية، قال بعض المعاصرين: السلفي هو من اقتدى بالسنة النبوية بوجهها العام، واقتدى بإجماعات السلف، واختار ما بان له أقرب إلى الحقّ في خلاف السلف. وهذا يقتضي أن مقلدة المذاهب الأربعة ليسوا سلفيين، بل السلفي هو من يختار العمل بالراجح من الأقوال بحسب قوة الدليل في الظاهر.
وإذا نظرنا إلى المعطيات التي في البحث، لا نجد أي مقومات لمدرسة يافعية أو مدرسة سلفية في حضرموت، البتة. وتفصيل ذلك:
1- أمير من يافع، هو عبدالله غرامة، المتوفى بتريم سنة 1255، الذي قام بتأييد ومناصرة حركة سياسية دينية وافدة على منطقة نفوذه، هي الحركة الوهابية النجدية التي قادها ناجي ابن قملا.
2- أشخاص من بلاد وقرى حضرمية متفرقة، صدرت منهم مواقف تعلق بها الكاتب فظن أنها صادرة عن فكر سلفي! وليس الأمر كذلك البتة.
أقول: لو كان عبدالله غرامة هو منظِّر هذه المدرسة، لصحَّ أن يقال إن له مدرسةً فكريةً تنسب إليه، ولتسمَّ مثلا، المدرسة العبدلية السلفية. ولكن الأمر ليس كذلك، فهو مجرَّد مؤيِّد لحراكٍ سياسي لا أكثر! فكيف ينسب إليه ما لا يصحُّ لا تاريخاً ولا فكراً؟ وهل مجرد تأييده يجعلُ منه سلفياً؟ هل التسلف يكون بالتأييد السياسي؟ أم التسلف بمعنى اتباع السلف منهجاً وديناً يكون عن نظر ودراسة وتلق للعلم من مصادره، فهل كان غرامة طالب علم؟ وهل تصرفاته تدل على أنه كان طالب علم، أو شيخَ علم؟! المعطيات لا تفيد عن شخصيته سوى أنه كان حاكماً سياسياً فقط.
الملاحظة الثانية
قول الكاتب: «مدرسة تريم». وتقدم معنا آنفاً تعريف المدرسة، ولننظر هنا، هل يوجد في المعطيات شيء من مقومات مصطلح (المدرسة)!
ثم يقول: «تزعَّم هذه المدرسة الأمير عبدالله بن عوض غرامة البُعسي اليافعي (ت 1255هـ)، الذي تأثر بالدعوة والوهابية وقد ناصرها وناصر حملتها الشهيرة، ومن أشهر رواد هذا المدرسة من الحضارم: السيد أبو بكر بن عبدالله الهندوان: وقد اتهمه العلويون أنه يحرض عبدالله غرامة ويدفع به. السيد علوي بن سقّاف الجفري. الشيخ علي بن أحمد باصبرين. السيد عبدالله بن حسن بلفقيه، وغيرهم».
التعليق:
الوقفة الأولى: قول الكاتب واصفاً عبدالله غرامة، بأنه «الذي تأثر بالدعوة والوهابية وقد ناصرها وناصر حملتها الشهيرة». أما المناصرة فأمر معروف. ولكن «التأثر»، ماهو؟ قرأت سيرة عبدالله غرامة مراراً لاسيما من كتاب «بضائع التابوت» لابن عبيدالله السقاف الذي جل النصوص التي في هذا المنشور منقولة عنه. ليس هناك ما يمكن أن يسمى «تأثراً»، وما كان اقتناعه إلا من باب السياسة، وقد صرح ابن عبيدالله في مواضع متعددة من كتابه، كما سيأتي.
الوقفة الثانية: تشير المعطيات إلى وجود الأمير اليافعي غرامة، سابق الذكر. والى أربعة أشخاص من علماء حضرموت، أولهم: السيد أبوبكر الهندوان، تريمي، توفي سنة 1248هـ. ثانيهم: السيد علوي بن سقاف الجفري، من تريس، المتوفى بها سنة 1273هـ. ثالثهم: الشيخ علي باصبرين، من الخريبة بدوعن، المتوفى بجدة سنة 1305هـ. رابعهم: السيد عبدالله بن حسين (وليس بن حسن) بلفقيه، من تريم، المتوفى بها سنة 1266هـ. هؤلاء الأربعة الأعلام، كلهم شافعية المذهب، وليسوا سلفية بمعنى أنهم يجتهدون ولا يقلدون! كما أنهم جميعاً أشاعرة، وليسوا سلفية في الاعتقاد بمعنى منابذة الأشاعرة، كما قد يخيل للقارئ!
فعن أي مدرسة سلفية في تريم يتحدث الكاتب؟!
التعريف بالأعلام الحضارمة الأربعة
الموصُوفين بأنهم رموز المدرسة السلفية اليافعية التريمية
وهنا أتوقف، لأعرفَ بهؤلاء الأعلام الأربعة، تعريفاً وجيزاً، وأركز على النقاط التي جعلت من هذا الكاتب وغيره يكررون ذكرهم في مصنفاتهم ويتحججون بمواقف أو كلمات صدرت منهم، فيجعلون منهم سلفيين معادين لشيوخهم وأسلافهم سواء كانوا من السادة الأشراف بني علوي أو من سواهم من أعيان الوادي. وسوف أذكرهم مرتبين على الوفيات:
الشخصية الأولى
السيد العلامة أبوبكر بن عبدالله الهندوان (ت 1248هـ)
هو السيد الشريف، الفقيه العلامة، أبوبكر بن العلامة السيد عبدالله (ت 1171هـ) بن العلامة السيد أحمد (ت 1122هـ) بن عمر (ت 1055هـ) بن المعلم أحمد (ت بتريم 1029هـ) بن عقيل (ت بروغة 991هـ) بن محمد بن عبدالله (ت ببر سعد الدين 916هـ) بن عمر الهندوان (ت بتريم 916هـ)، وهو جد السادة آل الهندوان، وهو ابن السيد أحمد بن حسن الورع بن علي بن محمد مولى الدويلة، إلى آخر النسب المعروف في كتب طبقات آل باعلوي ومشجراتهم الشهيرة [ينظر: الشاطري، المعجم اللطيف: ص 191].
ولد بتريم، وتوفي بها. كتب في «الشجرة العلوية» عند اسمه: «كان من العلماء العاملين، والفقهاء المحققين، أهل الزهد والكرم واليقين، المتوكلين، كثير الاطلاع والحفظ، توفي بتريم سنة 1248، وقبر في قبر والده»، اهـ. وجاء في ترجمة في كتاب «الروض المزهر» [ورقة 64/ ب]: «شيخنا وحبيبنا، الحبيب أبوبكر بن عبد الله الهندوان. كان جامعاً لجميع العلوم، المنطوق منها والمفهوم، وكان أفقه أهل عصره، ويرجعون إليه في الفتاوى، ولا أحد يقدر يخالفه من علماء وقته. مع زهد في الدنيا، وتواضع، وعدم مبالاة بنفسه. يخدم أهل بيته بيده، ولا يرى نفسه في جميع الأمور، ويحب المساكين، ويرحمهم. كان قليل الدنيا وكثيرها عنده قليلٌ، ينفق ما بيده، ولا يدخر لغدٍ، والغالب عليه العزلة في بيته في عيديد»، اهـ. وفي «عقد اليواقيت» [ص 467]: «السيد الفائق على الأقران، المشار إليه بالبنان في إيضاح البيان».
شيوخه: والده الحبيب العلامة عبدالله (ت بتريم 1171هـ)، والحبيب العلامة حامد بن عمر حامد (ت 1209هـ)، وغيرهم من أهل عصره.
تلاميذه: قال في «عقد اليواقيت»: «أخذ عنه جماعةٌ من أشياخنا»، اهـ. فمنهم:
1- السيد الشريف، العلامة الحبيب عبدالله بن أبي بكر عيديد (ت 1255هـ)، تخرج بالسيد الهندوان، ولازمه ملازمة تامة [عقد اليواقيت: 1/541].
2- السيد الشريف العلامة الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر (ت 1272هـ)، الذي يلقبه ابن عبيدالله السقاف بجبل العبادة، قرأ عليه عدة كتب في الفقه والنحو [عقد اليواقيت: ص 462].
3- السيد الشريف، العلامة الحبيب عبدالله بن علي بن شهاب الدين (ت 1265هـ)، قال عنه: «الحبيب العلامة، ذو الفهم الوقاد، الذي له العلم منقاد، الفخر أبوبكر ... قرأت عليه غالباً في شرح المنهاج «التحفة» للشيخ ابن حجر، مع فحص وبحث وتدقيق وتحقيق، وفي «شرح الحكم» لباراس، وفي «تيسير الوصول» للديبع، وأجازني فيما قرأه وقرأته عليه. وفي كتب الحبيب أحمد الهندوان من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والأوراد وغير ذلك. وحضر درسي مراراً عديدة، ولم أزل معه في مذاكرة. وقد تعرض سؤالات ويعرضها علينا، وقد نعلم عليها ولا هناك إلا علم وحق، رحمه الله رحمة الأبرار، وجمعنا الله وإياه في مستقر رحمته»، [عقد اليواقيت: 1/492-493].
4- السيد الشريف، العلامة الفقيه الحبيب عبدالله بن حسين بلفقيه (ت 1266هـ)، أخذ عن السيد الهندوان، [عقد اليواقيت: 1/ 570]. قال في وصفه: «الشيخ الحفيل، الشريف الجليل، العلامة فخر الدين أبوبكر ... لازمته سنيناً عديدة، واقتبست من علومه فوائد فريدة، وقرأت عليه كتباً مفيدة، من جملتها في فروع الدين: «تحفة المحتاج بشرح المنهاج» للعلامة ابن حجر إلا قليلا منها، وغير ذلك من تفسير وحديث وفقه وحقائق ورقائق وآلات» [عقد اليواقيت: 1/620].
5- السيد الشريف، الحبيب العلامة أحمد بن علي الجنيد (ت 1275هـ)، أخذ عنه، وترجم له في «الروض المزهر»، وفيها: أنه صحبه في حج سنة 1239هـ، وأن مفتي الشافعية بمكة الشيخ محمد صالح الريس الزمزمي (ت 1244هـ) أتى لزيارته في محل نزوله، في زاوية الإمام الحداد بمكة [الروض المزهر: ورقة 65/أ].
مستندُ من جعل السيد الهندوان سلفياً
كل من ترجم للسيد الحبيب أبي بكر الهندوان يعتمد على عبارات وردت في كتاب (إدام القوت) للعلامة ابن عبيدالله السقاف (ت 1374هـ).
العبارة الأولى: في سياق تاريخ بلدة تريس، في أثناء ترجمة السيد علوي بن سقاف الجفري (ت 1273هـ)، فوصفه [ص 657] بأنه: «وهابي قح»! ومناسبة ذكره: مسألة ختم المجالس بالفاتحة التي جرى حولها بحث وخلاف بين الجفري وابن طاهر، وتأييد بلفقيه للجفري، قال ابن عبيدالله بعد كلام: «ومن هذا ومن أخذ الجماعة كلهم عن السيد أبي بكر بن عبدالله الهندوان، وهو وهابي قح، تبينتُ ..»، إلى آخر كلامه.
التعليق: هنا وقفة عند قول السيد ابن عبيدالله: (الجماعة كلهم)، فلا أحد من الآخذين عن الهندوان، ممن ذكروا في السياق المتقدم، سوى بلفقيه، وهذا سبق ذكره في عداد تلاميذه. فهذه العبارة فيها تهويل من السيد ابن عبيدالله رحمه الله. ثم إننا إذا تأملنا القضية، وهو الخلاف في قراءة الفاتحة في ختم المجالس نجده أنها مسألة فرعيةً جداً، لا يترتب عليها كبير عمل ولا كبير فائدة، وليست بالأمر الذي يجعل منكرها يعد وهابياً أو سلفياً!. على أن السيد ابن عبيدالله ذهب إلى تأييد القول بسنية الفاتحة، وقد لخص المسألة في كتابه الكبير «بضائع التابوت» [2/ 121-122].
العبارة الثانية: في سياق تاريخ تريم السياسي، عند ذكر عبدالله عوض غرامة (ت 1255هـ)، قال ابن عُبيدالله [ص 950]: «وكان ينكر بطبعِه غلوَّ القبوريّين، فوافقته آراء الوهّابيّة، وأكثر التّعلّقَ بوحيد عصره، وفريد دهره، مقدّم الجماعة، وشيخ الصّناعة، الّذي انتهت إليه رياسة العلم بتريم، العلّامة الجليل السّيّد أبي بكر بن عبدالله الهندوان، المتوفّى بتريم سنة 1248. وقد اتّهمه العلويّونَ بأنّه هو الّذي يعلّم عبدالله عوض غرامة آراءَ الوهّابيّة! ويحثّه على الإلزام بها، ومؤاخذة النّاس بمقتضاها، فتآمروا على قتله، فهربَ إلى بيت جبير، ولم يقدر عبد الله غرامة على حمايته بتريم؛ لأنّه لا يملكها كلّها»، انتهى كلامه.
التعليق: هذه العبارة احتفل بها بعض الكتاب والباحثين منهم المعلم في كتابه (القبورية في اليمن، حضرموت نموذجاً)، وقد ذكر السيد الهندوان في 3 مواضع من كتابه، وغيره. كما لم يحدد السيد ابن عبيدالله مصدره في الموقف الذي نقله عن السيد الهندوان، وقد راجعتُ (العدة المفيدة) فلم أجد له ذكراً فيها، ولكني أتأمل أنه اعتمد على عبارة لتلميذه العلامة الجنيد في كتابه «الروض المزهر»، فإنه ذكر موقفاً لشيخه الهندوان، وهذه عبارته أنقلها بالحرف عن نسخة خطية [ورقة 65/ب، نسخة ج. الرياض]، قال: «ووقع عليه امتحانٌ من بعضِ يافع، حتى أنهم تعرضوا لقتله. والسببُ: أنه لما رأى ولدَ عوض غرامة قامَ في الأمر الذي قام فيه أولاً من طريق التحدي [النجدي!]، ظنّوا أنه يعلّمُه، حتى زال من البلادِ إلى بيت جبير، واعتزلَ. وإذا جاءَه عبدالله عوض غرامه، قال له: ظننتُكَ نحل، وجدتُك ذبِر، رحمه الله تعالى ونفعنا به»، انتهى. جاء في هامش النسخة: تعليقا على كلمة «ذبِر»: «أي: زنابير».
هذه عبارة الجنيد، فإذا كانت هي مصدر ابن عبيدالله، فإن فيها وقفات: (1) فليس في عبارة الجنيد أدنى إشارة إلى أن الهندوان خاف من العلويين البتة! وسياق كلامه يدل على أنه خاف من (بعض يافع) لتعرضهم لقتله، حيث ظنوا أن غرامة يتلقى تعاليمه من الهندوان. (2) أن موقف الهندوان من غرامة تغير إلى النقيض، فقد اضطر بسببه إلى الخروج من تريم خوفاً على نفسه، فلم يقم غرامة بحمايته، وهو ما جعله يقرّعُه ويصفه بالذبر أي الدبابير القارصة، بعد أن كان يظن أنه نحلٌ يجنى منه العسل!.
وهذه صورة المخطوط ليتأمله القارئ ويحكم بنفسه، ورحم الله السيد ابن عبيدالله فلعله تعجل القراءة من نسخة سقيمة من كتاب الجنيد، أو أنه كتبَ ما كتب من حفظه دون مراجعة الأصول، وأيا كانَ الأمر، فها هو النص بين أيدينا، وهو هذا:



وبعد مراجعة «بضائع التابوت» وجدت السيد ابن عبيدالله [2/124-125] قد أورد نص كلام الجنيد كما هو هنا بالحرف، فدل على أن ما كتبه في موضع آخر من جعل سبب هروبه غير ما في هذا النص، أنه كتبه من حفظه، لأنه لو وقف على هذا الخبر في مصدر آخر لذكره، ولم يذكر سوى «شرح قصيدة مدهر».
العبارة الثالثة: قول السيد ابن عبيدالله في «ادام القوت» [ص 952]، في سياق أخبار عبدالله غرامة، وحادثة مقتل السيد سالم عيديد سنة 1229هـ، قال: «.. غير أنّ رصاصة أصابت السّيّد سالم عيديد، فسقط ميّتا مع البارود، وفي اليوم الثّاني أرسل إليهم الأمير عبدالله عوض بتعزية يقولُ فيها: (إنّنا لا نريد ذلك ولا نحبّه، وإنّما كان قتله على غير اختيار منَّا، لكنّ شؤم أعمالكم، والتفاتكم إلى غير الله، وعبادتكم للأموات والقبور، هو الّذي جرّ عليكم المصائب، وسيجرُّ عليكم ما هو أعظم) اهـ. ويقال: إنّ هذه المكاتبة كانت من إنشاء إمام تريم لذلك العهد، المتقدّم ذكره، السّيّد أبي بكر بن عبد الله الهندوان، والله أعلم»، انتهى.
ثم بعد مراجعتي لكتاب «بضائع التابوت» [2/ 116] وجدته لم ينسب الرسالة أو المكتوب لأحد بعينه. وهذا نص كلامه: «ومن أخباره [يعني: غرامة] أنه أرسل بعبيده لأذية أهل المسيلة، ولما وصلوها أحجموا، لنفس السبب الذي صرفهم به الله عن الحبيب عبدالله بن عمر بن يحيى. وعند انصرافهم عنها التقوا بالسيد سالم بن أبي بكر عيديد فقتلوه ظلماً. وكان ذلك كما ذكره الحبيب أحمد الجنيد في «شرحه على قصيدة مدهر» في سنة 1229. وفي اليوم الثاني أرسل الأمير عبدالله عوض بتعزية، يقال إنها من إنشاء بعض العلويين، يقول فيها ...»، الخ.


التعليق: مضمون عبارة «البضائع» تختلف عن عبارته في «الإدام» كثيراً. وذلك:
1- في الإدام نسب الرسالة إلى من (يقال) إنه إمام العلويين في تريم الذي لم يكن سوى السيد الهندوان. بينما نسبها في البضائع لبعض العلويين!. و(يقال) عند الفقهاء والمؤرخين: للتبرئ وإخلاء الذمة، والسيدُ ابن عبيدالله فقيهٌ، يعرف ماذا يكتُب.
2- أفاد النص أن ابن عبيدالله اعتمد على «شرح قصيدة مدهر» للجنيد، وهذا يعزز الملاحظة التي سبقت في تفنيد القول بأن الهندوان هرب من عشيرته السادة!.
3- عبارة «الإدام» لا تفيد إدانة غرامة وعبيده بقتل السيد سالم عيديد، بينما تثبت ذلك وتدين عبارة «البضائع».
وبهذا ينتهي الكلام على السيد الهندوان، وبيان موقفه الذي احتفل به من احتفَل، اعتماداً على عبارة (إدام القوت)، وقد كشفنا النقاب عن مصدرها، وبان الأمر على حقيقته. وإنما أطلتُ في ترجمة الحبيب أبي بكر الهندوان هنا، لأني لم أحرر ترجمته من قبل، ولم أذكره في كتابي «جهود فقهاء حضرموت» نظراً لعدم وجود تأليف فقهي له، كما هو شرطي في الكتاب.

الشخصية الثانية
السيد العلامة عبدالله بن حسين بلفقيه (ت 1266هـ)
لن أطيل في ترجمته، فقد ترجمتُ له في كتابي «جهود فقهاء حضرموت» [2/ 855]، وذكرت فيه من مصادر ترجمته، وهي: عقد اليواقيت: 1/ 560؛ عقود اللآل: ص257، و: منحة الفتاح: ص91، نيل الوطر: 2/ 78، تاريخ الشعراء: 3/ 189، الأعلام: 4/ 80، مصادر الفكر: ص284. فليرجع إليها من أراد.
وأكتفي هنا ببيان بعض العبارات الواردة في ترجمته، وفي بعض مؤلفاته، مما يثبت تصوفه وأشعريته، وأنه لم يكن سلفياً أو وهابياً كما جاء في بعض المراجع.
1.      قال تلميذه العلامة عيدروس بن عمر الحبشي (ت 1314هـ) في «عقد اليواقيت» [1/560]: «.. وقرأتُ عليه، وألبسني الخرقة الشريفة، ولقنني الذكر»، الخ، وكرر ذكر الإلباس وتلقين الذكر في 1/562، و1/563، و1/566-567.
2.      وقال [1/563]: «وقال لي: أنتَ منا وفينا، صلة متصلة في الدنيا والآخرة».
3.      وقال [1/564] عن حزبه المسمى «الكنز الأكبر»: «من واظبَ على قراءته أربعين يوماً متواليةً لم يخلَّ بشيء منه، لابدَّ أن يحصل له فتحٌ لا يقدَّر»!
4.      وذكر [1/ 564] أنه كان يزور قبر النبي هود عليه السلام! وطلب من تلميذه الحبشي أن يسلم على النبيِّ هود، وقال له: «اعتذروا لنا عنده، وادعوا لنا، وأنتم محلنا، إذ نحن مستمدُّون منكم».
5.      وفي [1/566]: ذكر أنه تلقى الطريقة النقشبندية.
6.      وفي [1/576]: توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، قائلا: «فنسأله سبحانه، مادِّين إليه أكف الضراعة، متوسلين إليه بأحب أسمائه إليه وبسيد أهل الشفاعة»، الخ.
7.      وفي [1/584]: أورد سنداً عن شيوخه وفيه رجلٌ «أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة»، لأنه كان يجتمعُ به يقظةً.
8.      وفي [1/587-588] نقل قوله: «وما مدَد آل باعلوي إلا من بعضهم بعضاً، فكم من مشهور في بركة مستور»، الخ.
هذه عبارات قليلة منتقاة، ومن أراد المزيد فعليه بمصادر ترجمته، وديوانه، فهل يقول بهذه الأقوال سلفيٌ أو وهابي!؟
مستندُ من جعل العلامة بلفقيه سلفياً
أما كيف جعل الكاتبُ، وغيره من الباحثين المعاصرين، هذا السيد العلامة الجليل من أعلام سلفية حضرموت؟ فهذا مرده أيضاً إلى ما ود عند السيد ابن عبيدالله السقاف في «إدام القوت» فعنه صدر من صدر، وعنه نقل من نقل. وفيما يلي ننقل عباراته:
[1] العبارة الأولى: قال في «إدام القوت» [ص 657] في سياق كلامه عن مسألة الفاتحة، التي تقدم ذكرها في ترجمة السيد الهندوان، ثم عرج على ذكر العلامة السيد الحسن بن صالح البحر، ثم قال: «.. ولا يشكِلُ على هذا ما في «بغية المسترشدين» عن فتاوى الحبيب علويّ بن سقّاف الجفريّ هذا من جواز التّوسُّل؛ لأنّه إنّما يبيحُ منه ما لا يوهِم القدحَ في التّوحيد، كما لا يشكِلُ ما يوجد في بعض «مكاتبات» الحبيب عبد الله بن حسين بلفقيه، مع توهيبه، من الإنكار على بعضِ المتشدِّدين في ذلك؛ لأنّ ذلكَ الإنكار إنّما كان للتّهوّر وفرط الغلوّ اللّذين اشتطّ فيهما الرّجل، ..»، الخ.
التعليق: السيد ابن عبيدالله وصف العلامة بلفقيه هنا بالقول بالتوهيب، وقدمتُ قبل هذا إيراد طائفة من عباراته وأقواله مما يخالف هذا الوصفَ بتاتاً. وعلاوة على ما تقدم، فإن السيد ابن عبيدالله يثبتُ هنا أن بلفقيه يقول بالتوسل، فنسفَ بذلك كل ما يمكن أن يوصف بأنه إداناتُ توهُّبه! وأزيد: إننا لو ألقينا نظرة على «ديوانه» لوجدنا قصائد عديدة فيها توسلات بل واستغاثات. فليراجعه من أراد المزيد.
[2] العبارة الثانية: قال في «إدام القوت» أيضاً [ص 658]: «.. مع أنّ هؤلاء ينكرون إنكاراً شديداً على القبوريّين وجهّالهم، حسبما قاله لسانُ حالهم الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان، في غير موضع من كتبه، ولم يكونوا في ذلك بمقلّدين، بل كما قال سيّدي عبدالله بن حسين بلفقيه حين رمَى كتاب غرامة: (نحن وهّابيّون من أيّام محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وآله وسلّم، الّذي جاء بتكسير الأوثان، والحنيفيّة البيضاء)».
التعليق: يريد السيد ابن عبيدالله هنا أن يقول: إن أهله وأسلافه من السادة آل باعلوي، بشهادة العلامة بلفقيه موحدون، بريئون من كل ما يصفهم به مخالفوهم، وهذه حجة على كل من ادعى أنهم على غير ذلك الوصف من التوحيد الخالص. فعلامَ إذاً ينكرون، وبماذا يحتجون؟ فإذا كان ما نقلته سابقاً من عبارات العلامة بلفقيه، تقتضي التوحيد الخالصَ عند السيد ابن عبيدالله، فما هناك إذا توهبٌ، ولا مخالفة لطريقة آل باعلوي. وعليه، فإما أن يحكم المخالف أن طريقة آل باعلوي كلها سليمة من المخالفة وهذا هو المطلوبُ. أو يحكم بتناقض أقوال السيد ابن عبيدالله، فيسقط كل احتجاج احتج به المخالفون الزاعمون توهب بلفقيه أو الهندوان. فليختر أيهما شاءَ، فالحجة واضحة، والحمدلله.
[3] العبارة الثالثة: قال في «إدام القوت» [ص 952]: «وقد سبقت الإشارة في تريس وغيرها إلى ميل الحبيب عبد الله بن حسين بلفقيه إلى بعض آراء الوهّابيّة»!
التعليق: دققنا النظر، وراجعنا العبارات، وقرأنا ما قبل وما بعد، فلم نجد شيئاً من الآراء لدى العلامة بلفقيه يستحق أن يقال إنه وافق فيه رأي الوهابية!. سوى كونه أيد معاصره العلامة الجفري في رده على الحبيب طاهر بن حسين (ت 1241هـ) المسمى «الدلائل الواضحة في الرد على رسالة الفاتحة»، وهو كتاب ضائعٌ وصفه السيدُ ابنُ عبيدالله بأنَّ مؤلفه العلامةَ الجفريَّ ترجم فيه لابن تيمية وابن القيم وللشَّيخ محمد بن عبدالوهاب، وأطنبَ في الثناء عليهم. قال في «الإدام» [ص 657]: «ولمّا اطّلع عليها الحبيب عبد الله بن حسين كتب عليها بخطّه: (علويُّ بن سقّافٍ يقولُ الحقَّ ولو كان مرّا)»، اهـ. فهذا هو قصارى القول في وصف ابن عبيدالله العلامةَ بلفقيه بالتوهُّب! فقط لأنه كتب تلك العبارة على ذلك الكتاب المفقود!! وأترك القارئ يحكم بنفسه، هل هذا مسوغٌ كافٍ لأن يحكم على شخصٍ بأنه وهابي!! مع ما تقدم من نقل عباراته المناقضة لأدنى المسائل التي يكفر بها المخالف لما في كتاب «التوحيد» أو «كشف الشبهات»!!

الشخصية الثالثة
السيد العلامة علوي بن سقاف الجفري (ت 1273هـ)
لن أطيل في ترجمته، فقد ترجمتُ له في كتابي «جهود فقهاء حضرموت» [2/ 910]، وذكرت فيه من مصادر ترجمته، وهي: عقد اليواقيت: 1/ 688؛ و: منحة الفتاح: ص99، العدة المفيدة: 2/ 162، نيل الوطر: 2/ 105، فهرس الفهارس: 2/ 789، إدام القوت: ص656، الفرائد الجوهرية: 3/ 670 (ترجمة: 1130)، مصادر الفكر: ص286. فليرجع إليها من أراد.
وأكتفي هنا ببيان بعض العبارات الواردة في ترجمته، وفي بعض مؤلفاته، مما يثبت تصوفه وأشعريته، وأنه لم يكن سلفياً أو وهابياً كما جاء في بعض المراجع.
1.      جاء في «عقد اليواقيت» [1/693]: ذكر مقروءات السيد الجفري على والده، قال: «.. فقرأت عليه «التعرف في الأصلين والتصوف»، وقرأت عليه «الجواهر والدرر»، وأما كتب القوم فأظن أني استوعبتُ كتب مشايخنا، كالشيخ عبدالله الحداد، و«إيضاح أسرار علوم المقربين»، و«روض الرياحين»، وغير ذلك».
2.      وفي [1/ 693، و1/ 696، و697] ذكر تلقيه تلقين الذكر عن عدد من شيوخه.
3.      وفي [1/697] وصف أحد شيوخه بأنه «الغارق في أبحر المكاشفة، والآخذ من العلوم اللدنية بالمشافهة!». ووصف شيخاً آخر بأنه «الجامع بين علمي الباطن والظاهر».
4.      وفي [1/702] ذكر شيخه الحسن بن صالح البحر، فقال: «أجاز لي، وألبسني الخرقة مراراً، وأعطاني طاقية ملبوسة له»، إلى أن قال: «ختمت به سائر مشايخي، لأنه رضي الله عنه ختامهم باطناً وظاهراً، وقد اجتمع فيه ما تفرق فيهم»، الخ.
فهل يكون سلفياً وهابياً من يقرأ على شيوخه «روض الرياحين» لليافعي؟ ومن يعتز بالانتساب إلى عبدالله الحداد، والعيدروس! هل هذه عبارات رجل يوصف بأنه وهابي سلفي! أم سيد منتسب إلى طريق آبائه وأجداده آل باعلوي الشافعية الأشاعرة.
مستندُ من جعل العلامة الجفريَّ سلفياً
عندما نبحث عن مستند القائلين بسلفية السيد الجفري، لا نجد إلا «ادام القوت»، وها هو بين أيدينا، وتطالعنا العبارات التالية:
العبارة الأولى: قال في [ص 656] في سياق ترجمة العلامة الجفري: «.. وكان هو وسيّدي الجدُّ محسن بن علويّ، أخصَّ تلاميذ سيّدنا الحسن بن صالح البحر، وكان الحقُّ عنده فوق كلّ عاطفة، من ذلك: أنّ بعض الوهّابيّة أنكَر على آل حضرموت جعلهم ختم المجالس بالفاتحة على الكيفيّة المعلومة سنّة مطّردة، مع أنّه لا دليل على ذلك، فردّ عليه سيّدنا طاهر بن حسين بردّ خرجَ مخرج الخطابة والوعظ، فنقضه الحبيب علويّ بن سقّاف الجفريّ هذا برسَالة سمّاها «الدّلائل الواضحة في الرّدّ على رسالة الفاتحة»، ترجَم فيها لابن تيمية، وتلميذه ابن القيّم، وللشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب صاحب الدّعوة المشهورة، وأطنب في الثّناء عليهم»، اهـ.
التعليق: هذا هو قصارى القول في سلفية العلامة الجفري! أنه أنكر على القائلين بأن ختم المجالس بالفاتحة سنة نبوية؟ وهل يقول بهذا عالم يخاف ربه! وليس هناك نص أو رائحة نص على السنية، صدرت من عالم مشهور أو مغمور من علماء حضرموت.
ورسالة الحبيب طاهر بن حسين وهي المسماة «المقالة الواضحة» بين أيدينا، منها عدة نسخ [عددتها في كتابي «جهود فقهاء حضرموت»: 800]، ليس فيها تصريح بالسنية، غاية الأمر أنه قال: إنها عادة حسنة، وأنها من (عمل السلف) أي: سلفه من السادة العلويين، وأنها بالطريقة المعروفة ليس فيها ما يخالف ظاهر الشرع. وقد أفاض السيد ابن عبيدالله السقاف البحث في مسألة ختم المجالس بالفاتحة في «البضائع» وانتهى إلى تأييد ومناصرة القائلين بمشروعيتها.
نعم، العلامة الجفريُّ له أقوال خالف فيها بعض العادات السائدة في بعض بلاد حضرموت، كصلاة القضاء المعروفة في رمضان، وقد اشتدَّ على القائلين بمشروعيتها استناداً إلى حديث موضوع، وكلامه حق لا ريب فيه، فالحديث المزعوم فيها باطل موضوع، وقد ألف في إبطاله علماء منهم علامة الهند محمد عبدالحي اللكنوي (ت 1304هـ) وكتابه مطبوع. ولعل القارئ يتعجبُ كثيراً إذا علم أن السيد ابن عبيدالله له رسالة يؤيد فيها القائلين بمشروعية صلاة القضاء! وأنه خرجها مخرجاً فقهياً. مخالفاً في ذلك ما ذهب إليه السيد الجفري، فهل سيصبح السقاف داعية خرافات وبدع الآن! بموجب مقاييس بعض الناس.
العبارة الثانية: قال السيد ابن عبيدالله في «الإدام» [ص 657]: «.. فعرفت أنّ المراد بلفقيه؛ لأنّه هو الّذي لا يحبّ مؤلّف «الدّلائل الواضحة»؛ لاتّساع شقّة الخلاف بينهما في عدّة مسائل فروعيّة، تبودلت بينهما في بعضها الرّدود اللّاذعة من الطّرفين».
التعليق: عند السيد ابن عبيدالله تصوراتٌ يستغرب منها المدقق لكلامه، فهو هنا يفترض وجودَ عداوة بين عالمين متعاصرين، لمجرد وجود ردود علمية جرت بينهما. نعم، قد يكون ذلك متصوراً لو أننا لم نقف على نصوص تجعل ذلك الظن، وتلك التصورات تتبدد وتتلاشى.
لنستمع إلى كلام العلامة الجفري، وهو يذكر معاصره العلامةَ بلفقيه ويعده ضمن شيوخه، وهو الشيخ الحادي عشر في «ثبته» الذي لخصه تلميذه الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي في «العقد»، قال [العقد 1/ 697-698]: «ومنهم السيد الإمام، الجامع لمراتب أهل الكمال، الحائز لوصفي الجلال والجمال، العلم المشهور، والنور المنشور، عبدالله بن الحسين بلفقيه. كان هذا السيد من العلماء المبرزين، والمتقدمين في حلبة السباق مه المصلين. اتفقت واجتمعتُ به، وذاكرته في مسائل من الفقه والأصول، فوجدته بحراً لا تغيضه الدلاء، وبدراً لا يكسف نوره الغشاء. وطلبتُ منه الإجازةَ فأجازني كما أجازه مشايخه، بشرط أن أجيزه»، اهـ. هل يعقل أن يكون هذا كلام رجلٍ يصف شخصاً (غير محبوبٍ) لديه!

الشخصية الرابعة
الشيخ علي بن أحمد باصبرين (ت 1305هـ)
لن أطيل في ترجمته، فقد ترجمتُ له في كتابي «جهود فقهاء حضرموت» [2/ 855]، وذكرت فيه من مصادر ترجمته، وهي: نشر النور والزهر «المختصر»: عدة مواضع (حسب الفهرس)، إدام القوت: ص307 - 311، الشامل: 571؛ تراجم علماء جدة من الحضارمة: ص36، الأعلام: 4/ 260، مصادر الفكر: ص300؛ القلادة: 146.
وأفرده بالترجمة الباحث الأستاذ أنور علي باحميش في كتبا سماه «علامة حضرموت وجدة الإمام علي بن أحمد باصبرين، مناقشة فكر، تحديد انتماء، بيان آراء»، صدر عن مكتبة تريم الحديثة سنة 1434هـ. فليرجع إليها من أراد.
وأكتفي هنا ببيان بعض العبارات الواردة في ترجمته، وفي بعض مؤلفاته، مما يثبت تصوفه وأشعريته، وأنه لم يكن وهابياً كما جاء في بعض الأبحاث المعاصرة.
1- جاء في مناقبه التي سهل المولى تعالى لي الوقوف على نسختها الفريدة بعد سنين مضت من البحث والسؤال عنها، وهي من تأليف الشيخ الفاضل أحمد بن همام بن علي القناوي المصري، رحمه الله.


جاء في الفصل الأول منها، ذكر طريقته، قال القناوي: «وأما طريقته ومشربه، فشاذليٌ. أخذ الطريقة الشاذلية عن الأكابر العظام. منهم الشيخ الكامل السيد سليمان المغربي. ومنهم الشيخ الجليل الكامل الشيخ محمد بهي، المدفون بطنطه، بجوار سيدي السيد أحمد البدوي. ومنهم الشيخ الجليل الجامع بين علمي الطريقة والشريعة، أبو المحاسن، السيد محمد القاوقجي. وكل منهم خلفه في الطريقة الشاذلية. وغير هؤلاء من السادلة الخلفاء الشاذلية، رضي الله عنهم».
وهذه صورة النص مصورا عن المخطوط:



2- كل من ترجم له من علماء حضرموت، لم يذكر عنه أنه كان سلفياً أو وهابياً، بل تتفق جميع المصادر على أنه كان شافعياً أشعرياً، مشاركاً في العلوم. وأنه كان فيه حدة في طبعه، وكان لا يخاف في الله لومة لائم. وكان شديداً على العامة في ما اعتادوه من الزيارات والمظاهر التي فيها مخالفات شرعية.
ولكن هذه الصفات لا يلزم منها أن يكون المتصف بها وهابياً، فهذا العلامة السيد علوي بن طاهر الحداد (ت 1382هـ) أنكر في كتابه «الشامل في تاريخ حضرموت» الكثير من عادات زيارة القبور، وذكر أموراً لا يقرها الشرع ولا العرف، فهل أصبح بذلك وهابياً!. وتقدم نقل كلام السيد ابن عبيدالله السقاف على لسان العلامة المفتي عبدالله بن حسين بلفقيه: «نحن وهابيون من ..»!
3-ذكرت في كتابي «جهود فقهاء حضرموت» [2/987] كتاباً للشيخ علي باصبرين عنوانه «كنز السعادة في أصول العبادة»، فرغ من تأليفه في 4 جمادى الأولى 1271هـ، وقد رأيته ينقل فيه عن «حِكَم الشيخ أبي مدين شعيب التلمساني»، وعن رسالة «قواعد التحقيق لكافة الطريق» لشيخه محمد القاوقجي (ت 1305هـ).
فلو كان الشيخ علي باصبرين وهابياً كما يقال عنه لما نقل عن هذه المؤلفات التي يرى الوهابية ضلال مؤلفيها كما هو معلوم.
مستندُ من جعل العلامة باصبرين سلفياً
سأذكر في السطور التالية أهم المسائل التي اتكأ عليها من ظن أن الشيخ علي باصبرين كان سلفيا وهابياً، وهو إنما كان فقيها شافعياً شاذلياً صوفياً أشعرياً. ولا يعني جهره بإنكار المنكرات الذي هو واجب أهل العلم في كل زمان ومكان أن يكون من الوهابية، وكأن إنكار المنكر والصدع بالحق حكر على طائفة من الناس دون أخرى.
المسألة الأولى: أعظم ما يتكئ عليه من قال بتوهيبه هو ما ورد في رسالته «الجمل من المناهي الدينية» التي ألفها سنة 1294هـ، في بلدته القُرحة، عقب قدومه من مكة في أواخر شهر رمضان. وكان الذي أشهرها وكتب عنها لأول مرة هو فضيلة العلامة الشيخ علي سالم بكير في مقالة له نشرت ضمن كتيب بعنوان «رجال وكتب» [ص 107-140]، كما ذكرت في كتابي «جهود فقهاء» [2/991]، وقد نشرت مستقلة سنة 2007م عن مطبعة وحدين بالمكلا، بعناية الباحث أكرم عصبان. ونقل عنها قبل طبعها المعلم في كتابه «القبورية في اليمن» [ص 571 وما بعدها]، وأشاد بما ورد في كتاب «القبورية» الأخ د. خضر بن سند محقق كتاب «تراجم علماء جدة من الحضارمة» للعميري [ص 36 هامش].
كما للشيخ باصبرين رسالة أخرى عنوانها «إرشاد صالحي العبيد لتحقيق إخلاص كلمة التوحيد»، ذكرها في المسألة التاسعة من  «المهمات الدينية». وأشار إليها الشيخ المعلم [ص 571]، وأشاد بها محقق رسالة العميري [ص 36 هامش].
بناء على ذينك الكتابين، فقد أشاد المعلم بالشيخ علي قائلاً عنه: «كان عاملاً بعلمه، داعياً إلى ماهو مقتنع به، لم يجمُد على ما كان عليه أهل مصرِه وعصره؛ بل دعَا إلى التوحيد، وحذر من الشركِ، وزيَّف الخرافاتِ، وحاربَ المنكراتِ؛ ومن أجل ذلك حاربه علماء حضرموت ونازعوه وحذروا منه». وقال محقق رسالة العميري: «له مؤلفات في العقيدة السنية الصحيحة، ومحاربة للبدع والخرافات والشركيات».
التعليق: في كلام الشيخ المعلم ملاحظات، أهمها:
[1] في كلام المعلم إجحافٌ شديد وغمط كبير لعلماء حضرموت، وتعريض خطير بأنهم واقعون في الشرك والعياذ بالله، وما هذا إلا لأنه يصدر عن تصور خاص به، وإلا فأهل حضرموت على علم وتوحيد وسنة والحمدلله. وقضية القبب والقبور فيها أخذ ورد وتفصيل وتطويل، وقد حذر علماء حضرموت من إفراط العوام في مظاهر التبرك وفتاواهم ومؤلفاتهم فيها نصوص كثيرة. أما رميُ الناس بالكفر والشرك فهذا مسلكٌ متشدد متشنج، حتى الشيخ باصبرين الذي يشيد به لم يكن كذلك.
[2] قول المعلم [ص 570]: «ومن أجل ذلك حاربه علماء حضرموت ونازعوه وحذروا منه». هذا قول فيه مغالطة كبيرة، وافتراءٌ على الشيخ علي وعلى معاصريه، فلم يحاربه أحد، ولم يحذر منه. كيف وكبار تلاميذه هم من أكابر وأعيان السادة آل باعلوي، كالحبيب عمر بن حسن الحداد (ت 1307هـ) الذي وصفه بأنه «إمام في كل العلوم، حاد الطبعِ» حسب «إدام القوت» [ص 308]. وحدة الطبع هي التي أنكرها الحبيب أحمد بن حسن العطاس بحسب العبارة التي في «إدام القوت» [ص 308-309].
أما النزاع، فنعم، كان هناكَ حراكٌ علمي وأخذ ورد بينه وبين بعض فقهاء حضرموت في عصره. فمن ذلك: رد السيد العلامة سالم بن محمد الحبشي (ت 1329هـ) المسمى «قرة العين وجلاء الرين»، رد فيه على الشيخ باصبرين في بعض مواضع من كتابه «الجمل من المهمات الدينية»، ذكرته في كتابي «جهود فقهاء حضرموت» [1/991؛ و: 1/1037] وعرفت بمضمون هذا الرد، وقد تأدب الحبيب سالم الحبشي مع الشيخ قائلا في ديباجة الرد: «سمعت نداءك أيها الحبيب المستند، وأجبت دعاك أيها الصارخ المسترشد»، الخ. فهل هذا تحذير أو محاربة للشيخ! أم أنه سار على سنن أهل العلم في كل عصر، يردون على بعضهم البعض مع الأدب والاحترام. لماذا المغالطة؟!
كما رد عليه ونازعه أكثر من واحد في قضية الاعتماد على «شجرة الأنساب» في إثبات العصوبة، وتلك مسألة فقهية بحتة، لا تفيد إنكار الشيخ علي للشجرة العلوية البتة.
[3] وأما قول الحبيب أحمد المحضار: «بعض الناس قوله وبوله سواء»، التي نقلها السقاف في «الإدام» [ص 310]، وقد انتهزها فرصة المعلم فقال [ص 571، هامش 2] إنها «تدل على مبلغ العنجهية لدى هؤلاء الناس»! .. وهذا انتقاء غير محمود من الشيخ المعلم، لأن السقاف أورد في الصفحة نفسها التي نقل عنها المعلم [الإدام: ص 310] قول الحبيب أحمد المحضار في حق الشيخ علي: «.. وهو مجرب في تجربته، وحريص في أجوبته، وبالله فرض الصلاة والوضوء، ما أردته بسوء». أليس في هذا تواضع من الحبيب المحضار، وقسَمٌ منه، وهو الورع التقي، بأن عبارته السابقة لم يقصد بها الشيخ علياً .. لماذا سوءُ الطوية، والتلصص على القلوب والنفوس، والإعراض عن العبارات الواضحة إلى التحليلات النفسية الفاسدة!!
ولنقرأ العبارة التالية في «إدام القوت» [ص 311] لنتعرف على أسلوب الحبيب أحمد المحضار، المعروف بترسله الأدبي، وحبه للسجع في كتاباته:


 المسألة الثانية: مسألة النذر للميت، وهي (المسألة العشرون) في «المهمات الدينية»، أوردها المعلم [ص 572-573]، ونقلها بنصها. ولكنها لم تعجبه، فأورد عليها ملاحظتين، ولكون الشيخ باصبرين فقيهاً محققاً، فإنه قيد تكفير الناذر للميت بوجود التعظيم. لكن المعلمَ استدرك عليه بقوله [ص 573]: «جعل النذر شركاً إن وُجدَ الاعتقاد والتعظيمُ، هذا فيه قصورٌ. إذ النذر عبادةٌ لله تعالى وليس كما يفهمه بعض الفقهاء مجرد هبة أو عطية، ولذلك فجعله لهذا المشهد أو القبر هو في حد ذاته قربة وعبادة، وصرف ذلك لغير الله شرك، ولو لم يوجد التعظيم»، إلى آخر كلامه.
التعليق: مسألة النذر للميت تناولها فقهاء حضرموت بالذكر والتفصيل في فتاواهم، ومن راجع باب النذر في كتب الفتاوى لخرج بحصيلة طيبة. ثم إن هذه المسألة التي احتج بها المعلم على سلفية أو وهابية الشيخ علي باصبرين، لا تسعفه، لأنها خرجت مخرج الفقهاء، لا مخرج المتنطعين كالمعلم الذي حرف العبارة وصرفها عن مراد قائلها. فعجبٌ له، يستدرك على فقيه شافعي يسير وفق قواعد مذهبه! هذا لا يجوز، وهو تطاول وتسور ومصادرة لعلم ذلك العالم. فبطل بهذا احتجاجه من أصله.
ولما أن المعلم لم يجد في الشيخ علي بغيته فقد ختم ترجمته قائلا [ص 575]: «وقد بقي لديه بعض آثار مدرسة حضرموت، لم يستطع التخلص منها، وهي قليلة في جانب ما حقق من إصابة للحق»! مشكلة احتكار الحق هذه هي معضلة عصرنا ومتطرفيه.
المسألة الثالثة: مسألة «الشجرة العلوية». جرت بين الشيخ علي باصبرين وبين بعض فقهاء عصره نزاع في الاحتجاج والاكتفاء بإثبات عصوبة وارثين بمجرد ثبوتهم في «الشجرات» المكتوبة، دون أن يعرفهم أحد من أهل بلد المورِّث. فهو لا ينكر صحة الشَّجرات، ولا ينكر أصل الشرف والسيادة، ولا ينكر اتصال أنساب أشراف حضرموت كما توهمه بعض الناس. وقد فصلت الكلام وذكرت المصنفات التي صنفها الشيخ علي باصبرين في هذه المسألة، وأسماء العلماء الذين ناقشوه وردوا عليه، ذكرت ذلك في كتابي «جهود فقهاء حضرموت» [2/998-1001].
وأنقل هنا عبارة من كتابي المذكور لتوضح للقارئ خلاصة الكلام [2/1000-1001]: «فبان بهذا: أن الشيخ علي باصبرين بريء كل البراءة مما رماه به القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه «هجر العلم» [3/ 1610] من أنه شكك في صحة أنساب العلويين في حضرموت. ومن أصرح القرائن في دفع هذه التهمة عن الشيخ علي باصبرين، تسميتُه لأحد مصنفاته بعنوان «الدرة اليتيمة في الشجرة العلوية الفخيمة»، كذا وجدته بخطِّه في مقدمة كتابه «إعلان نصح حكام الإسلام»، فهل يعقلُ أنَّ من يطعن في صحة النسب وثبوته (أصلاً) يصفُ شجرةَ النسب بأنها «فخيمة»!
وقد أكثر القاضي الأكوع من الطعن في أنساب كثير من الأسر ذات الشرف النبوي، حتى من سادات اليمن الأعلى المستفيضِ شرفها وانتماؤها، ولم يختص طعنه بأشراف حضرموت وتهامة فقط. وقد انبرى له وبيّن مزالقه في موسوعته العظيمة «هجر العلم ومعاقله في اليمن»: أخونا الباحث الغيور، السيد وضاح بن عبد الباري طاهر الأهدل، في كتابه «ضحايا المؤرخين» [ص 109 115].
وكتبت في هامش «الجهود» [2/1000] تعليقاً على ذكر القاضي الأكوع: «وتابعه في هذا بعض الباحثين ممن لم يقفوا على جلية الأمر، ومنهم: أخونا الباحث الشيخ طارق سكلوع العمودي، في كتابه «الخمير المفتوت، معجم المصنفات الواردة في إدام القوت» [ص 89]، وقد نبهتُه على هذا في رسالة خاصّة بعثتها إليه بعد طبع كتابه الذي أهداني منه نسخة، نسأل الله العافية من الطعن في الأنساب، لأن شأنها خطير».
وقد تحدث معي الشيخ العمودي أنه سيعدل هذه العبارة في طبعة أخرى.
أخيراً، من الشواهد التاريخية على اعتراف الشيخ علي باصبرين بشرف السادة آل باعلوي، ما جاء في كتاب «تأنيس الحواس» للعلامة السيد محمد بن أحمد العطاس (ت 1318هـ) أن الشيخ علي باصبرين زار الحبيب صالح بن عبدالله العطاس (ت 1279هـ)، قال المؤلف المذكور: «وقد زاره واتصل به منهم [يقصد: أهل القُرحة] الشيخُ الإمامُ العلامة عليُّ بن أحمد باصبرين، قصده إلى بلده عمد، وسار إلى أسفل الوادي، وادي عمد. وأرسل سيدُنا الوالد صالحٌ ابنَه محمداً معه، ووصل الشيخُ إلى حريضة، وأعجبته الجهة، جهة الوادي وحريضة، وأثنى على أهلها خصوصاً بمحبة أهل البيت، وقال: هي طريق موصلة إلى الله»، انتهى.
المسألة الرابعة: ومما يتمسك به من يقول بسلفية الشيخ علي باصبرين، رحمه الله، قصة رواها البسام في كتابه «علماء نجد خلال ثمانية قرون» [5/434] عن الشيخ محمد نصيف، أن الشيخ علياً تناول الشيخَ ابن عبدالوهاب بكلام في درسه، فقام إليه بعد الدرس طالبان نجديان كانا يحضران لديه، وتحدثا معه، ثم أحضرا له نسخاً من مؤلفاته، قال السام: «فدرسها نحو أسبوع، وهو لا يأتي للشيخ محمد بذكر لا بمدح ولا قدح»، إلى أن قال على لسانه: إنه كان مقلداً لمشايخه من غير اطلاعٍ على كتبه، قال: «وأنا أستغفر الله تعالى عما قلتُ»، إلى آخر الحكاية. وساق هذه الحكاية المعتني برسالة العميري في تراجم الحضارم بجدة [ص 36-37 في الهامش].
التعليق: إن اعتناق الأفكار، وتبني المنهج، لا يأتي في أسبوع ولا في شهر، وهذه القصة منقطعة السند، فالشيخ محمد نصيف ولد سنة 1302هـ، أي أنه أدرك سنتين من حياة الشيخ علي، ولكنه أدرك ابنه أحمد وذكر في تلاميذه. والشيخ أحمد كان صوفياً قادرياً، وله رسالة مخطوطة دافع فيها عن بعض شطحات وردت في قصائد صوفية.
وعلى فرض صحتها، فكان ماذا! هل استغفاره من الطعن في رجل لأمر لم يتبينه يعد انخراطاً في سلك أتباعه؟ أو يخرجه عن تصوفه وأشعريته وشافعيته؟ القضية أكبر من مجرد استغفار أو تراجع عن الذم، وتسطيح الأمور واستغفال الرجال أمر لا يليق بالباحثين وأهل العلم، الشيخ علي باصبرين ليس طفلاً تذهب به كلمة وتعود به أخرى. لا هو ولا غيره، نحن نستنكر أن يلبس الناس ثياباً غير ثيابهم، وأن يكتب عنهم من زاوية واحدة، تحجب عن الناظرين رؤية سائر الجوانب المشرقة.

أكتفي بهذه السطور في توضيح شخصيات الأعلام الحضارمة الأربعة، الذين جعلهم كاتب المقال أركاناً تشيد ما سماه وأطلق عليه (المدارس السلفية اليافعية في حضرموت)، ثم خصصهم بكونهم يشكلون (مدرسة تريم)! فليس الأربعة الأعلام من السلفية، وليسوا أتباعاً ليافع، وأصلا لم توجد مدرسة يافعية سلفية على أرض الواقع، بل هي مجرد توهم وتعلق بمحال، والله الموفق والمعين.

نمضي إلى بقية الملاحظات

الملاحظة الثالثة
قول الكاتب: «وكان ابن غرامة ينكر على الصوفية بعض البدع فوافقته آراء الوهابية، وأكثر التعلق بوحيد عصره وفريد دهره الذي انتهت إليه رئاسة العلم بتريم العلامة السيد أبي بكر بن عبدالله الهندوان (ت 1248هـ) بتريم وجعله قاضيًا للبلد، فاتهم العلويون الهندوان بأنه هو الذي يعلم عبدالله بن عوض غرامة آراء الوهابية ويحثه على الإلزام بها ومؤاخذة الناس بمقتضاها، فتآمروا على قتله مرات»والإحالة هنا على «إدام القوت»: ص 539- 540. وذلك في طبعة صنعاء، أما في طبعة دار المنهاج = ص 950. وهذه صورة النص بفصها ونصها:



1- وهذا النص بحرفه نقله المعلم في «القبورية» [ص 635-636]، ولا نجد فيه ذكراً لتولي السيد الهندوان القضاء. فمن أين أتى بها الكاتب؟.
2- تقدم في عرضنا لترجمة السيد الهندوان عدم صحة ما قاله السيد ابن عبيدالله من أنه خرج من تريم فراراً من أهله وعشيرته السادة بني علوي، وإنما خرج بعد تهديد (بعض يافع) له وعدم استطاعة غرامة حمايته، ولا نعيد الكلام.
فبطلت بهذا هذه الفقرة من فقرات المنشور، وتبين عدم صحتها.

الملاحظة الرابعة
قول الكاتب: «وكان الأمير عبدالله بن عوض يذهب إلى حلقة العلامة عبدالله بن علي بن شهاب في زاوية مسجد (الشيخ علي) وعند ذهابه يأخذ معه بعض كتب الوهابية ويعطيها السيد عبدالله ويقول له: «اقرأ لنا في هذا الكتاب، فيضعه السيد علي على فخذه ويسكت حتى يضجر غرامة ويأخذ كتابه وينصرف ولا يزيد على قوله: ما تحب أن تقرأ لنا يا شريف عبدالله في هذا الكتاب». الإحالة: «بضائع التابوت»: مخطوط، ج2، ص196 [وهو في النسخة التي رجعت إليها: 2/112].
التعليق: لا أدري هل هي منقبة يريد الكاتب أن يثبتها، أم هي مثلبة في حق غرامة، ففعله لا يدل على احترامه للعلامة السيد عبدالله بن علي بن شهاب (ت 1265هـ)، أحد العبادلة السبعة فقهاء حضرموت في القرن الثالث عشر الهجري. وهل من احترام العالم أن يحضر عنده من يفرض عليه قراءة أو تدريس كتب غريبة عليه وعلى بلده وعلى المنطقة كلها؟ ما الغرض من هذا إلا فرض وصاية سياسية على أهل العلم. عموماً، تصور الموقف لا يحتمل التعليق الكثير.

الملاحظة الخامسة
قول الكاتب: «وكذلك له موقف آخر مع العلامة عبدالله بن حسين بلفقيه بعدما قال له بعض أصحابه: «لو ذهبت إلى عبدالله بن حسين بلفقيه لوافقك أو صارحك بالمخالفة، ولكنك ما تقدر إلا على ابن شهاب وما عنده إلا الملاينة، ومتى أقرك عبدالله بن حسين بلفقيه ووافقك على هذا الكتاب وافقتك حضرموت كلها.
فانطلق بكتابه إلى مسجد السقاف حيث يدرس العلامة بلفقيه وأعطاه الكتاب وقال له: «اقرأ لنا فيه، فقال له: أيّ كتاب هذا؟ قال غرامة: كتاب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فرماه بقوة وقال: نحن وهابية من جدنا محمد بن عبدالله، لا نرى فاعلًا ولا خالقًا ولا رازقًا ولا ضارًا ولا نافعًا إلا الله سبحانه وتعالى. فنهض غرامة منكسر الخاطر يلتقط الكتاب ومضى وهو يقول: بلفقيه فيه هوى، بلفقيه فيه هوى، ما يحب أن يقرأ لنا في هذا الكتاب. ولما خرج من المسجد وجد أولئك النفر يضحكون، فزجرهم وندم على فعله، وعرف أنه من كيدهم له وتوقف بعدها من الدَّوران في المدارِس بذلك الكتاب». أحال الكاتب هنا على: «بضائع التابوت»: مخطوط،  ج2، ص196 [وفي النسخة التي رجعت إليها: 2/ 112-113].
التعليق: عبارة الكاتب توحي بأنه ينقل بالنص من «بضائع التابوت»، ولما رجعت إليه وجدت بعض اختلاف في ألفاظه، لابد من ذكرها، وهي:
1- قال الكاتب: «وكذلك له موقف آخر مع العلامة عبدالله بن حسين بلفقيه بعدما قال له بعض أصحابه: «لو ذهبت إلى عبدالله بن حسين بلفقيه لوافقك أو صارحك بالمخالفة، ..». أقول: النص مطابق إلا في قوله (بعض أصحابه) فهي في «البضائع»: «بعض أصحابه من أنذال الحاكة»!
2- قول الكاتب في أثناء السياق: «ولما خرج من المسجد وجد أولئك النفر يضحكون، فزجرهم». أقول: عبارة «البضائع»: «ولما خرج من المسجد ألفى أولئك الحاكة يضحكون، ..»، الخ.
3- هناك عبارة في «البضائع» تقدم قبل سياق أخبار غرامة السابقة، في إيرادنا إياهُ توضيح مفيد، قال السيد ابن عبيدالله [2/116]: «وقد سبق ... أنه تعهد للنجديين بالدعاية إلى مذهبهم، والتلزم به، وحصلت منه مساعدات كبيرة لابن قمله»، الخ.

الملاحظة السادسة
قول الكاتب: «ويستخلص ابن عبيد الله من هذه الحادثة فوائد مهمة منها: تواضع غرامة لعلماء تريم، وإذا كانت هذه معاملته لعبدالله بن حسين بلفقيه، وهو من المكرمين لدى خصمه ابن عبدالقادر فما بالك بغيره. وكذلك دعايته للنحلة الوهابية فمنها:
أن أحمد بن محمد بن علي الحبشي رتـّب قراءة في (صحيح البخاري) في مسجد الشيخ حسين وسار على جميع السادة ليحضروا فحضروا وقال: «وددت لو أن القراءة كانت في مسجد باعلوي، لكن أخشى أن يشوش علينا عبدالله غرامة بما يورده عليهم من الأسئلة أو يأتيهم به من مثل ذلك الكتاب».
التعليق: هاهنا وقفات:
الوقفة الأولى: أحال الكاتب في الهامش (8) على «بضائع التابوت» [ج2، ص176]. بينما هو في النسخة التي رجعت إليها: [2/117]. ثم إن إحالة الكاتب على الصفحة 176، غريب جداً! لأن خبر القراءة في مسجد باعلوي، جاء بعد قصة غرامة مع السيد بلفقيه بتسعة أسطر فقط! وكانت الإحالةُ السابقة إلى [ص 196] والآن إلى [ص 176]!! كيف هذا؟ خبر في الصفحة نفسها يحال إلى ما قبل عشرين صفحة!!
الوقفة الثانية:
قول الكاتب: «أن أحمد بن محمد بن علي الحبشي رتـّب قراءة في (صحيح البخاري) في مسجد الشيخ حسين وسار على جميع السادة ليحضروا فحضروا وقال: «وددت لو أن القراءة كانت في مسجد باعلوي، لكن أخشى أن يشوش علينا عبدالله غرامة بما يورده عليهم من الأسئلة أو يأتيهم به من مثل ذلك الكتاب»، انتهى كلامه.
وأقول:
أولا:   السيد الحبشي هو أحمد بن محمد بن عبدالله الحبشي، جده عبدالله، وليس (علي) كما وقع للكاتب. وهو من الأعلام الأجلاء، توفي في مدينة جامبي بأرض جاوة سنة 1238هـ، ترجمت له في «جهود فقهاء حضرموت» [2/788-790]، ونقلتها عني دار المنهاج ووضعتها في مقدمة كتاب «النصيحة في الصلاة الصحيحة» تأليف الحبيب أحمد بن محمد المذكور، والحمدلله.
ثانياً: كلام الحبشي المتعلق بخشيته من غرامة أورده الكاتب بهذا النص: «وددتُ لو أن القراءة كانت في مسجد باعلوي، لكن أخشى أن يشوش علينا عبدالله غرامة بما يورده عليهم من الأسئلة أو يأتيهم به من مثل ذلك الكتاب».
1- بينما عبارة «بضائع التابوت» [2/117]: «وددت أن القراءة كانت في مسجد باعلوي، ولكن أخشى أن يشوش علينا عبدالله غرامة، اهـ. وما أظن تشويشه إلا بما لعله يورده عليهم من الأسئلة، أو ما يأتيهم به من مثل ذلك الكتاب برسالة من غرامة».
2- وهذا نص عبارة الجنيد [ورقة 91/أ]: «وددتُ قراءة «البخاري» في مسجد آل أبي علوي، لكني خاشي بن غرامة يحضُر يشوِّش علينا».
وأترك المقارنة للقارئ الحصيف، وأكتفي بالقول: إن التاريخ نقل، والنصوص التاريخية حساسة، ينبغي نقلها بنصها من مصدرها، لأن نقلها بالمعنى ينبني عليه فهم وتحليل، فلو كان النص صحيحاً لجاءت التحليلات صحيحة، والعكس بالعكس.

الملاحظة السادسة
قال الكاتب: «وفي رسالة من الإمام الحسن بن صالح البحر الجفري إلى ابن غرامة ما لفظه «وقد بلغنا أنك تدعو إلى التوحيد، وأنك على سبيل الرب المجيد»(9).
التعليق: هاهنا وقفات:
الوقفة الأولى: أحال الكاتب في الهامش (9) إلى «بضائع التابوت» [ج2، ص196]، بينما الموضع في النسخة التي رجعت إليها [2/129]. فهو بعد الموضع الذي فيه قصة غرامة مع بلفقيه وعبارة الحبشي في قراءة الحديث .. باثني عشر صفحة لا غير.
الوقفة الثانية: يوحي صنيعُ الكاتب بما اقتبسه من رسالة العلامة البحر أنه يثني على غرامة، وهذا غير صَحيح. فإن الرسالة شديدة اللهجة للغاية، وكلها تقريعٌ ولوم وتخويف لعبدالله غرامة على الظلم الواقع منه على الرعية، وهذا نص الرسالة نقلا عن «مجموع مكاتبات الإمام البحر» [2/871-874]، وهي بنصها وفصها في «بضائع التابوت» [2/129-130].












ومن باب التأكيد على موقف العلامة الحبيب حسن بن صالح البحر من غرامة، ومن عموم الطوائف اليافعية، فهذا نص آخر من «مجموع الإمام البحر» [2/823] من أثناء رسالة وجهها العلامة البحر إلى سلطان حيدرآباد، يقول فيها:




الملاحظة السابعة
قول الكاتب عن عبدالله غرامة: «ومن رسالته الآتية نعرف قوة دعوته تلك إلى مذهب الشيخ ابن عبدالوهاب، فقد كتب غرامة للسيد جعفر بن عبدالله بن أحمد السقاف(10) وكان يوافق غرامة إلى ما يدعو إليه». ثم أورد نص الرسالة، ولا أطيل بنقلها هنا، فتنظر في أصل المقال الموجود على الرابط.
ثم قال الكاتب: «ومع هذا فقد كان شديد الاحترام للعلويين، وشديد المحافظة على الصلوات والجماعات، ولا يترك الصلاة خلفهم، ومن شدة محافظته للصلاة يخرج حتى في الليالي الباردة»(15).
الهوامش: قال الكاتب في الهامش (10) معرفاً بالسيد جعفر السقاف: «من أهل بلدة قسم، من مؤلفاته: «بغية المريد لسبيل أهل التوحيد». ينظر: السقاف: بضائع..، ج2، ص178، 180». وفي الهامش (15) ينظر: السقاف: بضائع..، ج2، ص187.
التعليق: هنا وقفات:
الوقفة الأولى:
[1] في عزو الكاتب ترجمة جعفر السقاف إلى «البضائع»، هو كذلك، ولكنه في النسخة التي رجعت إليها [2/120]. وقد تردد السيد ابن عبيدالله في نسبه أولاً، فظن أنه من السادة آل باعقيل السقاف، ذرية حسين طه (آل شبام) الذين انتقلوا إلى صنعاء، ثم انتهى إلى الجزم بأنه من قسم، بقرينة ورود اسمه في «رسالة» من العلامة عبدالله بن حسين بلفقيه إلى الشيخ رضوان بارضوان.
[2] وعن تأليفه المذكور، قال السيد ابن عبيدالله [2/118]: «وأما المكتوب إليه من آل السقاف بصنعاء، وقد رأيت له رسالة فيها ما لا مزيد عليه من الإفراط والتهافت، سماها «بغية المريد لسبيل أهل التوحيد»، بعث بها إلى سيدنا علوي بن سقاف الجفري، لسابق معرفة بصنعاء أو بحضرموت»، الخ.
الوقفة الثانية: قول الكاتب «ومن رسالته الآتية نعرف قوة دعوته تلك إلى مذهب الشيخ ابن عبدالوهاب». أما الرسالة فقد أورد ابن عبيدالله نصها، ونقلها الكاتب، وهذا لا غبار عليه. ولكنه نقل النص وسكت، ولم ينقل تعليق ابن عبيدالله على الرسالة، وما قاله في وصفها.
وإليك أيها القارئ كلام السيد ابن عبيدالله من «البضائع» [2/118]، بعد أن أورد تاريخ الرسالة وهو فاتحة جماد آخر سنة 1251، قال: «هذا آخر ذلك الكتاب، وقد نقلناه برمته، إلا كلمات يسير لم نفهمها، وأغلب الظن أنها مكررة، وهو كتاب عامّيٌ ضَعيفٌ، لم يشهَدهُ أحدٌ من فحُول أصحابه العلويين، وكأنه تفرَّس عدَم رضاهم، لما فيه من الإفراطِ، على ما سنبينه. وإلا فقد كان فيهم من يذهبُ إلى مثل مشَارب الوهابية، ولكن باعتدالٍ»، انتهى.
كما علق السيد ابن عبيدالله على «رسالة غرامة» للسيد جعفر السقاف، بقوله [2/120]: «وأما ما رجَم به العلويِّين من الأوهَام، وسُوء الاعتقاد، وعبادةِ القبور، فأمرٌ ينكرهُ الحسُّ، بالنسبة لعلمائهم وعُقلائهم. ويكفي لتكذيبه في حقِّ أولئك: ما سبقَ عن الإمام عبدالله بن حسين بلفقيه. وإنني لمن أشدِّ الناس إنكاراً على من يفعل بعض ذلك، وكثيراً ما أستمدُّ حجَّتي في الإنكار على المغرُورينَ من أقوال السادة العلويين»، إلى آخر كلامه.
الوقفة الثالثة: على قول الكاتب واصفاً غرامة بأنه «.. كان شديد الاحترام للعلويين».
أقول: هذا قول ابن عبيدالله، لا شك فيه، ولكنه جاء بعد كلام طويل جداً، استغرق صفحة كاملة [2/124] من «البضائع»، وحتى يقف القارئ على حقيقة رأي السيد ابن عبيدالله في عبدالله غرامة، فأجدني مضطراً لنقل كلامه كله بالحرف، ليعلم موقع العبارة المختارة من بين سائر الكلام.
قال السيد ابن عبيدالله [2/123-124]: «ثم إن الأمير عبدالله غرامة، لم يكن رجمه العلويين بتلك الدواهي، إلا تزيينُ كلام، وتفنقٌ لدى المكتُوب إليه، وموافقته له على غلوِّه وإفراطِه،، وإن لم يكُن عن حقيقة ولا خبرة ولا معرفة.
أما أولاً: فلأنه عاميٌ بَسيطٌ، لا يعرفُ مدلولاتِ الألفاظ.
وأما ثانياً: فلأنه لا يمتزج إلا بأحد ثلاثة: (1) إما عاميٌ غالٍ في اعتقاده، فينسحِبُ عليه ما ذكره الشيخ عبدالله باسودان. وهؤلاء يشافِهون الأمير بالطّوام، ويقارعونه الحجة، وينازعُونه الكلام، لأنه كما نقول: لين الجانبَ لرعاياه، لا يغتصِب الحجة بالقوة، ولا يصادر جلسَاءه الكلامَ. وإنما يكون معهم كأحدهم، وإذا قارعوه بالمصَائب؛ توهَّم أن ما عندهم من الغرور والجهل هو الذي عند كثير من علماء العلويين! (2) وإما رجلٌ متعرف، غير أنه امتلأ قلبه بضبابِ الأحقاد على إخوانه، فيقارب الأمير، ويصوّرهم لديه بخلاف ما هم عليه، وهو يعِينون على أنفسِهم بتصْميمهم على الابتعاد عنه. (3) وإما صاحبُ تقوَى ودينٍ، كمثلِ الآتي ذكرهم، وهو لا يجسُر أن يتفوَّه أمامهم بما يجرحُ به شيئاً من عواطفهم.
فتعيَّن أنه غير جادٍّ فيما يقول، وإنما يتفنّقُ به عند من لعله يبلغه ممن اقتطع لهم على نفسه العهد بنشر دعوتهم، أو يرى أن صنيعه ذلك يخرجه عن العهدة التي التزم بها، وهو من أهل الوفاء، غير مدافع، لا يخلف وعداً، ولا ينقض عهداً.
ولقد كان جلساؤه يناقشونه الحسابَ في معتقده، وينازعونه شق الأبلمة، ويسفهون رأيه، ويقابلون إفراطه بأشد منه، ولا يصبون له القهوة إلا بعد الدعوات المختومة بالفاتحة، شاء أم أبى.
ومن المعلوم أن حججهم لن تكون إلا قصصاً مموهة، وحكايات مشوهة، من جنس ما ننكره على أتباع المتحرشين بالولاية، من عشاق الجاه المنفوخ، والصلاح الأجوف. فإنهم يدعون لمتبوعيهم ما يصلح إلا لجبار السماوات والأرض، وذلك ما يفيضُ به قلمي حسرات، ويتقطع من نظمي [كلمتين غير واضحتين] وعبرات. وهؤلاء من أكبر مصائب الدين، وأوثق مسائل الملحدين. وأنا لا أدافع عنهم:
لا نذودُ الطَّير عن شَجرٍ     قد بلَونا المرَّ من ثمرِه
وإنما أدافع بالحق عن محبي العلويين وعلمائهم.
ولو أنه صدقَ فيما يقول عنهم، إن أرادهم، لما صحت له خلف أحد منهم صلاةٌ، والحالُ أنه شديدُ المحافظة على الجماعاتِ خلفَهم، حتى في البرْدَين. ولو أنه جدَّ فيما هو بصدَده لحملَ عليه بالقوة، إذ لا هوادةٍ في دين الله. لكنه لم يكُن إلا شديدَ الاحترام للعلويين، كما عرفتَ من سكُوته للحبيب عبدالله بن حسين بلفقيه على رمْيه لكتابه. وفي إعظامِه سيدنا الحسن بن صالح البحر مع خشُونته له، ما لا يخفى»، انتهى.

الملاحظة الثامنة، وهي الأخيرة
قول الكاتب: «2- مدرسة خشامر: كانت خشامر القاعدة التي احتضنت الدعوة السلفية وناصرتها، وكانت بلدة خشامر ملاذًا آمنًا لطلبة العلم وحملة التغيير، وكان من أشهر روادها: الشيخ عبدالحميد بن قاسم، وابنه يحيى بن عبدالحميد، والشيخ عوض عمر الرباكي، والشيخ سعيد لحمدي، والسيد أحمد بن جعفر بن زين الحبشي وغيرهم. 
ففي عام 1205هـ اتصل الشيخ عبدالحميد بن قاسم بن علي جابر اليافعي بالإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود في الدرعية وأئمة الدعوة الوهابية، وعقد معهم حلفًا يقوم بموجبه الشيخ عبدالحميد المذكور بنشر الدعوة في حضرموت، وزوده الإمام بمجموعة من الكتب، وبايعهم على نشر هذه الدعوة، والذود عنها بكل قوة، وما إن عاد إلى بلده خشامر حتى باشر الدعوة والإصلاح والتجديد مباشرة فعلية، وقد انتشرت هذه الدعوة داخل خشامر حتى عرفوا بها»
التعليق: هنا وقفات أيضاً، كما تقدم:
الوقفة الأولى: قدمت في الملاحظة الأولى تعريف المدرسة لغة واصطلاحا، وبينت أنه لا يصح أن يقال (مدرسة تريم اليافعية السلفية) لعدم اكتمال أركانها، فبطلت ماهيتها من الأصل، والكلام نفسه يقال عن (مدرسة خشامر). هناك حركة عسكرية أتت امتدادا لنفوذٍ مَّا تحت شعار ومسمى ديني، وجدت لها صدًى وقبولاً. فهل هناك رأس لما يسمى (مدرسة خشامر) يدور عليه أمرها، ويعد مؤسساً لتلك (المدرسة)! فإذا وجد، فمن شيوخه، ومن تلاميذه؟ وما تأثيره في المحيط.
الوقفة الثانية: قول الكاتب: «وكانت بلدة خشَامر ملاذًا آمنًا لطلبة العلم وحملة التغيير، وكان من أشهر روَّادها: الشيخ عبدالحميد بن قاسم، وابنه يحيى بن عبدالحميد، والشيخ عوض عمر الرباكي، والشيخ سعيد لحمدي، والسيد أحمد بن جعفر بن زين الحبشي وغيرهم».
التعليق: ليت الكاتب ذكر لنا أسماء المدارس التي ظهرت في خشامر، وشيوخها ومخرجاتها. فأما الأشخاص الذين ذكرهم، فليسوا من خريجي خشامر، ولم يدرسوا فيها شيئاً من العلم الشرعي كما يعلم من تراجمهم في «الموسوعة». أما الشيخ عبدالحميد وابنه، فهما زعيمان قبليان، وليسا من شيوخ العلم. وأما الشيخ سعيد، فهو من القطن، وطلب العلم في تريم والمكلا، وتولى القضاء في عمان. وأما السيد الحبشي فقد طلب العلم في بلده حوطة أحمد بن زين، ودخل خشامر لأسباب سيأتي ذكرها.
فبطل بهذا قول الكاتب: إن المذكورين «كانوا من أشهر روادها» رواد ماذا؟ هل بمجرد بسبب دخول شخص ما إلى بلد لزيارة ولقاء، نطلق عليه أنه من الرواد؟ أو نصنفه محسوباً على مدرسة لا وجود لها أصلا؟!

التعريف بالأعلام
الموصوفين بأنهم من مدرسة خشامر السلفية
ذكر الكاتب خمسةً من أعلام مدرسة خشامر بحسب كلامه، وقد وجدتُ لهم ذكراً في المصادر والمراجع المتوافرة، إلا «الشيخ عوض بن عمر الرباكي»، فلم أجد له ترجمة. نعم، في «الموسوعة» [8/680] ترجمة لعلي بن عوض الرباكي، كان عسكريا شارك في بعض الأحداث، ودخل تريم سنة 1265هـ.
الشيخ عبدالحميد بن قاسم
(كان حيا سنة 1227هـ)
جاء في ترجمته أنه سعيدي من الموسطة، ولد في خشامر، وبها نشأ وترعرع، وتلقى تعليمه في كتاتيب القرية ومعلمة [كذا، ولعلها: عُلمَة] مسجد خشامر. وأنه سافر إلى نجد سنة 1205هـ وأنه كان متحمساً للدعوة السلفية، إلى آخر ما جاء في الترجمة. وليس فيها ما يدل على مواصلته طلب العلم مما يخوله أن يكون (من رواد المدرسة السلفية).
الأمر الغريب في ترجمة الشيخ عبدالحميد، أن المعلومة الأهم في الترجمة الإنشائية التي استغرقت صفحتين من «الموسوعة» [8/ 305-306] هو توثيق رحلته إلى ديار نجد، فليس للكاتب فيها مصدر سوى كتاب «بلاد الأحقاف»، تأليف: سالم الجرو [ص 63]. هل يعقل أن معلومة مهمة كهذه لا يجد كاتب في «موسوعة» لها مصدراً سوى مؤلَّف معاصر! بينما معلومات أقل أهمية من هذه نجد لها في هوامش الموسوعة توثيقا بذكر جملة من المصادر مطبوعة ومخطوطة.
ومن باب الفائدة: فهذه المعلومة وردت في مقال شيخنا الشيخ عبدالله الناخبي (ت 1428هـ) رحمه الله المنشور في «مجلة العرب»، العددين 5 و6 من السنة 27، بتاريخ ذي القعدة/ ذي الحجة 1412هـ [ص 387-388].
الشيخ يحيى بن عبدالحميد بن قاسم
(القرن الثالث عشر الهجري)
جاء في ترجمته في «الموسوعة اليافعية» [8/749]: أنه ولد في خشامر، وأنه قام بمهمات والده بعد وفاته، ولم تؤرخ وفاة صاحب الترجمة. وليس فيها ما يدل على طلبه العلمَ أو اشتغاله به حتى يصحَّ للكاتب أن يدرجَه في (رواد المدرسة السلفية اليافعية).
وقفة: جاء في ترجمته في «الموسوعة» [8/750]: أنه «في عام 1227هـ سافر يحيى بن عبدالحميد إلى نجد ليجدد ما قد أبرمه أبوه عام 1205هـ، بعد اثنين وعشرين عاماً من اللقاء الأول»، الخ. وبالنظر إلى مصدر هذه المعلومة في هوامش التوثيق، لا نجد مصدراً قديماً، وكل المراجع حديثة معاصرة، سوى «إدام القوت»، على أنه لم يرد فيه ذكر للمترجم هذا أصلاً، ولا تأريخ لرحلته تلك!
وقفة أخرى: ذكر ضمن مراجع ترجمة يحيى بن عبدالحميد بن قاسم، في الهامش (1) «إدام القوت» [ص 494، و500]، لكن يحيى بن عبدالحميد المذكور في هذين الموضعين من كتاب «الإدام» إنما كان «نائباً للسلطان غالب بن عوض بن عمر القعيطي»، وله مشاركة في حادثة جرت سنة 1330هـ، عمر إلى سنة 1366هـ وهي السنة التي لقيه فيها السيد ابن عبيدالله السقاف، وقال في حقه: «وشيخُ آل عليّ جابر الآن: يحيى بن عبد الحميد، قد خنقَ من عمره التّسعين، وهو من بقايا الكرام». وعلى هذا، فلا شك أن تلك الإحالة غير صحيحة، وليست في محلها، وإلا لكان عمر الرجل الذي قابله ابن عبيدالله لا يقل عن 166 سنة!!
جدير بالذكر: التنبيه على شخصية أخرى تحمل الاسم نفسه، هي شخصية: يحيى بن عبدالحميد بن صالح بن عبدالحميد بن قاسم، وهو مترجَمٌ قبل جدِّه (عم والده) يحيى الأول، المعني بالترجمة هنا. والغريب أنه ورد في ترجمة يحيى (الأخير) [8/749] التنبيه على خلط بين الترجمتين وقع فيه سالم السلفي في كتابه «معجم أعلام يافع» [ص 469]، فوقعت «الموسوعة» في الخلط نفسه، بوضع إحالة في ترجمة يحيى الأول إلى كتاب «إدام القوت» تخص يحيى الأخير، وليس الأول. فليتنبه لذلك.
السيد أحمد بن جعفر بن زين الحبشي
(ت 1289هـ)
هو رابع الشخصيات التي ذكرها الكاتب ضمن ما أطلق عليه (رواد المدرسة السلفية اليافعية). ولننظر في ترجمته، لنعرف سبب الاشتباه الذي وقع فيه الكاتب.
وهنا وقفة: فقد سماه كاتب المقال (أحمد بن جعفر بن زين)، بينما اسمه على الصواب: أحمد بن جعفر (ت بحيدرآباد) بن أحمد بن جعفر (ت 1190هـ بخلع راشد) بن العلامة الحبيب أحمد (ت 1144هـ بخلع راشد) بن زين أحمد الحبشي. إلى آخر نسبه المعروف. 
ولد ببلدة خلع راشد التي عرفت باسم (حوطة أحمد بن زين) جدِّه الأعلى.
لم يكتبْ عنه في «الشجرة العلوية» سوى (ض = انقرض) إشارةً إلى انقطاع نسله، وكتب السيد العلامة علوي بن طاهر الحداد أمام اسمِه «عالم». وأقدَمُ من ترجم له وأرخ وفاته هو الشيخ سالم بن حميد في «العدة المفيدة» [2/322، الطبعة الحديثة] قائلاً: «ولما كان ليلة الجمعة، قرب الفجر، 26 شهر محرم المذكور [سنة 1289]، انتقلت روح سيدنا الحبيب العلامة أحمد بن جعفر بن أحمد الحبشي، رحمه الله. وكان دفنه بعد صلاة الجمعة بالمصلى بقرب قبور أهله بالشقيق، وكان من العلماء، والذاكرين الله كثيراً»، الخ.
وذكر ابنُ حميد بعض الحوادث السياسية التي شارك السيد أحمد فيها، منها مؤازرته للسيد العلامة علوي بن سقاف الجفري، في صفر سنة 1264هـ في الطلوع إلى عسكر يافع آل الضبي، بسبب قبضهم على عدد من أعيان أهل سيون سادة وغيرهم أشهرهم الحبيب العلامة محسن بن علوي السقاف (ت 1290هـ، وهو جَدُّ السيد ابن عبيدالله المباشِر) [تنظر أسماؤهم: 1/346].
 قال بن حميد [1/349]: «فدخل سيدنا العلوي إلى بلد سيون يوم السبت المذكور، وصحبته سيدنا الحبيب أحمد بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشي، لكون هل اختلاف إلى عند القعطة إلى القطن، ويتفق بأولاد الجمعدار عمر، وأرقاه النواب عنه في ذلك المحل، مثل: الماس، وعنبر»، اهـ. وانتهى الأمر، كما في [1/351] أن أسقط في يد يافع: «وترجح أن تكتب خطوط من الكل لمحمد بن عمر القعيطي، وللماس وعنبر، مماليك الجمعدار عمر، ويسير بها الحبيب أحمد بن جعفر الحبشي المذكور»، الخ. وذكره أخيراً مشاركاً في اجتماع الصلح [1/380].
وذكره السيد ابن عبيدالله السقاف في «إدام القوت» [ص 583-584] قائلاً: «وكان السّيّد أحمد بن جعفر بن أحمد بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشيّ أحد العلماء المحقّقين، وكان على رأي ابن تيمية يجعل الثّلاث باللّفظ الواحد طلقةً واحدة، وكان له اتّصالٌ وثيقٌ بسيّدنا الحسَن بن صالح البحر. وقد أفتى مرّةً بتوحيد الطّلاق ممّن نطق بالثّلاث في لفظ واحد، فاشتدّ النّكير عليه، حتّى انعقد لذلك مجلس بدار الحبيب البحر تقاطَر له العلماء من دوعن ومن تريم وما بينهما، ولم ينفصِل الأمر بأثر المناظرة مع السّيّد أحمد بن جعفر إلّا بتسليم ما قال، وكان ذلك حِدثانُ وصول «نيل الأوطار» للشّوكانيّ إلى حضرموت». وذكره مرة أخرى قائلاً [ص 584]: «وكان السّيّد أحمد بن جعفر يقوم من مجالس أصحابه ومدارسهم، إذا سمع بما لا يوافق مشارب الوهّابيّة، ثمّ صار ينكر عليهم أحيانا بلسانه، ولكنّه لم يصبر حين أنشدُوا الأذكار في المسجِد على نغمات الدّفوف، ولم يتمالك أن نهضَ لتكسيرها، فلبجوه لبجاً  شديداً، ذهب منه مغاضباً إلى خشامر عند آل الشّيخ عليّ جابر الوهّابيّين. ولكنّه غيظُ الأسير على القدّ، وما أدري أبقي بخشَامر إلى أن مات، أم راجعه قومه؟ وما كان ذلك ليكون في عهد سيّدنا البحر، وإلّا .. لأدّى الواجب من نصرته»، الخ.
هذا ما وجد من ترجمته، وهذه غاية ما جاء في مصادر التاريخ من علاقته بخشامر. فهل دخوله إلى خشامر يجعله في عداد (رواد المدرسة اليافعية السلفية)؟! وهل جاء في ترجمته ما يشير إلى سلفيته أو وهابيته، أو منابذته لأهله وطريقتهم؟
ولا يقال إن إنكاره ضرب الدفوف في المسجد يدل على أنه ليس على طريقة أسلافه، ومنذ متى كان ضرب الدفوف والطيران في المساجد دليلاً على طريقة من طرق التصوف؟ هذا مسجد باعلوي في تريم، وهذا مسجد طه في سيون، لا يضرب فيها طار ولا دف ولا ناي ولا يراع، كما قال ابن عبيدالله، وكما هو معلوم معروف. فهل أصبح مسجد باعلوي ومسجد طه من مساجد الوهابية والسلفية لمنع ضرب الطيران والدفوف فيها؟! وما أكثر أهل العلم من الصوفية أهل حضرموت وغيرهم، ممن يحرم ويمنع ضرب الدفوف في المساجد أو في غيرها.
الشيخ سعيد الأحمدي
(ت 1360هـ)
وهذه آخر الشخصيات التي وصفت بأنها من (رواد مدرسة خشامر السلفية اليافعية)، وهي شخصية الشيخ الفقيه سعيد الأحمدي اليافعي. وترجمته نادرة وعزيزة. مولده بقرية بقرب القطن تعرف بديار آل أحمد، ومن عشيرته الشاعر الشهير صلاح الأحمدي دفين حيدرآباد [إدام القوت: ص 490]. وأغرب مؤلفا كتاب «التاج المرصع» في قولهما [ص 926] ضمن ترجمته في (حرف السين): إنه ولد في بلاد يافع، وتعلم على بعض فقهائها، ثم رحل إلى حضرموت. ولم يذكر المؤلفان مصدرهما في هذا القول، فليحرر.
وأول من ذكره هو الشيخ عبدالخالق البطاطي في «إثبات ماليس مثبوت من تاريخ يافع في حضرموت» [ص 39] حاكياً سبب خروجه من بلدته (ديار آل أحمد)، وأنه انتقل بعدها إلى (خشامر) وأقام بها مدة. ثم ولي القضاء في شبام، ثم في الشحر مرتين: الأولى خلفاً للقاضي محمد بلحيد باوزير، والثانية خلفاً للسيد مصطفى بن حامد البار.
وقد ذكرته في «ثبت شيخنا الناخبي» رحمه الله، وكان لقيه في المكلا وجالسه واستفاد منه، قبل رحلته إلى عمان واستقراره بها. كما ذكرته في كتابي «إسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند» [ص 181] في ترجمة السيد العلامة عبدالله المديحج (ت 1407هـ)، إذ كان الشيخ سعيد هو سبب توجهه لطلب العلم، حيث اصطحبه معه في أحد أسفاره إلى حيدرآباد الهند، وألحقه بالمدرسة النظامية هناك.
وكانت رحلته إلى عمان سنة 1337هـ، وولي القضاء في ظفار خلفاً للسيد أحمد بن علوي بن حسن عيديد. وقرأ عليه في ظفار السيد سالم الذهب باعمر. وقضى فيها بقية عمره إلى أن وافته منيته في أجواء سنة 1360هـ كما في «التاج المرصَّع».
فهذه ترجمة الشيخ سعيد، لا تربطه بخشامر سوى أنه أقام بها في فترة انتقالية بعد خروجه من مسقط رأسه، إلى أن حصل على وظيفة القضاء. فلم يذكر أنه درس في خشامر، أو تلقى عن أحد بها شيئاً من العلم .. فهل يحق بعد هذا أن نقول عنه إنه (من رواد المدرسة اليافعية السلفية بخشامر)؟!
وبعد، فهؤلاء هم الأعلام الأربعة، نجد أنهم لم يعيشوا في زمن واحد، ولا يوجد بينهم رابط فكري أو نسيج يمكن أن يندرجوا في ضمنه، سوى أن اثنين منهم من أهل خشامر والآخران وردا عليها لمدة قصيرة ولأسباب تعلم مما سبق.

ختاماً، أشكر القارئ الكريم على مروره بهذه السطور، وأرجو أن أكون قد وفيت بما وعدت به من حسن العرض، ومن تجلية الأمور كما هي عليه، لا كما تم اختزالها أو تأطيرها في أطر لا تناسبها، أو توظيفها في غير سياقها التاريخي الأصلي ..
وأعيد ما سبق أن قلته في المقدمة، إن هذه التعقبات والملاحظات إنما هي ملاحظات منهجية، لوضع الأمور في نصابها، ولتنقل نصوص التاريخ كما هي دون تعسف في الرفض أو الفرض، من قبل أي كاتب، معاصر أو قديم. نريد نريد عرض التراجم كما هي، بدون إساءة وتجريح أو إخفاءٍ وتنقيح، ومن أراد التهذيب فله ذلك، شريطة أن لا يحور في مواقف المترجم لهم، وأن يعرض الصورة الكاملة بنقلها من مصادرها الموثقة. وأما يافع، وأدوارهم التاريخية، فقد تكفلت الموسوعة بجمعه وعرضه، وكم أفادت في التعريف بأعلام مغمورين، والتاريخ نقل، وعلى الباحثين عبء كبير في جمع المصادر والوثائق التي ليست في المتناول، ولا يعرف البحث إلا من يكابده.
هذا، والحمدلله أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه وحرره
محمد أبوبكر عبدالله باذيب
وتم ليلة الأحد 17 رجب 1440هـ
الموافق 24 مارس 2019


هناك 4 تعليقات:

  1. وفيت وكفيت جزاك الله خيرا

    ردحذف
  2. ما شاء الله جزيت خيرا
    دكتور محمد

    ردحذف
  3. لا فض فوك .. ألجمت ضحالة المتحذلقين ممن تصدوا لوحي الفكر التاريخي الحضرموتي الذي أردوا الموروث ضحية أرادوه غرضا لهم ولمطامحهم...

    ردحذف
  4. لا فض فوك .. ألجمت ضحالة المتحذلقين ممن تصدوا لوحي الفكر التاريخي الحضرموتي الذي أردوا الموروث ضحية أرادوه غرضا لهم ولمطامحهم...

    ردحذف